صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بين مصدق عينه وبين مكذب, استمع العراقيون الى القاضي وهو ينطق بحكم الإعدام على الدكتاتور السابق صدام حسين الذي اذاق شعبه المر والهوان. تنفسوا الصعداء, لكن العراقيون تعودوا ان يقلقوا حتى في لحظة الإنتصار, فما مر بهم حتى بعد ان وضع الطاغية في القفص, لايدعوا الى التفاؤل والإحتفال. فالرجل مازال حياً, رغم انه اقترب من قبره خطوة كبيرة, لذا يقرأ العراقيون وهم محقون, ما بين السطور بقلق.
وأول المقالق هي ان تكون هذه واحدة من التمثيليات الأمريكية, قد يتم التراجع عنها بعد ان تكون ادت غرضها في انتخابات الكونكرس بعد يومين. لقد تناقلت الأنباء قبل فترة تأجيل الحكم على صدام حتى قبل يومين من انتخابات الكونكرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ ( حيث سيتم التصويت لثلث المقاعد) والنواب حيث سيتم التصويت لإنتخاب جيمع النواب, اضافة ال انتخاب حكام 36 ولاية. بشكل خاص ركزت على الموضوع وسائل اعلام الحزب الديمقراطي, الذي اشار البعض من كتابه بحق الى ان "المصادفة" التي تستدعي بلا شك كتابة بعض المقالات, لم تحظ بأي اهتمام اعلامي يذكر من قبل وسائل الإعلام المعروفة
مدير الحملة الإنتخابية للحزب الديمقراطي, جيم جوردان كتب في مجلة "الأمة" اليسارية: "من الواضح تماما ان الإدارة قد وقتت المحاكمة للتأثير على الأنتخابات النصفية, ولإشغال الناخبين عن الفشل الإقتصادي والسياسة الداخلية المكروهة".
. كذلك حظت (Media Matters ) ان الإعلام كان صامتاً تقريباً كذلك عن تقرير مجلة "لوس انجلس تايمز" في 11 اكتوبر 2004, والذي اشار الى ان ادارة بوش كانت تخطط لتأجيل العمليات العسكرية ضد مراكز المسلحين في العراق حتى ما بعد انتخابات الرئاسة عام 2004, خوفاً من سقوط اعداد كبيرة من القتلى الأمريكان فيها (*1). وكذلك اشارت محامية صدام بشرى خليل الى مشكلة التوقيت, وقالت بلهجة اشبه بالتهديد ان الحكم بتجريم صدام سيجعل من العراق مركزاً للعنف, وقالت من بيروت ان الحكم بالموت على صدام سيفجر المنطقة, وسيشتعل الجحيم على الجيش الأمريكي, وان تأجيل الحكم الى هذا الوقت يدل على استخدام الإدراة الأمريكية للمحكمة كاداة اعلامية (*2).
بالمقابل اشار البعض الى ان استفادة الجمهوريين من الحكم على صدام ليس مؤكداً باعتبار ان اية اثارة لموضوع العراق لن يكون في صالحهم. لكن من المشكوك به تماماً ان يكون هذا الموضوع غائباً عن ذهن اي ناخب. مثال ذلك ملاحظة كارول دوهيرتي (Carroll Doherty ) من معهد (Pew Research Center ) : "كل ما استطيع ان اقوله هو ان موضوع العراق سيكون الموضوع الرئيس في الحملة, وانه سينشط اصوات الدميقراطيين."
أما ستيفان هيس (Stephen Hess) من معهد بروكلنكز في واشنطن فيرى ان تأثير مثل ذلك الحكم سيكون متواضعاً باعتبار ان اغلب المصوتين قد اختاروا موقفهم من العراق, لكنه اضاف ان ذلك يمكن ان يؤثر على الناخبين المترددين, وانها ستستخدم من قبل الجمهوريين لتذكير الناخبين بالهدف الذي دخلت اميركا من اجله العراق.
من الصعب اعتبار ذلك صدفة في تلك الدقة في التوقيت, خاصة وان ادارة بوش كان لها تأريخ غني في توقيت الأمور المتعلقة بالأمن القومي والعراق بشكل يتلائم مع الأجندة السياسية والإنتخابية. بل ان الأمر تعدى ذلك الى توقيت بعض العمليات الحربية مثل الإنزال في الصومال الذي تأجل لكي يمكن نقله حياً الى التلفزيون الأمريكي.
ليس هناك ما يدعو الى الإعتقاد الى ان الأمر كان عكس ذلك هنا. ورغم انه من الممكن المناقشة بأن اي توقيت كان يمكن ان يستخدم لنفس الحجة, لكن التوقيت كان دقيقاً للغاية ليكون الخبر ساخناً جداً وبنفس الوقت يأخذ وقتاً كافيا قبل الإنتخابات لضمان اطلاع معظم الناس عليه.
وإن كان التوقيت مدبرا لا يعني ان الحكم مدبر بالضرورة لنفس السبب, فحكم بالسجن المؤبد كان سيعطي نفس المردود في اميركا: صدام تمت محاكمته وحكم عليه.
في مقالة نشرت في (Media matters ) في 19 تموز 2004, اشير الى مصدرين من الأمن واخر من وزارة الداخلية في الباكستان قالوا بأن ادارة بوش كانت تضغط على المسؤولين الباكستانيين ليقوموا بألقاء القبض على ما يسمى " اهداف عالية الأهمية" خلال فترة انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 2004, وبالفعل اعلنت الباكستان في 29 تموز, وقبل ساعات من استلام جون كيري ترشيحه للرئاسة من قبل الحزب الديمقراطي, اعلن القاء القبض على احمد خلفان كيلاني, احد المتهمين الرئيسيين من منظمة القاعدة في تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا عام 1998, ثم تبين فيما بعد ان السلطات الباكستانية كانت قد اسرت الكيلاني قبل اربعة ايام وأجلت اعلان النبأ الى ذلك الحين. (*1)
"عندما تنظر الى استطلاعات الرأي" كتب سكوت هورتون, رئيس لجنة القانون الدولي في مجلس مدينة نيويورك, " فستجد ثلاث قمم واضحة. الأولى حين القي القبض على صدام, والثانية حين جرت الإنتخابات العراقية, والثالثة عند مقتل الزرقاوي. واستناداً الى هذه النقاط الثلاثة فيمكن بسهولة ان نتوقع ان يحصلوا على رفعة صغيرة من هذا الموضوع. هذا لا يمكن ان يكون صدفة, كما ان ليس هناك اي امر في السياسة حول العراق قد ترك للصدفة". يؤكد مثل ذلك مايكل كوردون في كتابه "كوبرا 2" حيث يبين ان كله معركة للجيش الأمريكي لدخول بغداد كانت قد كتبت بعناية من اجل الإستهلاك الإعلامي. (*3)
من كل هذا, ومن تأريخ العلاقة الأمريكية العراقية يمكن القول بثقة ان كان هناك تأثير على التوقيت لإصدار الحكم, وانه تأجل من اجل فائدة بوش الذي يعاني من وضع شديد السؤ في بلاده, حيث اشار احد الكتاب الى ان بعض المرشحين من الحزب الجمهوري لم يعلنوا انتمائهم له في اعلاناتهم الإنتخابية.
هذا امر مؤسف بالنسبة للعراقيين, خاصة وان تذكرنا ان الكثير من العراقيين قد قتلوا من اجل اظهار العراق كبلد قانون يحاكم بشكل نظامي حتى امثال صدام حسين ويمنحهم فرصة للمحاكمة العلنية, وهو وإن كان تحت تأثيرات كثيرة فانه بلا شك افضل بمئات المرات مما كان صدام حسين يسمح به لخصومه. لقد كلفت هذه الصورة الإيجابية عن العراق لحد الآن العديد من الناس الذي قتلوا بسبب المحاكمة وطولها بشكل مباشر, وعدد كبير جداً بشكل غير مباشر, لذلك فقد كان حريا على الساسة العراقيين والمحكمة العراقية ان لا تسمح بتوقيت اصدار الحكم بشكل يشوه تلك السمعة الغالية الثمن ولو بشكل جزئي.
كذلك مايزال هناك بعض القلق من ان الحكم قد لاينفذ, فهناك ما زال الإستئناف وامكانية الإعتراض على الحكم بشكل قضائي او النقض الإجرائي. وحول هذه النقطة الأخيرة اشار احد القضاة في قناة العراقية الى ان القاضي اخطأ حين لم يبلغ المدانين ان اوراقهم ستحال الى الإستئناف حتى دون طلب منهم, وهو الإجراء القانوني الصحيح. اضافة الى ذلك سيحاول المحامون بلا شك الطعن في نزاهة المحكمة والإشارة الى الضغوط التي سلطت عليها.
إضافة الى ذلك فسوف يتوجب إنتظار توقيع الرئيس على الحكم, وهو امر اثار الرئيس الطالباني المقالق بشأنه قبل فترة. ولكن مما لاشك فيه ان الناس لن تصدق اي حجة او قصة لعدم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق صدام وبرزان على الأقل, وستعتبر اي تغيير فيهما مؤشرا الى ان الموضوع كله كان لعبة امريكية لتمرير الإنتخابات ثم الغاء الحكم. لكن ثمن ذلك سيكون غالياً ولن تتمكن اية حكومة من اقناع الناس اطلاقاً, مهما تحدثت عن استقلال القضاء وعدم امكانية التأثير فيه. في هذه الحالة قد يتوجب حدوث انقلاب, او تمثيلية انقلاب, والمجيء بـ "حكومة انقاذ" تكون نظيفة من مسؤولية ما حدث, لكنها ستقبل الأمر الواقع على اساس انه حكم قضائي. هكذا سنحصل على حكومة بريئة نسبيا من التهمة, وبذلك اكثر قدرة على التعامل مع الناس وفرض الأجندة الأمريكية, تماماً كما حدث عندما قتل السادات في مصر, وجاء مبارك لينفذ نفس سياسته.
مثل هذا السيناريو سيجعل من الحكومة القادمة حكومة مكروهة للشعب بشكل واضح وستضطر الى إعلان حالة الطوارئ وتعطيل الدستور وقبول وجود امريكي دائم حتى ان لم ترغب في ذلك, وستوقع اية عقود نفط تودها اميركا, ان لم تكن قد فعلت ذلك حتى ذلك الوقت, وهكذا تحقق اميركا كل امانيها في العراق.
على اية حال, لنفترض اننا قد ذهبنا بعيداً في تشاؤمنا,و لنأمل خيراً ولنمتنع عن تخريب التفاؤل فيما تحقق لحد الآن. فالحكم على صدام يعتبر انتصاراً وخبرا مفرحاً للعراقيين بعد سلسلة طويلة من الأخبار المحزنة وخيبات الأمل والخوف والمعاناة التي لم تنته بعد, ولعل هذا الإنتصار يكون فاتحة خير تحث الأمل من جديد في هذا الشعب الذي طال عذابه, لكن الأشهر القليلة القادمة ستقول الكثير عن مستقبل العراق لعشرات السنين.
http://mediamatters.org/items/200610260010 (*1)
2* : http://news.yahoo.com/s/afp/20061102/pl_afp/iraqtrialsaddamus_061102150938
(*3) http://www.cbsnews.com/stories/2006/10/18/opinion/main2101605.shtml
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟