أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى














المزيد.....

الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7674 - 2023 / 7 / 16 - 12:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"هل الشِّعرُ الحديث يسكنُ في برج عاجيّ مُنفصلا عن هموم الناس وقضايا المجتمع؟" سؤالٌ وُجِّه إليّ في أحد اللقاءات التليفزيونية. والشاهدُ أن خطاب "مابعد الحداثة"، الذي بدأ مع نهايات الستينيات من القرن الماضي، أعلن سقوط السُّلطات، وعلى رأسها سلطةَ الأيديولوجيا. فعزف الشعراءُ عن طرح القضايا الكبرى في أشعارهم انطلاقًا من مذهب "إدجار آلان بو”: "الفنُّ للفن". لكنني أرى أن الشِّعر الجديد مازال يحمل هموم الوطن والعروبة، لكن على نحو مغاير لما درج عليه الشعرُ الملتزم الصريح مثل التجربة الستينية وما قبلها. شاعرُ اليوم، وأنا منهم، يطرقُ تلك القضايا ولكن بمِعول خَفيّ. معولٌ حادٌّ وجارحٌ، لكن مراوغ. الشاعرُ يقتحمُ همومَ المجتمع عبر أبوابها الخبيئة المهجورة. قد لا ترى في القصيدة مفرداتٍ مثل: فلسطين، القومية، العولمة، إسرائيل، التطبيع، النكسة، الوطن، وهلم جرّا. لكنك ستجد كلَّ ما سبق مُتخفّيا داخل فنجان القهوة، والطفلة الخائفة، ومحطة المترو، والجريدة، وفستان البنت، وشريطة شعرها، وغيرها من مفردات الحياة البسيطة. حين يقول لك شاعرٌ: "راح الفتى يبحثُ عن وردةٍ لحبيبته، فوجد محالَ الورود في البلدة مغلقةً والأشجار لم تعد تطرح الزهور"، لن تقف عند المستوى الأول للدلالة، بل ستبحث عن سبب انغلاق محال الورود، ولماذا أضربت أشجارُ الورد عن الإزهار؟ هذا السطرُ البسيطُ يحمل قضايا كبرى، لكنه لم يعد يصرخ بشعارات ضخمة، بل يطرق النار بعود قش رهيف، عوضًا عن طرقها بقضيب معدني، أو لوح أسمنتيّ. وفي رأيي أن هذه الطرائق في معالجة القضية هي الأكثرُ فاعليةً والأقوى تعبويةً. لأنها تضع "القارئ" فوق المنصّة، فاعلا متفاعلا، بدلَ ما كان، في القديم، أحدَ الحضور الذين يسمعون في صمت. القارئ هنا يفكر ويُكمل الدلالات الناقصة فيكون ضالعًا مع الشاعر في استخراج التأويلات. المعنى صار "في عقل القارئ"، بعدما كان قديمًا: “في بطن الشاعر".
تكلّم "سارتر" عن "الأدب الملتزم"، وضرورة أن يحمل الأدبُ "رسالةً كبرى"، وإلا خرج من حقل الإبداع. أتفقُ معه في الفكرة. فأنا لا أستسيغُ الكتابة الهلامية التي لا تثور. ولكن الثورة في الشعر ليست علوَّ النبرة وفخامة الكلمات، بل العكس. فأجملُ الثورات هي تلك التي تحرك الكونَ في هدوء وبساطة، دون أن تُشعرك أن ثمة ثورة تشتعل، لتصحو ذات صبحٍ وقد صار الظلامُ نورًا.
كيف تُشعل ثورةً دون أن تثير جلبةً؟ تلك محنةُ الشاعر. رسالته الوجودية والجمالية معًا. فكلُّ أدبٍ جميل، لابد أن يحمل رسالةً. لكن طرائق التعبير عن الرسالة تتباين من شاعر إلى شاعر. وأفقرُ تلك الطرائق، فنيًّا ومضمونيًّا هو المباشرة والصخبُ.
في قانون الهندسة: "الخطُّ المستقيم أقصرُ الطرق بين نقطتين"؛ وتلك نظريةٌ إقليدية صحيحة، لكنها تخسرُ في ميزان الفن. لأن الفنَّ تمرّدٌ على الاعتيادي. الفنُّ رمزٌ ومجازٌ ورسمٌ ولعِبٌ وانزياح، وليس منطقًا ونظرياتٍ وقواعدَ وقوانينَ وحِكمًا.  "الكلمة" في المقال هدفُها "نقل وتوصيل" المعلومة كالقطار الذي ينقلنا من مكان إلى مكان. أما في الشِّعر، تفقدُ "الكلمةُ" وظيفة "النقل" وتتحول من "قطار" إلى “طيارة ورق” ترقصُ وتغني.
وظيفة القدمين "الانتقالُ من مكان إلى آخر" في حال "السَّير"، بينما في الرقص، تتنصلُ القدمان من تلك الوظيفة، وتكتسبان وظيفةً جديدة هي "الثورة على السير المنتظم". "الكلمة" في الشعر، هي "الحركة" في الرقص. تهرب من "الوظيفة" وتقتربُ من الرسم الفني وتشكيل الدهشة والثورة على “العادي”. الفنُّ قتلٌ مع سبق الإصرار والترصد "للاعتياد" الذي فيه موتُ الفن ومقتلُ الجمال. ومن هنا فالإبداعُ خيانةٌ للمنطق. لذا يلزمُ الشعرَ الجميل قارئٌ ذكيٌّ يفكك شفرات النصّ ليستخرج منه الخبيئةَ الكامنةَ التي تتخفّى بين السطور. يقتنص منه الثورة والتمرد على فنون القول الاعتيادية. ولذا فإن قراءةَ الشِّعر باستسهال هدمٌ وترويعٌ للقصيدة.
وأعودُ للجملة البسيطة: "راح الفتى يفتّشُ عن زهرة لحبيبته/ وعاد دون زهرة" قد تقتلها لو قرأتَها باستسهال. لكنَّ القارئَ الحصيفَ سوف يبصرُ فيها دلالات سياسية واجتماعية وفلسفية شديدة التعقيد. حين يتساءل: هل محالُّ الزهور مغلقة، لأن المدينة محتلّة، أم أن حكمًا دينيًّا فاشيًّا يكبّلها؟ هل هي طهران، الخرطوم؟ هل هي مصر لحظة الاحتلال الاخواني؟ أم أن الحقولَ جفّت فلا زهور تنمو بسبب الفقر والقفر؟ أم أن المطرَ يهطلُ لكن الزهرَ يأبى أن ينمو هناك لأنه غاضبٌ؟ هل يغضبُ الزهرُ؟ متى يغضبُ الزهرُ ولماذا؟ مليون تأويل بوسعنا أن "نُبصره" في تلك العبارة القصيرة.
من هنا أقول إن كل عمل إبداعي جميل، يحمل، بالضرورة، أسئلة وجودية كبرى. وكل قصيدة جميلة، هي "ثورة" على اللغة والبيان. وإن لم تبدُ فوق السطح. وعلى القارئ أن يجهدَ في التفتيش عنها، لأن القراءة فنٌّ صعبٌ، لا يقلّ عسرًا عن فن الكتابة. ولا يقل عسرًا عن ثورات التاريخ العظمى.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكي تعرفَ الزهورَ … كُن زهرةً
- حمدي أبو جليل … أول كتاب قرأتُه
- أولُ ما قراتُ من كتب
- من ملف الإخوان النسائي
- هل نسينا؟ لم ننسَ، ولا ينبغي أن ننسى!
- هدايا عيد الأضحى لابني عُمر… شكرًا للطيبين
- جائزة أحمد عكاشة للطب النفسي
- كل سنة وأنت طيب يا بابا
- ماجدة صالح … الفراشةُ التي طارت!
- عيد ميلاد -المصري اليوم- … طيارة ورق
- المرأة … والدولفين!
- جولة في المتحف المصري الكبير
- ابتسامة جورج وسمير… وجميلتان!
- فكأنما أحيا الناسَ جميعًا
- أنا أنتظرُ … إذن أنا موجود!
- السلامُ … والنور
- أنت مصري؟ سلِّم على -عادل إمام-
- الناجحون … ماذا يضعون على رؤوسهم؟
- طاووسيةُ الموسيقارِ الجميلةُ
- فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الشِّعرُ …. والقضايا الكبرى