|
جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
علي فضيل العربي
الحوار المتمدن-العدد: 7643 - 2023 / 6 / 15 - 00:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يخللط كثير من الناس – للأسف – بين الصوفيّة و التقوى . و يورّطهم هذا الخلط بين المصطلحين – الناتج عن الجهل بالمفاهيم و المعاني – في جملة من المغالطات و الانحرافات الفكريّة ، و يجرّهم إلى ضروب من المتاهات المتاغيبيّة الماورائيّة ، يصعب عليهم التحكّم في مساراتها و مآلاتها و مخرجاتها .
معنى الصوفية : جاء في موقع ويكيبيديا ، ميلي : " الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي ، لكن عند الصوفية هو احد مراتب الدين الثلاثة ، اهتم بتحقيق مقام الاحسان و تربية النفس و القلب و تطهيرهما من الرذائل و تحليتهما بالفضائل . و هو عند الصوفية الركن الثالث من اركان الدين الاسلامي ، بعد ركني الاسلام و الايمان . " . قال أحمد بن عجيبة : " مقام الإسلام يعبر عنه بالشريعة ، و مقام الايمان بالطريقة ، و مقام الاحسان بالحقيقة . فالشريعة تكليف الظواهر ، و الطريقة تصفية الضمائر ، و الحقيقة شهود الحق في تجليات المظاهر ، فالشريعة أن تعبده ، و الطريقة أن تقصده و الحقيقة أن تشهده " و الصوفيون هم جماعات ابتدعوا ( من البدعة ) طرقا في العبادة و التنسك في صلواتهم ، و في أذكارهم ، و في خلواتهم ، ما شرعها الله . و قيل ، أنّ نُعتوا بالتصوّف ، لأنّهم لبسوا الصوف ، و قيل : هي من الصفا ، لأنهم يعتنون بصفاء القلوب من كدر الذنوب ، و كدر الكسب الحرام . و قد غلب على المتصوفة البدع و الزهد في الدنيا ، و أغلب زهدهم كان صادرا عن الفقر و الحاجة و الحرمان من ضرورات الحياة الفطريّة السليمة . أي أنّه زهد فرضته ظروف الحياة الماديّة القاسيّة ، او صحوة ضمير و توبة نصوح بعد ترف و مجون و ولغ في أوحال المعاصي و الذنوب . أمّا مفهوم التقوى ، فقد ورد ذكره في القرآن الكريم و السنة النبويّة الشريفة . و هو مفهوم يجمع بين القول و العمل ، موطنه القلب السليم ، و ميدانه عمل العقل و الجوارح . كما أنّه شديد الصلة بالواقع المعيش ، و بعيد كل البعد عن الشطحات الصوفيّة و التطرّف الرهبانيّ .
ارتبطت ظاهرة الصوفيّة ، منذ ظهورها ، شأنها شأن الزهد ، بالحقل الديني . فاعتُبرت ردّا قويّا على مظاهر الماديّة المفرطة و الفساد الأخلاقي ، المتمثّل في شيوع المجون قولا و فعلا . لقد شهدت أمصار الدولة الإسلاميّة ، في مشرقها و مغربها ، خلال فترة العصر العباسي و الأندلسي ، مظاهر الانحلال الأخلاقي ، بسبب اتّساع الفتوح الإسلاميّة ، و امتزاج الفاتحين العرب بالعجم ؛ كالفرس و الترك و الزنج و الروم ، و غيرهما . فاختلطت الثقافات و انصهرت في بوتقة واحدة ، و ظهرت أجيال من المولّدين ، تحمل في أوردتها و شرايينها دماء و جينات متعدّدة النسب . و نظرا . أمّا من الناحيّة الفكريّة و الثقافيّة و العقائديّة . فقد أثّرت فلسفة العلوم اليونانيّة و حكمة الهند و الفرس ، في تحوّل العقل العربي من الحياة البدويّة القائمة على الانتماء و الولاء العشائري ، و العصبيّة القبليّة إلى ميدان العلوم العقليّة ، و التفكير العلمي البحت ، و في مقدّمتها علوم الفلسفة و الرياضيات و الفلك و اللاهوت ، و غيرها . و بالتوازي مع تطوّر العقل العربي و انفتاحه على علوم عصره ؛ العقليّة المجرّدة و العلوم التجريبيّة ، كالبصريّات و الكيمياء و الطبّ و غيرها . بدأت معالم الصوفيّة ، تطفو على السطح ، على أيدي جماعة من الزهّاد و الوعاظ ، الذين آثروا العزلة عن المجتمع ، و اعتنقوا أفكارا و مبادئء و سلوكات ترفض ملذات الحياة ، و تدعو الناس إلى هجرتها و التطهّر من مظاهرها و لذائذها ، بما يشبه " الرهبنة " ( لا رهبنة في الإسلام ) . بل الأدهى من ذلك ، داسوا على مبدإ " الوسطيّة " ، التي تنهى عن الإفراط و التفريط ، و القبض و البسط ، و التبذير و التقتير . و غضّوا الطرف عن قوله تعالى : " و لا تنس نصيبك من الدنيا " . " و قل اعملوا .. " أي ، عمل للعيش في الدنيا و عمل لأجر الآخرة . لقد تجاوز الصوفيّة ، بشطحاتهم الوهميّة ، معالم العقيدة " الوسطيّة " ، و سبّبوا للحضارة الإسلاميّة خسائر علميّة و فكريّة فادحة . حين انشغلوا ، و شغلوا الناس معهم برؤاهم و توهماتهم و مناماتهم التي تشبه أحلام اليقظة ، و كراماتهم المزعومة . فبينما كان العقل النيّر في الأمم الأخرى ، يبحث و يجتهد في البحث ، و يقيم المعامل للتجارب ، و مراصد الكشف ، و ينفق علماء تلك الأمم الأعجميّة أوقاتهم في خوض غمار البحث و الاختراع ، كان المتصوفة ، يدعون الناس إلى العزلة و ترك الدنيا و الغوص في عوالم وهميّة ، لا تختلف كثيرا عن المتافيزقيا ( ما وراء الطبيعة ) .
الرمز الصوفي . الرموز الصوفيّة ، إشارات و دلالات نفسية أكثر منها ماديّة . نظريّة أكثر منها تطبيقيّة . يزعم الصوفيّون أنّهم يسعون إلى التقرّب من الله سبحانه و تعالى و نيل محبّته ورضوانه . و الله سبحانه و تعالى أقرب إلى العبد من حبل الوريد . • التقرّب إلى الله تعالى ، لا تستدعي تلك الشطحات الفكريّة و النفسيّة ، التي يحاول الصوفي إبداءها و إضفاءها و إظهارها على سلوكه و علاقاته الاجتماعية بالخلق . فقد ارتبط الزهد ، لدى البعض ، بالعزلة ، و كانت دوافعه لديهم الفقر و الحاجة و المتربة . بينما الزهد الحقيقي و الشرعي ، هو اتبّاع المنهج الوسطي ، فلا إفراط و لا تفريط ، و لا تبذير و لا تقتير ( لا تجعل يذك مغلولة إلى عنقك ، و لا تبسطها كل البسط ) . هذا هو المنهج الرباني السليم و المفيد . • فلا يعقل أن يدّعي المريد ، أنّه مجرّد من إرادته ، ايّ منزوع الحريّة ، أيّ فاقد للتكليف ، و هذا ما يجرّه إلى فقدان العقل ، او تسفيهه ، ما دام الادّعاء ، بمجاوزة الرسوم و المقامات في غير مكابدة و مشقة و جهد بدنيّ . و من المآخذ على الصوفية ، أنّهم يسفّهون العقل و هو مناط التكليف ، و موطن العلم ( اقرأ باسم ربّك ) ( لعلّهم يعقلون ) ( أولي الألباب ) ( أولي النهى ) ، و يدّعون أنّهم السائرون و السالكون سبيل الحق بأحوالهم لا بعلمهم ، الذي أودعه الله في الفطرة الإنسانيّة ( و علّم آدم الأسماء كلّها ) . إنّ التوجّه إلى الله و الهجرة إليه و السفر إلى مرضاته ، يحدث بالقلب و العقل و النفس و البدن . و إلاّ لماذا فرض الله على المؤمن طهارة البدن و مكان العبادة و الوقوف و الركوع و السجود و الجلوس في حالة التشهّد في الصلاة و الطواف و السعي بين الصفا و المروة و صوم رمضان و دفع الزكاة ، لماذا ، كل هذا ، إذا كان السالك و المسافر ، في عرف الصوفيّة ، وسيلته الوحيدة توجّه القلب فقط ، وترك الجسدً على صورته حتى لا يعرف أحد أنه فُقِد .
لقد ابتدعت الفيوضات الصوفيّة على مرّ العصور ، مصطلحات تأويليّة ، يصعب في أغلب الأحيان تفكيكها و تأويلها ، و أصبغتها بصبغة قدسيّة مطلقة ، ما أنزل الله بها من سلطان . و كانت سببا من أسباب تعطّل العقل و الفكر و العلم النافع . كـ( السحق ، و المكاشفة ، و التجلّي ، و التخلّي ، المشاهدة ، السالك ، القطب ، النقباء ، النجباء ، الأوتاد ..إلخ ) . و قد ألّف شيخ التصوّف و العالم الروحاني و الشاعر و الفيلسوف محي الدين بن عربي ( 1165 م – 1240 م ) - الذي لقبه مريدوه و أتباعه بألقاب منها : الشيخ الأكبر ، و البحر الزاخر ، و رئيس المكاشفين ، و بحر الحقائق ، و إمام المحققين - ما يربو عن 800 كتاب ، و وصلنا منها قرابة 100 كتاب ، في التصوّف و علم الكون . و عمّت آراؤه العالم الإسلامي ، شرقا و غربا . و الملاحظ ، أنّ ابن عربي طلع نجمه في نهاية العصر العباسي الثاني ، و قبل سقوط بغداد على أيدي التتار و المغول سنة 656 هـ ( 1258 م ) ، و الذي اعقبه عصر الضعف و الانحطاط ( عصر المماليك و العثمانيين ) ( 656 هـ - 1213 هـ ) الموافق ( 1258 م – 1798 م ) . و هي فترة شهدت البلاد العربيّة ركودا أدبيّا فظيعا ، تدهورا في المنظومة الفكريّة العربيّة و الإسلاميّة و ركون العقل العربي و الإسلامي إلى التفكير المستند على البدع و الخرافات و الأوهام ، كما أصبحت الفلسفة الصوفيّة مذهبا عقائديا جديدا . و من المؤسف ، حقّا ، انتقال الفكر الصوفي إلى العامة ، و أنصاف الوعاظ ، و تفرّعت عنه ظاهرة ( الأولياء ) ، و شيّدت على قبورهم ( حسب زعمهم ) قبب خصراء اللون و بيضاء ، لتصبح مقامات للزوار ، و ملجأ للطرقيّة و الزوايا ، بل تحوّلت ، مع مرور الوقت ، إلى مقامات مقدّسة ، تنافس المقدّسات الإسلاميّة في مكة و المدينة و القدس . يقصدها العامة طلبا للشفاء و رغبة في نيل بركات ( خدّامها ) و شيوخها ، المدّعين بأنّهم أصحاب كرامات ، خصّهم الله تعالى بها .
ساهمت الصوفيّة في تعطيل العقل العربي ، و غاصت في البحث فيما وراء الطبيعة ، بينما تركوا البحث في الطبيعة الماديّة ، التي سخّرها الله لهم ، و جعل لهم فيها معايش و سبلا شتّى . حوّلوا العلم إلى نظريّات مثاليّة ، خارج الجوارح ، و عطّلوا نشاط الجسد ، و أفنوا مقاصد الوجود المادي ، و أشغلوا عقل الإنسان و قلبه بمسائل فلسفية و شطحات صوفية كبرى كمسائل الألوهية و المحبة الإلهية و القول بوحدة الوجود و وحدة الشهود . و كان محي الدين بن عربي محل تبجيل و إجلال ، من أتباعه و مريديه ، حيث أنزلوه منزلة أرباب المواجد و الأذواق ، الناطق بلسان الكشف و الإشراق . كغيره من أوائل الصوفية ، كالجنيد ( 1 ) و الشبلي ( 2 ) و ذي النون المصري ( 3 ) . يقول د . شوقي ضيف أنّ أبا حمزة الصوفي المتوفي سنة 269 هـ : " أول من تكلّم على رؤوس المنابر ببغداد خالطا مواعظه بإصطلاحات الصوفية و أفكارهم من صفاء الذكر و جمع الهم و المحبة و العشق و الأنس ، و كان هؤلاء الوعّاظ يجذبون إليهم الناس بأكثر ممّا يجذبهم الوعّاظ العاديون لقيام حياتهم على الزهد و التقشّف و رفض كلّ متاع . " ص 528 / ص 529 . ( 4 ) ويقول أيضا : " و تكوّنت حول هؤلاء الوعّاظ من المتصوّفة سريعا حكايات كثيرة تصوّر جهادهم العنيف في قمع شهوات النفس و لذّاتها و كيف كان الصوفي يفرض على نفسه عناء شاقا مضنيّا لا يطيقه إلاّ أولو العزم . " ص 529 / ( 5 ) المصدر نفسه . و قد رويّ عن بشر الحافي المتصوّف المتوفي سنة 227 هـ من أنّه مرّ ببعض الناس فسمعهم يقولون : هذا الرجل لا ينام الليل كلّه و لا يُفطر إلاّ في كلّ ثلاثة أيّام مرّة ، فبكى حين سمعهم يردّدون هذا الكلام . و سأله سائل : ما يبكيك ؟ فقال : إنّي لا أذكر أنّي سهرت ليلة كاملة ، و لا أنّي صمت يوما و لم أفطر من ليلته ، و لكن الله سبحانه و تعالى يلقي في القلوب أكثر ممّا يفعله العبد لطفا منه سبحانه و كرما " المصدر نفسه / ص 529 . ( 6 ) عن رسالة القشيري / طبعة سنة 1346 هـ .
و الباحث في أعماق التراث و لججه ، ستواجهه قصص و حكايات عجيبة عن حياة المتصوّفة و مصطلحاتهم و أفكارهم و شطحات مكرماتهم المزعومة . فقد أنزلوا أنفسهم منازل فوق الأرض و البشر ، و نسبوا لأنفسهم الخوارق من الأفعال ، و وصفوا أنفسهم بأقوال لا يصدقها العقلاء ، و لا يستسيغها العقل الراشد . ألزموا أنفسهم و أتباعهم ( مريديهم ) ما لا لزوم له . و حوّلوا الإيمان بالله و التقرّب إليه إلى تعذيب للنفس ، و إرهاق للروح . و حرّموا على أنفسهم و مريديهم ( أتباعهم ) ما أحلّه الله من الطيّبات ، اعتقادا منهم – و هو اعتقاد لا أساس له في الدين و لا مسند له في العقيدة – أنّهم بنهج الصوفي ذاك ، يزدادون قربا إلى الخالق سبحانه و تعالي . و نسوا أو تناسوا أو غضوا الطرف عن قوله تعالى : " ……… … » يقول د . شوقي ضيف نقلا عن تلميذ الحلاج ابراهيم الحلواني ( أخبار الحلاج ص 20 ) : " دخلت على الحلاج بين المغرب و العشاء ، فوجدته يصلي ، فجلست في زاوية البيت ، كأنّه لم يحس بي لاشتغاله بالصلاة ، قرأ سورة البقرة في الركعة الأولى ، و في الركعة الثانية آل عمران ، فلمّا سلّم سجد و تكلّم بأشياء لم أسمع بمثلها ، فلمّا خاض في الدعاء رفع صوته كأنّه مأخوذ عن نفسه ، ثم قال : يا إله الآلهة و يا رب الأرباب و يا من " لا تأخذه سنة و لا نوم " رُدّ إليّ نفسي لئلا يفتتن بي عبادك ، يا هو أنا ، و أنا هو ، لا فرق بين إنسيّتي ( وجودي ) و هويّتك إلاّ الحدوث و القدم . ثم رفع رأسه و نظر إليّ و ضحك في وجهي ضحكات . ثم قال : يا أبا إسحق ، أما ترى أنّ ربي ضرب قدمه في حدوثي حتى استهلك حدوثي في قدمه ، فلم يبق لي صفة إلا صفة القدم ، و نطفي في تلك الصفة ، و الخلق كلّهم أحداث ينطقون عن حدوث ، ثم إذا نطقت من القدم ينكرون عليّ و يشهدون بكفري و يسعون إلى قتلي ، و هم بذلك معذورون ، و بكل ما يفعلون بي مأجورون " ص 531 / 532 . ( 7 ) و المتأمّل لهذه الشهادة الصادرة عن تلميذ لأحد أكبر الصوفيّة ، يستخلص ، إلى أيّ مدى وصل الصوفيّون في اعتقادهم الضال و المضلّل . و هو اعتقاد لا سند عقلي يسنده ، و لا منطق عاقل يصدّقه ، لأنّه لا يعدو أن يكون وهما كاذبا و خرافة و ضلالة و ادّعاء باطل ، يسوق صاحبه إلى الكفر الصريح .
لا أدري ، إلى أيّ مدى ، كان يسعى الحلاج ، و يمنح نفسه ، التي ألهمها الله الفجور و التقوى ، و جعلها تارة تذنب و تارة تتوب ، هذه الصفة الربّانيّة ، و وسما بها إلى عتبة القداسة ؟ لقد تحولت هذه الحكايات الصوفيّة إلى نوع من القصص الشعبي المتداول بين عامة الناس ، ممّن لا فقه لهم في مسائل الدين و العقيدة . لم يكن المخيال الشعبي بمقدوره الصمود أمام هذه الحكايات الصوفيّة نظرا لهشاشة ، بل انعدام ، الملكة النقدية لديه بشكل كليّ . إنّ العقل العامي ( الشعبي ) ، عقل عديم التأويل المعرفي و الدلالي . لهذا السبب ، شكّلت الصوفيّة خطرا داهما على النسيج الاجتماعي و بالخصوص المربّع العقائدي لدى عامة الناس و ذوي التحصيل العلمي المحدود و المستوى التعليمي الزهيد . يقول الدكتور شوقي ضيف : " و هذه الحكايات الصوفية أخذت تكوّن ضربا من ضروب الآداب الشعبيّة العربيّة ، إذ كان الناس يتداولونها رجالا و نساء و شيبا و شبّانا ، و كأنّ التصوّف كان عاملا قويّا في ظهور تلك الآداب و طبعها بطوابع الشعب و لغته و ألفاظه . " ص 530 . ( 8 ) . و من أعجب ما تداولته كتب التراث العربي الإسلامي ، قصص الكرامات التي نُسبت إلى أشخاص ، يُوصفون بأنّهم صوفيون ، و لا ندري هل هم بشر من سلالة آدم ، أم هم من سلالة الجنّ أم هم من سلالة الوهم و الخيال و الخرافة و الادّعاء . و من هذه القصص العجيبة في محتواها و الغريبة في تفاصيلها ، ما روي عن رجل اسمه بنان الحمّال المصري المتوفي سنة 316 هـ . " فقد قيل إنّ خمارويه أمر بأن يُطرح بين يدي سبع ، فطُرح و بقي ليلته ، و جعل السبع يشمّه و لا يضرّه ، فلمّا أصبحوا وجدوه قاعدا مستقبل القبلة و السبع بين يديه ، و عجب خمارويه ، فأطلقه و اعتذر إليه . " ص 530 . ( 9 ) . و لا ندري ، هل كان السبع جائعا أم شبعا ؟ و هل كان السبع بريّا ضاريّا أم من السباع المروّضة ؟ لم يخبرنا راوي القصة ( الكرامة ) بذلك . و أورد الدكتور شوقي ضيف قصة أخرى من قصص الكرامات ( الصوفيّة ) ، فقد " حُكي أنّه كان لرجل على آخر دين : مائة دينار ، بوثيقة ، فطلب الرجل الوثيقة فلم يجدها ، فجاء إلى بُنان ليدعو له ، لعلّه يجد الوثيقة الضائعة ، فقال له بُنان : أنا رجل قد كبرت و أحبّ الحلواء ، اذهب إلى قريح ( حلواني ) ، فاشتر رطل حلواء و ائتني به ، أدعو لك ، ففعل الرجل ، و جاءه . فقال له بُنان : افتح ورقة الحلواء ، ففتحها ، فإذا هي الوثيقة ، فقال : هذه وثيقتي ، فقال بُنان : خذها . و أطعم الحلواء صبيانك . " ص 530 . ( 10 ) . إنّ هاتين الحكايتن ، لا يصدّقهما إلاّ العامة من الناس و جمهور المغفّلين . فهما تصلحان أنّ تصنّفا في أخبار المنجّمين و سحرة بابل . و تعكس هذه القصص ( الصوفيّة ) ، و غيرها ، و المصنّفة ضمن الكرامات ( الدينيّة ) ، المنسوبة إلى أناس انتحلوا صفة الإيمان و التقرّب إلى الله تعالى ، و ادّعوا حقّ اليقين و عينه و علمه ، حالة المجتمع الإسلامي ، و مستوى التفكير الذي نجم عن شيوع الخرافة و الترّهات و سيطرتهما على العقول التائهة في خضم المفاهيم الأخلاقيّة المغلوطة ، و التديّن المخالف لروح الدين الحقّ . و هو نوع من التفكير الفلسفي الذي عطّل مبدأ السببية ، و سفّه التفكير العلمي ، و همّش العقل و المنطق . لم تكن الأمّة الإسلاميّة ، و تحتضر تحت نير الاحتلال الصليبي ، و تفقد مكانتها الحضارية ، في حاجة إلى الصوفيّة ، و قد فلت منها زمام مصيرها الحضاري . منذ القرن السابع الهجري ، الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي . بل كانت في حاجة ماسة و ضروريّة إلى إعادة مجدها العباسي و الأندلسي ، و إحياء العلوم العقليّة و الإنسانيّة التي وضع أسسها علماءها الأفذاذ ، من أمثال ابن سينا و ابن رشد و الفارابي و ابن الهيثم و ابن النفيس و ابن خلدون و الخوارزمي و جابر بن حيّان و أبي حامد الغزالي ووووووو . لبناء حضارة أصيلة و جديدة خدمة للإنسانيّة جمعاء ، و تقف في وجه الفلسفة الماديّة ، التي أفسدت العقل البشري و الأخلاق معا . و حوّلت الإنسان إلى مجرّد آلة صمّاء . تأخرت الأمّة العربيّة الإسلاميّة ، و أفلت شمسها شرقا و غربا ، و سقطت في شراك الخرافات و الأساطير و الترّهات . و بمثل هذا التفكير ، الذي لا يستقيم له عقل قويم ، و لا قلب سليم ، أضاعت أمّة ( اقرأ ) معالم الريادة الحضارية ، بعد قرون من سطوعها على البشريّة جمعاء . تلك الحضارة ، التي أغنت الغرب و الشرق بالعلوم العقليّة و الإنسانيّة و الآداب . في فترات كانت فيها روما ، و قبلها أثينا و غيرهما ، تحارب العلم و الفلسفة و تحاكم العلماء و الفلاسفة ، فتعدمهم أو تحبسهم أو تنفيهم . ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هامش :
( 1 ) الجنيد : اسمه أبو القاسم الجنيد النهاوندي البغدادي القواريري ، من مواليد بغداد في العقد الثالث للقرن الثالث الهجري . من أعلام الصوفية ، لقب بـ ( سيّد الطائفة ) و ( طاووس العلماء ) . ( 2 ) الشبلي : هو أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي ، و لد سنة 247 هـ ، صحب الجنيد و علماء عصره مات ببغداد سنة 334 هـ ، و قبره هناك . قيل أنه اكتحل بكذا و كذا من الملح ليعتاد السهر و لا يأخذه النوم . ( 3 ) ذو النون المصري الزاهد ، شيخ الديار المصريّة ثوبان بن إبراهيم ، النوبي الإخميمي ، و يكنى أبا الفيض ، ولد في اواخر أيام المنصور : توفي سنة في ذي القعدة 246 هـ .
( 4 ) العصر العباسي الثاني / د . شوقي ضيف / ط . 4 / دار المعارف.القاهرة. ( 5 ) المرجع نفسه . ( 6 ) المرجع نفسه . ( 7 ) المرجع نفسه . ( 8 ) المرجع نفسه . ( 9 ) المرجع نفسه . ( 10 ) المرجع نفسه .
#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يُخرّبون بيوتهم بأيديهم
-
سيميائية العلاقة بين الرجل و المرأة في رواية غابات الإسمنت *
...
-
قراءة سيميائية و تفكيكيّة لرواية غابات الإسمنت . لذكرى لعيبي
...
-
صورة المرأة المنتميّة في المجموعة القصصية ( إيلا ) * للقاصة
...
-
تحرير الحريّة
-
تأمّلات في التقشف و الزهد
-
وجهة الفلسفة الغربيّة . إلى أين ؟
-
الظاهرة الحزبيّة في البلاد العربيّة ما لها و ما عليها .
-
امرأة من زمن العمالقة
-
لماذا نكتب ؟ و ماذا نكتب ؟
-
أم الخير
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 8 )
-
ربيع إيكوزيوميّ *
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 7 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 6 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 5 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 4 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 3 )
-
يوميّات معلّم في مدرسة ريفيّة ( 2 )
-
يوميّات معلم في مدرسة ريفيّة ( 1 )
المزيد.....
-
عكرمة صبري: الأقصى يُستباح من اليهود المتطرفين
-
-لست واهمًا.. ما أقوله يحدث-: رئيس الوزراء السابق إيهود أولم
...
-
عاجل | مصادر للجزيرة: بدء اقتحامات مستوطنين للمسجد الأقصى في
...
-
عطلة لأبناء المكون المسيحي بمناسبة عيد القيامة
-
القوى الوطنية والإسلامية في القطاع: أهل غزة يمثلون طليعة الج
...
-
قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية حول المفاوضات النووية
-
جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخ
...
-
الأردن يعلن إحباط مخطط -للمساس بالأمن وإثارة الفوضى- وأصابع
...
-
ممثل حماس في إيران: يجب إعلان الجهاد العام بالدول الإسلامية
...
-
نحو ألفي مستوطن يستبيحون الأقصى وبن غفير يقتحم المسجد الإبرا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|