جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 10:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يلحظ المتتبع بدقة لما يكتبه بعض العلمانيين العرب أنهم لا يختلفون في الجوهر عن ما يكتبه المتدينين الأصوليين..! ذلك لأن معظم تخبيصاتهم السياسية من حيث يدرون أو ربما لا يدرون، تكشف عن انحيازات مذهبية خفية تدلل على عدم حسمهم لمسألة توظيف الإيمان بالله الأحد الفرد الصمد في حين أنها أم المسائل والقضايا..!؟ هذا الإيمان الذي جرى توظيفه على الدوام من فبل الجماعات والتكتلات شبه المنظمة بحسب الأهواء، أو المصالح، أو الرسالات، أو الأهداف المبتغاة..! و في العصر الحديث، تطور تنظيم البعض من تلك الجماعات فتشكلت أحزاب دينية عملت بنجاح على استثمار الجهوزية الإيمانية عند الجمهور وتوسعت بذلك حالات الاستقطاب الديني في البنى المجتمعية في حين تراجعت حالات الاستقطاب الأخرى ( الطبقية والسياسية..وغيرها )، إن مثل أولئك ( العميانيون ) الذي ينفرون من إيمانية الغالبية من الناس يدفعون بالمزيد منهم نحو تلك الأحزاب وذلك بفعل أسلوب تعاطيهم الاستفزازي، وطريقة صياغتهم السطحية و الاستعراضية، لمسألة الدين وضرورة فصله عن بنيان الدولة وهذا ما يلحظه ببساطة أي متتبع لهذا النمط من دعاة العلمنة.! والحقيقة الجارحة تكمن في أن الكثيرين من هؤلاء العميانيين يسارعون كغيرهم من سواد الجمهور إلى الاصطفافات المذهبية عند أول فرصة تنفلت فيها قطعان الطوائف حيث تغيب عن النظر تظريطاتهم العلمانوية الشكلية ليظهر مدى عمق معتقداتهم الدينية بكل تفرعاتها المعتقدية وأوهامها السيكولوجية..! وهذه الحقيقة تكشف عن حالة الكمون التي تحكم الانتماءات الدينية في المجتمعات التي تتقدم فيها الاستقطابات والانتماءات السياسية والطبقية..!
تتأتى إشكالية العميانيين كما نظن من خلطهم الثقافوي بين حاجة الفرد الروحية المشروعة، وبين منظومة الأديان بتجلياتها اللاهوتية عامة وتأثيراتها الدائمة في حياة الشعوب، إن أولئك النفر من العميانيين، يتجاهلون حقيقة أن الإنسان يجد نفسه في هذه الخانة الدينية أو تلك من غير إرادته، وهو يصنف مذهبياً على أساسها حتى وإن أصبح فيما بعد ملحداً خالصاً الأمر الذي يترتب عليه ضرورة النظر إليه من خارج انتماءه الديني وهو ما لا يفعله العميانيون الجدد..!
إنه لمن المفترض أن يكون العلمانيون العاملون في الحقل السياسي وليس البحثي دعاة للدولة المدنية بمعزل عن إبراز مواقفهم من الدين ذلك لأن كل جهد دعوى في هذا الحقل الذي لا مكان فيه لموضوع الإلحاد، هو جهد سياسي بامتياز وأي خلط أو التباس في ذلك ينعكس سلباً كما هو حاصل هنا وهناك على مفهوم العلمنة والداعين لها في الوقت نفسه.
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟