ـ دمشق
كشفت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية في تقرير أصدرته مؤخراً (بتاريخ 30/4/2003) عن وجود فجوات اجتماعية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي. وتشير المعطيات إلى ارتفاع في معدلات الفقر في المجتمع الإسرائيلي في الربع الأول من العام الحالي قياساً على المعطيات في العام 2002، حيث تبين أن ما يقارب المليون ومئتي ألف شخص فقراء. وبالرغم من الوضع الأمني الضاغط على الصهاينة، ارتفعت الأصوات والتحليلات الإسرائيلية لأكثر من جهة سياسية وإعلامية ولدوافع شتى، تنفي الوضع الاجتماعي وتحذر من الفجوات الحادة في الدخول المالية للعائلات الإسرائيلية، وما يمكن أن يحمله ذلك من خطورة.
ويؤكد التقرير مدى حدة وقسوة واقع الأقلية الفلسطينية العربية في الكيان الصهيوني، ومدى المعاناة والعوز الذين تعانيهما هذه الأقلية، إلا أنه لم يكشف إلا جانباً من هذه الحقيقة ففي قراءة متأنية لأرقام التقرير وعطفها على معطيات وأرقام أخرى نشرها أكثر من مركز إحصائي إسرائيلي يتبين أن الفجوات الحقيقية ما بين اليهود والفلسطينيين العرب هي فجوات عالية وحادة جداً، إذا أن نسبة 14 بالمئة من العائلات الإسرائيلية الفقيرة التي يكشف عنها التقرير هي نسبة تكاد تكون مساوية لنسبة العائلات الحريدية من "اليهود الشرقيين" التي تقترب مداخيلها من خط الفقر الافتراضي، فالشريحة الحريدية لدى اليهود في "إسرائيل" تختار طوعاً العيش في عوز لجنوحها نحو ترك العمل والاكتفاء بما تتقاضاه من المعاهد الدينية والإعانات الحكومية المقدمة من مكاتب الرفاه الاجتماعي ووزارة الأديان في إسرائيل، وهذا ما يُمكّن من عدم إدراج تعدادها في الجدول العام للفقراء.
وتضاف هذه النسبة تلقائياً إلى الشريحة الفلسطينية العربية لترتفع بذلك نسبة العائلات العربية الفقيرة إلى ما يزيد عن الخمسين بالمائة على أقل تقدير، أي أن العائلات الفقيرة لدى اليهود تكاد تلامس الصفر بينما يحصر الفقر عملياً في الوسط الفلسطيني العربي، وبحسب التقرير فإن للفقر في إسرائيل وجهاً قومياً، فالفجوة بين اليهود والفلسطينيين العرب هي فجوة شاسعة جداً. فالعائلات الإسرائيلية اليهودية الفقيرة غير موجودة بينما تصل نسبة العائلات الفلسطينية العربية الفقيرة إلى ما يزيد عن الخمسين بالمائة، أي أن كل عائلة فلسطينية عربية من أصل اثنين هي عائلة فقيرة.
ولا يتوقف التميز عند حدود عدم معاملة العائلات الفلسطينية بذات الأسلوبية التي تتعامل بها مكاتب الرفاه الاجتماعي مع العائلات اليهودية الإسرائيلية، بل يتعداه إلى نهج سياسي واضح لدى هذه المكاتب وأقسامها، فالميزانيات التي تصرف على سبيل المثال لا الحصر للقدس الشرقية تدلل على التميز الفظ، حيث تبلغ ميزانية قسم الرفاه 209 مليون شيكل في السنة، يخصص منها 41 مليون شيكل للأحياء العربية في المدينة على الرغم من أنه في أحياء القدس العربية يسكن ثلث سكان المدينة، ويمتد التميز من خلال فرز العاملين في قسم الرفاه الاجتماعي للسكان العرب في القدس الشرقية، فمن أصل 452 كادر موظف رفاه. لا يوجد في القدس العربية سوى 53 منهم، على الرغم من أن تقارير قسم الرفاه الاجتماعي تشهد بأن 66 بالمائة من سكان القدس العربية يعيشون تحت خط لفقر، ففي قسم الرفاه الاجتماعي يعمل 23 موظف لمعالجة شؤون القدس الشرقية بمقابل 324 موظف يعمل في غربها، ويتعمق التميز حتى يصل إلى الأطفال المعوقين، فالميزانية المخصصة لمعالجة المعوقين في القدس الشرقية تبلغ 62.804 شيكل مقابل 594.608 شيكل في القدس الغربية، بينما من جميع أهالي القدس الشرقية يتلقون العلاج من قسم الرفاه الاجتماعي 19 بالمائة فقط.
ويمتد التمييز حتى القطاع التعليمي، حيث يؤكد تقرير معهد القدس للأبحاث الإسرائيلية وبالتعاون مع قسم التعليم في القدس، أن النقص في صفوف التعليم قائم، ومواصفات هذه الصفوف والمباني في القدس الشرقية سيئة، فمن المتوقع أنه حتى نهاية العام 2010 أن يصل النقص إلى 1883 صف في صفوف المؤسسة التعليمية في القدس العربية والمباني القائمة 40 بالمائة منها غير سليمة كونها مبانٍ مستأجرة لم تخصص كمدارس، ويرتفع فيها عدد التلاميذ مما يتطلب مدارس جديدة. لكن بلدية القدس لا تبني مدارس جديدة، ولا تستأجر مبانٍ سكنية لتحولها إلى مدارس، فالمباني المدرسية الحالية لا تفي بالمواصفات اللازمة للمدارس من حيث الصفوف، والشروط الصحية الأساسية، وحجم الملاعب.
تشير بشكل واضح كل التقارير والدراسات لتي تقدمها المعاهد والمراكز المختصة إلى مدى معاناة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، وتقدم التوصيات لإيجاد حلول للطبقة السياسية لردم الفجوات بين الفلسطينيين في إسرائيل واليهود، غير أن كل التوصيات لا تلقى اهتماماً من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة، بل توظف إعلامياً لتضليل الرأي العام الفلسطيني في إسرائيل. ولا يترافق النمو الاقتصادي في إسرائيل، ومهما كان مرتفعاً مع مساواة وتوزيع عادل " للناتج القومي" بما يخص الأقلية الفلسطينية العربية، فنسبة النمو في العام 2000 بلغت 5.95 بالمائة، بالرغم من ذلك تزايدت نسبة الفقر لدى العائلات العربية بشكل كبير.
هذا على صعيد العائلات الفلسطينية، وما يجري من تميز في القدس العربية الشرقية مثالاً على آلية تعامل حكومة إسرائيل مع البلديات الفلسطينية في المدن الفلسطينية العربية في مناطق 1948، حيث لا تحصل هذه البلديات على نصف ما تحصل عليه البلديات اليهودية الإسرائيلية، مما يوسع من هوة التميز والفقر حتى يتثبت أن الفلسطينيين في إسرائيل مواطنون من الدرجة الثانية لدى مقارنتهم بالمهاجرين اليهود من بلدان حوض المتوسط، وبالمهاجرين اليهود الروس يصبحون مواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة.