كشفت اخر حرب في الخليج العربي , او كما يسميها الضالعون بالسياسة , حرب الخليج الرابعة .! عن زيف وهشاشة الفكر السياسي القومي العربي .. ذلك المتصل بالسلطة خاصة , والمتأثر بها عامة .. وأدخلتنا هذه الحرب في متاهات الألفاظ الوطنية المسطحة , تلك التي تشدقت بها مليون حنجرة وحنجرة .
فمنذ ما قبل ذلك .. كنا نعرف الكثير عن نظام الازلام في العراق .. وها نحن نعرف اليوم اكثر .. ورغم هذا , ما زال المزايدون يزايدون على الأمة , من ان العراق كان القوة العربية الأعظم في مواجهة المد الصهيوني والأمريكي على مقدرات الأمة .!! بقيادته الوطنية القومية .!!
عرفنا منذ ما قبل .. وها نحن نموت اليوم خجلاً , من هول ما نعرفه الان .!! من حقائق دامغة سطرها أبناء الشعب العراقي , الذين سحقت أجسادهم وكرامتهم بواسطة آلية القتل اليومي للنظام الديكتاتوري المجرم .!!
منذ ما قبل ذلك عرفنا .. واذكر انه منذ البداية , كتب طيب الذكر الرفيق اميل حبيبي , في "اسبوعيات" التي كان ينشرها في صحيفة " الاتحاد " .. وكان ذلك تعقيباً على الحرب المفتعلة على ايران, التي شنها نظام صدام على الثورة الايرانية فيما بعد الشاه, حيث كان ادعاء النظام العراقي , انه يدافع عن البوابة الشرقية للوطن العربي , وانه بذلك يخطو الخطوة الاولى نحو تحرير فلسطين .!! فرد عليهم اميل حبيبي في تلك المقالة قائلاً : "اذا كان تحرير فلسطين يبدأ من ايران .. فكفكم على الضيعة "
ومع هذا .. لم يصدقنا اصحاب " الاسلام هو الحل " .. كما لم يصدقنا ابناء المد القومجي بشتى بطارياتهم .. تلك المشحونة من خلال اسلاك تمتد لتصل الى واشنطن او لندن او الرياض .!! مع انهم اليوم يتلعثمون ما بين التقبيح والتصريح ! ويتأرجحون تحت مظلة البحث عن الخلاص .. خلاص الامة , من براثن الهيمنة الامريكية , بنفس الوقت الذي يقتاتون فيه من فتات موائد موبؤة بعلاقتها الاحتكارية الخاضعة للعلم الامريكي .!! وهم يصبون جام قدراتهم الاصولية حيناً , والفلسفية احياناً , للعمل على استيعاب "درس بغداد" , مع العلم ان "درس بغداد" ما هو الا حالة تعشش وتعيش في كافة الانظمة المستبدة على امتداد الوطن والامة العربية .!!
لا زلت اذكر الانباء التي تناقلتها , اجهزة الاعلام , والفضائيات خاصة , يوم اطلق سراح الشيخ احمد ياسين , من سجون اسرائيل في عهد نتنياهو , فقام بعدها بجولة في عواصم النفط العربي , ليعود بحقيبة عامرة بخمسين مليون دولار "امريكي" .. دخل عن طريق جسر الشيخ حسين , الموصل بين نظام عميل هناك ونظام احتلالي هنا ..! ولم يسأله احد ؟! عن مصدر الاموال وعن وسيلة انفاقها !! في حين كانت السلطة الفلسطينية , وعلى راسها عرفات , يستجدون الغرب وعواصم النفط ذاتها , ليغطوا التزاماتهم المالية .. لاجل متابعة بناء الجزء المحرر من فلسطين .!!
وها هي اليوم عواصم النفط العربي , تساهم , تحت مظلة العم سام , بصحبة حسونة ونظيره الهاشمي , في عملية تشكيل اذرع القمع المعدة لمواجهة الارهاب الاصولي "الاسلامي" .!! في حين انهم بذاتهم هم الذين خلقوه .. ولا يزالون الى اليوم يغذونه ويدفعونه الى اتجاهات تخدم مصالحهم .. اما بواسطة ارهابهم المجرم الذي يوّلد الحقد لدى المعدمين والمحرومين من ابناء الشعوب العربية قاطبة والفلسطينية خاصة .!! واما بواسطة الاموال المتسربة من فوهات قنواتهم المتعددة الالوان والاشكال والاسماء والمسارات .!!
لم نكن مع صدام منذ البداية .. ولكننا بكل وضوح وقفنا ضد امريكا , ومخططها المبريالي والصهيوني المتمثل بالمد الاحتلالي الاسرائيلي , والهيمنة الاقتصادية والنقدية .!! وألان ايضاً , نحن ضد امريكا , عقدة وعقيدة وممارسة . الا اننا لسنا مع الانظمة العربية الممتدة من المحيط الى الخليج . فيا "حفاة العرب" اطلقوا الاعنة لصراخكم, كي يمزق صمت سجون الطغم الفاشية والديكتاتورية الرابضة على صدوركم بأسم الوطن .. " يا حفاة العرب ... ربُ هذا الخليج جماهيره , لا الحكومات , ولا الاخرين وان نضحوا فلسفة "* .. " يا حفاة العرب " اياكم وان تنتظروا الى ان تأتي امريكا بجيوشها القذرة , تحت مظلة الحرية والتحرير , لتزيل عن كواهلكم هذه الطغم الفاشية القذرة . الا يكفينا ما كابده, ولا يزال, وطن كالعراق ؟! اوليست بغداد عبرة للتاريخ ولكل انسان عربي .!! فماذا تنتظرون ؟!
ضد الاحتلال الاسرائيلي .. لكنني لست مع حماس .!!
لو ان احداً يخبرني , أي فائدة جلبت العمليات الانتحارية للقضية الفلسطينية , تلك التي نُفذت داخل ما يسمى "بالخط الاخضر".. ؟!! واليكم ايضاً " تحدث أمين عام الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نايف حواتمة، على حصر المقاومة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967، والتوقف عن استهداف المدنيين. وقال في تصريحات صحفية تلقتها "أمين" أنه "من الضروري أن تُهدفْ وتتركز أعمال المقاومة المسلحة ضمن حدود المناطق الفلسطينية المحتلة في 1967 ضد قوات الاحتلال والميليشيات والمستوطنين وتحييد المدنيين على طرفي الصراع " عن شبكة الانترنت للاعلام العربي – امين .
لو احداً يخبرني , ماذا حملت الخمسة قذائف التي اطلقت من قطاع غزة باتجاه مستعمرة "شدروت" يوم " احتفالات " اسرائيل باستقلالها .!! ما الذي حققته تلك القذائف؟! عوضاً عن ضجيج انفجارها , الصوتي والاعلامي ؟! في حين انها مهدت الطرق لمزيد من الصواريخ الاسرائيليلة التي تعرف كيف تقتل المزيد من الفلسطينيين, وتشرد مزيداً اخر من جراء هدمها لبيوتهم واحيائهم السكانية؟! وها هم اصحاب الاصولية يعلنون بصوت عالٍ " تعهدت الفصائل الفلسطينية المتشددة بمواصلة حملتها المسلحة ضد إسرائيل، رافضة خطوات السلطة الفلسطينية نحو السلام مع إسرائيل. " ال. بي . بي . سي . 8.06.03 . مما يعني انهم يرفضون التزامات محمود عباس رئيس الحكومة الفلسطينية , الشرعية .. بتعهداته وبموافقت حكومته على "خارطة الطريق " ..!
لسنا بسطاء وسذج الى حد البلاهة كي نصدق ان شارون داعية سلام .. او ان سيده بوش كذلك أيضاً .!! الا اننا نعلم علم اليقين ان من خلفهم يقف البعد الاشمل , المتمثل بالاقتصاد السياسي .. " رؤوس المال الدولية " التي تقودها الشركات الامبريالية الكبرى , والتي لها اولوياتها في الدفاع عن مصالحها . لذا نجد ان ما قاله احد وزراء حكومة محمود عباس الفلسطينية .. " انه ليس امام الفلسطينيون ما يخسرونه , فاذا التزمت اسرائيل بتنفيذ خارطة الطريق وادى ذلك الى شكل من اشكال الدولة الفلسطينية المستقلة .. فذلك سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح !! واذا لم تقوم اسرائيل بتنفيذ تعهدها فهذه فرصة اخرى علينا استغلالها من اجل تجنيد مزيداً من الرأي العام العالمي الى جانبناً . "
ماذا يريد الذين يستغلون اسم الجهاد والدين والفتاوي التي تجيز القتل لمجرد القتل.. ليأتي في سياقها العديد من العمليات الانتحارية, في هذه المرحلة بالذات ؟! خاصة وان هناك محاولة لمئسسة الكيان الفلسطيني على طريق بناء وطن ديمرقراطي ؟!!
لا ليست اسرائيل داعية سلام , وبالطبع ليس شارون ولا سيده بوش ايضاً ..! الا ان الظروف الموضوعية والمرحلية الصبعة التي تمر بها القضية الفلسطينية , في زمن الصمت العربي وتواطئه البذيء , فاننا نحتاج من اجل الانسان الفلسطيني , الى وحدة كافة الفصائل والقوى السياسية والكفاحية والاجتماعية والثقافية بجميع شعابها .. للخروج من دوامة الدماء , وبناء الدولة الفلسطينية , اذا امكن ؟!! او ان ذلك ربما يساهم في حشر المعتدين في زاوية النفاق .. كي تتاح الفرصة الى تدعيم مصداقية وشرعية السلطة الفلسطينية ومطلبها الوطني .
ان اقامة انظمة ديمقراطية في كل بلد عربي, ونظام فلسطيني ديمقراطي , تستند جميعها الى حرية الانسان وحرية التعبير وحرية الحياة ..! هو الطريق الوحيد الذي من خلاله تستطيع شوعبنا العربية, وشعبنا الفلسطيني بالتحديد , ان يسترد حقوقه الانسانية ثانياً .. بعد ان يسترد حقوقه الوطنية والتاريخية اولاً .
الاحد 8.06.03
* كلمات من قصائد مظفر النواب