|
ما بعد معركة جنين لن تكون كما قبلها
وسام فتحي زغبر
الحوار المتمدن-العدد: 7662 - 2023 / 7 / 4 - 01:57
المحور:
القضية الفلسطينية
بقلم: وسام زغبر عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
كل شيء تغيَّر، في جنين تفوح رائحة البارود والرصاص في كل مكان ويعيش سكانها حياتهم بطرقهم الخاصة، شهيد يودع شهيداً، وشهيد يوصي بآخر، شهداء جنين حالهم وشكلهم يختلف عن باقي شهداء فلسطين، في شوارع وأزقة جنين تشتم رائحة الدم في كل مكان. كل بيوت وشوارع وأحياء جنين تعيش الموت وتودع أبنائها الشهداء بالزغاريد والورود في مواكب جنائزية مُهيبة، ولكن للحياة في جنين طعم آخر، فهي محاطة بوابل من الآلام والآمال معاً. آلامنا كبيرة، ولكن آمالنا أكبر، ومآسينا كثيرة، ولكن البطولة أكثر، سنخفي الكثير من الدمع اليوم، لنغسل به غداً أعلامنا الوطنية المبقَّعة بالدم. الحق الفلسطيني واضح كالحقيقة الفلسطينية، في المقابل نرى بطل الجريمة ما زال باحثاً عن الدم الفلسطيني وإخفاء الوجود الفلسطيني تارة بالقتل والاعتقال وهدم المنازل وتشريد المواطنين، وتارة أخرى بضم الأراضي الفلسطينية لفرض السيادة الإسرائيلية عليها وتوسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة، إذ لم يجر تعديل على نص القتل والتشريد والتهجير وبلاغة القاتل. كل هذه الجرائم والدم المُسال تجري على وقع مسمع ومرأى المجتمع الدولي وأمام سياسة الكيل بمكيالين التي تكيلها الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحتى المنظمات الدولية تجاه اللعب بحقوق شعبنا الفلسطينية. لا اختلاف على القاتل ولا اختلاف على الجريمة ولكن لا سلام مع الاحتلال ولا أمن معه، ولا حياة مع الاحتلال، ولا تعايش مع عمليات الإبادة والتهجير والتهويد.... إن شعباً يحب الحياة إلى هذا الحد، لن تخذله الحياة، ولا بد له أن ينتصر، حيث اتصل مقاتل من مخيم جنين المُحاصَر والذي يتعرض لعدوان إسرائيلي همجي بصاحبه خارج المخيم قائلاً: «احكي لي نكتة لأضحك قبل استشهادي»، قال صاحبه: «كيف تضحك وأنت على حافة الموت؟»، فقال: «لأني أحب الحياة، أريد ان أودعها ضاحكاً». هكذا أراد الاحتلال لجنين الحصار والخنق والتدمير والدفع بقوات وآليات جيشه وطائراته في محاولة مليئة باليأس لاجتثاث المقاومة واستهداف المدنيين العزل واستخدامهم كدروع بشرية وإطلاق النار صوب الطواقم الصحفية والإسعاف وحتى المشافي الفلسطينية، لكن إرادة الصمود والتحدي لشعبنا ومقاومته ستكون أقوى من جبروت الاحتلال وعدوانه في إجهاض كافة مشاريع نتنياهو وإلحاق الهزيمة بالاحتلال والتي سيحمل حتماً ذيول هزيمته. لم ينس الاحتلال ما جرى قبل 21 عاماً عندما أراد تدمير مخيم جنين ذو المساحة الصغيرة فوق رؤوس ساكنيه واهماً أنه سيكسر شوكة شعبنا ومقاومته، فأراد الانتقام منها مرة أخرى مدمراً شوارعها وبنيتها التحتية وبعضاً من بيوتها ومستهدفاً أبنائها ومقاوميها في إطار استراتيجية واضحة المعالم أعلن عنها نتنياهو مؤخراً مخيراً شعبنا بين السجون أو القبور، في خطوات متلاحقة ومتراكمة لحسم الصراع في الضفة وفرض الحل الصهيوني على شعبنا ودفعه للتسليم بالقدر الإسرائيلي، فها هي المقاومة أقوى من ذي قبل ولن تنكسر وستنتصر على الغزاة والمعتدين الإسرائيليين. جنين ستبقى خزان الثورة والانتفاضة الفلسطينية، جنين ستبقى أيقونة نضالية في العطاء والتضحية، ولها أن تفخر بأبنائها الشهداء والأسرى والمناضلين، وهي التي تتصدر قائمة المدن الفلسطينية في إحصائيات الشهداء والجرحى. هذا واقع جنين كما هو واقع فلسطين بعاصمتها وبمدنها وقراها ومخيماتها وبجناحي الوطن (48 +67)، وصولاً إلى شتات أبنائها في معارك التاريخ دفاعاً على الهوية والأرض والشعب والحقوق، حيث وصفها الشاعر الفلسطيني سميح القاسم «يا وجع قلبك يا جنين.. وأنتِ كل يومٍ تودعين بطلاً من رجالك.. وتبكين بحرقةٍ على فتية بعمر الورد.. ويا عزك يا جنين وأنتِ تكتبين بدمكِ تاريخاً مُشرفاً لشعبٍ يموت من أجل حريته.. جنين ستبقى نافذة فلسطين المشرقة نحو الاستقلال والأمل والغد الأجمل!». جنين لا تريد اجتماعات ولا بيانات ولا استجداءات، بل تريد استراتيجية عملية ترى طريقها إلى النور تتماشى مع متطلبات المرحلة وبما يستجيب لتحدي برنامج ضم الضفة الفلسطينية وبسط السيادة الإسرائيلية عليها، ومغادرة بيع الأوهام لشعبنا وسياسة الرهانات على اتفاق أوسلو وتفاهمات «العقبة- شرم الشيخ» والوعود الأميركية التي أعطت إسرائيل الدولة المعتدية حق الدفاع عن نفسها في مواصلة عدوانها على شعبنا. جنين لا تريد سياسة انتظارية ولا خطوات تكتيكية سواءً من السلطة الفلسطينية أو سلطة الأمر الواقع في غزة، جنين لا تريد تحييد غزة وفك معظم روابطها السياسية عن الضفة، جنين تريد مجابهة مشروع نتنياهو القائم على حسم الصراع مع شعبنا وقضيته الوطنية بالضم الشامل لأراضي الضفة ونزع صفة الاحتلال عنها. لم يعد الوقت كافياً للانتظار أكثر أمام حرب الإبادة والتهجير التي تتعرض لها جنين وغيرها من مدن الضفة وقراها ومخيماتها، فواقع الحالة الفلسطينية بحاجة ماسة لإستراتيجية نضالية تطور من المقاومة الشعبية والمسلحة وتعيد صياغة الخطاب السياسي الرسمي، وتوفير عناصر الصمود والثبات وفي مقدمتها تشكيل الحرس الوطني وفصائل الدفاع الوطني بما يوحد بين المقاومة الشعبية والأجهزة الأمنية، ويضع العالم أمام واقع فلسطيني جديد باتت المقاومة هي خياره بكل ما يتطلبه ذلك من خطوات وإجراءات وسياسات شجاعة تعزز الوحدة الميدانية لشعبنا. وختاماً، إن معركة صمود جنين ومخيمها اليوم لن يكون كما قبلها، فشعبنا بات يعرف خياراته وهو يملك الإرادة الوطنية بما يمكنه من تجسيد وحدة الأرض ووحدة الشعب ووحدة القضية والنضال بما يحقق وحدة ساحات العمل وجبهات النضال ويعيد الاعتبار للبرنامج الوطني المرحلي، لإلحاق الهزيمة بالعدو والمشروع الصهيوني. ■
#وسام_فتحي_زغبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سبل مواجهة جرائم المستوطنين والاحتلال
-
جنين أيقونة المقاومة وكابوس الاحتلال
-
عرس ديمقراطي في نقابة الصحفيين الفلسطينيين
-
انصاف الصحفيين بمحاكمة مرتكبي الجرائم بحقهم
-
يا عمال فلسطين، لا بد من طرق جدران الخزان وسام زغبر
-
لا بد من خطاب إعلامي فلسطيني موحد داعم لقضية الأسرى
-
جنين الثورة تُضمد جراحها
-
بعد 40 عاماً في الأسر... أيقونة الأسرى كريم يونس حراً
-
جثامين الشهداء.. رهائن في زنازين الموت
-
جنين أيقونة نضال وتضحية
-
في ذكرى رحيل اللواء خالد عبد الرحيم الرابعة..
-
ما هكذا تُقاد غزة؟
-
القدس في مواجهة «أسرلة المناهج» و«تهويد المدارس»
-
هذا حال الصحفي الفلسطيني في اليوم العالمي للتضامن معه!
-
السجن يسلب طفولة الأسير الفتى أحمد مناصرة
-
سلاماً للكاتب والناقد العنيد عبد الله أبو شرخ
-
أربعون عاماً على مجزرة «صبرا وشاتيلا»، والجرح ما زال نازفاً
-
نحو خطة وطنية لمواجهة أزمة الأمن الغذائي وغلاء الأسعار
-
في الذكرى الستين لاستقلالها.. الجزائر ستبقى أيقونة الثورة ال
...
-
بين مسقط وباكو.. الدبلوماسية الفلسطينية تنتصر
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|