طرح الدكتور كاظم حبيب قبل فترة , مادة في حلقتين تحت عنوان ( رؤية اولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي ) وهي مادة جديرة بالمناقشة والتقييم , لما تحويه من افكار جديدة وجريئة , خصوصا وهي تطرح من قبل رجل مارس العمل السياسي لاكثر من نصف قرن , وتبوأ مواقع قيادية في الحزب الشيوعي العراقي .
كما اطلعت على رد الدكتور حبيب , على ملاحظات الاستاذ نزار خالد , وفي الرد افكار تكمل الفكرة الرئيسية , التي ينشدها الدكتور من موضوعه , ولذلك سأحاول مناقشة موضوعة الدكتور حبيب في الحلقتين والرد .
جوهر فكرة الدكتور حبيب
في الحلقتين والرد , يطرح الدكتور فكرة واضحة لا لبس فيها , فكرة تؤكد على ضرورة ( تأسيس حزب جديد لليسار العراقي )وهذا الحزب الجديد , الذي يدعو الدكتور لتأسيسه , يتكون اساسا من حل الحزب الشيوعي العراقي , والتجمع الديمقراطي العراقي والاتحاد الديمقراطي العراقي . والدكتور في تحديده لهذه الاطراف الثلاثة , لا يوضح لنا على ماذا اعتمد لوضعها في خانة اليسار !!؟ كما انه لا يعطينا تفسيرا واضحا لمعنى اليسار الذي يدعو اليه ؟ هل هو اليسار الذي تتبنى احزابه وقواه الفكر الماركسي ؟ واذا كان الامر كذلك , فمن هي الاحزاب العراقية التي تندرج ضمن هذا الاطار , عدا الحزب الشيوعي العراقي !!؟ ولماذا سمى التجمع الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي العراقي , علما انهما لا يشيران في برنامجيهما للماركسية من قريب او بعيد !! ام يقصد الدكتور القوى المؤمنة بالفكر العلماني , وهي احزاب كثيرة قومية ( عربية وكردية وتركمانية واشورية ) واحزاب ديمقراطية وليبرالية . فهل هذه الاحزاب جميعا مشمولة بدعوة الدكتور حبيب , لحل نفسها , والانخراط في الحزب اليساري الجديد الذي يدعو لتأسيسه ؟
الحقيقة ان الامر يزداد غموضا وضبابية , عندما يشير الدكتور في النقطة الاولى من الالية التي يقترحها لتحقيق فكرته الى ( اجراء مشاورات واسعة ومعمقة بين الاحزاب والقوى السياسية العراقية التي تعتبر نفسها ضمن اليسار العراقي , بغض النظر عن انتماءاتها القومية او الدينية او المذهبية , لمعرفة مدى استعداد كل منها لتحقيق مثل هذا الهدف ) ووفق هذا الطرح ليس هناك تحديد علمي واضح لقوى اليسار العراقي فالقوى ( التي تعتبر نفسها ضمن اليسار العراقي ) يمكن ادراجها ضمن هذا التيار !! أي ان الامر مرهون بمن يرغب ان يصنف نفسه ضمن تيار اليسار !! والاكثر غرابة بقية الفقرة التي تشير ( بغض النظر عن انتماءاتها القومية او الدينية او المذهبية ) فأي يسار هذا الذي يضم اطرافا قومية ودينية ومذهبية !!؟ واي حزب يساري سيتمخض عن هذه الطبخة الغريبة والفريدة من المتناقضات !!؟
اعتقد ان اليسار العراقي يتمثل الان عمليا في الحزب الشيوعي العراقي اولا , وفي شخصيات مستقلة عملت داخل الحزب , وخرجت منه لاسباب مختلفة , وظلت , وهي خارجه , تحتفظ بمنطلقاتها الفكرية ثانيا , وشخصيات مستقلة اخرى لم تعمل في صفوف الحزب , لكنها كانت لصيقة به , ومحسوبة عليه ثالثا . كما نجد شخصيات يسارية اخرى موجودة في مختلف الاحزاب والتيارات العراقية , ولكنها قليلة وغير مؤثرة داخل القوى التي تعمل فيها رابعا . هذه في رأيي هي قوى اليسار العراقي , واعتقد ان اختراع غيرها , امر يضر بموضوعة اليسار , وبالمكانة التي يتوقع الدكتور له ان يحتلها .
مبررات تأسيس الحزب الجديد
يشير الدكتور حبيب في مادته موضحا اسباب طرحه لمشروع الحزب اليساري الجديد مؤكدا انه ( ينطلق من وعي طبيعة المرحلة ومهماتها والتعقيدات المحتملة الحبلى بها من جهة , ومن اهمية الدور الذي يمكن ان تمارسه قوى اليسار الديمقراطي في المشاركة الواعية والفعالة والمسؤولة في بناء عراق ديمقراطي فيديرالي حر ومزدهر ) ويضيف الدكتور ان ( قوى اليسار الديمقراطي تتوزع اليوم على عدد من الاحزاب والجماعات السياسية , فأنها في مثل وضعها الراهن سوف لن تكون قادرة على التأثير في الاحداث السياسية بفعالية وملموسية مباشرة وغير مباشرة ) أي ان دعوته تأتي من خشيته على قوى اليسار , من ان لا تكون قادرة على التأثير في الاحداث السياسية , وهو يريد لها العكس ! لذلك فأن الدكتور يحذر من ان عدم الاستجابة لدعوته , سيقود لخسارة فادحة اذ يقول ( ان العجز او رفض تحقيق مثل هذه المهمة الكبيرة سيقود لخسارة فادحة بهذا الاتجاه السياسي عموما , وبكل مجموعة فيه بشكل خاص … اذ يمكن ان يحول بعضها او كلها على هوامش غير فاعلة في السياسة العراقية , وفي الاحداث الجارية والمستقبلية ) ثم يستدرك الدكتور قائلا ( ان الاتجاهات اليسارية الديمقراطية سوف لن توت ان لم تحقق وحدتها , ولكنها سوف لن تكون مؤثرة وقادرة على الفعل المطلوب منها في هذه المرحلة الحرجة والجديدة في حياة العراق ) ولا يوضح لنا الدكتور طبيعة المرحلة التي نعيشها ولا خصائصها , ولا يسميها لنا , كما لا يرشدنا لنوع التعقيدات المحتملة والحبلى بها , انه يطالبنا فقط بالاستجابة لمقترحه , وحل أحزابنا لتكوين الحزب الجديد الذي يدعو اليه , والا فسنكون على الهامش , ولا تأثير لنا في الواقع السياسي لا الان ولا في المستقبل !!
والدكتور في الوقت الذي يؤكد ان مقترحه يسعى لضمان ( الحرص على صياغة مهمات مشتركة واقعية وعملية لقوى اليسار العراقي تكون اساسا لحوار ديمقراطي فيما بينها , ثم اقرارها وتحويلها لمنهاج عمل لهذه المرحلة والمرحلة القادمة , بعيدا عن المنافسة غير العقلانية او المطالب التعجيزية ) وتأكيده في الالية التي اقترحها لتحقيق هدفه , على تشكيل فريق عمل يمثل القوى الموافقة على مشروعه ليدرس ثلاث مسائل سماها جوهرية جعل اولها ( المهمات التي تسعى اليها في المرحلة الراهنة ) الا ان الدكتور حبيب يلغي عمليا ما يقترحه , ويصادر حق ودور القوى المشمولة بدعوته , عندما يطرح منهاجا تفصيليا يتضمن 20 نقطة !! والسؤال ما قيمة المهمات الواقعية والمشتركة التي طلب الدكتور من قوى اليسار ان تصوغها وما معنى اجتماعها , اذا كان هو من جهزها بمنهاج تفصيلي !!؟ الا يعني ذلك دعوة لهذه القوى لدراسة منهاجه ؟ وانه اختصر على المشمولين بالدعوة ثلث العمل , اذ لم يبق لفريق العمل سوى شكل التنظيم وعقد المؤتمر , حيث تكتمل المهام الثلاث !
والحزب الذي يدعو الدكتور لانشائه ( يجسد تاريخ وتراث نضال مجموعة الاحزاب اليسارية والماركسية في العراق ) ولا اعرف عن اية مجموعة احزاب يسارية وماركسية يتحدث الدكتور ؟ وما هي اسماؤها ؟ فحسب علمي ليس هناك حزب عراقي _ عدا الحزب الشيوعي العراقي _ مثل تاريخ وتراث الماركسية في العراق , منذ الخلايا الماركسية الاولى في الناصرية والبصرة وحتى الان , ولم اسمع بحزب سياسي عراقي نسب لنفسه ما ليس له في هذا التاريخ !
جديد الحزب الجديد !
للحزب الجديد يقترح الدكتور حبيب ( ان يضع له برنامج عمل جديد يتميز بالواقعية والعملية , وينسجم مع طبيعة ومهمات المرحلة ) وكما ذكرت فقد وضع الدكتور البرنامج في منهاجه ذي ال 20 نقطة !
وفي مكان اخر من مقالته يؤكد الدكتور على ( اختيار سبل عمل جديدة وأدوات نضال جديدة , وخطاب سياسي واعلامي ملموس وحديث , تستند الى خيار النضال السلمي والديمقراطي والعمل العلني والمشروع في اطار دولة القانون الديمقراطي ) وتكرار كلمة جديد هنا يجعل الانسان يتساءل عن مغزاها .. حزب جديد .. برنامج عمل جديد .. خطاب سياسي واعلامي جديد , فأذا كانت اداة النضال التي يدعو لها الدكتور كاظم حبيب هي حزب وليس شيئا اخر , اذن من الطبيعي ان يكون لهذا الحزب الجديد برنامج ونظام داخلي وهيئات حزبية وهيئات اختصاص وقيادة , فأين الجديد في اداة النضال الجديدة ؟ وما الذي يختلف فيما يدعو له الدكتور , وما موجود في الحزب الشيوعي العراقي ؟اما عن سبل العمل الجديدة والخطاب السياسي والاعلامي الملموس والحديث فسأوضح للدكتور لاحقا شيئا من حياة الحزب الداخلية , والتطورات الايجابية الكبيرة التي حدثت في العقد الاخير . اما خطاب الحزب السياسي والاعلامي فالمفروض ان الدكتور يعرفه , من خلال اطلاعه على صحافة الحزب وأدبياته العلنية , وعلى صفحة الطريق في الانترنيت , وعلى التجسيدات العملية لسياسته في العلاقة مع الجماهير في الوطن ومع مختلف القوى الوطنية العراقية , ومع حركة التحرر العربية , والقوى العالمية وهي جميعا مفخرة وموضع اعتزاز , ليس للشيوعيين العراقيين وحدهم , بل لكل الديمقراطيين العراقيين , ومحبي الحرية والتقدم , وفي ظروف , يعرف الدكتور حبيب , قبل غيره , مدى صعوبتها وقسوتها . الا يرى الدكتور في كل ذلك , شيئ جديد ؟؟ واذا كان الامر عكس ذلك , اتساءل ما هو الجديد في الاحزاب العراقية او حتى غير العراقية ولم يكتشفه الحزب الشيوعي العراقي , واعتقد ان الدكتور حبيب لا يدعونا للترحيب بالاحتلال والانخراط في المشروع الامريكي لنكتسب الجدة والحداثة !!؟
اما عن النضال السلمي والديمقراطي , والعمل العلني المشروع في اطار دولة القانون , فالمعروف ان شكل نضال الحزب , يحدده الظرف الموضوعي الذي يعيشه , فكما أكد الرفيق فهد في كراس ( حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية ) الصادر قبل اكثر من نصف قرن من ان الشيوعيين ليسوا من عشاق السراديب والسجون وليسوا ممن يرتاحون الى تعريض بيوتهم الى غارات الشرطة وارهاب من فيها . ولكن العدو هو من يضطرهم لان يمارسوا العمل السري . فالعمل العلني المشروع , امر مرتبط بدولة القانون الديمقراطي فهل يأمل الدكتور من قوات احتلال ان تحقق دولة قانون ديمقراطي !!؟
ان عمل الحزب الشيوعي العلني الان جاء في اطار شرعية ثورية فرضها الحزب وأعضائه والجماهير الملتفة حوله , والانتقال من الشرعية الثورية الى الشرعية القانونية , يحتاج لدولة قانون , وفي غياب دولة القانون , والتي لا نعرف الى كم سنة سيستمر هذا الغياب بوجود المحتلين , هل يجمد الحزب نشاطه ويعطل طاقاته , في انتظار تلك الدولة الموعودة !؟ ام هل يحل نفسه ويندمج في اطار حزب هلامي , ربما يحمل اسما يساريا لكنه سيكون نموذجا لليمين , اذ سيكون عليه وضمن موجة التجديد ومواكبة العصر المتعالية هذه الايام ان ينكر استغلال الرأسمالية ويقول انها رحيمة وانسانية , وان يصفق للاحتلال الامريكي قائلا انه تحرير ولنهب ثروات شعبنا مخففا من بشاعتها بأعتبارها توافق مصالح وتبادل منافع بين شعبنا والمحتلين !!
تغيرات جوهرية
في رده على الاستاذ نزار خالد يقول الدكتور ( علينا ان نقر ابتداءا بأننا لم نعد نعيش في عالم الخمسينات والستينات , او حتى اواخر السبعينات , بل نعيش في عالم جديد , والعالم الذي نعيشه لا يحتاج الى مهمات جديدة فحسب , بل هو بحاجة الى أدوات وأساليب نضال جديدة لم نعرفها تماما من قبل ) ولا ادري لماذا يعتقد الدكتور حبيب انه وحده الذي يعيش في الالفية الثالثة , في حين لا يزال غيره يعيش في منتصف القرن العشرين !!؟ وانه وحده الذي يعرف المهمات التي يحتاجها العالم الجديد , وادوات واساليب النضال الجديدة , في حين لا يعرفها غيره !؟ لقد قرأت ولمرات عديدة بنود المنهاج الذي يقترحه الدكتور حبيب للحزب الجديد , فوجدته , وفي الكثير من نقاطه العشرين , نسخا من برنامج المؤتمر السابع للحزب الشيوعي العراقي , بل ان برنامج الحزب تضمن الكثير من المهام والقضايا التي لم يلتفت الدكتور اليها في منهاجه !! فأين هو القرن الواحد والعشرين الذي لا نعيش فيه ولا نعرف مهماته !!؟ اعتقد ان الوف الشيوعيين , الذين يساهمون الان في رسم سياسة حزبهم , وفي تعديلها وتقويمها , وبين هؤلاء المثير من الكفاءات العلمية والفكرية والثقافية والسياسية , اعتقد ان هؤلاء يعرفون جيدا الواقع الذي يعيشون فيه , ولذلك فهم يرسمون برامجهم , والمهمات الانية التي تواجههم بوعي ومعرفة , لا تقل عن وعي ومعرفة الدكتور حبيب , واعتقد انه يتفق معي حين اؤكد ان عقلا واحدا , ومهما بلغ من النبوغ والعبقرية , لن يفوق الوف العقول عندما تعمل مجتمعة , وهو ما يحدث الان داخل صفوف الحزب الشيوعي العراقي .
ان تغيرات جوهرية , وعلى جميع المستويات التنظيمية والفكرية والسياسية حدثت داخل الحزب الشيوعي العراقي , ربما لا يدركها الدكتور حبيب والرفاق الذين تركوا الحزب , سأحاول الاشارة لبعضها لتوضيح التطور النوعي الذي انعكس في النجاحات الملموسة التي يشهدها عمل الحزب الان , ففي مجال التنظيم تم الغاء المراتبية , فكل الشيوعيين هم أعضاء في الحزب ينتخبون وينتخبون في الاجتماعات والكونفرنسات والمؤتمرات , ولهم جميعا نفس الحقوق والواجبات , كما انتظمت مؤتمرات الحزب وكونفرنساته , وكذلك اجتماعات قيادته , وهيئة تنظيم الخارج , هناك ترشيح فردي علني وانتخابات سرية , في جميع الهيئات , اشراك القاعدة الحزبية , ومنظمات الحزب في جميع القرارات الخطيرة ( استفتاء القاعدة الحزبية ) اطلاع القاعدة الحزبية على ملخصات اجتماعات ( ل . م ) و ( م . س ) ونشاطات قيادة الحزب في تقارير دورية . تمتع الحزب الشيوعي الكردستاني ( حشكع ) بحقوق واسعة في رسم سياسته وفق ظروف كردستان , وعقد مؤتمراته وكونفرنساته , وممارسة كافة صلاحياته . حرية منظمات الخارج في اختيار الشكل التنظيمي المناسب لاوضاعها , وانتخاب هيئاتها القيادية سنويا , وتحديد بدلات اشتراك أعضاءها . حرية منظمات الداخل في اختيار الشكل التنظيمي الملائم لظروفها , وقد ساعد ذلك في تجنب الكثير من ضربات العدو , وعمليات الاندساس .اما في المجال الفكري , فالحزب يسترشد بالماركسية , ولم تعد اللينينية ملتصقة بها , بل هي احدى قراءات الماركسية الكثيرة , التي يستفاد منها , كما ثبت ( ان الحزب يستفيد ويغني ثروته الفكرية من التراث والقيم الحضارية لشعوب وادي الرافدين , وتراث الشعبين العربي والكردي والقوميات والاقليات القومية الاخرى في وطننا , ومن منابع الحضارة الانسانية ) . وفي المجال السياسي لا يستطيع منصف ومتابع لعمل الحزب الشيوعي العراقي خلال العقد الاخير , ان يسجل خطأ سياسيا واحدا على الحزب . فقد خرج الحزب من ( موعم ) المؤتمر الوطني العراقي الموحد , بعد المؤتمر الخامس مباشرة , لاسباب تم توضيحها , وكان قرارا صحيحا , وكانت للحزب ولا تزال علاقات جيدة مع معظم القوى الوطنية العراقية , اسلامية وقومية ( عربية وكردية وتركمانية واشورية ) وديمقراطية ومستقلة . ورغم وجود قيادة الحزب واعلامه في كردستان , وحدوث معارك طاحنة بين الحزبين الكرديين الحاكمين اواسط التسعينات , الا ان الحزب وقيادته لم ينجرا لطرف دون اخر رغم الضغوطات الهائلة التي مورست ضد الحزب , من قبل الطرفين .كما حاول النظام , ولمرات عديدة , جر الحزب لحوار , وأرسل العديد من الوفود الى قيادة الحزب في كردستان , لكن الحزب رفض وبشكل قاطع فتح أي حوار مع النظام , لمعرفته بطبيعته وبنواياه وأهدافه .
واعتقد ان الحزب الشيوعي رفع الشعارات المناسبة وطورها وعدلها مع تطور الاحداث , في اخطر القضايا التي واجهت شعبنا , كرفع الحصار الاقتصادي , ومؤتمرات قوى المعارضة والحرب الامريكية واسقاط النظام . ويعمل الحزب الان بفعالية داخل الوطن , مع القوى الوطنية العراقية من اجل استقلالية القرار السياسي الوطني , رغم وجود قوات الاحتلال .
والشيوعيون لا يعملون الان في المقرات الحزبية المنتشرة في معظم مدن الوطن الهامة , انهم يعملون في اللجان الشعبية , وفي لجان حقوق الانسان , وفي الجمعيات الخيرية والانسانية وفي لجان السجناء السياسيين وفي النوادي والنقابات والكليات , بل هم يساعدون الان في تنظيف الشوارع وفي تنظيم المرور وفي منع السرقات والقاء القبض على اللصوص ( 1 ) , هذا عدا الاشكال _ التي ربما يعتبرها البعض تقليدية _ كرابطة المرأة واتحاد الشبيبة واتحاد الطلبة ! فهل الحزب متخلف عن الاحداث ؟ وهل هو حقا لا يستطيع التلائم مع الواقع الجديد , ام هي تهمة جاهزة يراد منها عرقلة اندفاع الشيوعيين , وفرملة نشاطهم المتنوع , والذي يحظى بالتقدير والاحترام .
يقول الدكتور حبيب في رده على الاستاذ نزار خالد , انه مع تبديل اسم الحزب الشيوعي العراقي , ولم يوضح الدكتور مبررات هذا التبديل , فأذا كان (الحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس عام 1934 يمتلك تاريخا وتراثا مجيدا سيبقى مرفوعا في سماء العراق , رغم الاخطاء الفادحة التي ارتكبتها قياداته المختلفة خلال الفترات المنصرمة , والتي شاركت فيها او في بعضها ) على حد قول الدكتور حبيب . فلماذا نغير أسمه ؟ واذا كانت للحزب أخطاء فادحة في الفترات السابقة , فقد ارتكبتها القيادات السابقة , كما يؤكد الدكتور وآمل ان لا تتكرر , اذ لم تعد القيادة بمفردها قادرة على اتخاذ القرارات الخطيرة , فالقاعدة الحزبية ومنظمات الحزب جميعا , تشارك _ ومنذ المؤتمر الخامس _ في صنع القرار . وقيادة الحزب تستشير الان , وتستفتي في جميع أمور الحزب , وهذه الحقائق ربما لا يدركها الرفاق الذين تركوا الحزب , والذين لا يعيشون داخل منظماته .
هل دعوة الدكتور مبررة الان ؟
اعتقد ان الدعوة لحل _ ولا أقول تصفية كما أشار الاستاذ نزار خالد او تغيير كما يقترح الدكتور حبيب _ الحزب الشيوعي العراقي , في الحزب اليساري الجديد , الذي يقترحه الدكتور , ليس لها ما يبررها , وجاءت في وقت غير مناسب , فالمعروف انك عندما تدعو لحل شيئ ما , فلأدراكك ان خللا خطيرا قد ألم بالشيئ الذي تدعو لحله , وانك تقترح الحل لأنقاذه , واسأل ما هو الخطر الذي ألم بالحزب الشيوعي العراقي ليحل نفسه !!؟ فلو كان الحزب منعزلا جماهيريا ووطنيا لكان المقترح مقبولا .. لقد سار الحزب بخطى واثقة في الميادين التنظيمية والفكرية والسياسية والعلاقاتية , ولا يمكن لاي منصف رافق مسيرة الحزب , خلال العقد الاخير الا ان يعترف بالنجاحات الملموسة التي حققها الحزب الشيوعي العراقي , والتي انعكست الان بوضوح في الاستقبال والاحتضان الكبير الذي يحظى به الشيوعيون وحزبهم بين جماهير العاصمة وبقية مدن العراق .
ان الوف الرفاق المنقطعين والجدد يعودون وينتسبون للحزب (2) ويمارسون نشاطاتهم الحزبية والمهنية والجماهيرية وفي مختلف المرافق وخلال بضعة اسابيع فقط .. هذا الواقع هل يدلل على ان هناك خللا في الحزب وعلينا حله من اجل اصلاحه !؟
يتساءل الدكتور حبيب في رده على الاستاذ نزار خالد ( ما المعيب ان يطرح أي انسان فكرة اقامة حزب أخر , يحمل تراث الحزب الشيوعي وتراث الحركة اليسارية العراقية ولكن وفق مهمات وأدوات أخرى ؟ ) وأقول ليس معيبا ان يطرح الانسان فكرة اقامة حزب جديد , بل ليس معيبا ان يقوم عمليا بتأسيس ذلك الحزب , فالساحة العراقية الان مفتوحة على مصراعيها لتكوين الاحزاب الجديدة ولكن المعيب ان يصادر هذا الانسان تراث وتاريخ حزب اخر , خصوصا وان هذا الحزب حي وموجود وفاعل على الساحة السياسية !! اذ ما هي المبررات القانونية والاخلاقية لمثل هذه المصادرة !؟
ان الدكتور حبيب وغيره يستطيعون تأسيس حزب يساري او ديمقراطي جديد ( ولو كانت لفظة شيوعي مقبولة عنده لأوردتها أيضا ) ولكن ان يرث هذا الحزب الجديد تراث الحزب الشيوعي العراقي , فالسؤال لماذا ؟ واذا كان الدكتور غير راض على أسم الحزب , ويطالب بتغييره , فلماذا يطالب بميراثه !؟
اذن يمكن القول ان دعوة الحزب اليساري الجديد الذي يحل الحزب الشيوعي العراقي والقوى الاخرى , هي دعوة غير موفقة , ولم تأت في وقتها , وكنت آمل من الدكتور كاظم حبيب , بأعتباره رفيقا وقياديا سابقا في الحزب الشيوعي العراقي ان يقدم للحزب أفكارا ونصائح أخرى , تساعده في تطوير عمله ونشاطه وفي مواجهة الواقع السياسي الصعب الذي يعيشه الوطن , هذا ان لم اقل ان يضع طاقاته الفكرية والعلمية والسياسية _ وهي كبيرة ومعروفة _ تحت طلب الحزب ويعود مجددا لصفوفه , فأبواب الحزب مفتوحة له ولألوف المناضلين الذين تركوا الحزب لأسباب مختلفة , فلا فيتو على أحد , ولا شروط مسبقة ما دام هدف الجميع خدمة شعبنا والعمل من اجل عراق ديمقراطي فيديرالي مستقل .
المهمات الملحة
اعتقد ان المطلع على الواقع العراقي وبعد سقوط نظام صدام حسين , يكتشف ما هي المهمات الملحة أمام جميع القوى الوطنية العراقية , فتأمين الغذاء والدواء والأمن والأستقرار والطمأنينة لأبناء الشعب وعودة الحياة الطبيعية وفي جميع مرافقها للبلد وازالة آثار الدكتاتورية وأعداد مسودة الدستور والتهيئة للانتخابات البرلمانية والتفاوض حول خروج القوات الاجنبية هي المهمات التي تتجمع حولها معظم _ ان لم نقل جميع _ القوى الوطنية العراقية , سواء تلك التي باركت المشروع الامريكي او التي عارضته أو التي وقفت منه على الحياد .
ان تحقيق هذه المهام سيستمر وقتا , ربما ليس بالقصير خصوصا بعد صدور قرار مجلس الامن حول رفع العقوبات عن العراق والاعتراف بسلطة الاحتلال , هذه السلطة التي دشنت أعمالها بتأجيل المؤتمر الوطني للقوى الوطنية وبتهميش أدوار حتى حلفاءها ونقض ما اتفقت معهم عليه !
هذا الواقع يسحب الى المقدمة موضوعة أهمية وضرورة الدعوة لجبهة وطنية واسعة تضم كل القوى العراقية التي يهمها مستقبل العراق وشعبه وليس جبهة لقوى اليسار فقط , فالمهام المطروحة لا علاقة لها باليسار لو اليمين او الوسط او بقوى علمانية أو إسلامية أو قومية أو ديمقراطية , انه مستقبل وطننا جميعا ونحن جميعا معنيون بتجاوز هذا الواقع .. لذلك فأن الحزب الشيوعي العراقي وقيادته _ ورغم الاعباء الهائلة للعمل الحزبي الخاص , التي فرضتها علنية الحزب وفتح مقراته _ أوليا موضوع العمل مع القوى الوطنية المختلفة حيزا هاما من نشاطهم . والمطلع على الاعداد الاخيرة من صحيفة الحزب ( طريق الشعب ) يرى اللقاءات التي عقدها سكرتير الحزب , وعددا من قيادييه مع الباججي والبرزاني والطالباني وعلاوي والويس والموسوي والحبوبي والنصراوي والعبيدي وعبد الخالق زنكنه , وهم يمثلون مختلف القوى الوطنية العراقية .
كما ان هناك نشاطا علاقاتيا جديدا نشأ على مستوى القاعدة , عكسته طريق الشعب في عددها الاخير (14 ) حيث عقدت اجتماعات تمخضت عن اتفاقات وأشكال تنسيقية هامة في النجف وديالى والبصرة وكربلاء وغيرها ضمت ممثلين عن الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحركة الوفاق الوطني والمؤتمر الوطني العراقي وحزب الاحرار وتجمع الديمقراطيين وطائفة المندائيين والطائفة المسيحية وتجمع المثقفين المستقلين .
اعتقد ان العمل الان وفي هذا المجال الحيوي اكثر جدوى وأهمية وابعد تأثيرا في حل مشاكل الجماهير من الدعوة لوحدة اليسار العراقي . أما متى تكون وحدة اليسار العراقي أو بشكل اكثر دقة وعلمية وحدة القوى العلمانية والديمقراطية . متى تكون هذه الوحدة مفيدة وضرورية , فأعتقد ان ذلك سيكون حين يذهب الناخبون العراقيون لصناديق الاقتراع اذ هناك سيكون لكل حزب او تيار سياسي برنامجه واهدافه وشعاراته التي يحاول من خلالها كسب أصوات الناخبين الى جانبه وبالطبع ستختلف البرامج والتوجهات بين حزب وأخر وبين تيار وتيار .. عندها سيكون ضروريا للاحزاب العلمانية واليسارية والديمقراطية ان تتوحد في تيار جبهوي , لا ان تحل نفسها وتتحد في حزب جديد .. سيكون ضروريا ان توحد خطابها وتتفق على قواسم مشتركة في شعاراتها وأهدافها وأسماء مرشحيها ليكون لها وزنها في برلمان المستقبل والحكومة التي ستنبثق عنه .
عندها سيكون ضروريا للحزب الشيوعي العراقي أن ينسق مع القوى القريبة من توجهاته وأهدافه وان يقيم جسورا متينة مع من هم اقرب إليه .
_____________________________________
(1) نشرت صفحة الطريق على الانترنيت مقابلة أجراها مراسل ( إسلام أون لاين يوم الثلاثاء 20/5/2003 ) في بغداد مع الرفيق شاكر الدجيلي عضو لجنة العلاقات الدولية للحزب وفيها يتحدث عن النشاط العملي اليومي لرفاق الحزب .
(2) يمكن الاطلاع على تقرير نشرته صفحة الطريق على الانترنيت بعنوان ( موقع الحزب الشيوعي العراقي على المسرح السياسي في البلاد ) وفيه يقول الرفيق علي عودة عضو ( ل.م ) ان الحزب يكتسب بين 200 _ 250 عضو كل يوم .