|
ما بين البالة والشماشير والرابش
يسري غباشنة
الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 07:56
المحور:
المجتمع المدني
فتح أبو العبد غطاء البكم الأبيض ليتأكد من وجود الماء الكافي في الروديتر بعد أن وقع غطاؤه في اليوم السابق، ووضع بدلا منه شريطة بالية كانت فيما مضى من زمن قميصا، أو غيارا داخليا؛ ليسد به فتحة الروديتر. فاليوم سيشدُّ دواليب بكمه إلى إربد لشراء كسوة العيد للقواريط كما تدّعي أم العبد. بعدها قام أبو العبد بتشغيل ماتور البكم الذي اشتراه بعد تقاعده من مكافأة نهاية الخدمة، حيث اتفق مع مالكه السابق على أنه (خالي قص قلبان)، وبعد أن اشتراه قام بإجراء بعض التغييرات عليه من خلال إدخال الإكسسوارات اللازمة؛ فكتب عليه من الخلف عبارة ( لاتسرع يابابا نحن بانتظارك) وذلك بقلم فلوماستر أزرق كي يتواءم مع اللون الأبيض،وأحضر جاعد خروف، وفرش مقعد السائق به، وقام بتعليق مسبحة على المرآة الداخلية،وثبّت المسجِّل (بمغِّيط) عريض حتى لايسقط عند أول دعسة بريك أمام أحد المطبّات،وتأكد تماما من وضعية نمرتي البكم عن طريق ربطهما بأسلاك زيادة في الحرص،كما قام بدهان بعض البقع في (بودي) البكم التي غزاها (الهريان) باللون الأحمر التأسيسي، ولم ينس أن يثبت البطارية بشريط من الكاوتشوك، حيث أحكم عقدته تماما حتى (لايظل للبين حجة)،كما اشترى مرسا وحبالا أيقن بحاجته اليها عندما نقل حمارا لجاره أبي عقله من سوق الحلال الشهر الفائت،وعقد النية الصادقة ،لشراء مرآة جانبية للبكم من المدينة الصناعية الشهر القادم، وذكرته ست الحسن بإحضار شريط كاسيت لعرس أخيها كهدية للمسجل. وبعد أن قام بكل ذلك كتب على مقدمة البكم في جهته اليمنى( عين الحاسد تُبلى بالعمى) وفي الجهة اليسرى كتب(ياناظري بعين الحسد أشكيك لواحد أحد).
خرجت أم العبد تحمل وليدها متثاقلة بعد أن اختفت ملامحها كأنثى، فأصبحت مثل شوال محشو برؤوس ملفوف أو زهرة كما وصفتها (سِلْفَتِها) أم تحسين بعد آخر (هوشة) بينهما. وبصعوبة بالغة تمكنت من إدخال قوامها داخل البكم،في حين سبقها إلى صندوق البكم العبد وأخوانه السبعة، الذين لايفصل أعمارهم عن بعض سوى التسعة أشهر، وما التسعة أشهر بقليل. تبعهم أبو العبد بعد أن تأكد أن الماتور لن ينطفيء بعد أول محاولة لوضع المفتاح في (السويتش)، وما أن ركّب الغيار الأول حتى تعالت الهتافات من الخلف( يا شوفير اطلع هالطلعة، الله يخليلك هالصلعة) فارتسمت ابتسامة خفيفة ظهرت واضحة على محيا أبي العبد، وتخيل نفسه راكبا خنزيرة شبح على رأي أخواننا المصريين، ولكن هذه الابتسامة لم تدم طويلا فما أن وصل إلى أول طلوع خفيف حتى تباطأت سرعة البكم لتتعالى الهتافات محتجة( يا شوفير ادعس بنزين، عالمية وتسعة وتسعين)وخاصة بعد أن رأى الصبية أن المركبات جميها صغيرة كانت أو كبيرة تتجاوز بكمهم من الشمال مع بعض الشتائم والسباب من بعض سائقي المركبات الأخرى لإصرار أبي العبد على امتلاك الجانب الأيسر من الطريق. وما أن وصل البكم إلى طريق مستو حتى سارع إلى إعطاء الغيار الثاني، فالثالث وهنا ظهرت علّة غير سهلة حيث إن الغيار الثالث لايجاوب بل (بيفلِّت) كما قال له ذلك أبو عاطف الخبير في فحص البكمات، والذي يثق به أبو العبد وبكفاءته في هذه الخبرة. إلا أنه ومن خلال استراتيجية المحاولة والخطأ تمكن من تركيب الثالث، وأكمل مشواره على أنغام (والله لاعبر تركيا واشرب تتن واكيِّف). وما أن حطت القافلة رحلها حتى تبعثر الأولاد في زحام سوق البالة، فما كان من أم العبد إلا أن كشرت عن أنيابها وهي تحاول لملمة القواريط، (فمصعت) أذن أصغرهم وأمسكته لأبي العبد الذي أُسقط في يده، ولم يدر ما العمل في ظل هذا الفلتان الذي لم يحسب له حسابا، كما قام العبد بمساعدة والدته في قطع خطوط التسيب والزوغان لأخوته، ولم تستقر الأمور إلا بعد أن أخذ الإجهاد مبلغه من حنجرة السنيورة التي تحول شهيقها وزفيرها إلى فحيح وبحة. وهنا بدأت أهم خطوة في هذه الرحلة وأخطرها وهي عملية الشراء التي أصبح فيها أبو العبد ضليعا في التمييز بين أصناف كل من: البالة، والشماشير والرابش؛ فبضاعة البالة بالنسبة له لمجرد الرؤية والتحسر لعدم جرأته في الولوج إلى إحدى محالها، فهي غالية الثمن؛ فالبنطلون قد يصل ثمنه إلى دينار أخضر اللون، والقميص قد يتجاوز سعره نصف الدينار، مهما أوتي من مهارة في المجادلة والمفاصلة؛ لذا فهو لايتعامل مع هذا الصنف الأول والممتاز إلا في الملمات الكبرى مستقبلا كشراء بدلة عرس العبد – الله يرضى عليه- بعد أن يصير شابا يافعا بإذن الله.وأما الصنف الثاني-الشماشير-فقد اكتسب خبرة لايُشقُّ لها غبار في التعامل معها، ومع بائعيها حتى أصبج من الوجوه المألوفة لبائعي هذا الصنف. وما يميز الشماشير هو أنها تُباع على البسطات في الهواء الطلق، ووراء كل بسطة صاحبها وابنه الذي وهبه المولى تعالى صوتا هادرا كصوت الزير سالم، وأما البضاعة فهي معتدلة السعر حيث إن كل قطعة لايتجاوز سعرها ربع الدينار قابلا للتفاوض، وهنا تبرز مقدرة أبي العبد وأمه ومهارتيهما في الحصول على قطعتين معا بخمسة وثلاثين قرشا، وليس شرطا هنا ماهية القطعتين أكانتا؛ كبوتا، بيجامة للسهرة، بنطلونا للمناسبات الاجتماعية، وقد تصل الأمور إلى بسطار لأيام الشتاء القادمة على الأبواب. كل ذلك راجع إلى طول نفسيهما في المجادلة، فهذا الصنف – الشماشير-يتوقف عليه النمط السائد في الأسرة الكريمة. كما أنه (لا، ولم، ولن) ينسى أن (يبلص) البائع في النهاية بقطعة بدون ثمن؛ أي على البيعة.في حين تكمن أهمية الصنف الثالث- الرابش-في الاستخدام غير المرئي للعين المجردة؛ أي على شاكلة الغيارات الداخليه تحديدا، وكذلك الجرابات حيث تتفوق أم العبد على زوجها في التمييز بين الصالح والطالح من خلال وضع كفها وأصابعها مفرودة إلى أعماق أعماق أي فردة للتأكد من عدم وجود ثقوب خافية عن ناظريها، في حين تقوم ببسط الغيار الداخلي ومطه مقابل أشعة الشمس لضمان شيئين؛ الأول منهما خلو القطعة من بقع المنظفات الكيماوية، والثاني للسيطرة على وضعية المطاط ومدى صلاحيته. وأما أسعار هذا الصنف فهو أن كل عشرة قطع بشلن، كذلك قابل للتفاوض. وبعد أن تمت عمليات الشراء لأفراد الأسرة كافة، تناولوا وجبة الغداء وهي رغيف من الساندويش محشو بالفلافل والحمص والكاتشب، ويمموا شطر البكم الأبيض وما أن وصل أول قاروط حتى رجع مهرولا يزف بشرى مفادها أن العجل الخلفي ( منفِّسْ) وهنا تذكر أبو العبد أن العجل (السبير) كذلك( مبنشر) منذ الأسبوع الفائت، وبعد نحو ساعة من الزمن تمت السيطرة على الوضع ومعالجته. وبعد أن ركب الجميع أدار المفتاح في السويتش، فظهرت مشكلة عويصة أخرى تكمن في أن البطارية تخلو تماما من الكهرباء في اللحظة نفسها التي أقام إمام المسجد القريب من السوق لصلاة المغرب. في ظل هذه الظروف العصيبة لم يسع أبو العبد إلا العودة بعياله إلى قريتهم بدون البكم على أمل إصلاحه غدا إن شاء الله وإن غدا لناظره لقريب.
#يسري_غباشنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقطة. أول السطر
-
بقعة دكناء في المدرج الروماني
-
رفقا عزيزي ومعذرة
-
ثلاثية آلاء المصرية
-
هكذا هم الإخوان المسلمون في الأردن
-
سيدي أبا القاسم... عذرا
-
والله خير الماكرين
المزيد.....
-
الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف
...
-
الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|