|
كذبة وخرافة الوطن العربي
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 7633 - 2023 / 6 / 5 - 13:03
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
فيما تعجز اليوم الأنظمة القائمة على توحيد قريتين وفض خلافاتهما وثاراتهما وإنهاء أحقادهما التاريخية، كانت، بالتالي، فكرة أو تصور الوحدة العربية واحدة من أغرب الأفكار الطوباوية التي طرحها بعض المستعربين من أبناء الأقليات السورية المهمـّشة تاريخياً وشبه المنبوذة تاريخياً والمشبوهة عقائدياً، وتقوم على تصور وجود كيان افتراضي عنصري أسموه "الوطن العربي"، لم يكن موجوداً يوماً ما ولم يُعرف له أثر أبداً، وتوحيده في كيان واحد كجسم سياسي ركائزه وأسسه أنه عربي العرق والدم والانتماء، ويتكلم سكانه لغة سكان جزيرة العرب الفصحى وتربطهم روابط "الأخوّة"،(رجاء ممنوع الضحك)، والتاريخ المشترك (أي تاريخ الغزو، والقتل، والسبي، والسطو واحتلال بلاد الآخرين،) وانتشرت الفكرة، بعد ذلك، كالنار في الهشيم في أوساط أحفاد المستعربين والأقليات في المنطقة، وراقت لهم الفكرة وراجت في أوساط الطامحين للسلطة باعتباره حصان طروادة، وقميص عثمان الذي ارتداه بعض المراهقين والمراهقين وصبيان السياسة والاستعراب، للوثوب لمفاصل الدول والتحكم بقراراتها، فاعتنقها، ووجد ضالته بها،ً عساكر الأرياف المعزولة والمهمشة القادمين من بيئات فقيرة ومعدمة والباحثين عن مكان لهم في عواصم وحواضر الإقليم الكبرى وكان أولهم، وكبيرهم الذي علمهم السحر والغدر، الديكتاتور المستعرب ناصر وتم تأسيس بعض الأحزاب القومية لذلك الغرض. لكن المفارقة والغرابة، أن العرب الأقحاح في الجزيرة العربية، نفسها، وهم من اطلق وحمل "رسالة العرب الخالدة" إلى العالم، لم تعن لهم الفكرة شيئاً ولم تغرهم، ولم يتم تشكيل أية أحزاب "قومية" وتنظيمات "عربية" في جزيرة العرب، ذاتها، لا بل قاوموا الفكرة، بضراوة، وحاربوا أصحابها، ودعاتها الكبار، كما فعلوا مع عبد الناصر وصدام وأسقطوهما، ووضعوا الوهابية في مواجهة شرسة مع ما تسمى بـ"الناصرية"، وهي –أي الناصرية- فلسفة ومذهب الديكتاتور والطاغية المستعرب جمال عبد الناصر، مؤسس الطغيان والدولة البوليسية الاستبدادية العسكرية القومية القمعية في المنطقة، للسيطرة على دول المنطقة وإخضاع واستعباد شعوبها بالإرهاب الاستخباراتي. جاءت الفكرة والتصور، وولدت، عملياً، بعد انهيار دولة خلافة بني عثمان الاستعمارية، بثوبها وطابعها الإسلامي، وبعدما وجد المستعربون أنفسهم كالأيتام وبلا غطاء واستشعروا الرعب القادم من أفكار العصر والعصرنة والتحديث وشعروا بحنين عارم للعودة للعبودية والانطواء تحت رايات المحتلين العرب المسلمين مرة أخرى فكانوا أكثر من حارب الحداثة واللبرلة والحريات والقيم الغربية وألد أعدائها، وبعدما حلّ مكان دولة الخرافة مشروع سايكس – بيكو الغربي المسيحي، القائم على استبدال كيان الخرافة الطائفي العنصري بكيانات الدولة الوطنية الحديثة وفق التصور الغربي، فكانت فكرة الوحدة العربية، بهذا المعنى رداً على مشروع التقسيم والتفكيك الغربي، وعودة، و"بعثاً" لدولة الخلافة (دولة الغزو والسطو) بشكل من الأشكال لكن باشتراط أن تكون بلسان ووجه "عربي" كرد على التتريك والقمع والظلم والإجرام العثماني والتركي الذي عاناه أبناء تلكم الأقليات المستعربة على يد جلاوزة وسلاطين بني عثمان. ولن نغوص ونبتعد عميقاً في تشريح الفكرة وتفكيك أبعاد استيلادها، قدر ما يهمنا خواءها، وطوباويتها، واستحالة تحقيقها في مجتمعات لا تمتلك أية أسس أو مقومات لها، أهمها عدم وجود لغة مشتركة لهذه المجاميع والكتل البشرية العاجزة عن التفاهم فيما بينها نظراً لعدم وجود "لغة" مشتركة أو لسان يربط ويجمع بها، ناهيكم عن أنه لا أحد يتقن اللغة المفترضة "المشتركة" للكيان الافتراضي (الوطن العربي)، إلا ما رحم ربي كما يقال، وفي أوساط نخب فكرية وثقافية وسياسية وإعلامية ضئيلة ومحدودة جداً، جلها مستعرب (أي مدع للعروبة وملتصق بها) ومن أصول غير عربية. وأظهرت مجمل التطورات الاجتماعية والسياسية أن هذه المجاميع والكتل البشرية المفترض أنها عربية، وتستوطن الكيان الافتراضي المسمى بـ"الوطن العربي" لا يمكن أن تجتمع وتتعايش وتتساكن في قرية صغيرة، وأن الخلافات والانقسامات والصراعات والأحقاد والثارات العرقية والمذهبية والطائفية هي أعمق بكثير وأشرس وأكثر حدة وعمقاً مما تخيله تصوره عتاولة المستعربين السذج المراهقين فما بالك الاندماج والالتحاق بكيان اتحادي واسع كبير تذوب وتضيع فيه تلككم المكونات النرجسية الأنانوية المتوجسة من الآحرين؟ وتظهر الحروب الأهلية والصراعات والنزاعات القائمة اليوم في المنطقة شراسة وحدّة الأزمة البنيوية المجتمعية في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان والسودان وليبيا ومصر حيث تنشب الحروب الأهلية والصدامات المجتمعية أظفارها بين "الإخوة والأشقاء"، كما أن الخلافات والنزاعات في دول ما يسمى بـ"المغرب العربي"، (المغرب والجزائر، مثلاً)، وحتى بين العرب الأقحاح في الجزيرة العربية (قطر والسعودية) نفسها حيث الانقسامات القبلية وتنوع الولاءات والانتماءات والتخندقات والتحالفات وتعددها حيث ينتمي "العرب" المفترضون اليوم، وكياناتهم لتركيا وإيران وأمريكا والصين وروسيا أكثر من انتمائهم لبلدانهم أنفسها، وقد تنتهي الحياة ذاتها وتختفي من الأرض قبل أن تنهي خلافات وانقسامات ونزاعات هؤلاء العربان. ولن نتكلم ها هنا عن التنوع والتعدد العرقي والإثني والمذهبي والقبلي والعشائري والطائفي والديني والأصول المجهولة وغير العربية لمعظم سكان الإقليم واختلاط الأنساب وضياع شجرات العوائل وفقدانها وصعوبة التأكد من انتماء وهوية الكثيرين جينياً وعرقياً وإثنياً، بما ينسف خرافة الكيان والوطن العربي القائم بجوهره على عنصر وعرق عربي خالص الدم والانتماء وقد نبقيه لبحث ومقال آخر.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة اولية في التشكيلة الوزارية التركية
-
خرافة الديمقراطية العلمانية بالمجتمعات الدينية
-
استنزاف بوتين: تكتيكات واستراتيجيات الحرب
-
لهذا السبب لن تندحر الإمبريالية: السقوط الحتمي لعالم الأقطاب
-
الإلحاد اولا
-
فقعة ضوء: التبول على الملك
-
فقعة ضوء: أيها الأعباء الكرام
-
تركيا: سقوط الإسلام السياسي
-
خرافة دولة الرسول
-
استراتيجية تعويم الغباء
-
تأسيس البعث: قبيلة قريش التي صارت دولة
-
لماذا لا يُطلب الرؤساء الغربيون ل-لاهاي- مثل البشير وبوتين؟
-
سوريا: هل كانت ثورة وطنية أم غزوة طائفية؟
-
فلسفة ال-كارما- وزلازل تركيا
-
سقوط دولة المخابرات
-
لا لعالم متعدد الأقطاب؟
-
خرافة وكذبة ثورة البعث
-
من وصايا وتعليمات الإمبريالية والماسونية لقبيلة قر
-
ماذا فعل المستعربون في -شامستان- عرين الاستعراب؟:
-
مسلسل-سيّدهم-معاوية: استمرار صراع بني هاشم وبني أمية
المزيد.....
-
مدير مستشفى كمال عدوان بغزة: قوات إسرائيلية تحاصرنا وتأمرنا
...
-
صرح فريد لا تحلق فوقه الطائرات!
-
الهند تعلن الحداد 7 أيام
-
الرئيس الصربي: وساطة الصين جيدة في التسوية الأوكرانية
-
جريمة في جامعة مصرية
-
مصر.. شركة كبيرة تثير أزمة بإشارة على أحد منتجاتها
-
وزير خارجية سلوفاكيا: تصريح بوتين عن المفاوضات حول أوكرانيا
...
-
إصابة إسرائيلية بجروح حرجة في عملية طعن قرب تل أبيب
-
المقاتلة إف-15.. لهذا استخدمتها إسرائيل لقصف اليمن
-
إحياء ذكرى سامر أبو دقة في متحف قطر الوطني بصوت ابنه زين
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|