|
قراءة فلسفية لكتاب ( نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ) لفريد ريك أنجلز
عبد الجبار نوري
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 7628 - 2023 / 5 / 31 - 13:27
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة فلسفية لكتاب " نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية " لفردريك أنجلز
في زمن الكورونا وكأنّي محاصرفي البيت عسكرياً من عدة محاورللحجر الصحي ، ورفعتُ أسلحتي للتصدي لهذا العدو الغادر الكورونا وبثقة عالية بوعيي الثقافي الصحي بخطورة هذا الوباء ولأتقاني لقواعد الأشتباك ، ولأجل أستثمار الزمن في التخفيف ربما من فوبيا عدوى الجائحة لذتُ مسرعاً إلى مكتبتي المتواضعة ، وأخترتُ منه كتاباً عنوانه "فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية" لفردريك أنجلز ، وقد قرأته سابقا لعدة مرات ، واليوم تكون قراءتي الجديدة بسيمياء العنوان أعلاه . أولاً أودُ أن أوضح رأيي ببعض الحقائق البارزة والمهمة لدى المفكر الفلسفي " أنجلز " أثناء قراءة كتابه هذا : 1-نظرة أنجلز إلى المادية التأريخية والتأريخ بالذات وكأضافة منهُ لما كتب كارل ماركس ، ولكن بعبقرية انجلز تناول الموضوع بعدهُ بأسهاب وبعباراتٍ قويّة يقول في كتابه هذا : {التأريخ لا يفعلُ شيئاً ، التأريخ لا يملك أية ثروات طائلة ، التأريخ لا يشعل المعارك ، أنهم البشر ، البشر الحقيقيون الأحياء هم الذين يفعلون كل ذلك ، هم الذين يملكون ، هم الذين يحاربون ، أما التأريخ فلا وليس هو ألا نشاط البشر الساعين لتحقيق أهدافهم } . 2-والأعتقاد الآخر للمفكر أنجلز الذي وجدتهُ في هذا الكتاب : هو أن أنجلز لا يؤمن بحتمية التأريخ في صنع الثورات حيث يقول في كتابهِ " فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية " : { ---- لأكون صادقاً معكم ، إذا علمتُ أن الأشتراكية حتمية تأريخية لكنتُ جلستُ عاقداً ذراعيي مبتسماً الأشتراكية قادمة !!! ، لستُ مضطراً البدأ بأي شيءلأن التأريخ سيعمل ذلك هذا ( هراء ) !!!؟؟؟ الأنسان هو المحرك الديناميكي للتأريخ ، فالذي صنع الثورة البلشفية هم أولئك الرجال الأبطال الشجعان في تحريك التأريخ ، أي لم يكن التأريخ من صنع الثورة الروسية بل العمال والجنود الروس هم من فعل ذلك ، ولم يكن للتأريخ الفرنسي هو من أقتحم سجن الباستيل بل الرجال والنساء الذين قهروا ذلك السجن الجبار في 14 تموز 1789 . 3 -كتابه " فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية " والذي أخترته في هذا البحث ربما أنهُ ركز على الفهم المادي ، وحاول دراسة التأريخ الأوربي من فضاءات الأقتصاد السياسي وصراع الطبقات ، وقد أجمع نقاد عصرهِ وما بعد عصره ِ أنهُ نسخة ثانية من ماركس. 4-وأقول بل أكثر من مجرد نسخة ثانية لتكن النسخة الألف المهم هو الذي أظهر مفهوم " مركزية الطبقة العاملة " للمرة الأولى في تأليف كتابه " حال الطبقة العاملة في أنكلترا 1844 ، يعد هذا الكتاب مقدمة رائعة لدور الطبقة العاملة ليس فقط في التأريخ بل في مستقبل المجتمع أيضاً ، وللدخول في مثل هذا البحث الفلسفي يحتاج إلى (مناظرة نقدية) علمية بنّاءةً لفلسفة كل من الفيلسوف هيغل وفيورباخ من قبل العبقري فردريك أنجلز : - لودفيغ أنرياوس "فيورباخ" فيلسوف وعالم أجتماع ألماني 1804-1872 بافاريا / ألمانيا ، زاوج بين الأنثروبولوجيا والفلسفة التأملية في أنٍ واحد للبحث عن فلسفة المستقبل ، أي البحث عن المفقود في الأنسان ، مستعيناً باللاهوتية في أبقاء الأنسان (غائباً ) داخلها سجيناً للوهم والخيال ، بيد أنهُ ألزم تحديث فلسفتهُ لاحقاً بالتقرب من المادية متأثراً بأفكار الشبان الهيغليين في مفهوم المادية وتبنى فكرة المادية وترويجها بيد أنه وضع آراءهُ للظروف التأريخية في ألمانيا قبل الثورة العلمية للدياليكتيك ، وللواقع أصبحت آراء فيورباخ تمثل المثل العليا للديمقراطية البورجوازية الثورية ، لكونهِ لم يتغلب على الطبيعة التأملية السابقة ، فأصبحتْ مثاليتهُ واضحة وخاصة في دراسة التأريخ والأخلاق . - وفي الحقبقة التأريخية (يعد) فيورباخ المفصل التأريخي بين نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية المتمثلة ب (هيغل ) وبداية الفلسفة المادية كنتاج بشري تراكمي متمثلة ب( ماركس ) وأكد هذه الحقيقة الفلسفية أنجلز بعمق موضوعي في كتابه ( فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية ) :{ أن الطريق من هيغل ---إلى --- ماركس--- يمرْ بالضرورة عبر فيورباخ }. - أن نظرة " فيورباخ " للمادية – وحتى من سبقهُ – هو أن الشيء الواقع المحسوس عرضها بشكل موضوع تأملي لا بشكل نشاط أنساني حسّي فأسطفتْ مع المثالية الطوباوية ، ففي كتابه " جوهر المسيحية " لم يعبر عن شيئٍ حقا ألا النشاط النظري متجاوزاً على النشاط العملي فأنه لم يدرك النشاط الثوري التقدمي ، لأن النشاط العملي يحتم على الأنسان أبراز الحقيقة المتمثلة بالواقعية الملموسة . - أن أعتقاد " فيورباخ " وبقية فلاسفة ألمانيا من (الماديين) يجب أن يغيروا أعتقاداتهم السابقة عن الماديّة : لأنّ الناس هم نتاج الظروف والتربية ، يرد " ماركس مع شريكه الفلسفي الثوري أنجلز " : كلا --- هم نسوا بأنّ الناس هم الذين يغيرون الظروف ، والمربي هو الآخر يخضع للتربية والذي يصمد ويبقى هو النشاط الأنساني العقلاني الواقعي المحسوس الذي هو العمل الثوري . - في الفلسفة التأملية لفيورباخ يجعل الأفراد مهمشين ومعزولين عن بعضهم كما هو واضح في تناحرات المجتمع البورجوازي ، ومفهوم المادية القديمة بنظر فيورباخ هو وجهة نظر المجتمع البورجوازي ، بينما يطرح ماركس المادية الجديدة بأعتبارهامبصومة بالأنسنة التي تعلن وجهة نظر المجتمع الأنساني . - أما نقد الفلسقة الهيغلية : في كتابه " فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية" : يذكر أن ( هيكل ) مثالي لأنهُ ركز على دراسة الأفكار والنظريات المجردة في حكايتهِ عن عالم الروح الذي أستخلص منهُ الواقع المادي ولأنهُ يميل إلى العلاقات المادية البرجوازية والروح عند هيغل يعني التعبير عن الطريقة التي تطورت بها "الحرية " على مستوى المجتمع ككل ، بينما الصحيح هنا عند أنجلز الكشف عن أمكانية الفرد وتطوره الحركي كشرط لتطور المجتمع ، وفي نقد فلسفة ( الحق ) عند هيغل أنهُ تعمق في اللآهوت والغيبيات في أن الدين هو الذي يصنع الأنسان ، يتفق أنجلز وماركس في رفض هذه النظرية جملة وتفصيلاً لكون الدين هو الأحساس الواعي للذات البشرية . - وكانت شروحات العبقري أنجلز التصوّر الجديد للمادية التي أوصلتهُ إلى مفهوم الواقع الأشتراكي في العالم ، لأنّ الأشتراكية لا تقوم على رؤية مثالية للمجتمع القادم بل على تحليل للحركة التأريخية وجدلية الصراع الطبقي للتنظيم الأقتصادي والأجتماعي ، وأن وسيلة تغيير العالم في تشخيصهِ للأنسان ... ثُمّ الأنسان لا كما ظهر في تشخيص تحليلات ميتافيزيقية لهيغل وبرونو باور ، أو بمفهوم غامض كما عند فيورباخ ، مركزاً على{ الوجود الواقعي العملي وليس الآنجاز الروحاني الغيبي} . وقد كشف كل من أنجلز وماركس هذه الأفكار الواقعية العقلانية المحسوسة الحداثوية وصاغاها بتنقيحٍ دقيق في أنجازهما الأممي {للبيان الشيوعي } 1848 تلك الوثيقة الثرّة والثربة الواعدة لغدٍ أفضل للأجيال القادمة ، والذي أصبح واحداً من أكثر الكتب السياسية تأثيراً بالعالم حين قدم نهجاً تحليلياً للصراع الطبقي ، ومشاكل الرأسمالية المتوحشة المتعددة الرؤوس وبذلك { بشّر بشكل المستقبل الشيوعي القائم على الأشتراكية العلمية }، أي لاحميدة ولا رشيدة كما يقول المفكر الأقتصادي الفقيد الدكتور أبراهيم كبه . -وأن شروحات " أنجلز" مبادىء الجدل الفلسفي في نشوء الطبقة العاملة المعتمدة والموكلة بأستلام المهمة التأريخية في تحقيق المنهج الأشتراكي ، تمكن من كسر القشرة المثالية التي تلف الطريقة الجدلية التي أهتم فيورباخ في تشكيلها ، فكان للشريكين ماركس وأنجلز دورا في (أنسنة) هذا الجدل الفلسفي ، تطرق " أنجلز " في هذا الكتاب عن مفهوم الدياليكتيك يقول : أنهُ علم القوانين العامة للحركة سواءً في العالم الخارجي أم في الفكر الأنساني ، وبشكلٍ مختصر مبسط هو : ( الأنعكاس المفهوم والواعي للحركة الواقعية للعالم ) الذي أدى إلى قلب دياليكتيك " هيكل " المشفرة !! . -اليوم يمكن أن نقول : أن أنجلز هو مؤسس قوانين الدياليكتيك ، وبهذا الأنجاز العلمي أثبت " أنجلز " عدم واقعية هيغل وفيرباخ وبأخراجهما من الساحة الفكرية المؤثرة على ظهور " الأشتراكية العلمية " أنهُ رفض منطقهما الذي يقوم على الفكر الطوباوي ، وأن صيرورة الفكر هي التي تؤسس صيرورة الواقع من خلال رؤية الأنسان الواقعي ( الأنسان المجتمعي) فأتجه في كتابه لتحقيق الأشتراكية أهتم بمركزية الطبقة العاملة ودورها في أدارة ( النقابات ) التي كانت مبهمة ومغيبة في عموم الدول الغربية خصوصا ما شاهدهُ في أنكلترا وألمانيا . مصادر البحث وبعض الهوامش / - أطروحات ماركس حول فيورباخ 1845 – ماركس - هيغل – محاضرات في فلسفة الدين – ترجمة مجاهد عبد المنعم – القاهرة - كتاب فيورباخ- ماهية الدين – تأليف وترجمة د-أحمد عبدالحليم عطيه القاهره 2007 - كتاب أنجلز / فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية . كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد حزيران - 2023
#عبد_الجبار_نوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأقتصاد العراقي والتنمية المستدامة
-
عالم الغموض والجريمة المعقدة في روايات - أجاثا كريستي-
-
حمى تفاقم الكابوس المقلق ( للمخدرات ) في العراق /غثاثة ومخاض
...
-
التراجيديا المأساوية في رواية - ساعة بغداد - للروائية شهد ال
...
-
النفط العراقي ---- إلى أين !؟
-
في ذكرى وفاة - السياب - --- رائد تجديد الشعر الحر ومؤسسه !؟
-
قراءة حداثوية في كتاب عصفور من الشرق للروائي - توفيق الحكيم
...
-
الديستوبيا في أدبيات الروائي المعاصر - جورج أورويل !؟
-
الفنتازيا في أدب الرحلات في رسالتي الملهاة والغفران - بدراسة
...
-
أفكار ورؤى - ماركريت ميتشل ------في روايتها - ذهب مع الريح
-
رواية الأخوة الأعداء ---وعوالم ديستوفيسكي بقراءة مغايرة !؟
-
خواطر مواطن في الأنتخابات السويدية
-
منهج الكاتبة والروائية الأنكليزية - أجاثا كريستي - في الكتاب
...
-
فنان مبدع من بلادي---- جلال كامل في بحيرة الوجعّ؟
-
قمة جدة للأمن والتنمية --- وماذا بعد ؟1
-
ماذا يعني لك الآيباد ؟!وأنت في زمن العصرنة الحداثوية
-
ملامح تفاقم مشكلة التصحرفي العراق !؟
-
تجربة الفنان الراحل - رشيد عباس العلي- تحكي إنهُ كائن حي !؟
-
المخرجات الكارثية للديون تؤدي للأفلاس!!!؟؟؟
-
الزمن الجميل ---- وذكريات سينمائية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|