|
الجوهر الكولونيالي لمعاهدة لوزان
آزاد أحمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 7684 - 2023 / 7 / 26 - 19:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حطمت الحرب العالمية الأولى الامبراطورية العثمانية، وفتتها، وكانت عمليات التقسيم الجغرافي أبرز نتائجها، ومنجزاتها السياسية. حتى تحولت السلطنة بأرضها ومجتمعاتها الى غنيمة للدول المنتصرة وخاصة، بريطانيا وفرنسا، روسيا وايطاليا. ومن ضمن هذ النتائج والمتغيرات الكبرى، تحولت كوردستان العثمانية الى ساحة قتال، حيث اشتبكت فيها القوات البريطانية والروسية والعثمانية، وكانت ايضاً عمليات التقسيم العاجلة من نصيب كوردستان العثمانية. اذ تم تجزأتها الى ثلاثة أقسام، وتوزعت على ثلاث دول مستحدثة، ومنبثقة عن مخرجات الحرب العالمية الأولى نفسها. مهدت اتفاقية سايكس – بيكو لعمليات التقسيم، كما شكلت مدخلاً لمفاوضات السلام، التي تمخضت عن معاهدة سيفر سنة 1920، لكن جذر سياسيات التقسيم انبثقت عن اتفاقية سايكس – بيكو، التي أسست للخطة الكولونياليه التقسيمية، والتي بموجبها اتفقت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا على تقسيم وتوزيع كيان الدولة العثمانية فيما بينهم في أيار سنة 1916. وباتت النوايا الكولونيالية واضحة في أنها تهدف إلى تقسيم وتوزيع مناطق غرب آسيا. خطوط التقسيم في الاتفاقية لم تكن متوافقة مع أي شكل من أشكال التقسيمات الإدارية والسياسية السابقة، كما لم يعد ممكنا تشكيل أي كيان سياسي له علاقة متوازنة وصحيحة مع المجتمعات المحلية. فالخارطة التي توافق عليها الأطراف الثلاث، لم تكن تسمح للمجتمعات المحلية أن تعبر عن نفسها سياسياً، ولم تكن لعملية التقسيم هذه أي مراعاة للروابط التي كانت تربط المجتمعات المحلية ضمن مناطق النفوذ الأوربية المقترحة، لا من الزاوية القومية ولا الدينية. وانما كانت عملية نسف كامل للأشكال الكيانية والسياسية السابقة، وخاصة الحدود الإدارية للعديد من الولايات والمناطق. أي كانت عملية نسف كامل لنظام الولايات العثماني. وفي المحصلة كانت سايكس - بيكو مشروعاً ليس لبناء كيانات جديدة، وانما لتحطيم وتفتيت الكيانات القائمة، ولتشتيت مجتمعاتها. وعلى ما يبدو وضعت خطوطها بناء على خبرة مارك سايكس الميدانية في هذا المجال. وفي المحصلة كانت اتفاقية سايكس – بيكو اتفاقية تجريبية تفتيتيه، مهدت لمخرجات الحرب العالمية الأولى. حتى تمزقت المجتمعات الكوردية والعربية والمسيحية على جانبي الحدود المرسومة، وتشتت اجتماعياً، سواء الحضرية منها أو البدوية. وفي المحصلة النهائية دفعت المجتمعات الكوردية ضريبة باهظة نتيجة الحرب الكبرى، على اعتبار أن الكورد كانوا أغلبية السكان في بؤرة مخطط التقسيم، ولأن الحرب العالمية انطلقت من قلب المناطق الكوردية. وفي المحصلة دفعت المجتمعات الكوردية ضريبة المعاهدات الدولية ذات العلاقة بتنظيم الكيانات في الشرق الأدنى. بحيث لا يمكننا فصل اتفاقيات سايكس - بيكون عن سيفر، وبالتالي عن لوزان، فقد كانت متشابكة، أن اتفاقية لوزان في 24 تموز سنة 1923 كانت تعديلا وتصحيحاً لمعاهدة سيفر، مع إضافة تفصيلات تنفيذية لصالح تركيا. التي سجلت انتصارات سياسية وعسكرية مترابطة. اذ تم بموجب لوزان إلغاء أغلب نتائج معاهدة الصلح في سيفر 1920، والتي كانت تتضمن بنوداً تقوض تماماً كيان الدولة التركية، وأولها الإقرار باستقلال كوردستان العثمانية. في ظل النهوض التركي الرسمي ممثلاً بحكومة أنقرة، وكذلك الهبة الشعبية التركية القومية والإسلامية في وجه الغرب، عانت القوى الكوردية ونخبها القيادية من تشتت وتضارب في التوجهات، حتى باتت غائبة عن الساحة الدبلوماسية، لدرجة لم تستطع أن تحضر مؤتمر لوزان بصفة رسمية أو شعبية قوية، وسحب مصطفى كمال من يد الكورد ورقة التمثيل السياسي لصالح حصرية تمثيل تركيا بوفدها الذي ضم بعض الشخصيات الكوردية. إثر التوقيع على معاهدة لوزان ووضعها في سياق التطبيق العملي، دشنت مرحلة جديدة من تاريخ الشرق الأدنى وجوار دولة تركيا المعاصرة، ومازالت نتائج هذه المعاهدة ثابتة على الأرض، وتتسم بالرسوخ، لأن العديد من القوى العظمى تحمي مخرجاتها. وأهم تلك النتائج، تمثلت في استعادة تركيا لمناطقها ومدنها الغربية الحساسة، كاستانبول وسيمرنا (أزمير). واتخاذ شرق الأناضول مركزا لتركيا الجديدة، والتركيز على تتريكها، وتوجيه العنصر التركي وتشجيعهم على السكن فيها. لذلك تم تثبيت وازاحة العاصمة الجديدة نحوها، فاتخذت أنقرة عاصمة جديدة للجمهورية التركية، وطويت صفحة إستانبول كعاصمة، مع طي صفحة السلطنة العثمانية. بحيث طويت بالتوازي مع هذه السياسة أيضاً مرحلة إستانبول المزدهرة، لأنها كانت تعبر عن التنوع ولقاء الشرق بالغرب، لتحل محلها مرحلة أنقرة التي باتت رمزاً للدولة المركزية القومية التركية الصلبة، التي تحارب وتخشى التنوع واللامركزية. حيث عملت حكومة أنقرة بعد اتفاقية لوزان بمنهجية عميقة متعددة الجوانب على تهشيم المجتمعات الكوردية، واذابتها في الثقافة – الدولة (التركية الجديدة). لقد تعسرت في هضم مجتمعات كوردستان العثمانية الراسخة، اذ واجهت انتفاضات كبيرة وحركات عاصفة تلخصت في ثلاث ثورات كردية، ثورة الشيخ سعيد (1925)، وثورة آرارات (1930)، وثورة ديرسم (1936 – 1938)، زعزعت هذه الثورات النظام على نحو جدي، مرغمة إياه على حشد عشرات الألوف من الجنود. قمع الثورة الأولى، الذي تطلب تعاوناً عسكرياً مع فرنسا، القوة المنتدبة على سوريا، أدى الى سقوط 15 ألف ضحية في صفوف السكان المدنيين. واعتبرها مصطفى كمال حرب مُثل. هذه المُثل التي قصدها مصطفى كمال هي (المُثل) التي تتبناها القومية التركية الجديدة، والتي أدرجت في الدستور في صيغة مكثفة: أن تركيا هي للأتراك فقط، واللغة التركية هي اللغة الوحيدة. وهكذا تسلسلت القيم التركية المعاصرة، والتي على ضوئها تم إبادة المجتمعات المختلفة والمتمايزة عن ثقافة وقيم المجتمعات التركية. وكنتيجة أولية لا يمكن فصل نشوء الجمهورية التركية وكذلك كل النظام الإقليمي للدول القائمة في الشرق الأوسط بموجب اتفاقية لوزان عن خلفيتها الكولونيالية الصريحة.
#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطولات سياسية متخيلة بين موجات الأثير
-
ثقافة الاستبداد ذات الخلفية المغولية والعنصرية المنسوبة للعر
...
-
درس من كارثة الزلزال
-
ضرورة الخروج من الاطار الوظيفي للحركة الكوردية
-
الانتقال الحاد من عمارة الممالك الآرامية الى الإمبراطورية ال
...
-
فوبيا الموت خارج الكرسي: مهاتير محمد نموذجاً
-
جوانب من المشترك العمراني والمعماري للممالك المحلية المتعاقب
...
-
إيران: الحوار الداخلي أولاً
-
ثمانية مليارات من البشر: المشكلة مازالت في الجشع وسوء التوزي
...
-
ملعب بوتين الضيق وطموحاته الواسعة
-
عمارة وعمران المملكة الحورية - الميتانية
-
الحرب الأوكرانية بديلاً عن جبهة عالمية لمكافحة الفساد
-
الدلالة العميقة لاحتفالية مئوية معاهدة سيفر
-
لماذا الاستهانة بكتابة التاريخ؟
-
بداية نهاية الدور المركزي لأوربا؟
-
ظاهرة شاهسوار الشعبوية
-
في هذا البيت
-
99 سنة على معاهدة الغدر
-
أوربا الحائرة في ذكرى ولادة القيصر الأكبر
-
مئة مليون لاجئ: المجتمع الدولي في مواجهة كارثة الهجرة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|