|
بعض خصائص الاقتصاد الأردني 2
فهمي الكتوت
الحوار المتمدن-العدد: 1724 - 2006 / 11 / 4 - 12:18
المحور:
الادارة و الاقتصاد
إن السياسات الاقتصادية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة والتي انطلقت من مبدأ توسيع دور الدولة في الاقتصاد لم تكن لاسباب عقائدية، فالاردن اختار طريق التطور الرأسمالي والاقتصاد الحر منذ نشوءه، فالنظر إلى هذه التوجهات دون قراءة موضوعية للمعطيات الاقتصادية والسياسية التي واكبت تطور الاردن منذ عهد الامارة، سيضع المراقب امام استنتاجات خاطئة ولن يمكنه من معرفة الاسباب الحقيقية وراء ذلك، فمن المعروف ان موازنة الدولة لعبت دورا اساسيا بتنفيذ السياسات العامة للدولة، وهي الأداة الرئيسية لتحقيق أهدافها، وقد قفزت موازنة الدولة خلال نفس الفترة من 46.2 مليون دينار عام 1964 الى 3539مليون دينار عام 2005 اولية حسب تقارير البنك المركزي، وكان لهذه التطورات والنتائج المبهرة للوهلة الأولى لدولة فقيرة محدودة الموارد الطبيعية نسبيا، تحتل المناطق الصحراوية مساحات شاسعة، أثار سلبية على الاقتصاد الوطني أهمها الشروط المجحفة التي تضعها الدول المانحة للمساعدات الخارجية لكيفية التصرف بهذه المساعدات، بالإضافة إلى سوء استخدام موارد الدولة من قبل الحكومات المتعاقبة، فقد أسهمت هذه السياسات باتساع المؤسسة البيروقراطية في البلاد، مما أدى إلى إهمال الإنتاج الزراعي وتعميق التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني، ان هذه التشوهات لم تكن وليدة الساعة فقد برزت مع نشوء وتطور الاقتصاد منذ قيام الدولة الأردنية، ومرد ذلك إلى الظروف التاريخية التي نشأت بها الدولة ومراحل تطورها، ان عدم توفر امكانية العمل خارج حدود القرية في بداية تشكل الدولة كان حافزا للفلاحين للتمسك بالارض باعتبارها مصدر رزقهم الوحيد، وكانت القرية الملاذ الاول والاخير لابنائها، يغادرها ابناء شيوخ العشائر وبعض الميسورين لطلب العلم، وخلاف ذلك انحصر اتصال ابناء القرية بالمدينة في تصريف منتوجاتهم الزراعية وشراء بعض الاحتياجات الضرورية مثل الملابس وغيرها، ومع زيادة سكان القرية زاد فقر وإملاق أبنائها لمحدودية الإنتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل رئيس على مياه الامطار، نظرا لعدم توفرامكانية تطويرالانتاج الزراعي او الانتقال الى اماكن اخرى للعمل فيها. ومع تطور الدولة الاردنية وتوسع مؤسساتها وانشاء البنية التحتية من خدمات عامة وزيادة الانفاق الحكومي اصبحت الهجرة من الريف الى المدينة ظاهرة ملموسة بهدف العمل في مؤسسات الدولة وقد امتصت اجهزة الدولة جزء كبير من العاطلين عن العمل اوالبطالة المقنعة في الريف، وأخذت هذه الظاهرة بالاتساع الى ان اصبحت ظاهرة سلبية، فقد هجر معظم ابناء الريف الارض الزراعية لمحدودية مردودها قياسا لمعدلات دخل الوظيفة الحكومية، فاصبحت الدولة اكبر رب عمل توظف حوالي نصف العاملين في الاردن، الامر الذي ادى الى تضخم مؤسسات الدولة واصبحت كلفة الوظيفة الحكومية عبئا ثقيلا على الخزينة.فقد شكى وزير المالية في خطاب الموازنة لعام 2006 من زيادة اعباء فاتورة التقاعد التي اصبحت تشكل 15% من النفقات الجارية في عام 2005 علما ان الاشتراكات لا تغطي سوى 4.2% من هذه الفاتورة ، كما شكلت فاتورة الرواتب والاجور للعاملين في الحكومة المركزية والمؤسسات العامة نحو 16.1% من الناتج المحلي الاجمالي في عام2003 وشكل بند الرواتب والاجور في الموازنةالعامة ما نسبته 42% من النفقات العامة لنفس العام، وتعتبر هذه النسب من اعلى النسب عالميا، وتثقل كاهل الموازنةالعامة بشكل كبير وتعكس هذه الفاتورة وجود هيكل تنظيمي حكومي كبير ومشتت ومتداخل يضم حاليا 23 وزارة مقارنة مع 15 وزارة في الدول المتقدمة واكثر من 130 دائرة ومؤسسة عامة. هذه الحصيلة النهائية للسياسات الاقتصادية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة، والتي حكمت البلاد بسلطات مركزية، حكومات غير منتخبة ولم تحصل على ثقة الشعب في مرحلة الاحكام العرفية، وحتى الحكومات التي شكلت في مرحلة الانفراج السياسي في ظل قانون انتخابات الصوت الواحد لم تحظى بالشرعية الشعبية، وتفرض نهجها بقوة القانون الذي فرض بظروف استثنائية، ان هذه التراكمات من الاخطاء السياسية والاقتصادية التي وضعت البلاد في ازمات اقتصادية خانقة وعمقت التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني . منذ بداية الالفية الثالثة تسعى الحكومات المتعاقبة بالتخلص من هذا العبء الثقيل عن طريق اعادة هيكلة الدوائر والوزارات وخصخصة مؤسسات الدولة، لتخفيف الأعباء عن الخزينة، من المهم التأكيد هنا على حقيقة ينبغي عدم تجاهلها، إذا كانت السياسات الاقتصادية السابقة اقترفت خطأ بتوسيع المؤسسة البيروقراطية وتشويه البنية الهيكلية للاقتصاد، فالحكومات الجديدة التي تسعى بوحي من الليبراليين الجدد بالتخلص من هذه الاعباء عن طريق فصل الاف الموظفين باسم اعادة الهيكلة وبيع مؤسسات الدولة تقترف خطأ اكبر، فلا يعالج الخطأ بخطأ جديد وبدفع البلاد والعباد نحو المجهول، إن سياسة اقتصادية جديدة قائمة على اسثمار كافة الامكانيات والثروات المتوفرة، وتصويب الاختلالات الهيكلية بتطوير القطاعات الانتاجية لتحقيق التنمية المستدامة، ووقف هدر المال العام بمشاريع مظهرية ومكافحة الفساد هو المخرج الحقيقي للازمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
#فهمي_الكتوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض خصائص الاقتصاد الأردني 1
-
التجارة العربية في ظل العولمة الرأسمالية
-
نقد الفكر الرأسمالي بين نظريات القرن التاسع عشر ومستجدات الع
...
-
نقد الفكر الرأسمالي بين نظريات القرن التاسع عشر ومستجدات الع
...
-
نقد الفكر الرأسمالي بين نظريات القرن التاسع عشر ومستجدات الع
...
-
مشروع قانون ضريبة الدخل يعمق الفجوة بين الفئات الاجتماعية
-
مشروع قانون ضريبة الدخل يعمق التشوهات الهيكلية للاقتصاد ولا
...
-
الذكرى التاسعة لوفاة شيخ النقابيين والابن البار للطبقة العام
...
المزيد.....
-
في يوم استقلال لبنان: حضرت الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة،
...
-
دعوى في هولندا لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل
-
هنغاريا: العقوبات على -غازبروم بنك- ستخلق صعوبات لدول أوروبا
...
-
أردوغان: نجحنا بنسبة كبيرة في التخلص من التبعية الخارجية في
...
-
بلومبيرغ: تعليق الطيران العالمي يترك إسرائيل في عزلة تجارية
...
-
موسكو: سوق النفط متوازنة بفضل -أوبك+-
-
سيل الغاز الروسي يبلغ شواطئ شنغهاي جنوب شرقي الصين
-
بيسكوف العقوبات الأمريكية على -غازبروم بنك- محاولة لعرقلة إم
...
-
نائب وزير الطاقة الروسي من اسطنبول: الغاز يدعم عملية التحول
...
-
أسعار -البتكوين-.. ماذا وراء الارتفاع القياسي لـ-الاستثمار ا
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|