أضراب الأطباء عن العمل في بريطانيا والمخاض العسير

عامر هشام الصفّار

الحوار المتمدن-العدد: 7701 - 2023 / 8 / 12 - 16:50
المحور: الطب , والعلوم
    

لا أعتقد أن قرار الجمعية الطبية البريطانية (نقابة الأطباء) بدعوة أعضائها -وهم بالآلاف من الأطباء- للأضراب عن العمل قد كان قرارا سهلا.. فقد دارت نقاشات، وتصاعد الجدل، والأخذ والرد، والمماحكات والتحذيرات حتى جاء التصويت الحر الديمقراطي فأتخذ القرار بأضراب الأطباء المتدربين والأستشاريين عن العمل ولفترة ايام معدودات مع أيجاد صيغة تنظيم لعمل الحالات الطارئة والتعامل معها.. فأمراض الناس لا تتوقف..
وكان لابد للأعلام من أن يهتم بالموضوع، وان يثيره عبر تحقيقات تلفزيونية وصحفية، ومقالات وصور تناولتها وسائل الأعلام المختلفة، وتناقلتها وسائل التواصل الأجتماعي أيضا..فالأطباء في بريطانيا كما يبدو في حالة خصام أو تضارب في الآراء والأتجاهات مع المشرّع والمنفذ في الحكومة والدولة.
ولابد من التذكير هنا أن الطبيب لا يتخرج من كلية الطب في بريطانيا الاّ بعد أن درس 5 سنوات أو تزيد أحيانا في كلية تطلب اجورا للدراسة من كل طالب من طلابها.. وهي الأجور التي قد يستدينها الطالب من شركة قروض للطلبة الجامعيين، والتي ستفرض عليه فائدة لقروضها طيلة فترة العمر الخدمي للمتخرج، وحتى سداد قيمة القرض. فأذا بالطبيب المتدرب والمتخرج حديثا يحمل على كتفه ديونا تقرب من60-70 ألف جنيها أو تزيد قليلا وذلك قبل مزاولته للعمل وقبل أن يصل جنيها واحدا لحسابه في البنك من راتب الألفين جنيها أو ما يتراوح بين ذلك، في بلد عشعش فيه التضخم وغلاء المعيشة، كما يعشعش الهم في قلوب المحزونين.
ولكن الطب وممارسته الأنسانية ليس كله حول المال والراتب الشهري، والمخصصات وحسابات المحاسبين الذين يساعدون الطبيب (لقاء أجر ليس بالقليل) في حساب الضريبة التي يدفعها للدولة.. نعم..لا يمكن أن تقارن خدمة أنسانية كبيرة أدى صاحبها قسم أبوقراط بمخرجاتها المادية فقط، دون أن ننتبه الى المعنى الأنساني للمهنة الطبية نفسها والذي هو أصل المعاني..فالهدف هو صحة الأنسان نتيجة وغاية.. فأن تشفي المريض من معاناته، وتجعل حياته ذات معنى، يعيشها كما يريد دون أن يحددها صداع، أو أعراض مزمنة لأسباب مرضية يمكن للطبيب الماهر من أن يشخّصها، ويبدع في علاجها، أنما هو ما يسعى أليه كل طبيب مخلص لعمله ولعلمه.
ولكن من ناحية أخرى فالطبيب -الأنسان بحاجة الى أن يهتم بنفسه، ويداري شؤونه وشؤون عائلته، ويؤدي ما عليه من ألتزامات في الحياة مطلوبة. وعلى ذلك شعرت نقابة الأطباء البريطانية أن لا حل لفرض واجب الحوار مع الحكومة الاّ بدعوة أعضائها الى الأضراب عن العمل..فترى ألأطباء الشباب الذي هم في مرحلة التدريب والدراسة لفترة ما بعد التخرج يرفعون اللافتات المطالبة بحقوقهم، ويصرخون بأعلى اصواتهم ليقولوا للناس أن نحن معكم ولكن تفهموا مشكلتنا..
الطبيب غير المرتاح لن يقوم بواجبه على ما يرام.. والطبيب الذي يعاني من مشاكل في حياته لن نتوقع منه أن يؤدي واجبه على أفضل ما يكون. والطبيب الذي يرى نظامه الصحي متعبا، ينوء تحت زخم من المشاكل الصعبة والتي أزمن بعضها وطال أمده، لن تجده مندفعا ومتحمسا للبقاء في المكان الذي هو فيه.. فتخسره طاقة علمية ما أحرانا بالحفاظ عليها... كل ذلك ما يجري اليوم في الواقع الطبي البريطاني .. ويبقى المخاض عسيرا....

#عامر_هشام_الصفّار (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات