أنا والملايين مثلي في العالم العربي والإسلامي وحتى الغربي يتابعون بشوق و شغف منتظرين نهاية هذا المسلسل الإجرامي التي هي قصة من التاريخ وحكاية من التراث كتبت لها السيناريو والحوار الماسونية العالمية و أبطالها الجيوش الجرارة التي أبحرت وطارت وترجلت من أقاصي الأرض مجتمعة في أستوديو الفن الحربي والقتال الدموي في العراق المسكين وطبعاً وكما هو معهود سيكون المنتج والذي يوقع الشيكات المفتوحة والتي غالباً تكون على بياض هي الدول العربية التي هي مغلوبة على أمرها وعن طريق ضخ البترول والثروات العربية إلى أوروبا والولايات المتحدة ثمناً لكوارثها وحروبها التي ندفع دائماً من شهدائنا ودمائنا وأموالنا وخيراتنا ثمناً باهظاً مقابلاً لها فنكون قد خسرنا المعارك والحروب مرتين معنوياً ومادياً ولا نستطيع تبرير مواقفنا أمام شعوبنا إلا بكلمات رذيلة صارت معهودة ومحفوظة عن ظهر قلب باستطاعة طفل صغير ترديدها بدون تلكع دون خوف أو وجل ممزقين بها كل أوجه الحياء والخجل نضحك على أنفسنا بها .
إلى متى سيبقى العالمان العربي والإسلامي يتغنون بأمجاد الماضي ويتفاخرون ببطولاتهم التي حققوها تاركين ذلك الماضي على حاله دون أن يمدوا يدهم ويغرفوا منه متعلمين من ذلك التاريخ دروساً تعلم أعدائهم منها أكثر منهم ولا يلبثون إلا ويقولون ما لا يفعلون تاركين ذلك الماضي كتحفة جميلة وتمثال نادر لا يمسونه ولا يحركن به ساكناً رغم عدم المعارضة في أن يمجد الإنسان ماضي أجداده ويذكر بالخير مناقبهم وبصماتهم في جدران التاريخ ولكن ليس بهذا القدر الذي به صار الواحد منا يحتقر ماضيه هذا ويندد بهذا الكلام الذي مللنا من سرده بين الفينة والأخرى ألا نشبع ولا نكل من هذا القول الذي صار يأتينا بالويلات والخراب والدمار.
رغم كل هذا نتابع يومياً على شاشات التلفزيون وعبر أوراق الصحف والمجلات سواءً كانت مطبوعة أم منشورة على شبكة الإنترنيت نتابع جهل الكثير من المثقفين والسياسين العرب الذين مازالوا مصرين على تسمية الطاغية الأعظم صدام حسين بأنه بطل العرب والمسلمين رغم معرفتهم عز المعرفة بأنه لم يكن سوى عميل تافه للمخابرات المركزية الأمريكية والذي تقاضى بموجب هذه العمالة البليارات من الدولارات والذي أوضح الأمور بقوة هو هروبه واختباءه بل تسليمه لبغداد بهذه المهزلة التاريخية وبهذه الطريقة الطريفة والمضحكة فالمتابع لأحداث الحرب كان يظن وكما صرح الصحاف بأن بغداد ستتحول إلى مقبرة جماعية للقوات الأمريكية والبريطانية فتفاجئ الصحاف كما تفاجئنا نحن أيضاً بأن الحكومة العراقية الجبارة اختفت عن الأنظار وكأنه ( فص ملح وداب ) .
إلى متى سيعيش عالمنا الإسلامي والعربي وعلى أعينه هذه الغشاوة القاتمة التي تحجب عنه رؤية أرنبة أنفه ألا نستطيع أن نكون ولو لمرة واحدة في حياتنا واقعيين أن يكون تفكيرنا وكلامنا مطابقين لبعضهما البعض وأن نكون منطقيين في أقاويلنا وسردنا لمشاعرنا النبيلة دون أن يكون هناك ما ينغص علينا التفكير بحرية .
إن عتبي الكبير على هؤلاء المثقفين والسياسين المصرين على أن صدام حسين هو المهدي المنتظر ونسوا أو يتظاهرون بالنسيان من هو هذا الطاغية الذي لم ولن يولد في التاريخ مثيل له بل حتى الطاغية أرحم منه لهذا نسرد القليل من جرائم نظامه البعثي القمعي والذي صار مضرب للمثل في هذا العالم بالطغيان والظلم:
أستلم صدام حسين زمام الأمور في بغداد إثر انقلاب عسكري على الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر وأول ما بدء به قتل أقرب رفاقه له وهم في المؤتمر الذي نصب فيه نفسه أميناً عاماً لحزب البعث بشقه اليميني ثم بدء بحرب طاحنة مع الجارة المسلمة إيران لمدة حوالي الثماني سنوات لم يكن له فيها ناقة ولا جمل بل تلبية لأوامر أمريكية لوقف التدفق الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط وخسر صدام فيها ما لا يقدر بثمن من الملايين من الشهداء والمشوهين والمعاقين بالإضافة إلى الكم الهائل من الأسرى والمفقودين الذين راحوا كلهم ضحية لنزوة حماقة من قائدهم المفدى وحامل راية العرب والمسلمين كما يصفه الكثير من الإعلاميين العرب ثم قام صدام بعملية الأنفال التي بموجبها صار أكثر من 182 ألف من الكورد العراقيين في عداد المفقودين لا يعرف عنهم أي خبر والمجزرة الكبرى التي أقامها صدام ضد أبناء الشعب الكوردي في بعض القرى والنواحي من إقليم كوردستان العراق وستبقى حلبجة مثال على طغيان صدام وأعوانه ومن لا يستطيع تصديق أن صدام ليس سوى زعيم للإرهاب العالمي ما له إلا وأن يزور العراق بشكل عام وكوردستان بشكل خاص ويرى بأم عينيه ماهية هذا الهمجي الذي لا يتنمي إلى الجنس البشري بل من الحرام أن نصفه بتلك الصفات لأنه حتى الحيوان لا يؤذيك إلا إذا كان جائعاً أو يخاف منك ثم غزا صدام دولة الكويت العربية الشقيقة المسلمة مكلفاً إياه بما لا يقدر بمال من أرواح بريئة كان ذنبها الوحيد بأنها تعيش مسالمة في موطنها حيث لم يرضي ذلك صدام فأنتقم من أقرب الناس إليه .
كل هذه الجرائم بسيطة ولكن ألا يخجل هذا الطاغية الذي يحب صدام حسين ويصر على أنه البطل من تلك القبور الجماعية والتي أصف العراق بأنه عائم على بحر من المقابر الجماعية حيث لم تفلت منطقة من أرض العراق إلا وفيها المئات إن لم نقل الآلاف من هذه القبور فإذا كان بنظركم البطولة هي تفجير البشر بمتفجرات توضع في جيوبهم وهم مكتوفي الأيدي و موصدي الأعين وكأنهم دمىً إلكترونية أو ألعاب كومبيوتر ويصفق من حوله كل نظامه الطاغي فنعم إنها البطولة والبسالة وهي قمة الجهاد للدين الذي يدين به هذا الغول الذي انزاح عن صدور العراقيين و أرسل رسالة إلى كل طغاة العالم بأنه لكم يوم كما كان لصدام الذي استمر في الطغيان أكثر من خمسة وثلاثين سنة وأوجد جروحاً لن تندمل أبداً مازال هنالك طفل أو شيخ أو امرأة تتذكر اليسير من عذاب ما ذاقوا على يد عملائه وطغاته .
بالرغم أنه لا يختلف اثنان على الجور والظلم الذي لاقاه أبناء العراق على يد جلاديه إلا أنه مازال هناك من يصر على أن يضع صدام في مكانة المجاهدين ولا يعطي الحق لأمريكا بأن تتدخل لإجتثاث جذور هذا العلقم المر من حلق أبناء الشعب العراقي والذي زاد الطين بلة دفاع الحزب الديموقراطي الكوردي ( البارتي ) في سورية بل وقال بأن وجود أسلحة الدمار الشامل كان مزعزماً ويكأن حلبجة قصفت من قبل القرية المجاورة وليس نظام البعث الحاكم في العراق من استخدمها ضد الكورد وضد الإيرانيين في حربه مع إيران ويتابع القول بأن إجماع كل الحقوقيين في العالم لا يعطي الشرعية لأمريكا الدخول وإنقاذ الموقف هذا ما ورد في جريدة حزبهم بعنوان معركة الحواسم حيث الصمت العربي مطبق ولم يتدخل في سبيل إنقاذ هذا الشعب المسكين من براثن الطغيان والظلم هذا الذي أعطى لأمريكا المبرر للدخول في حرب تحرير العراق.
مرة أخرى أريد من كل المثقفين والمهتمين بالسياسة أن يحكموا عقولهم وضمائرهم ولا يكون فقط مطية غيرهم يأمرونهم بما لا يخدم سوى مصلحة أعدائهم ويكفي فقط أن نرى أكوام من العظام التي تكشف النقاب بواسطتها عن الملايين من المفقودين من الشعب العراقي بكل قومياته فإن منظر تلك الأكياس والله لتقشعر لها الأبدان وتذرف لها الدموع .
أتمنى مرة أخرى أن تكون الحقيقة شوهدت وبدت واضحة قليلاً لكل محبي صدام حسين بأنه لم يكن سوى طاغية وإرهابي قمعي في آن واحد ولم يكن في حياته أبداً لا مجاهداً ولا قائداً ولا رئيساً ولا يدين إلى الإسلام الحنيف بصلة بل كان بلاء شفانا الله عز وجل منه وتيقظوا لأنه بالفعل في هذه المرة شر البلية ما يبكي.