أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة















المزيد.....

ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 09:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك، في دوامة هذا التشوش والخراب الذي نعيشه، مؤشرات صحية قليلة، هي التي تمنحنا بعض الأمل، القليل منه، والذي هو ضروري أيضاً كي نستمر في البحث عن بصيص ضوء، كما يقال، علنا نعثر على سبيل خلاصنا. وأحسب أن أهم ما يمكن أن نفعله، الآن/ هنا، هو أن لا نكف عن النظر إلى حالنا ( تاريخاً وثقافة )، معرضين إياها لأقصى ما نستطيع من التمحيص والتقويم والتساؤل، أقصد النقد. على أن نتحمل بشجاعة، ومن دون مواربة أو نفاق، نتائج ما يتكشف لنا، لأننا إذا لم نعرف ونتعرف على أنفسنا ووضعنا وتاريخنا تحت الشمس فإننا ماضون قطعاً إلى الهاوية. وما أقصده في هذا المقام هو ببساطة الشروع بالنبش في حقلنا الثقافي. في منظومة ثقافتنا ( مفاهيمها وأنساقها )، في صيرورتها وتاريخها، أي مغامرتها في الزمان والمكان، مع التأكيد على، أو عدم نسيان ذلك السؤال الأبستمولوجي الخطير؛ ما الذي يعيق حقاً ثقافتنا من التفتح والنمو والإبداع؟. فالشرط الأبستمولوجي لأية معرفة هو في تأشير ما يعيق تفتحها ونموها. وحين نتكلم عن "معرفة" تخص نهضتنا إنتاجاً وتداولاً وتفاعلاً وفعلاً في الواقع نجد سلسلة من عمليات إجهاض منظمة مورست ضدها وأعاقت تراكمها من قبل قوى وسلطات اجتماعية وسياسية، داخلية وخارجية، مباشرة وغير مباشرة ناهيك عن الإكراهات التي يمارسها الذهن نتيجة وجود عادات وآليات تفكير وقوالب مسبقة تشكل إعاقات ذاتية للفكر ويسميها علي حرب بـ "الممتنع" كي يفرقه عن "الممنوع" الذي هو جملة المعوقات الخارجية "سياسية واجتماعية" للفكر. وعموماً فإن إعاقة نمو المعرفة والحجر على حرية إنتاجها وتداولها، ولا سيما في مرحلة التحديات التي يواجهها المجتمع ترجع إلى المحددات المرسومة للعقل في أن لا ينتهك حرمة منطقة واسعة تبقى مسكوتاً عنها، ويمنع دخولها والتساؤل حولها.
لم تستطع ثقافتنا المعاصرة أن تمضي بمغامرتها الخاصة، منذ عصر النهضة العربية، قبل أكثر من قرن، شوطاً أبعد، فقد ظل التردد والتحسب والخوف، وأكاد أقول الجبن سمات واضحة لمساحات واسعة من تلك الثقافة.. كانت هناك خشية من إثارة الأسئلة الصادمة التي تتحرش بالتابوات الموروثة، وكذلك المبتكرة حديثاً. وحتى إذا ما طرحت الأسئلة كانت الأجوبة تبقى قاصرة، مخاتلة، منافقة، تخشى دخول المساحات المحظورة، وتتجنب الخطر، فإحدى وظائف السؤال هي خلق التوتر بين الفكر والواقع، فالسؤال مواجهة وإعلان اتهام، واستجواب واستنطاق ومحاولة استشفاف للواقع من أجل الوصول إلى حكم تاريخي ( ربما، هو لا عقلانية هذا الواقع الذي نعيشه ).. إن ازدهار الثقافة لن يكون من غير مغامرة حقيقية تواجه خلالها الثقافة تاريخها، أي نفسها، بثقة وشجاعة، ولا تأبه للنتائج، ذلك أن النتائج حينئذ ستكون في صالحها حتماً.
بقيت سلطة ( النقل ) فاعلة داخل الفضاء الفكري العربي لقرون طويلة كابحة أي توجه عقلاني، نقدي وإبداعي، وبالتالي فإن فكر النهضة العربية كان رهانه الوحيد والصعب هو انتزاع السلطة من جهة التكرار وإعادة إنتاج القديم يوماً بعد آخر، ومنحها إلى جهة العقل والحداثة والإبداع، فهل نجح في هذا المسعى؟.
لم تفعل ثقافتنا، أو مساحات واسعة منها، على الأقل، ذلك بل اكتفت بالعموميات والصيغ الجاهزة، والثنائيات، وكره التفاصيل والإسهاب والحفر، أي كره التفكير المتأمل، المتعمق، الواسع المستديم.. إن هذا العالم المعقد المتشعب الغامض، والمملوء بالمجاهل والمناطق العذراء غير المستكشفة بعد، كان يختزل إلى بضع جمل مبسطة في الثقافة السائدة الرديئة.. جمل مخدِّرة، تمنح اطمئناناً كاذباً، ومعرفة شاحبة وفقيرة إلى حد مؤس، ورضاً متوهماً عن الذات، وانفعالات هائجة، معادية لكل ما هو خارجها، أي خارج تلك الذات. إن ثقافة كهذه لا يمكن أن تسترشد بالواقع وترشده وتتفاعل معه عبر ابتكارها لمناهج ومفاهيم وأفكار قادرة على الاستمرار المبدع ناهيك عن استحالة استيعابها لقيم المحبة والتسامح والعدالة والحرية.. وهي، عندئذ، وببساطة لا تقبل اللبس، ستكون غير إنسانية، وهنا موئل الخطورة، فهي بإخفاقها ذاك ستفقد بعدها الإنساني، وستسوّغ العنف ضد الآخر/ المختلف حتى وإن كان هذا العنف سيفضي بالإضرار بمصالح متبنيها.. ستكون ثقافة جاحدة، مغلقة على نفسها، مكتفية بذاتها، تعتقد أنها الحقيقة المطلقة وما عداها مروق وكفر وضلال.. وبذا ستقول بالموت، الموت وحده، لأنه هو العتبة التي ستفضي، على وفق منطقها المعوج، إلى الخلاص، وهو خلاص، لاشك، يائسٌ وموهوم.
تتجذر ثقافتنا في الماضي، لكنها لا تتمثله في روحه، لغياب المنهج النقدي، بل تفهمه مثل شيء هلامي، ساحر وخلاب، كما أطياف الحلم، تحاول استعادته من دون جدوى.. ثقافة لا شأن لها بالمستقبل، أي أن المستقبل ليس شاغلها الرئيس، إلاّ في ضوء تلك الرغبة والهواجس المستحيلة في أن تعيش، أو تتعايش مع تلك الأطياف مجدداً، وهذا ما يجعل من علاقتها بالحاضر هشة، في حقيقة الأمر، غير مبدعة، مخربة ، فلقد تحول الماضي إلى عبء بدل أن يتحول إلى قوة دافعة خلاقة.. إلى ذريعة للكسل والاطمئنان، وإلى انكفاء الإبداع والعطاء العلمي والثقافي، وانحسار قيمة العمل.
والآن، ما الذي يغذي الآخر؛ الوضع المتردي هو الذي يبقي الثقافة شاحبة تعاني من عقم مزمن، أم أن الثقافة الشاحبة العقيمة المهيمنة على العقول هي التي تدفع بدأب الوضع إلى التردي والانتكاس/ الوضع المتردي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية المزرية والظالمة؟. لا شك أننا إزاء حلقة مفرغة كتلك التي تعيد إنتاج الفقر في الدول المتخلفة، إذ تؤدي قلة الدخل إلى تراجع مستويات الطلب الفعال، وشحة الادخارات ومن ثم الهبوط في الاستثمار والإنتاج، وانتشار البطالة الذي يعني انخفاضاً جديداً في الدخل يفضي إلى تفاقم في الكساد الاقتصادي. وعلى الصعيد الثقافي تبدو الحلقة المفرغة أشد تعقيداً والتباساً، فها هنا نجد حلقات مفرغة صغرى تشكل سلسلة أو سلاسل متداخلة مشتبكة، تبعث على الأسى والاضطراب.
الثقافة هي حقل المعنى، حقل الانشغال باكتشاف وابتكار المعنى وإعادة إنتاجه. ولذلك فإن الثقافة هي شرط الإنسان للخروج من عدمية المملكة الحيوانية، وهي ضمانته ورهانه ليعقل حياته، ويكون كائناً حضارياً وتاريخياً، أي كائناً فاعلاً ومنفعلاً في الصيرورة الاجتماعية/ التاريخية. فالمعنى هو الاستدراك العقلاني للحياة/ حياة الكائن الإنساني.. إنه النسغ الواصل بين تلافيف الأشياء المحسوسة والمرئية والأشياء اللامحسوسة واللامرئية، بين الفكر والواقع، بين التاريخ والمجتمع، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين معطيات وحقائق الواقع والمخيال.. إنه العلامة على وجود الإنسان في العالم، وامتياز هذا الوجود.. أن تستشف أو تحاول عناصر العالم الكثيفة بفوضاها وتتبين النظام الخفي في علاقاتها سياقاً وقوانين وغايات.. المعنى ليس مطلقاً، ليس جوهراً مستقلاً، وليس شيئاً موضوعياً تماماً، ليس سابقاً على الأشياء في وجوده وليس لاحقاً بعد التأسيس.. المعنى يتأسس ويتلبس الشيء المحسوس ليكون روحه، معنى الشيء لا يتأتى إلاّ من طريقة وجود هذا الشيء وعلاقته مع الأشياء الأخرى، ومع عقل الإنسان الذي يستشفه أو يبتكره ويشكله في نظام قول. والمعنى أخيراً ينتمي إلى الإنسان وتفكيره ورؤيته، وإلى تاريخ الإنسان، إلى تاريخ تجربته ومعرفته. فمن يحقق المعنى ويجسده هو الإنسان.. كل إنسان تشغله قضية المعنى هو الإنسان المثقف حصراً، وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الإنسان الاعتيادي والإنسان المثقف، فالأخير هو من تشغله قضية المعنى على حد تعبير محمد أركون. والمثقف كائن في حضرة اللغة.. إنه من يُسكن العالم ( زماناً ومكاناً ) في اللغة، على أن تستحيل اللغة حاضنة للإبداع والإنتاج المعرفي، لا وسيلة ثرثرة وهراء، إذ علينا أن نفرّق بين الدعي الثرثار المتحذلق والمثقف اللاعب الماهر في ساحة الفكر.
في أفق الحداثة يقف المثقف المعاصر ـ الحداثة بعدِّها مشروعاً مفتوحاً ومستمراً، يهيئ شروط انبثاق الإنسان المبدع وبزوغ حريته. فما يزال وسيبقى معنى الوجود الإنساني كامناً في فكرة الحرية، الحرية التي من دونها لا نستطيع الحديث عن مشروع حداثة ونهضة، وعن الإنسان. وإذا كان ألان تورين يشير إلى ضرورة إعادة اللحمة بين الذات والحرية ( شذرتا الحداثة ) مع العقلانية، بعد أن انفصلت هذه الشذرات، بعضها عن بعض، في إطار الحداثة الغربية، فإننا في إطار نهضتنا المفترضة لم نعثر على، أو ننتج هذه الشذرات بعد.
لا ريب، أن النهضة العربية بأسئلتها وبمنظومتها المعرفية المقترحة، سعت إلى زحزحة المنظومة التقليدية للفكر العربي طارحاً إشكاليات جديدة ومجترحاً وعياً مغايراً منطقته ووجهته التاريخ والذات والآخر. وفي هذا الخضم تواجهنا عديد من الأسئلة، منها؛ هل كرسنا حقاً مفاهيم الذات والحرية والعقل، هل جعلنا لأسئلتها الأسبقية على الأسئلة الأخرى؟. أم إننا تعاملنا معها بسطحية واستخفاف فانتُهكت الذات، وتلاشت الحرية وغاب العقل؟. إلى أي مدى يمكن الحديث عن الذات في استقلالها، وعن الآخر في انفصاله عنا واتصاله بنا؟. أهناك تماس بين لحظة الذات ولحظة الآخر، أهناك توازٍ؟. أم أن لحظة الآخر هي سابقة على الدوام ، ولحظة الذات تلهث على مبعدة مخيفة وراءها؟. ما هي رهاناتنا، حقاً، في عصر سمته التعولم والتحولات السريعة والتطور العلمي والمعرفي، وما يستتبع هذا كله من آمال وتحديات ومشكلات؟.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مروية عنوانها: نجيب محفوظ
- إعادة ترتيب: شخصيات مأزومة وعالم قاس
- وعود وحكي جرائد
- رواية-هالة النور- لمحمد العشري: سؤال التجنيس الأدبي
- الطريق إلى نينوى؛ حكاية مغامرات وأعاجيب وسرقات
- هذا العالم السريع
- الكتابة بلغة الصحراء: إبراهيم الكوني وآخرون
- تحرش بالسياسة
- القاهرة في ذكراها
- صور قديمة
- إدوارد سعيد: داخل الزمان.. خارج المكان
- النخب العراقية في حاضنة المقاهي
- حول المونديال
- نخب سياسية.. نخب ثقافية: مدخل
- حبور الكتابة: هيرمان هيسه وباشلار
- قصة قصيرة: في أقصى الفردوس
- حوار مع القاص سعد محمد رحيم
- تحقيق: بعقوبة ابتكارالبساتين
- قصتان قصيرتان
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - ثقافتنا: رهانات مغامرتها الخاصة