أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الربيعي - التعليم العالي في الدول العربية: التحديات وافاق المستقبل















المزيد.....


التعليم العالي في الدول العربية: التحديات وافاق المستقبل


محمد الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 7704 - 2023 / 8 / 15 - 23:00
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


شهدت السنوات القليلة الماضية تطورات كثيرة في التعليم العالي في الدول العربية فقد زادت معظم الدول من الإنفاق على التعليم العالي كنسبة من إجمالي نفقاتها العامة، بالرغم من ان هذه الزيادات لم تكن كافية لتحقيق الحد الأدنى من الجودة، وشهدت ارتفاعا في نسبة الملتحقين بالتعليم العالي، مع تفاوت واضح بين الدول العربية، لكنها مازالت دون دول كالولايات المتحدة الأمريكية (92%) وبريطانيا (52%) واليابان (45%).

ويبدو واضحا، وعلى الرغم من احراز بعض التقدم في مجال توسيع التعليم العالي وزيادة الانفاق عليه، ان العملية التعليمية تعاني عددا من اوجه الخلل والقصور التي تحد من فاعليتها وقوة التأثير التي يفترض أن تؤديها. كما انه أصبح من غير الواضح الإجماع على رؤية موحدة نحو تحديث وتطوير أهداف هذه العملية. وأن نظرة المجتمع والرأي العام للتعليم العالي يعتريها نوع من الارتباك وعدم الوضوح وتصل أحيانا إلى الاعتقاد بعدم فاعلية هذه العملية في تحقيق التغيير والتنمية المطلوبة، واعتبار الجامعات مجرد استمرارية للمدرسة وهدفها منح شهادات عليا في اختصاصات وظيفية ومن دون ان يكون لها دور اجتماعي ومصداقية في نشر وانتاج المعرفة.

هناك مشاكل مزمنة وتحديات وصعوبات متعددة في تحسين جودة التعليم تواجه الجامعات العربية، بالرغم من وجود اختلاف كبير بينها. بعض الدول العربية تسعى لتطوير جامعاتها وتحصل على ترتيب عالمي مميز، في حين تراوح او تتراجع جامعات أخرى في مستواها. لكن هذه الجهود تصطدم بعوائق عديدة، تتطلب اصلاحات وسياسات فعالة للتغلب عليها.

ولعله من الممكن اجمال ما يعترى هذه العملية من خلل في عدد من المظاهر، أهمها:

- عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل

- التركيز على الكمية على حساب النوعية

- ضعف جودة التعليم العالي والبحث العلمي ونتائج التعلم

- ضعف التمويل والتخصيص للأنشطة التعليمية والبحثية

لمواجهة هذه التحديات، يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، وتحديث المناهج والبرامج التعليمية، وتوفير فرص التدريب والتأهيل للطلاب والخريجين، وتشجيع روح المبادرة والإبداع والريادة، وتوفير بيانات وإحصاءات دقيقة عن سوق العمل. كما تتطلب تغيير الثقافة السائدة التي تنظر إلى الجودة على أنها مجرد اجراءات روتينية أو مسؤولية محدودة، وتشجيع تطبيق نظام ضمان الجودة يستند إلى المراجعة المؤسساتية والبرامجية، والتعاون الدولي والتبادل العلمي، وتوفير الموارد والبيئة المناسبة للطلاب والباحثين. هذه الخطوات من شأنها أن تساهم في رفع مستوى الجامعات العربية، وتحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات العربية، ولابد ان تؤدي نواتج طرحها ومناقشتها وتحليل اسبابها ومعالجتها الى:

- تحسين جودة التعليم

- زيادة الشفافية والحوكمة وتحسين معايير الجودة والمساءلة

- تحسين التواصل بين الجامعات العربية والمؤسسات الأكاديمية في العالم

- تحديد اوضح للأهداف والأولويات اللازمة لتحسين جودة التعليم العالي في الجامعات العربية ولضمان تلبية احتياجات المجتمع وسوق العمل.

من الواضح ان التحديات التي تواجه الجامعات العربية لتحقيق الجودة في التعليم العالي هائلة، وتحتاج إلى التصدي لها ومجابهتها لتلبية احتياجات التنمية، ولكنها تحديات ليست مستعصية على الحل. إذ يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال الشراكة والتعاون على جميع المستويات، في العالم العربي وخارجه على حد سواء، فليس من الضروري أن نضحي بالجودة لمجرد تحقيق زيادة في عدد طلبة الجامعات.

من ضمن التحديات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي العربية عدم وجود تناسب بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. هذا التحدي يؤدي إلى استفحال ظاهرة البطالة وسط الشباب الخريجين، ويقلل من فرصهم في المشاركة الفاعلة في التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي. وفقا لتقارير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD)، فإن معدلات البطالة بين خريجي التعليم العالي في المنطقة العربية تصل إلى 25%، مقارنة بـ 8% على المستوى العالمي. كما أن نسبة كبيرة من الخريجين يشغلون وظائف غير متناسبة مع تخصصاتهم أو مستوى مؤهلاتهم، ما يؤثر سلبا على جودة أدائهم وإنتاجيتهم. أسباب هذا التحدي تكمن في عدة جوانب، منها:

- عدم توافق المناهج والبرامج التعليمية مع احتياجات سوق العمل المحلية والإقليمية والدولية، وانحصارها في المجالات التقليدية والنظرية دون التركيز على المهارات العملية والابتكارية والرقمية.

- عدم توفير فرص كافية للتدريب المهني والتطبيقي لطلاب التعليم العالي، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها، بالتعاون مع القطاعات المختلفة.

- عدم اشتراك القطاع الخاص في تجويد التعليم وتحديثه، وضعف دوره في توظيف الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل.

- عدم تشجيع روح المبادرة والإبداع والريادة لدى طلاب التعليم العالي، وضغطهم نحو اختيار التخصصات ذات الطلب المرتفع دون مراعاة اهتماماتهم وقدراتهم.

- عدم توفير بيانات وإحصاءات دقيقة ومحدثة عن سوق العمل واحتياجاته وتوقعاته، وعدم تبادلها بين الجهات المعنية بالتعليم والتوظيف.

لمواجهة هذا التحدي، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية بالتعليم والتوظيف، ووضع استراتيجيات وسياسات وبرامج تهدف إلى:

- تحديث المناهج والبرامج التعليمية لتتوافق مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، وتنويعها لتشمل المجالات الحديثة والمطلوبة، مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر، والبيئة والمياه، وغيرها.

- تعزيز التدريب المهني والتطبيقي لطلاب التعليم العالي، من خلال إنشاء مراكز تدريبية متخصصة داخل المؤسسات التعليمية، أو توفير فرص التدريب في الشركات والمؤسسات ذات الصلة بالتخصصات المختارة.

- تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تجويد التعليم وتحديثه، من خلال دعم المشاريع التعليمية المبتكرة، أو تقديم منح دراسية أو فرص عمل للخريجين المتميزين، أو تقديم استشارات أو تقارير عن احتياجات سوق العمل.

- دعم روح المبادرة والإبداع والريادة لدى طلاب التعليم العالي، من خلال تنظيم مسابقات أو مهرجانات أو مؤتمرات تبرز مشاريعهم وأفكارهم، أو تقديم تسهيلات أو حوافز لإنشاء مشاريع صغيرة أو متوسطة.

- إنشاء نظام معلومات شامل عن سوق العمل، يضم بيانات وإحصاءات دقيقة ومحدثة عن الفرص والتحديات والتوقعات في كافة المجالات، وإتاحته لجميع الجهات المعنية بالتعليم والتوظيف.

هناك نوع اخر من التحديات تكمن في ازدياد أهمية الحوكمة في التعليم العالي والبحث العلمي، في ضوء التغيرات التكنولوجية والاجتماعية السريعة، خاصة التعليم الرقمي والذكاء الاصطناعي. وبالرغم من وجود بعض الإنجازات والمبادرات التي تهدف إلى تطوير هذا المجال في بعض الدول العربية، ولكن توجد تحديات كبيرة تتعلق بانعدام الرؤية والاستراتيجية، وضعف المساءلة والشفافية، والخلل في الموازنة بين الاستقلالية والتنظيم، وضعف سياسات التنوع والإدماج والإنصاف، والعجز على التعاون والابتكار والتكيف مع المتطلبات المتغيرة. تتطلب مواجهة هذه التحديات وحل المشاكل المرتبطة بها مهارات وكفاءات وأساليب تربوية جديدة لجميع أصحاب المصلحة المعنيين، مثل الطلاب والتدريسيين والباحثين والإداريين وصانعي السياسات والمجتمع ككل. يحتاج أصحاب المصلحة هؤلاء إلى أن يكونوا قادرين على استخدام الأدوات الرقمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، لتقييم جودتها وموثوقيتها بشكل نقدي، والتعاون عبر التخصصات والقطاعات، وابتكار حلول جديدة وخلقها، والمشاركة في عمليات صنع القرارات الديمقراطية والشاملة. لذلك، يجب أن تكون الحوكمة في التعليم العالي والبحث العلمي مستجيبة وقابلة للتكيف وتشاركية، من أجل ضمان جودة وملاءمة واستدامة التعليم والبحث في العصر الرقمي. في هذا السياق، من الضروري اتباع نهج محوره الإنسان تجاه الذكاء الاصطناعي ويحترم حقوق الإنسان والقيم والكرامة.

خلاصة الامر، التعليم العالي في الدول العربية يحتاج الى اصلاح جذري وهذا يتطلب إرادة سياسية وقيادات وزارية وجامعية ملمة بالواقع والمتطلبات الكبيرة والتي من ضمنها مراجعة البرامج الدراسية وطرق التدريس وضمان الجودة والمواءمة مع سوق العمل. الإصلاح قد يكون خطيرا سياسيا واجتماعيا، وسيواجه مشكلات مثل الفساد والبيروقراطية ومقاومة التغيير. انه صعب أو مستحيل بسبب هذه العوامل، فلابد من تفكيك وتهديم بعض أجزاء النظام القديم لإعادة بناء التعليم العالي بشكل صحيح.

ويكمن الاصلاح المنشود في ترسيخ أسس المنافسة بين التدريسيين داخل الجامعة وبين الجامعات، وتحقيق مبدأ استقلالية الجامعة وضمان الحرية الاكاديمية والانفتاح، واعتماد اسلوب الإدارة اللامركزية والمرونة التنظيمية والهيكلية بحيث تكون ملائمة لقبول التغيير السريع والمستمر، وتطوير التعاون الأكاديمي والعلمي مع جامعات الدول المتطورة، وتحقيق زيادة في التمويل وإيجاد مصادر أخرى للتمويل، وتنمية مستوى كفاءات ومؤهلات التدريسيين والباحثين، وتطوير المناهج وطرائق التدريس، وتأسيس نظام فاعل لتقيم الجودة، وتوفير الحوافز لكي تكون الجامعة مؤسسة لتكوين كوادر تلائم عصر اقتصاد المعرفة المدعوم بتكنولوجيا المعلومات، هذا بالاضافة الى التحول من التعليم الى التعلم، والتأكيد على نشاط الطالب وأنتاجاته من خلال أعادة إنتاج معارف الاخرين وإبتكار أخرى جديدة، وبناء المخرجات التعليمية على اساس "معرفة كيف" العملية في مقابل "معرفة لماذا" النظرية.



#محمد_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التخلف والاهمال يصيب نظام التعليم العالي في العراق
- قصة التطور وظهور الطفرات في فيروسات الكورونا
- مظاهر تخلّف التعليم في العراق؟ وهل يمكن تخطي هذه المظاهر لنت ...
- على ضوء البرنامج الوزاري: كيف يمكن تحقيق الجودة في التعليم ا ...
- صداع البحث العلمي
- اندثار الكتب المقرَّرة في الجامعات
- هل يمكن للواقع العلمي العربي من اكتشاف دواء للسرطان؟
- قانون المجمع العلمي العراقي.. ما له وما عليه
- عرض كتاب -التلوث الاشعاعي في العراق- للمؤلف الاستاذ الدكتور ...
- البعثات الدراسية.. ما لها وما عليها
- قانون التقاعد الموحد وانصاف فئة العلماء الباحثين
- لماذا نريد تعليماً عالياً على غرار الجامعات الامريكية والغرب ...
- تعقيب حول كلمة المالكي في واشنطن بشأن تحديث نظام التعليم الع ...
- لماذا نحن بحاجة الى نظام لضمان الجودة في الجامعات العراقية؟
- آراء بصدد قانون الخدمة الجامعية الجديد
- الدكتور فخري البزاز في ذمة الخلود
- المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق- نظرة تقيمية للبحوث ...
- هل ستلتحق جامعاتنا بركب الجامعات العالمية في القرن الواحد وا ...
- الحريات الاكاديمية


المزيد.....




- لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
- ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
- 10 شهداء في مجزرة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ببلدة طمون بال ...
- إسرائيل تعترف باستهداف فلسطينيين في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق ...
- تحول تاريخي في سوريا.. تشكيل إدارة جديدة وإنهاء ستة عقود من ...
- كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش ...
- الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال ...
- توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
- الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
- تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الربيعي - التعليم العالي في الدول العربية: التحديات وافاق المستقبل