أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي














المزيد.....

رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7698 - 2023 / 8 / 9 - 10:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صديقي حمدين. لن يفاجئك كثيراً توجيهي هذه الرسالة المفتوحة لك، وإن كان من غير المألوف أن يتوجه أحد برسالة مفتوحة إلى صديق. لكنك سوف تدرك بلا شك، حتى قبل قراءة رسالتي، أنها تتعلق بالزيارة التي قمتَ بها قبل أيام لمقرّ الرئاسة في دمشق، حيث التقيت بالحاكم العربي الذي فاق حجم المجازر التي أشرف عليها، وبكثير، كل ما اقترفه زملاؤه الراهنون والسابقون في منطقة لا نُدرة فيها من السفّاحين، ماضياً وحاضراً، والحمد للنفط.
أظنّك أدركتَ موضوع هذه الرسالة حتى قبل قراءتها لأننا تناقشنا شفهياً أكثر من مرة في موضوع النظام السوري والموقف منه خلال لقاءاتنا. ولا أتذكرك مرة واحدة مدافعاً عن ذلك النظام، بل كنتَ في كل حين سائلاً ومستمعاً بلا إبداء أدنى ميل إلى الدفاع عنه. لذا لن تتعجب لو صارحتُك بأنني أسفتُ جداً من خبر زيارتك، ولو لم أتعجب كثيراً لعلمي أنك شديد التأثر بالضغوطات سياسية. والحال أنك انتُخبتَ في العام الماضي أميناً عاماً لما يسمى «المؤتمر القومي العربي» الذي يضم الكثيرين من الذين يعاملون النظام السوري وكأن دمشق ما زالت «قلب العروبة النابض» وأن المجرمَ بشّار الأسد حاميٌ للأمة في وجه إسرائيل، وذلك بالتغافل عن كون المذكور لم يقم بأي عمل ضد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري، قد آثر فسح المجال أمام استباحة إيران وروسيا لوطنه على إجراء الانتخابات الحرّة التي طالبت بها المعارضة والانتفاضة الشعبية.
لا بل تجاهلتَ بزيارتك لدمشق زملاءك القوميين العرب الذين قبعوا أو لا يزالون قابعين في السجون السورية، كما تعاميتَ عن أن الحكم الاستبدادي الدموي القائم في سوريا إنما هو أبعد بكثير عن الحرية والديمقراطية اللتين تطالب أنت بهما النظام الذي تعارضه في مصر. ويكفي أن تسأل نفسك بصدق سؤالاً واحداً: هل تُفضّل حقاً نظام آل الأسد على نظام السيسي وتتمنى أن يحكم مصر رديفٌ للأول؟ طبعاً لا، ولا يجوز لأحد ادّعاء العكس سوى نفاقاً، إلا إذا كان من المستفيدين من النظام السوري أو من نظام الملالي الإيراني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبما أنك لستَ من أحد هذين الصنفين، اللهمّ إلا لو أصابك الانحطاط وقبلتَ بتلقي التمويل من إحدى الجهتين المذكورتين (معاذ الله) فسوف يتبيّن لك مدى تعارض الزيارة التي قمتَ بها مع المبادئ التي تنادي بها، وقد تسببت لك بتعليقات صحافية بعناوين مثل «القومي العربي المستبد» و«قومية عربية مغموسة بالدم».
وكي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية، التي تبرّر سحقها العنيف لأبسط الحريات السياسية بحجة وقوفها موقفاً «قومياً» مناهضاً لإسرائيل. وقد ذهبت منظمات المقاومة الفلسطينية نفسها إلى أبعد حد في هذا السلوك، بما فيها يسارها الذي لم يتورّع عن نسج العلاقات مع أنظمة مجرمة كالنظامين البعثيين المتخاصمين في بغداد ودمشق، اللذين تلطخت أياديهما بدماء اليساريين العراقيين والسوريين، فضلاً عن سائر المعارضين.

كي لا أجحف بحقك، يا حمدين، فإن ما ارتكبتَه إنما يندرج في تقليد طويل من مغازلة قوى عربية محسوبة على اليسار للأنظمة الاستبدادية

وقد تبعت «الحركة الوطنية اللبنانية» التقليد ذاته، هي التي ضمّت في صفوفها أتباعاً للنظامين البعثيين السوري والعراقي إلى جانب قوى ادّعت انتهاج فكر كارل ماركس، ألدّ أعداء الاستبداد في عصره، وذلك في حالة قصوى من التعارض بين المبادئ والأفعال. والحقيقة أن التعارض هذا لم يكن سوى إحدى ثمار التعارض الأكبر الذي كان قائماً بين الحكم البيروقراطي البوليسي الذي ساد في الاتحاد السوفييتي، ومبادئ ماركس التي انتحلها.
وما دام هذا التقليد المشؤوم سارياً، ستبقى القوى المحسوبة على اليسار في منطقتنا فاقدة للمصداقية في دفاعها عن الديمقراطية. فلا سبيل إلى بناء بديل تقدمي اجتماعياً، وطني سيادياً وديمقراطي سياسياً يستقطب الجماهير، لاسيما الشابة منها، سوى بإثبات الوفاء الكامل للمنطلقات الثلاث. وهذا ما خبرتَه أنت بالذات، يا حمدين، في تجربة كانت وتبقى الأكثر سطوعاً في الاقتراب من تجسيد البديل الموصوف. كان ذلك في خوضك للدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المصرية في عام 2012، عندما بلغ نجمك الذروة وقد بدوتَ حاملاً للتراث الذي جسّده جمال عبد الناصر في الحقلين الاجتماعي والوطني، لكن مع انتصارك للديمقراطية والحريات السياسية وتنصّلك من دكتاتورية النظام الناصري، مُعزياً إياها إلى المرحلة التاريخية التي نشأت فيها.
في ذلك الحين، بدوتَ، يا حمدين، وكأنك تجسّد «الربيع العربي» خير تجسيد، والحال أنك نصبتَ نفسك ناطقاً باسم جماهير الانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية، مندداً بكافة الأنظمة التي واجهَتها، بما فيها بالطبع النظام السوري ذاته الذي صافحتَ رئيسه قبل أيام. وفي مايو/أيار 2012، فاجأت مصر والعالم ببلوغك المرتبة الثالثة بعد محمد مرسي وأحمد شفيق، بفارق محدود في الأصوات بينما لم تكن لديك سوى إمكانات تنظيمية ومالية هزيلة للغاية مقارنة بمكنتي «الفلول» والإخوان. فقد صوّت لك ما يناهز خمسة ملايين، أي خُمس الناخبين والناخبات، لا بل حصلتَ على النسبة الأكبر من الأصوات في كل من القاهرة (٪28) والإسكندرية (٪32) وبور سعيد (٪40) وكفر الشيخ (٪62).
وقد أضعتَ هذا الكنز من التعاطف الجماهيري بوقوفك خلف الانقلاب العسكري الذي أطاح بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، فاقداً بذلك القسط الأكبر من المصداقية التي كنتَ قد حزتَ عليها في العام السابق. بل ساهمتَ، يا للأسف، في زرع الأوهام حول السيسي وإضفاء الشرعية على انقلابه. أما جرأتك اللاحقة بالوقوف ضده، فجاءت بعد فوات الأوان وبعد أن فقدتَ معظم رصيدك الشعبي. وأخشى، يا حمدين، أن زيارتك لدمشق لن يكون مفعولها سوى تكريس تلك الصورة من الارتداد على ما جسّدتَه في العام الأول من «الربيع العربي».



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حارق المصحف لا يستحق سوى الازدراء
- عن الحرب الأهلية الباردة الدائرة في إسرائيل
- في إخفاق المشروع الفرعوني في مصر
- لماذا تخشى إسرائيل انهيار «السلطة الفلسطينية»؟
- القلق الغربي من انهيار الدولة الروسية
- بطولة جنين والخيانة العربية
- ميلوني وسعيّد بعد برلسكوني والقذّافي
- في الجدل حول مبعوث الأمم المتحدة في السودان
- اردوغان بطل الذين لا بطل لهم
- السوريون في تركيا بين نارين
- فظائع السودان والدرس التاريخي
- ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
- هنيئاً لهم بتصالحهم مع بشّار الأسد!
- حلمٌ سوداني
- المغزى من اقتتال العسكر في السودان
- تخبّط قيس سعيّد الاقتصادي وتبعاته
- الثورة السودانية أمام منعطف جديد
- قوة ديمقراطيتهم وضعف ديمقراطيتنا
- أمريكا والصين: «فرِّق تَسُد» أم «وفِّق تَسُد»؟
- أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - رسالة مفتوحة إلى حمدين صباحي