كاظم فنجان الحمامي
الحوار المتمدن-العدد: 7653 - 2023 / 6 / 25 - 09:27
المحور:
المجتمع المدني
نعيش منذ زمن بعيد في مجتمعات يطغى فيها المنظر على الجوهر، ويستحوذ فيها الشكل على المضمون. حتى صار التدين بأبعاد وأشكال وقياسات ومواصفات وألوان ثابتة ومتداولة. وبات من السهل تقمص الصورة المخادعة التي يستعصي التعرف عليها حتى على أذكى الناس وأكثرهم فطنة وفراسة. .
ففي عام 1946 بمدينة القدس، كان الشيخ فاضل عبد الله يؤم المسلمين في الصلاة، ويتقدمهم بلحيته وجلبابه القصير، وعمامته ومسبحته الطويلة، وخواتمه المرصعة بالياقوت الدمشقي، ولغته الفصحى الرصينة. . يتجمع حوله شباب المدينة وشيوخها، فيجيب عن أسئلتهم ويعطي نصائحه في شؤون حياتهم وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي. وكان حافظاً للقرآن متعمقاً في أصول الدين. يدعو بالنصر للجيوش العربية في المساجد. وعندما دخلت القوات المصرية إلى خان يونس، علا صوته في المئذنة مرتلاً القرآن داعياً لهم بالنصر، مردداً: (الله أكبر، الله أكبر). ثم تبين فيما بعد انه ليس سوى جاسوس إسرائيلي مدسوس، وعميل خائن مدعٍ من يهود اليمن. أسمه الحقيقي (يهودا). .
وربما يطول بنا المقام في استعراض النماذج المدسوسة التي اتخذت من التدين الشكلي مظلة للخداع والتخفي والتسلل. فقد وجدت القوى الظلامية ضالتها في فقهاء التطرف لكي تستنسخ نظراء لهم عبر العصور، فاختارت (ابن تيمية) إنموذجا لتشويه صورة الدين عبر جسور التدين الشكلي. حتى أصبح الدواعش نسخة طبق الاصل عن ابن تيمية في توجهاته نحو القتل والذبح والتكفير تحت يافطة (يُستتاب أو يقتل). وهكذا تحول التدين الشكلي إلى أداة فاعلة لنسف الدين نفسه من الداخل. .
اما في العراق فقد استفحلت ظاهرة التدين الشكلي هذه الأيام بكثرة واستشرت، ثم انتشرت بين الشباب والمراهقين بمعدلات تثير الشكوك وتبعث على الريبة. وبخاصة بين أتباع الحركات الدينية المتطرفة والفصائل الطائفية المسلحة. .
فالتدين الحقيقي في جوهره سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وما أكثر المتدينين الذين يحسبهم الجاهل المهتم بالمظاهر الشكلية بعيدين عن الدين، لأنهم يعيشون حياتهم على نحو عادي في ملبسهم ومطعمهم ومسكنهم. لا يؤذون أحداً. ملتزمون بواجباتهم العبادية دون إعلان، ودون مزاعم مزيفة. ودون ديكورات خارجية. ودون مكياج كاذب. .
ربنا مسنا الضر وانت ارحم الراحمين. . .
#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟