أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ثامر عباس - ظاهرة الأريفة وتآكل المدماك الحضري














المزيد.....

ظاهرة الأريفة وتآكل المدماك الحضري


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7669 - 2023 / 7 / 11 - 11:22
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


على الرغم من أن العلاقة ما بين الريف والمدينة هي من نوع العلاقات العضوية التي لا تستلزم فقط وجود كلا الطرفين في سياق تاريخي واحد فحسب ، وإنما تستدعي حصول تفاعل بيني وتواصل متبادل لضمان انتظام سيرورة التطور الحضاري ، بالشكل الذي يحقق مصالح المجتمع الكلي (الحضري والريفي) على نحو متوازن ومتناغم . ولكن مع ذلك ، تبقى ظاهرة (الأريفة) بمثابة لعنة تطارد المدن وتتربص بها الدوائر ، كلما تهاونت هذه الأخيرة في الذود عن مكونات (حضريتها) إزاء مظاهر (التأريف) المتوثبة للانقضاض عليها مع كل لحظة تغافل أو تكاسل . وهو الأمر الذي دللت عليه العديد من تجارب المدن والحواضر في بلدان العالم الثالث ، التي وجدت نفسها في أتون انعطافات تاريخية حادة ، واختلالات بنيوية مزعزعة .
وإذا ما وضعنا باعتبارنا تجارب المدن العراقية بصورة عامة ومدينة بغداد بشكل خاص بشأن نصيبها من عمليات (الأريفة) التي تعرضت لها ، سنلاحظ ان كل ما وقع من أزمات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ضمن نطاق الجغرافيا العراقية ، كانت مدينة بغداد – ولا تزال – هي المستهدف الأول والمتضرر الأكبر لجهة تآكل مدماكها الحضري وتشوه معمارها المديني وتبدون محتواها السكاني . ليس فقط كونها القطب الأبرز في إطار قوى الجذب المادي والإغراء المظهري التي تتمتع بها نظير مدن العراق الأخرى ، لاسيما في مجال توفر الخدمات الإدارية والبلدية والصحية ، فضلا"عن تكاثر الفرص الاقتصادية والوظيفية والتعليمية فحسب ، وإنما نتيجة لطابع عمرانها التاريخي المتقادم والسريع التأثر بالحراك العمراني (العشوائي) المنفلت ، جراء طبيعته الهشة بنيويا"والحساسة حضاريا"إذا ما قورن بنظيره العمران الحداثي الذي يمتاز بالمتانة والصلابة ، فضلا"عن قدرته على التكيف مع المتغيرات والتطورات في طرز العمارة والاستجابة لأنماطها المدينية .
ولعل من أخطر مظاهر (الأريفة) التي يمكن أن تواجهها المدن التاريخية – وبغداد مدينة تاريخية بامتياز – إزاء موجات (الهجرة) الريفية والقروية التي لم تفتأ تستهدفها بشكل يكاد يكون يومي ، وخصوصا"خلال العقدين الماضيين اللذان شهدا عمليات نزوح هائلة لم تتعرض لها هذه المدينة المستباحة منذ خمسينيات القرن الماضي ، وذلك لأسباب عديدة لا يسع المجال هنا ذكرها والتطرق إليها . نقول ان من أخطر مظاهر تلك (الأريفة) كونها لا تقتصر فقط على مفاقمة الكثافات السكانية الخانقة ، ومضاعفة ما ينجم عنها من مشاكل مجالية واجتماعية ونفسية وصحية ليس من السهل ضبطها والسيطرة عليها فحسب ، وإنما – وهي الأهم بنظرنا – إحداث تغييرات جوهرية وتحولات عميقة داخل بنى الوعي الجمعي ومنظومات القيم الأخلاقية لدى الساكنة ، والتي من شأنها زيادة معدلات التآكل والاندثار في أساسات المدماك الحضري للمدينة ، بعد أن تكون كفة العوامل المسؤولة عن مظاهر (الأريفة) و(البدونة) قد تغلبت وتفوقت على ضدها النوعي العوامل الداعمة لمظاهر (التمدن) و(التحضرن) التي طالما كانت تعاني الضعف والهزال .
والجدير بالذكر ان الاهتمام بمدينة (بغداد) التاريخية وغيرها من مدن العراق الأخرى ؛ لجهة الحفاظ المستديم على أنماط عمرانها المديني والرعاية المستمرة لطابعها الحضري ، قلما شكلت هاجسا"وطنيا"وحضاريا"لدى معظم الذين توافدوا على سدة الحكم في هذا البلد المستباح والمنتهك ، لاسيما وأن أغلب أصول هؤلاء (المتسلطين) تشير الى أنهم ترعرعوا في بيئات ريفية وقروية لا تزال تعيش في أطوار بداوتها الأولى ، فضلا"عن كونهم لم يفتأوا يمتحون من نسغ قيم وأعراف أبت أن تفارق نوازعها القبلية والعشائرية . ولذلك قلما اكترثت رموز تلك الأنظمة السياسية (المتريفة) بالمصائر التي آلت – وستئول - إليها هذه المدن ، جراء سيول (الهجرة) الريفية والقروية المتدفقة نحوها على مرّ العقود من جهة ، مثلما لم تحفل بتسلل وتغلغل القيم والأعراف والعادات والرموز ذات الطابع (البدوي) و(القبلي) داخل أوساط المجاميع السكانية التي سبق وأن اكتسبت الطابع (المديني) و(الحضري) ، الأمر الذي لم تلبث آثاره السلبية تنعكس على تواضعات (الانتماء) للمكان / المدينة و(الولاء) للجماعة / المجتمع .
وبقدر ما تتمكن المجاميع الريفية والقروية ذات الأصول (البدوية) التي دفعت بها موجات (الهجرة) المستمرة لاستباحة المدن وانتهاك حضريتها من تغيير موازين القوى لصالحها ، بقدر ما تشرع ظواهر (التأريف) المديني و(التبدون) الحضري بالظهور العلني والانتشار السافر بين جنباتها ، على وقع (التآكل) التدريجي و(الاندثار) البطيء لمداميك عمارتها المدينية وعمرانها الحضري .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيرة الدراما العراقية في مسلسل حيرة !
- مشاكسات المطمور في اللاوعي الجماعاتي
- حصاد القارئ من بيدر القراءة
- هل للدين علاقة بالاغتراب ؟!
- الدولة العراقية وتعسّر كينونتها الحضارية
- الماضي وعلاقته بالدين
- الماضي وعلاقته بالاسطورة
- الوظيفة النقدية للخطاب الاعلامي
- انكفاء صيرورة (المواطنة) في وعي المواطن
- تفسير الأنماط الثقافية للشخصية العراقية
- الاسطوغرافيا العراقية والدعوة للتحول من الأعلى الى الأسفل
- المحنة العراقية : السلطة ضد الدولة
- مفارقات المثقف المؤدلج وفخ (الهجنة) الايديولوجية
- أرشيف الماضي وقاموس المعاني : قراءة في المقاصد والحدود
- السبق الحضاري في المجتمع المعطوب : فاعل عراقة أم عامل إعاقة ...
- الشخصية العراقية ورواسب الهجنة الايديولوجية
- القاع والقناع : احتباس الوعي بين التاريخ والايديولوجيا (حالة ...
- السياسة والفلسفة : تقارب أم تضارب ؟!
- الاطر الحضارية للعلوم الانسانية
- مفارقات المجايلة في سيكولوجيا الجماعات العراقية


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - ثامر عباس - ظاهرة الأريفة وتآكل المدماك الحضري