|
- المسيانية- كعامل جيوسياسي - 3 -
مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب
(Marzouk Hallali)
الحوار المتمدن-العدد: 7670 - 2023 / 7 / 12 - 07:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقولة: "تعتبر المعلومات وثيقة الصلة بالموضوع عندما تساعد في إلقاء الضوء على الإشكالية قيد الدراسة أو البحث". *******************
انتهت الورقة السابقة: " المسيانية" كعامل جيوسياسي - 2 - عند قولة عالم الاجتماع الفرنسي " جورج بالانديي" - Balandier Georges : "من أكثر الظواهر المميزة للتغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت خلال الفترة الاستعمارية ، على مستوى العديد من المجتمعات المنتمية إلى أفريقيا السوداء المسيحية ، ظهور حركات مسيانية تلد إلى حد ما كنائس زنجية سريعة الزوال. كانت هذه الحركات رد فعل ديني بشكل أساسي في المظهر، وسرعان ما طورت جانبًا سياسيًا [...] العنصر المركزي هو شخصية نبوية طورت تعاليم تعلن نهاية جميع حالات الاغتراب التي مر بها الأفارقة السود ".
هذا التحليل صالح للمناطق المستعمرة الأخرى، فقط نظام المعتقدات الدينية يمكن أن يختلف.
انتفض "الهمونغ" - Hmong - من جنوب شرق آسيا (شمال الهند الصينية) ، أتباع "الشامانية" (السحر والشعوذة) ، عدة مرات خلال فترة الهيمنة الفرنسية. العديد من هذه الانتفاضات كانت ذات طابع مسياني وطبيعة مركبة: "دينية" - بالتأكيد - ولكن أيضًا اجتماعية وسياسية وعسكرية.
كما أن العديد من حركات الفلاحين في أمريكا اللاتينية كانت ذات بعد مسياني.
كان المشاركون في "ثورة الملح" في "هوانتا" في بلد "بيرو" سنة 1896 يأملون في العودة إلى "المجتمع المثالي" تاوانتين سويو" (إمبراطورية الأنكا).
إن التحديث القسري الذي فرضه القادة البرازيليون منذ سبعينيات القرن التاسع عشر ، لا سيما في الشمال الشرقي ، لم يفيد أفقر الناس، وقد صاحبته أعمال وحشية مثل إخلاء الأراضي والمساكن وأماكن العبادة. تسبب هذا في ثورات، قادها أحيانًا دعاة وعدوا بحياة أفضل. أشهرهم كان أنطونيو ماسيل - Antonio Maciel - ، الذي قاوم من 1889 إلى 1898. يروي لنا الكاتب "ماريو فارغاس يوسا" - l’écrivain Mario Vargas Llosa - قصته في روايته - The War at the End of the World - (حرب نهاية العالم ) (1). -------------------------- (1)- (La Guerra del fin del mundo) - هي رواية باللغة الإسبانية للكاتب البيروفي (من البيرو) "ماريو فارغاس يوسا" ، ويرجع تاريخها إلى عام 1981. وهي تستند إلى الأحداث الحقيقية لحرب "كانودوس" وتضيف أمثلة على مصير الإنسان. في بداية تسعينيات القرن التاسع عشر ، لم يكن للفلاحين الفقراء في شمال شرق البرازيل أي علاقة بالجمهورية الفتية التي تأسست عام 1889. فقد عاشوا حياة صعبة ، بين المجاعة والجفاف وقطاع الطرق. في ذلك الوقت ، التقى قديس صوفي متجول سافر إلى الشمال لعدة عقود ، مع أتباعه المتزايدين في "كانودوس" . على هذه الأراضي التي استولوا عليها ، كان الهدف هو بناء "القدس الجديدة" ، كجيب للمؤمنين في نهاية العالم ، وهو ما توقع القديس حدوثه في 1900. وذلك تجد هذه الجماعة المسيحية الفداء والرجاء والكرامة الجديدة. ------------------------------
تغلغلت "عقيدة النبوة" - prophétism - في التيار الثوري المكسيكي بقيادة "إميليانو زاباتا" - Emiliano Zapata - بين 1911 و 1919.
كما تميزت الانتفاضات التي اجتاحت المكسيك بين 1926 و 1929 ببعد مسياني.
تستند الأيديولوجيات الشمولية أيضًا إلى الوعد بمستقبل "أفضل مزدهر و مشع. وغالبا ما تشمل مرحلة أولية من العنف الشديد ، من أجل "تطهير الماضي" عبر القضاء "نهائيا" على مصادر البلية والويلات (الطبقة ، البلدان العدوة ، عرق ما...).
يؤكد المؤرخ الفرنسي "فرانسوا فوري" - François Furet - أن الأنظمة الشمولية تضع منظومات لشرح العالم و من خلالها يتخذ الفعل السياسي للبشر طابع "العناية الإلهية" ، مع استبعاد أي إله طبعا. هذه هي - بطريقة ما - "العقيدة الألفية العلمانية" أو "المسيانية المادية" ، وهذا مما يساعد على تفسير عدم ثقتهم الشموليين الفاشيين في الأديان ، بل رفضها عند النازيين أو محاولات القضاء عليها عند الشيوعيين.
مثل "المسيانيات" السابقة الذكر ، تتموقع الأنظمة الشمولية في سياق تغييرات عميقة وجدرية.
وتجدر الإشارة إلى أن المجتمعات التي ولدت "أنظمة شمولية نموذجية" (الإيطالي والألماني والروسي والصيني والكمبودي) ، قد تأثرت بدرجات متفاوتة بظاهرتين من المحتمل أن تكون قد غذت الرغبة في الاندماج في "كل واحد عظيم" : - التكامل غير التام، - الوحشية الشديدة التي سببتها، إلى حد كبير، الآثار المباشرة وغير المباشرة للحرب.
تكمن العوامل التفسيرية الرئيسية في هشاشة التماسك الوطني ، وعدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي الناتج عن التحديث الاقتصادي ، فضلاً عن التقليل من أهمية العنف من خلال الحروب.
رفضت الفاشية ضعف إيطاليا على الساحة الدولية ، والأوليغارشية الحاكمة والشيوعية. وعملت على حشد الفئات الشعبية والمتوسطة، المستبعدة من ممارسة السلطة، حول القومية ورفض الديمقراطية البرلمانية التي لم تكن تمثلهم.
إن اللجوء إلى العنف للاستيلاء على السلطة ثم الاحتفاظ بها فرض نفسه بسهولة أكبر لأن العديد من الرجال (جماعة هتلر) قد مارسوه للتو لمدة ثلاث سنوات.
فسرت النازية التاريخ من خلال صراع الأعراق. واعتبرت أن العرق الجرماني احتوى على جميع الصفات المرغوب فيها، مما جعله متفوقًا على الآخرين، لكنه أثار الغيرة والكراهية من جانب الأخير. وحمل هتلر في اليهود المسؤولية بخصوص كل ما لحق بألمانيا من مصائب ألمانيا . لقد رأى فيهم "الشر المطلق" الذي يجب القضاء عليه لضمان سعادة الشعب الألماني وإقرار هيمنته على العالم. ومن هكذا وجهة النظر هذه للعالم، نشأت الحرب العالمية الثانية و "تصفية يهود أوروبا". ولا يمكن فهم تبنيها من طرف جمهور واسع ومتزايد في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي وحتى عام 1933 إلا في إطار السياق العام : الهزيمة المدوية وإذلال معاهدة السلام ، والأزمات الاقتصادية ، وعدم الاستقرار السياسي ، وغياب التقاليد الديمقراطية ، و تفشي البطالة ، واللجوء إلى العنف الذي بدا "عاديا" جراء الحرب العظمى.
أما الماركسية - اللينينية، فقد رأت في "أعداء الطبقة" العقبة التي تقف بين "العمال" وتحقيق "المجتمع الشيوعي المثالي" (بدون طبقات اجتماعية وبتوجيه من العمال) ؛ لذلك بدا من "الصواب" و "الضرورة" التخلص من "الأعداء الطبقيين".
أدت هذه الرؤية للتاريخ إلى ثورات عنيفة وحروب عصابات وحروب أهلية ومنظومة معسكرات اعتقال وعمليات تصفية وقتل جماعي (ستالين ،بول بوت... ). لكن تبني هذه الرؤية للتاريخ والاعتقاد القوي بصحتها، أخفى أو برر حمامات الدم المقترفة.
في المؤتمر التأسيسي للأممية الشيوعية (الكومنترن) في 1920 ، أعلن "تروتسكي: " "في كل نشاطه ، يظل الشيوعي دائمًا وفيا لنفسه ، عضوًا منضبطًا في حزبه ، عدوًا عنيدًا للمجتمع الرأسمالي ونظامه الاقتصادي ودولته وأكاذيبه الديمقراطية ودينه وأخلاقه. إنه جندي مخلص للثورة البروليتارية ومبشر للمجتمع الجديد لا يكل ولا يتعب"
كان الأمل والعنف يسيران يدا بيد، و قدمت الشيوعية منذ نشأتها ملامح "مسيانية ألفية": الإعلان عن مجتمع أفضل يعكس ويقلب واقع لصالح المحرومين، تسبقه فترة من العنف الشديد، شهدت بدايات الإدراك في روسيا وقدر لها الانتشار في عدة أنحاء من الأرض، من خلال اللجوء إلى القوة. __________ يتبع: حقبة ما بعد الحرب الباردة _________
#مرزوق_الحلالي (هاشتاغ)
Marzouk_Hallali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- المسيانية- كعامل جيوسياسي - 2 -
-
- المسيانية- كعامل جيوسياسي - 1 -
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية – الحلقة الأخيرة -
-
الترتيبات الأمنية لأوكرانيا مستقبلا - 2 -
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية - 6 -
-
الترتيبات الأمنية لأوكرانيا مستقبلا - 1 -
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية 5
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية 4
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية 3
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية 2
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية 1
-
جرائم في حق أطفال أوكرانيا
-
-الإسلام في إفريقيا- ما وراء الجهاد؟-
-
موسكو تشن حربا أخرى في الداخل
-
ما هي مكانة الفضاء في الاستراتيجية العسكرية الروسية؟
-
-ثقافة الإلغاء-
-
-بايدن- يوقع على ميزانية إنفاق 1.7 تريليون دولار، منها 3.8 م
...
-
الامم المتحدة تطلب من محكمة العدل الدولية التفكير في -الاحتل
...
-
القضية الديموغرافية: سكان إسرائيل في فجر 2023
-
تكلفة الحرب: الاقتصاد الروسي يواجه عقدًا من التراجع
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|