أنعم الأمريكان على العرب بمؤتمر شرم الشيخ للبحث عن السلام المفقود،ولتقليم أظافر الرئيس الفلسطيني المحاصر،منذ إن ماتت العروبة في أرض العرب.لقد كان لهذا اللقاء الذي جمع بعض العرب بالرئيس الأمريكي،الذي بدوره لا يخفي مناصرته لأعدائهم،طعما مريرا وعلقمي. خاصة من ناحية الخرس الذي أصاب العرب فيما يتعلق بالكلام. وبغض النظر عما سينتج عن اللقاء.فقد جاء بناء على رغبة بوش،وهذا الأخير المنتشي بنصر الحرب على العراق،جاء ليقوم بعرض و بإبراز عضلاته،على الهواء مباشرة،ومن أرض الواقع العربي المرير،من مصر التي تعتبر أم العرب،ومن أرض سيناء التي ارتوت بدماء الشباب المصري.
جاءت هذه القمة،لتؤكد على ضرورة عزل عرفات، ومساعدة أبو مازن على اتخاذ قرارات تنازل مصيرية،كان نفس عرفات عجز عن اتخاذها.وبالرغم من كل التصريحات العربية الرسمية التي نفت ذلك.فقضية عرفات كانت من بنود اللقاء القمة. ونحن هنا لا ندافع عن عرفات كشخص،فهو نفسه يتحمل مسئولية هذه الرموز التي صنعها بنفسه خلال تجربة العمل الفلسطيني الحافلة بالمصائب. لذا نحن ندافع عن منظمة التحرير الفلسطينية التي غيبت،والتي تغيب بقرار الذين يريدون الآن تغييب المقاومة ووقف الانتفاضة.كأن التاريخ يعيد نفسه، حيث كانت نفس الوجوه الحالية،هي التي أوقفت الانتفاضة الكبرى الأولى مقابل مهزلة أوسلو السلمية. لذا شعب فلسطين مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بوضع حد ،وتحديد حدود حمراء لكل من مفاوض من الجانب الفلسطيني.لأن هؤلاء الذين يفاوضون لا محاسب حقيقي ولا مراقب يراقبهم.لكنهم يعلمون أن شعب فلسطين لا يفوته أي شيء.
جاءت القمة في شرم الشيخ لتوضح للذين لازال يجهلون تطور الأمور،بأن الزمن الأمريكي،لن يتوقف عند دول يعتبرها رامبو الأمريكي،دولا غير مسالمة،مثل سوريا ولبنان. لذا وعقابا لهما تم استبعادها من قمة شرم الشيخ.وفي هذا شهادة وطنية لهما،كما قال يوم أمس الشيخ حسن نصر لله،زعيم المقاومة الإسلامية في لبنان. كما جاءت هذه القمة لتكون قمة بوش وأمريكا،حتى أن أصحاب الأرض،ومعهم العرب الذين شاركوا في القمة،لم يتكرموا بتوجيه دعوة ولو شكلية لأمين عام الأمم المتحدة،لما فيها من إشارة وتأكيد على دور المنظمة الدولية. كما أنهم تجاهلوا أوروبا ودورها،وتجاهلوا فرنسا ورئيسها شيراك،الصديق الذي يحترم قضاياهم. لقد كانت قمة بوش بكل المقاييس والمعاني. حيث استبعدت روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودولا عربية أساسية وهامة،بالإضافة لتأكيدها عزل عرفات وترحيبها بوحدانية قيادة أبو مازن.كما أن هذه القمة السريعة،ورغم أنها غير خطيرة ومثيرة في بياناتها، جاءت لتأكيد لاءات شارون السياسية،من دون حضور الأخير تلك القمة.ولهذه القمة دورا كان يجب أن تلعبه،لتكمل ما بدأته أمريكا في العراق،وما لم ينته من إتمامه شارون،بالتنسيق مع بوش في فلسطين والجوار.
نعلم أن قمة شرم الشيخ استثنت دولا عربية هامة،منها سوريا ولبنان،وهاتان الدولتان معنيتان بشكل أساسي بالصراع العربي الإسرائيلي،وإسرائيل لازالت تحتل أجزاء من أراضي الدولتين. ونعلم أنه باستثناء الإعلانات الرنانة التي منها،رفض بوش الإعلان خلال اللقاء عن أن إسرائيل دولة يهودية،مع أنه كان أكد الشهر الماضي في خطاب له في جامعة كرولينا،على يهودية دولة إسرائيل. وتعتبر هذه الخطوة تكتيكية لمراعاة الرؤساء العرب،ولكسب موافقتهم ومواقفهم من خارطة الطريق. وأعاد بوش إعلان رؤيته لقيام دولة فلسطينية،مع أنه لا زال حتى يومنا هذا،من الجاهلين عمليا بتعقيدات قضايا اللاجئين والقدس والمستوطنات.وأكد بوش على ضرورة مكافحة الإرهاب،أي على ضرورة ضرب المقاومة،لأن الإرهاب بنظره هو المقاومة الفلسطينية.وطالب بتجفيف ينابيعه(قد يكون قرأ مقالة العفيف الأخضر قبل أيام قليلة)،ويعتقد رئيس أمريكا،بأن الإرهاب يقف عائقا بوجه قيام الدولة الفلسطينية. وبهذا يكون الرئيس الأمريكي تجاهل تماما أسباب الإرهاب ومصدره.فالإرهاب مرتبط بالإرهابيين،وبما أن أعمال الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة،أعمالا عدوانية وإرهابية،فقد كان من واجب الرئيس الأمريكي ومن التقى به من القادة العرب،الحديث عن ينابيع الإرهاب اليهودي،ومصادر تمويله الأمريكية. لكن هيهات أن يجرؤ الصغار على مواجهة الكبار. والمشكلة الأكبر كانت في صمت محمود عباس وعدم تحدثه عن المستوطنين وإرهابهم اليومي،وعن سلاحهم ووجودهم غير الشرعي،وعن لا قانونية كافة المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة.بدوره أكد الرئيس المصري في خطابه،أن الدول العربية سوف تتأكد من وصول المساعدات للسلطة الفلسطينية فقط. ورفض كذلك ثقافة الإرهاب،مع عدم تأكيده على شرعية المقاومة الفلسطينية،مادامت الأراضي الفلسطينية محتلة. حتى السيد محمود عباس لم يتحدث عن ذلك،مع أن الدبابات الإسرائيلية كانت أثناء لقاءه والآخرين مع بوش، تجتاح نابلس ومخيم بلاطة، مخلفة 50 جريحا فلسطينيا،كما اجتاحت الشويكة قرب طولكرم ومدينة جنين ومخيمها الأبي.واكتفت فقط بإطلاق سراح عشرات المعتقلين الذي شارفت مدد أحكامهم على الانتهاء،مع استثناء مميز،تمثل بإطلاق سراح شيخ وعميد المعتقلين الفلسطينيين أبو السكر،بعد 27 عاما من الصمود والثبات في السجون الإسرائيلية.
كيف انتهت القمة التي شرمت وجه العرب؟ انتهت بتسليم العرب وموافقتهم على ما جاء به الأمريكان.إذ حصل بوش على التزامات عربية وفلسطينية فيما يخص خارطة الطريق،وبالمقابل لم يحصل العرب والفلسطينيون على أي التزام باستثناء وعود ضمانات شفهية،تقدم بها الجانب الأمريكي. وأكد الجميع بصمتهم وعدم تطرقهم لشرعية الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال،واستماعهم بدون اعتراض لكلمات بوش،التي وصفت المقاومة بالإرهاب وعدو السلام،وطالبت بمحاربتها والبدء فورا بتطبيق البند الأول من خارطة الطريق. بالمناسبة هذا البند ينص فقط على وقف أعمال المقاومة،ضرب الفصائل الفلسطينية المسلحة وسحب سلاحها ووقف الأنتفاضة. هذا وكان أبو مازن أكد التزامه بذلك يوم ألقى خطابه الحكومي الأول أمام المجلس التشريعي،ويوم قال أن السلاح الشرعي الوحيد هو سلاح السلطة الفلسطينية. وبضمه محمد دحلان للوفد الفلسطيني المشارك في أعمال القمة، يؤكد أبو مازن نواياه تلك. لكن هل يستطيع أبو مازن ومعه دحلان النجم الأمني العائد،القيام بما عجزت إسرائيل بكل بطشها ودمويتها تحقيقه؟ هذا السؤال هام وضروري،لكن الجواب عليه يحمل عدة أشكال. أولها أن تنصيب دحلان عمليا وزيرا للداخلية،جاء مخالفا للاتفاق بين الرئيس عرفات ورئيس الحكومة أبو مازن.وقد قام عرفات بشكوى الأخير للجنة التنفيذية للمنظمة. الغريب في قضية دحلان أنه إما بدوره فرض على أبو مازن،كما تم فرض الأخير نفسه على عرفات والشعب الفلسطيني،أو أن كلاهما يسيران في طريق واحد وعلى نهج جديد مبارك من الجانب أمريكي. ومحمد دحلان مطلب أمريكي وهذا كانت أكدته في الماضي كونداليسا رايس.ومباركة هذه الأخيرة لدحلان ليست لسواد عيونه بل من أجل أفكاره.هنا كذلك يجب التأكيد بأن السلطة الفلسطينية ووزراءها لا يمثلون الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج،لأن لهذا الشعب ممثل واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية،المغيبة عمليا.لذا لا يحق لهم التصرف بحقوق الشعب الفلسطيني أو التنازل عن أي منها،وعليهم تذكر ذلك جيدا. ومادامت مغيبة ومؤسساتها معطلة،فلن يكون أي من قراراتها فعالا ودستوريا،هذا بحكم الشلل الذي تعاني منه كافة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. ولا يمكن لأي اتفاقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن تكون شرعية بلا موافقة منظمة التحرير الفلسطينية، وقبول الشعب الفلسطيني بها. وهذا الشعب معظمه خارج فلسطين وليس بداخلها. أي أن معظمه من اللاجئين،الذين يتمسكون بحق العودة تمسكهم بتراب فلسطين.
بعد انتهاء أعمال القمة قام كولن باول،بتوجيه التهديدات للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بشكل استفزازي وقح،كان يجب أن يخجل منه الذين التقوا بوش ووفده في شرم الشيخ،وكان على أبي مازن ووزرائه الرد على تلك الوقاحة،لكنهم لم يفعلوا ذلك لتأكيد شرعية الرئيس المعزول في المقاطعة. وحذر باول،عرفات من القيام بأي شيء قد يعيق عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقال خلال مؤتمر صحافي في ختام قمة شرم "الأمة" الشيخ : " إن قام عرفات بإعاقة كل شيء أو حاول ذلك،أمل عندها أن يواجه مقاومة كل القادة العرب الذين حضروا إلى هنا اليوم، وأن تثير مثل هذه الأعمال أيضا مقاومة المجموعة الدولية.
عمليا انتهت قمة الشرم بدون أي مطالب من شارون وإسرائيل،ولولا حفظ ما تبقى من ماء وجه العرب لكانوا قاموا مع الرئيس الأمريكي بتوجيه برقية تحية لشارون وإسرائيل على مجهودهم لأجل السلام.