كلمات
-21-
طارق حربي
رسالة إلى أهلنا في الناصرية
الشيخ حجة الله محمد باقر الناصري المحترم.
السادة في الأحزاب الوطنية المحترمون.
السادة في الأحزاب الإسلامية المحترمون.
عموم أهلنا في المدينة ومن خلالكم إلى أمتنا العراقية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهنئكم بمناسبة سقوط الطاغية، وكذلك بمناسبة إنطلاق إعلان استئصال البعث الفاشي من خيمة أور، حيث مهد السلالات السومرية وزقورة أور وغرفة سيدنا إبراهيم (ع)، أكتب إليكم يامن تعيشون الحرية وقد تحققت على أرض الواقع في مدينتنا وبلدنا، ولامراء في أن الإحتفال بسقوط الطاغية في العراق يعطي سعادة مضاعفة وشعورا جماعيا: إنه انتصار جماعي ملحمي لشعب صبر طويلا على الطغيان.
ياأبناء أمتي العراقية في الناصرية، تتذكرون كم عانت مدينتنا تحت حكم الطاغية الساقط، لقد تم ذلك خلال مشروع لعين مدروس أنتج من ضمن ماأنتج جحودا وإهمالا مقصودين للمدينة وأهلها، لاسيما في إقصائها من خطط التنمية المقررة لكيان الدولة العراقية المتعثرة أصلا، حتى أن أعباء الحياة تضاعفتْ عليكم بسبب ضعف الخدمات في المدينة الصابرة.
ولم تكتفِ سلطة الطغيان بذلك، فطورت مصطلح الشجرة الخبيثة إلى مصطلح سياسي مخابراتي ليشمل العراق كله، أي حاولتْ زرعه في نفوس شعبنا وحصاده لخدمة مصالحها، بتأليب طائفة على طائفة، وتكريس نوع من الكراهية لأهل هذه المدينة الشجعان الطيبين المسالمين، وكان يمكن لهكذا مصطلح أن يتبلور في أدبيات حب الوطن، وتنمية الروح الوطنية بإعتباره ذي دلالة عراقية، نتجت عن رفض أبناء المدينة للإحتلال البريطاني قبل أكثر من ثمانين سنة.
والطاغية يعرف ذلك جيدا لكنه حرفه!!
وكما في المدن الأخرى أزهق البعث الفاشي في مدينتنا أرواح الناس وهتك أعراضهم، وأهين من أهين وأذل من أذل، لكن المدينة -كباقي المدن العراقية الحبيبة- لم تسلم رقبتها للفاشية البعثية، فبقيت رؤوس الناس فيها مرفوعة وقاماتهم منتصبة.
وسقطت بعد سقوط الطاغية الكثير من الأقنعة، وانكشفت عورات لاسيما العربية منها وماأقبحها!؟، وتبين أن الذي كنا نعرفه عن إستهتار الطاغية بأرواح العراقيين،وكذلك تبديده لثرواتنا، وتخريبه لحاضر بلدنا ومستقبله، كنا نعرف عن ذلك القليل القليل، ولكم كنا بسطاء سذجا!؟
فبمرور السنوات عرفنا أنه لم يبق عروبي ولاقومجي أمضى حياته في دهاليز عفلق الماسونية، إلا وكان له نصيب من ثروات البلاد، ومواقف من أهل البلاد، تعلي شأن الطاغية وتخفض شأن أهلنا، ولم يبق باحث ستراتيجي فاشل وعاطل عن العمل،بعد هزائم العرب في حروبهم ضد إسرائيل، ولاضابط خائب من بقايا حزيران ونكسات العرب أجمعين، إلا وأدلى بدلوه في قضية العراق والعراقيين، ولارئيس فاشل في السياسة و(البزنس!!) على حد سواء، إلا وحشر أنفه في آلام شعبنا من أجل الكسب الحرام، ولاراقصة (لهلوبة) إلا ورقصت الوحدة ونص على آلام أطفالنا، ولاممثلة شاعرة تدعي بانها أم الحداثة ولاصحافي مرتزق، أو كاتب عمود في صحيفة منبوذة تتألف من صفحتين صفراوين، يعلم الله من نظام أي شعب فقير تستجدي، إلا ونظّروا في شأننا السياسي وقوتنا ومستقبلنا، ولافنان ولاكاتب مسرحي ولارسام فاشل، إلا في صبغ وجه الطاغية بألوان الجحيم، إلا ولون لنا سموتنا وأرضنا وقال لنا من هنا سيروا!!
بهذه الطريقة وغيرها استطاع الطاغية شراء ذمم أحزاب وصحف ومواقع إنتيرنيتية ومنظمات وتجمعات وشخصيات وفضائيات، وتآمر كل هؤلاء على شعبنا ومستقبله، تحت يافطة القومية والعروبة والوحدة والحرية والغشتراكية وما إلى ذلك من شعارات البعث البائسة.
وتعامل العالم معنا في سنوات الحكم البغيض من عل،ٍ كما لو أن أرض العراق هي الأكثر انخفاضا في جغرافيا السياسة الدولية، والأمة العراقية هي الأكثر ضعفا وقلة مناعة سياسية، في هذا الحراك السياسي الكوني، فتكالب علينا من تكالب، واستأسد على طيبة قلوبنا من استأسد!!
وبحجبه لدور الإعلام كله حجب النظام من ضمن ماحجب القنوات الفضائية التلفزيونية عن الناس أجمعين، واستمر ذلك لسنوات طويلة في عملية منظمة لتغيبب وعي الناس في العراق لكن هيهات، وكان لهذه الفضائيات دور فاعل في سرعة نشر الخبر، وإعادته وأحيانا تشويهه، واللعب عليه لإثارة المناكفات السياسية بين الدول العربية، حتى لتبدو أحيانا مثل لعب (الزعاطيط).
أخطر الفضائيات طرا هي فضائية الجزيرة القطرية، ودلت الوثائق التي عثر عليها مؤخرا أن المخابرات العراقية زرعت عناصر في داخل مكتب الجزيرة، كما دلت أيضا على وجود علاقة من نوع ما تربط بين النظام المجرم بمدير الجزيرة جاسم العلي، وفاحت روائح الفضائح قبل أيام، ماحمل الحكومة القطرية إلى طرده.
وكعادتها في التدليس والكذب حاولت الجزيرة بطريقة وقحة ومفضوحة رد التهم عن النظام الفاشي، والدفاع عنه بطريقة مخجلة وسمجة، من خلال إستضافة المأجورين من قابضي الثمن الحرام من رزق شعبنا، وذلك عندما كانت- عبر سنين طويلة- تغض النظر عن الكثير من انتهكات حقوق الإنسان في وطننا، وتسوغ للمشاهد العربي النظام البعثي الساقط وتقدمه على أنه حامي الحمى، والذابّ عن حياض الأمة، والنظام الوحيد في العالم العربي الذي وقف بوجه الإستعمار والصهيونية!
يالبعض الوجوه العراقية والعربية البشعة، التي استضافتها الجزيرة، كم ظلت تدافع عن النظام الفاشي حتى بعد انهياره وسقوطه، وأسوق لكم آخر مثل من استهتار الجزيرة حتى بعظام شهدائنا في المقابر الجماعية، فقد ادعى أحد النكرات العرب المستفيدين من النظام المقبور، في برنامج المدعو فيصل القاسم (الإتجاه المعاكس) قبل أيام، بأن ضحايا المقابر الجماعية هم من أهل السنة، ممن قام الشيعة بإعدامهم في العام 1991
وفيما يتعلق بموقع العراق في خارطة السياسة الدولية، فأنتم تعرفون بأنه منذ أكثر من خمسين
سنةلم يكن وطننا بالنسبة للغرب أكثر من بئر نفط، وبقي العراقيون بسبب من الطغيان والقمع المبارك من قوى دولية وإقليمية، خارج التحالفات والمؤامرات السياسية التي أحاطت بالبئر، أي أن شعبنا راح ضحية البئر، بدل الإستفادة منه كسائر الشعوب التي تعيش منعمة بآبارها وخيراتها، وكان حريا بالولايات المتحدة وبريطانيا أن تسلكا غير ذاك المسلك، ويسقطا الطاغية بوسائلهما الجهنمية، كما فعلتا، دون سقوط مئات الآلاف من الضحايا العراقيين!!
دوليا وقانونيا كان لابد من سقوط الأمم المتحدة بعد سقوط الطاغية!!
ونحن نعجب كل العجب لماذا لم تسقط المنظمة الدولية، وشرائعها وقوانينها التي خلفتها وراءها الولايات المتحدة وبريطانيا حبرا على ورق!، لماذا لم تسقط المنظمة ومصائر الشعوب تداس ببساطيل عساكر الدول العظمى، ويقتل الناس وتمتهن كرامتهم.
وسقط النظام العفلقي الفاشي المجرم وانكشفت جرائمه بحق شعبنا!
وتحدت المقابر الجماعية كل ذي قلب غليظ!
فالأيدي الموثوقة إلى الخلف والأرجل والعيون المعصوبة، فضحت عقيدة القتل البعثية الفاشية في الإعلام العالمي، وهي العقيدة التي سامت العراقيين الخسف، وسكت عنها العرب والعالم لأنها لم تضر بمصالحهم،، وصُدم الناس في كل مكان، ثم تبين أننا مخدوعون حقا: فالعراق لايطفوا على بحيرة من النفط كما صوره لنا خبراء الجيولوجيا، البحيرة التي عشنا رغدا على أحلامها، ولم نحصل منها على شيء عدا الأشواك، بل إن العراق كان يشيد زمانه الفاشي على عظام أعزائنا، وربما سيكتشف العلم يوما ما بالإستناد إلى الفتوحات الفضائية في عالم اليوم، ربما سيكتشف في قبة الفضاء صرخات أعزائنا إخوتنا، وكلماتهم وربما توسلاتهم لجلاديهم، قبل إعدامهم بالرصاص، أو قبل أن تقوم (الشفلات) البعثية المجنونة بدفنهم أحياء!
إنني أدعو إلى أن تكون هذه المقابر نصب أعيننا نحن العراقيين، بوصفها فظاعات إنسانية لايجب أن تتكرر، تحت أي حكم وأي حزب وأي مسمى، ونصب أعيننا أيضا في حوارنا مع القومجية، ودعاة الفكر القومي الشوفيني الذين ربما يزورون بغداد، لمحاورة زعمائنا السياسيين علهم يحصلون على شيء ما من كعكتنا الجديدة، كما أدعوا إلى يوم وطني خاص بشهداء المقابر الجماعية، يوم يقف فيه العراقيون إكراما لإخوتنا، من أصحاب الرأي والموقف ممن سقطوا دفاعا عن آراهم ومعتقداتهم، وأدعوا إلى إقامة متحف لهم وتوثيق حياتهم وتواريخ سقوطهم، واعترافات القتلة إن وجدت والدفانين أو سائقي (الشفلات) الذين حفروا المقابر، إلى ماهنالك فيما يتعلق بهذه الفظاعات البعثية.
أما اليوم وبعد سقوط الطغيان وحقبته الظالمة، أرى أن نركز جهودنا على المستقبل، ونستفيد من دروس الأمس القاسية، فإعادة الإعمار كما أراه هو مهمة شاقة ستستغرق سنين طويلة! ولايخفى عليكم أيها الإخوة أن الخراب الهائل في وطننا، شمل لاالبنية التحتية بل النفوس أيضا، وبناء الإنسان العراقي وإعادة ثقته في نفسه ينبغي أن تكون من أولويات مهماتنا المستقبلية، وأرى كذلك أن نبذ العنف والثارات والتطرف الديني واجب وطني لبناء عراق حر موحد ديمقراطي سلام على المدينة الصابرة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
سلام على تمثال الشاعر الرقيق والوطني الصلب المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي.
سلام على عصارى المدينة، حيث تتوقف جولات عواصف الغبار، ولايتوقف الناصريون عن التمشي في شارع الحبوبي، محيين بعضهم بعضا، متفقدين بعضهم بعضا.
سلام على الفرات الجليل العادل وهو يشطر المدينة إلى شطرين.
سلام على كل (زورية) سبحت في الفرات، ورافقت جوعنا الأبدي قبل الحصار، وبعد سقوط الدينار العراقي على ركبتيه.
سلام على كل بردية نشَّف ريقها الطاغية، وظلت منتصبة في اليباس، حاملة تعاليم سومر إلى البشر
سلام على الفارين من حروب الطاغية وظلوا فارين إلى أن سقط الطاغية!
سلام على رفاق دربنا من شهداء انتفاضتنا المجيدة، سواء الذين عثر عليهم ذووهم في المقابر الجماعية، أولم يعثروا لهم على أثر حتى الآن.
سلام على أمهاتنا أمهات الضحايا
سلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
ولدكم
طارق حربي
Oslo 6.6.2003
----------------------------------------------
يحمل هذه الرسالة مشكورا الصديق المخرج السينمائي هادي ماهود، المسافر إلى الوطن قريبا، لتصوير الاحداث التي يمر بها وطننا وشعبنا.