كان الشهيد ناجي العلي يرسم الكلام في رسوماته،هذا إن صح التعبير.و في إحدى المرات، قال كلاما يختزل كل ما يجري اليوم من تجاوزات لكل ألوان قوس القزح الفلسطينية،وليس للخطوط الحمراء فقط. فمنذ أوسلو انتهت كل الخطوط وتحطمت كل القيم وغابت السكك والطرق الواضحة،باستثناء خريطة الطريق التي تتضح لنا يوما بعد يوم.ولم يكن ناجي يتحدث عن فرد أسمه ناجي العلي،بقدر ما كان ينقل مشاعر كل فلسطيني في الخارج والداخل. لأنه كان الناطق الرسمي باسم الجماهير الفلسطينية،والمعبر الحقيقي عن مشاعرها وآراءها. قال ناجي العلي " كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء،طار صوابي..أنا أعرف خطا أحمر واحدا،أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام لإسرائيل.". واليوم وبعد كل تلك الأعوام من كلمات ناجي ،نجد من يساوم ويتخلى عن الحقوق والقضية. كأنه لا خطوط حمراء ولا ثوابت وطنية. فبعد كل خيبة تظهر مجموعة خيبات.
ليست صدفة أن تعود لتظهر على السطح من جديد، مبادرة أو ما عرف بتفاهم نسيبة- ايالون،فور انتهاء قمة العقبة،وبعد أن كشف الذين اجتمعوا فيها،كل عن برنامجه وأهدافه للمستقبلين القريب والبعيد. أما تفاهم مسؤول ملف القدس سري نسيبة مع عامي أيالون الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "الشاباك"،يعتبر من التفاهمات المثيرة للجدل،والعاصفة،لأنه تفاهم يشطب حق العودة،ويتآمر على حقوق أكثر من 70% من أبناء الشعب الفلسطيني المشردين في شتى بقاع الدنيا.وهو بالتأكيد تفاهم بين شخصين،لا يلزم الشعوب والدول والأطراف المعنية،لكنه بنظرنا ليس بريئا،ولم يأتِ من فراغ،لأن نسيبة مسئول في السلطة الفلسطينية،ومحسوب قياديا على الشعب الفلسطيني،وفي صفوف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.وبما أنه يملك تلك المهام والصفات والمواقع،لا يمكنه أن يقدم أفكارا جهنمية وتدميرية،تنسف حق اللاجئين في العودة،ثم يأتي ليقول،أن هذا موقفه الشخصي فقط.هذا هراء ولا يجب أن يمر مرور الكرام وبدون محاسبة. فإما أن يكون هناك من يحاسب كل من يحيد عن الإجماع الوطني،فيما يخص قضية اللاجئين وحقوقهم،أو أن للاجئين الحق كل الحق، في إقامة وتشكيل مؤسساتهم الخاصة،والاعتماد على أنفسهم في حل قضيتهم ومتابعتها.لأن السكين أصبحت على الرقاب، ولم يعد هناك مجالا للوقوف موقف المتفرج،بعدما بانت البرامج في العقبة،وغدت عقبة في تنفيذ الكلام الذي قيل هناك. أما الذين تابعوا تحركات نسيبة، وغيره من الزاحفين والساحلين، نحو سلام بلون إسرائيلي، وبأشكال مبغوضة ومرفوضة،يعون مدى توغل هؤلاء في العملية السلمية غير النظيفة،ويعرفون عن أي سلام يتحدثون،وعن أية حقوق وعودة وتعويض يتكلمون. هؤلاء ببساطة يعتبرون الشعب الفلسطيني وحقوقه حقل تجارب لمواهبهم السياسية. وبحجة الواقعية،يقدمون طروحات ومشاريع لحلول غير عملية وليست منطقية.وسري نسيبة لم يستفد من العبر والدروس السابقة،ونعتقد أنه غير قابل للاستفادة والتعلم والتغيير. لماذا ؟ لا يوجد عندنا أي تفسير لذلك..
وزع الخميس (5 حزيران 2003) أي في ذكرى النكسة، بيان يعلن انطلاقة ما يسمى بالحملة الشعبية للسلام والديمقراطية،وذلك عبر نشره في كل الصحف الفلسطينية الصادرة هذا اليوم.وجاءت الحملة لتقول أنها حملة وطنية شعبية تستمد بعدها الوطني من الشرعية الفلسطينية. وأوضح أصحاب الحملة أنها فلسطينية المنطلق،واقعية التفكير،ثورية المنهج وإنسانية الأهداف. إن هذا البيان بحد ذاته،عملا من رجس الشيطان. وكل من يتحدث عن التخلي عن حق العودة شيطان. وكل من يوافق على التخلي عن ذاك الحق شيطان. وتفاهم نسيبة- أيالون الذي تتبناه الحملة المذكورة،تفاهم بين شيطانين،ينسف بكل وقاحة حق ملايين البشر بالعودة لبيوتهم والتعويض عن معاناتهم.ويأتي إعلانه متزامنا مع ذكرى نكسة حزيران 1967.وبعد انتهاء قمة العقبة مباشرة. إذن ليس صدفة أن يقول الموقعين على البيان،أنهم واقعيون وثوريون! لكنهم ببساطة زاحفون وساحلون،وثوريون بالمعنى الرجعي،وإنسانيين بالنسبة لطرف واحد،لكنهم مجرمون بحق الطرف الأضعف،المشرد واللاجئ ،الذي سلبت حقوقه ونهبت من قبل غرباء،أقاموا دولتهم على أرضه،ولازالوا يستوردون البشر من أجل تهويد الأرض واستيطان البلاد. وهؤلاء الذين يقودون حملة السلام الشعبية المشبوهة، يتفهمون أن في فلسطين الطبيعية أمكنة لليهود المستوردين من شتى بقاع الدنيا،لليهود فقط! بينما أصحاب الأرض لا يمكن عودتهم،لأنه لا مكان لهم. مع أن الدراسات أكدت أن معظم أراضيهم لازالت فارغة،بلا سكان،وحتى هناك مساكن بقيت تنتظر عودة أصحابها،دون فائدة. ومع هذا نقول لهم أن حق العودة ، حق فردي وشخصي وطبيعي وقانوني لكل فلسطيني وذريته. لا يجوز ولا يمكن لأحد التفريط به أو التفاوض عليه والمساومة.وهناك قرارات دولية قانونية تؤكد شرعية هذا الحق. أما تفاهم نسيبة – أيالون فهو تفاهم غير منطقي ومشبوه. يجب إسقاطه ورفضه بشكل نهائي.
لقد جاءت هذه الحملة العتيدة لتضيف خيبة جديدة للخيبات التي تلاحق الشعب الفلسطيني، بسبب خيبته الأخيرة،والتي بدورها جاءت من إعلانات وبيانات قمة العقبة. فتلك القمة كانت إسرائيلية من حيث القرارات والبيانات والتأكيدات والتطمينات. حتى أن المفترض بهم أن يتحدثوا عن حقوق الشعب الفلسطيني،وجدناهم يدينون الإرهاب ضد الإسرائيليين،مع أنهم تلعثموا في منتصف الجملة، وقالوا "الفلسطينيين"،لكنهم سرعان ما استدركوا الأمر وقالوا الإسرائيليين.كأنهم في واد وشعب فلسطين في واد آخر.هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم الممثل العتيد للشعب الفلسطيني،لم يتحدثوا عن معاناة شعبهم تحت الاحتلال، لم يتطرقوا لموضوع القدس واللاجئين، استمعوا بصمت للاعتراف العنصري والطائفي من قبل بوش بيهودية دولة إسرائيل. تركوا موضوع المستوطنات للزمن،واكتفوا بما سحبه شارون من كرافانات وبيوت متنقلة،معتبرين ذلك إخلاءا للمستوطنات. لم يتحدثوا عن المعاناة الرهيبة، اليومية،التي يعانيها شعب كامل يقبع تحت الاحتلال والحصار،في ظل وجود الإرهاب الاستيطاني،وقطاع الطرق من المستوطنين.ولم يذكروا العالم بوجود الجيش الإسرائيلي في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة،وبالسياسة الإرهابية التي يتبعها هذا الجيش، ولم يتحدثوا عن عشرات الجرحى والشهداء والمعتقلين،الذين تم اعتقالهم وجرحهم،في نفس الوقت الذي أطلق فيه سراح عشرات من المعتقلين، الذين شارفت مدة اعتقالهم على الانتهاء. وفي نفس الزمن حيث كانت قمتا شرم الشيخ والعقبة تنعقدان لرسم الخريطة الجديدة لخريطة الطرق القديمة.
يوجد في بيان أصحاب حملة نسيبة- أيالون كلام خطير جدا. ومنه الإعلان الذي يقول أنهما اتفقا على أن فلسطين هي الدولة الوحيدة للشعب الفلسطيني،وإسرائيل هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي. هنا يوجد خطر كبير على مستقبل فلسطينيو ال48،أي مواطنو دولة "اليهود" في إسرائيل. فإذا سلمنا بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي "وليس الإسرائيلي"،معناه أنه لا يحق لأي مواطن غير يهودي أن يكون مواطنا في دولة اليهود. وبما أن عرب" إسرائيل" ليسوا من اليهود. عليهم إذن الالتحاق بالدولة الفلسطينية،وهنا تتحقق فكرة تبادل الأراضي و" الترانسفير" وتعديل الحدود التي تتحدث عنها صفقة نسيبة- أيالون. وكان الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي مروا عليها في مرحلة المفاوضات السابقة من أوسلو حتى آخر أخواتها في كمب ديفيد. وهناك بند في الخطة يتحدث عن الحدود وإقامتها،لكنه لا يحددها،ويضيف أنه بعد إقامة الحدود المتفق عليها،لن يبقى أي مستوطن في الدولة الفلسطينية.هذا كلام جميل،لكنه يخفي حقيقة أن المستوطنات سوف تضم للدولة اليهودية.أما حول القدس فحدث ولا حرج.القدس ستكون مفتوحة وعاصمة للدولتين،مع ضمان الحرية الدينية،ومع تقسيم للسيادة على الأحياء العربية واليهودية في المدينة. ولكي لا ننسى مع الاعتذار للفاضل وليد الخالدي على استعارة الجملة،فمسك ختام تفاهم الأخيران في "خطة الهدف" الناتجة عن رؤيتهما،نورد لكم ما جاء عن موضوع اللاجئين وحقوقهم." اعترافا بمعاناة وتشريد اللاجئين الفلسطينيين، يعمل المجتمع الدولي وإسرائيل وفلسطين على تأسيس ودعم صندوق دولي خاص، لتعويض اللاجئين الفلسطينيين.يعود اللاجئون إلى الدولة الفلسطينية فقط.ويقدم المجتمع الدولي تعويضات وتسهيلات لتحسين أحوال اللاجئين الذين يرغبون في البقاء في مواطن إقامتهم،أو الذين يرغبون بهجرة لدولة ثالثة".
هكذا بكل بساطة،وبسلاسة وبدون مازة،تقدم حقوق اللاجئين كوجبة واحدة لجياع همهم التهام الكعكة،والانتهاء من تناول طعامهم ولو على حساب أصحاب البطون الجائعة.ويتم التنازل عن حقوق مقدسة وكأن سري نسيبة نصب نفسه ملكا على اللاجئين وعلى الشعب الفلسطيني ليتحدث باسمه، ويقدم أفكار هدامة ورؤىً خطيرة لا تخدم فلسطين ولا السلام. فالدعوة لدولة منزوعة السلاح بجوار وحش كاسر مدجج بكل أنواع الأسلحة بما فيها السلاح النووي،تعتبر مضحكة وسخيفة على الرغم من أنها غير عادلة ومخيفة.هكذا مشاريع سلام وتفاهمات لن تنهي الصراع ولن تأتي بالسلام.