|
الحركة الممكنة .. الحركة المستحيلة
عبد المجيد راشد
الحوار المتمدن-العدد: 1720 - 2006 / 10 / 31 - 10:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحركت مياه بحيرة العمل السياسى المباشر الآسنة على أرض مصر فى العام الفائت بعد أن ركدت على مدار ربع قرن ونيف، تجلت مشاهدها فى كسر حاجز الصمت والسكون، وعبور الخطوط الحمراء لنظام مبارك الفاسد المستبد المتشح بشارات لون الكوارث والمتوج بفروض الولاء والطاعة للشيطان الأمريكى الأكبر ملكا على البلاد والعباد، وظن آ ثما، أن دوام الحال ليس من المحال، وأنه جاسم على صدورنا، كاتم على أنفاسنا، قاعد على قلوبنا، إلى أن يرث جمال مبارك مصر بما فيها وبمن عليها خالصة له وحفنة من المنظمين فى عصابات المماليك الجدد المسماة "برجال الاعمال"، أو بتنظيم "دكاترة السلطان"، أو بجماعة "فقهاء السلطان"، أو بحزب "المارينز الثقافى ـ السياسى العربى الامريكى"، أو بالأطار الجامع لكل هؤلاء والمسمى "لجنة السياسات" ومن خلفها "مجلس الأعمال المصرى الأمريكى"، وبالطبع ماخفى أعظم وأفدح. وإذا بهؤلاء جميعا يستيقظون على حركة الضمير المصرى يطلق صيحته البريئة البسيطة الدالة المعبرة الموجزة الجامعة "كفاية"، وإذا بشعب مصر العظيم يلتقط حبل الوداد ويعلن فى مؤتمر عام عقده بالتمرير دونما دعوة تنظيمية مشددة بأهمية الحضور، أنه فى صفوف الحركة الوليدة مؤيدا وداعما ومشجعا، وإذا بالمقاهى والأندية والنقابات والمصانع والجامعات والمعاهد والمدارس والحقول والمنازل والكفور والنجوع والقرى والمدن فى كل مصر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا تتوافق على نداء الضمير وتصرخ فى وجوه المماليك الجدد ومقدمى الدرك وعلى رأسهم "سنقر الكلبى" و"دليلة المحتالة" وبصوت مخترق ظلمة الليل وسواد الأيام وبؤس الحال والسنة الأولى من السنوات العجاف "كفاآآآآآآآآآآآآآية." إنطلق النداء فى فضاء مشهد السياسة فى مصر وصار كالنار فى الهشيم وتصدرت "الحركة المصرية من أجل التغيير ـ كفاية " المشهد ،وتحولت إلى رأس الحربة لكل المتحرقين شوقا للحرية والعدل والكرامة، ومرت الأيام بطيئة كالألم، مريرة كطعم الهزائم، حائرة من ضبابية الرؤية، متسائلة عن حد أدنى توافق الجميع عليه إما توقيعا أو من وراء حجاب، وراهن الجميع إلا قليل على إدراك مدارس حركة الوطنية المصرية للحظة تدشين وضع القشة التى ستقسم ظهر البعير، وإعلان بدء تاريخ جديد، مفتتح صورته عقد إجتماعى جديد ودستور المستقبل، وواسطة العقد فيه جملة الثوابث السائرة فى مدار معانى المواطنة والحرية والتوزيع العادل لثروة الوطن والسيادة والعروبة والإسلام الحضارى والمقاومة للمشروع الأمريكى الصهيونى للشرق الأوسط الكبير وبالمحصلة النهائية، الإلتقاء على "المشروع الوطنى الجامع" بإبعاده الإنسانية والحضارية العربية، أما آخر حلقاته فتلك المتعلقة بمرحلة إنتقالية مدتها عامان، يعمل فيها الجميع بكل الوسائل للوصول إلى وزنه النسبى فى جغرافيا الوطن، لتنتهى بإنتخابات عامة تفرز أفضل ما يمتلكه الجميع من كوادر فى مختلف مناحى الحياة، لتبدأ مسيرة مصر الجديدة الناهضة المتجددة البازغة. وبدلا من أن تكون الحساسية الجديدة التى تخلقت فى مصر على موعدها مع القدر، إذا بها تصطدم بداية من حسابات البعض الضيقة بأن البساط ينسحب من تحت أقدامهم وبما ترتب عليه من التحرك المنفرد والعزف بنغمتهم الذاتية قبل أن يكتمل إمتلاء الفراغ وذوبانهم فى مجموع الكل بدرجة تهدد قيمة جزئهم، ومرورا بثلة من عارفى ومدركى "من أين تؤكل الكتف" سواء ممن راهنوا على الشيطان القابع فى البيت الأبيض أو الذين إخترعوا أشكال أخرى حرصا على مكسب "محتمل" فى حال إذا تم المراد، أو تمسكا بمكسب "قائم" فى حال تطاير رقاب العباد. وإنتهاء" بدراما التغيير اللقيط فى مادة وحيدة تكرس وتشرع دستوريا للوريث الحالم، وإبتلاع نفر ممن قذفتهم أحشاء الأيام السوداء لطعم سادة العالم الجدد وإستعادة شعبنا لبلواه المتأصلة فى طيبته متظاهرا بتصديق المسلسل والذى أنتهت مشاهده هذه المرة نهاية لا ترضى الجموع بإعلان إنتصار الشر على الخير وهزيمة الذين تصوروا أنهم ضحايا عند هذا المشهد، كانت "كفاية" ملاذا للجميع، للشاردين والواردين، وتحولت من حركة ضمير و إحتجاج إلى حركة رفض بإضافتها "حكم مبارك باطل" إلى سجل توأميها "لا للتمديد.. لا للثوريث"، ثم راهنت على جبهة وطنية للتغيير تلعب فيها دور القاطرة التى تجر عربات قطار الوطنية المصرية أحزابا وجماعات وأفراد على أمل الوصول الى الثلث المعطل لطوفان قوانين الناهبين والمغامرين والطامحين والعملاء "الجدد"، وإنغمس الجميع فى المعركة الإنتخابية مؤيدا ومساندا وداعما وإذا بالستار يسدل على حقائق للأوزان النسبية لأطراف الجبهة، قد لا تكون "حقا" ولكنها "حقيقة" على أى حال، قد تكون أفزعت البعض أو صدمت الآخر، أو أدهشت الثالث، وبالتأكيد فإن مداد الأقلام التى لم ولن تجف لتحليل ماحدث وفهمه وإستيعابه ووضع تصورات لكيفية التعامل معه و محاولات إدخاله فى دائرة الصفقة أو سيناريو الإحتواء الأمريكى المبكر لتيار ذى وزن شعبى كبير أو عقاب شعبى لمنظومة الجمود الكاتمة على أنفاس شعبنا، وسواء كان هذا أو ذاك، أو أولئك جميعا، فإن خارطة القوى السياسية أصبحت مكشوفة للجميع، فقد تبلور التيارين الليبرالى والإسلامى، ولا داعى لأن نخدع أنفسنا أكثر من ذلك، وأصبحت مهمة القوى القومية واليسارية بالتحديد هى الولادة من جديد بطرق أخرى فى التفكير وأساليب جديدة فى العمل وليس مجرد تفريغ شحنات من الغضب فى صورة نقد أو نقد ذاتى لا يعالج الخلل البنيوى الكامن فى أنويتهما، وهنا يصبح النضال المشترك فى إطار حركة شعبية ممكنة ـ قد تكون كفاية مرشحا وحيدا لها، خاصة إذا تم الإتفاق على سيناريو واضح لمصر التى نريد "سيناريو دولة الشعب"، وببرنامج سياسى واضح فى إنحيازه للغالبية الكاسحة من القوى الإجتماعية صاحبة المصلحة فى التغيير من عمال وفلاحين ومهنيين وموظفين وطلاب ومهمشين ومثقفين ثوريين والذين يشكلون الغالبية الصامتة و"الكتلة التاريخية"، كمرشح وحيد لنهضة حقيقية وتغيير جذرى، لا نهضة مراوغة ولا تغيير مغامر. وإفراغ ذلك كله فى برامج تفصيلية تتولاها "حكومة ظل" من وجوه وطنية مشرقة وبناءة وباعثة لأمل التغيير و"برلمان الشعب" المنتخب من قطاعات واسعة من الكتلة التاريخية عبر صيغة ثمثيل نسبى يهيىء المناخ العام للإلتفاف حول كوادر مقاتلة فى صفوف الناس ومن أجلهم، وتخوض معاركهم اليومية فى محاربة الفساد فى كل المواقع وبصيغ موحدة والإنتصار فى المعارك الصغيرة كمقدمة للمعارك الحاسمة، وكذلك إعتماد صيغ مجالس الشعب المحلية على مستوى المحافظات والمدن والمراكز والوحدات المحلية، ومجالس ظل للنقابات والإتحادات الطلابية والعمالية، وبالجملة السعى للعمل القيادى الموازى والمقتحم والقادر على طرح البدائل المعبرة عن طموحات الناس. هذه بعض الخطوط العامة القادرة وحدها على جعل الحركة الشعبية المأمولة ممكنة. وغير ذلك لايمكن له إلا الدوران فى فراغ أحزاب لم يبقى لها إلا إعلان الوفاة رسميا بعد موتها السريرى أو السير فى فلك الحلم بحركة شعبية مستحيلة. الفارق بين الممكن والمستحيل يكمن فى درجة الإعتصام بحبل الوجود فى الشارع، فإذا توافرت الرغبة الحقيقية وتحولت إلى إرادة واعية ـ وأظنها كذلك ـ فإن سجلا" من الإخفاقات المتتالية والحسابات الخاطئة ستطويه الأيام القادمة طيا، ساعتها فقط سيعود الوجود لدورته الدائرة، النجوم لميقاتها، والطيور لأصواتها، والرمال لذراتها، والقتيل لطفلته الناظرة، ونشرع معا فى بناء الحركة الشعبية القادرة على تجسيد مجتمع المقاومة وإنتقال الغالبية الصامتة من خانة التأييد والتشجيع والدعم إلى خانة الإنخراط فى صفوف الحركة الشعبية وصولا الى درجة العصيان المدنى.
#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آليات نظام العولمة ..
-
فخ التبعية - مصر و صندوق النقد الدولى- .. دراسة
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|