هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 7627 - 2023 / 5 / 30 - 16:15
المحور:
سيرة ذاتية
سلسلة " السيدة "ظريف ظريف " و السيدة إشاعة وابتسامة سالم
تقول :مرت في حياتي نماذج لنسوة غريبات كل واحدة منهن تحمل معها جينات متوارثة من الأفكار والسلوكيات وجزء من تراث عائلتها وجنونها الفطري الخاص بها .
في هذه السلسلة من نساء صفراوات وانغام والغام بشرية , يمكن ان نتحدث بلسان المتكلم "انا " لسرد حكايتهن البسيطة والتي لا تخلو من نماذجها بيوت العرب والعجم , ولكن وراءها يكمن مغزى الحياة الكامن في مفردات مثل التعاسة والسعادة والاكتئاب والعزلة والجنون والآنا والهو والإستحقاق المترفع واختيار الصداقات , وكل ذلك جاء على وقع التأثر بكتاب قرأته مؤخرا
وهو كيف تكسب الأصدقاء ؟
ولنبدأ هذه السلسلة بالقصة الأظرف وباستخدام ضمير المتكلم لأنني احب التكلم به , فقد لوحظ ان اكثر كلمة تتردد اثناء التنصت على المكالمات الهاتفية بحجة اجراء دراسات ميدانية ؛ هي كلمة " أنا "
إنه , ضمير المتكلم الأكثر ترديدا والاكثر استخداما
فـ الأنا متضخمة واستحقاقها مكلف و تحتاج دوما للثناء والتقدير.
( وفي النهاية أعوذ بالله من كلمة انا )
قلت لنبدأ بالقصة الأظرف و بالحقيقة لا يوجد ظرافة في الأمر ولا يحزنون , ولكني تذكرت زوجة اخي التي كانت تقلد السوريات في استخدامها لكلمة
( ظريف ظريف ) لكل ما نقوله امامها او تقوله هي او ما يقوله الآخرين ؛ مكررة مرتين لتوطيد الظرافة في كل شيء تسمعه أو تتحدث عنه بسعادة معدية لمن يسمعها وتجعله يقلدها ليس من باب الإستخفاف والسخرية بل من باب الإستظراف , لدرجة أننا اسميناها بالأنسة " ظريف ظريف " وهي طريقة بالتنابز تحيكها نصف نساء الكرة الأرضية كجزء اصيل من مجتمع النميمة الذي نعيشه ,ففي حين كانت السيدة "ظريف ظريف" تشع بالسعادة وتمل بيتها بالسرور والحبور وضحكتها الرقيعة تزعج الجدران الصامتة , كانت زوجة اخي الأخرى والتي كانت على قاب قوسين أو ادنى من الالتحاق بمؤسسة المجانين نظرا لأن اخوها غير المؤمن كان يضربها على رأسها في الذهاب والإياب ,ولكي ننقذها من حياة السوء التي تعيشها ,ارتضينا ان نكون حلقة انقاذ لها وخاصة ان والدتها الحيزبونة , قدمتها لنا بدون مهر أو أي تكلفة .
لقد كانت تريد انقاذ ابنتها من الجنون القادم , فالبستها لنا بالتخجيل , ولأننا قوم لطفاء رقيقي القلب , طيبين ارتضينا ان نضمها لعائلتنا المتماسكة نوعا ما ,فارتضينا أن نزوجها من اخي المسكين الذي اختارته امها بعد سنة من السؤال والإستفسار لتضمن زوجا هادئا لا يضرب ابنتها , فيزيد حالتها سوءا على سوء .
وعندما تأكدت كم هو مسالم ومهادن وطيب , قررت ان يكون هو المنقذ
وفعلا وافق أخي المسكين والذي ما يزال حتى هذه اللحظة يعاني من جنونها بصمت على هذا الزواج المدبر له وعانت اسرتنا جميعا من غيرتها وحسدها وضيقة عينها ورغبتها العارمة في ان تقودنا معها نحو الجنون .
ولكن هل شعرت تلك الفتاة بالمعروف الذي قدمناه لها وهي التي كانت على قاب قوسين او ادنى من الالتحاق بمؤسسة المجانين !
هل شكرتنا على تلك النجاة !
ولكن
منذ متى يقدم المجانين المعروف !
أو يردوه باحسن منه فقد كانت تدبر المكائد والمؤامرات وتملأ رأس اخي بها ضدنا , لذلك استحقت هذه المرأة المجنونة لقب " السيدة اشاعة" وهو استحقاق اصيل لا ينتهي بموتها لما تشيعه من جو مكهرب من الاقاويل التي لا صحة لها واكاذيب وافتراءات ومواقف متخيّلة تعكس جنونها المنزوي في اقبية داخلها المتورم بالشكوى والتذمر , فهي تسرد الأحداث من منظورها الخاص ولا تتحدث عما تفوهت به من قباحة أو ما جنته يداها من شرور , بل تخبر زوجها بما تحدثنا عنه والذي هو بمجمله رد فعل على اكاذيبها و مهاتراتها و جنونها المنطفأ واشاعاتها المدروسة في فك عرى هذه العائلة وتماسكها .
المهم
" الست ظريفة " و " الست اشاعة "؛ كلاهما نموذج من نماذج النساء اللواتي يجب تدريسهم في معاهد علم النفس وعلم الإجتماع , لفهم شخصيات البشر المتفاوتة وامراضها المستعصية على الفهم
ففي حين أن السيدة ( ظريف ظريف ) والتي ترى الأشياء بعين الرضا والشبع فهي سيدة راضية بما قسم الله لها من نصيب في التعليم أو رزق قليل و دائما تقول (مستورة والحمد لله)
تقول : فلم أراها يوما تتنكر لجهد زوجها أو تشكو فقره ؛ بل هي ظريفة بقناعتها ومحبتها لأسرتها الصغيرة والقناعة كما نعلم جميعا , كنز لا يفنى عند الفقراء السعداء بالقليل.
تقول : عندما تزورها , فأنك تجد مظاهر السعادة في بيتها و الذي هو عبارة عن شقة في حي شعبي متهالك , واثاث بسيط متواضع .
تفرح ( السيدة ظريف ظريف ) بكل الأشياء التي تحدث ببيتها بل و يفرحها القليل من الأشياء التي لا تفرح الآخرين , فتحتار في طريقة تفكيرها تلك وتتساءل عن هذا الشيء الذي اضحكها ! ولكنك بالنهاية تقر على انها سليمة العقل رغم ان ضحكتها الرقيعة احيانا قد تدل على جنون متوارث ولكنه من ذلك الجنون المحبب للنفس , في حين ان السيدة اشاعة والتي ترى الأشياء بعين السخط والغضب , والتي اصبحت تعيش في فيلا واثاث فاخر يتغيّر كل فترة و مكيّفات هوائية في كل غرفة , تخفف بحر جنونها الداخلي وتبرده تدريجيا
ولكن هل هذا الترف الذي لم تعهده
هل جعلها سعيدة !
في الحقيقة لو كنت تسكن فوقها لعرفت الإجابة وانصحك إن لا تسأل
فقد قامت الفتاة ذات الاربعة عشر عاما والتي مات والدها وهي صغيرة بتعليمها درسا بالرضا والعرفان والقناعة والإعتراف بالجميل بل والشكر لله على نعمه من صحة ومال وذرية ,فقد أشتكت السيدة اشاعة للفتاة اليتيمة انها امرأة مغلبة " ورغم اني لم افهم من محدثتي ما معنى ذلك
ولكن يبدو انها تعتبر نفسها مظلومة وخاصة ان الحوار جاء نتيجة قيام السيدة اشاعة باستدعاء الفتاة اليتيمة لمساعدتها في رفع قطعة السجاد المغسولة فربما السيدة اشاعة تريد خادمة لها لكي تتفرغ للإشاعات المغرضة التي يمنعها التنظيف اليومي من ممارستها ! (كل شيء جايز عند العجايز)
فقد ذكرتها الفتاة بالنعم والعطايا الربانية التي تملكها
قائلة لها : اسكنك عمي بفيلا واشترى لك سيارة فرويل ولديكم مزرعتين واعمال تجارية مثمرة
ومع ذلك تتذمرين ولا تشكرين عمي ولا تشكرين الله
ماذا تفعل والدتي الارملة التي لم يترك لنا والدي شيئا نعيش عليه , فتذهب والدتي الى الجمعيات الخيرية لكي تتسول ما نعتاش عليه مما يهبونه لنا من فتات او أموال قليلة لا تكاد تسد فقرا !
هذا الدرس المجاني من فم طفلة صغيرة
هل غيّر تفكيرها أو جعلها تتلمس نعم الله وتشكرها !
منذ متى المجانين يفعلون ذلك!
تقول : لا يمضي يوم لها إلاّ وهي تشكو وتنوح وتلطم وتبكي و تتذمر من زوجها الذي لا ينفق عليها كما تريد , فهي سيدة طماعة لا تشبع
وتعتقد ان حياتها حزينة بسبب العين والحسد , فبعد ان كانت فقيرة لا تملك شروى نقير , اصبحت تسكن في فيلا ولديها سيارة فخمة ولدى زوجها مزارع واراض واملاك ومع ذلك لا تذكره بالخير , بل تحاول بشتى الطرق ان توصمه بالبخل لدرجة انها ذهبت يوما لبيت اخ زوجها ومزقت الشادر من على اسوار بيته وعندما واجهوها بالأمر
قالت بحزن يقطع القلوب : ان زوجها لا يعطيها دولارين ثمن شادر لكي تضعه على قرميد بيتها الذي ينزل الماء منه في الشتاء .
فأي امرأة هذه التي تقابل الإحسان بالنكران , ومن اي طبيعة مجنونة خُلقت هذه المرأة واي تحليل نفسي قد يفسر طمعها وضيقة عينها وجوعها القديم .
اقول : ربما انت متحاملة على السيدة اشاعة لغرض في نفسك !
تقول : بالعكس فكلاهما لا تقدمان خيرا لي ولا لأخوتي ,ولكنني اصفهم بعين الإنصاف فـ كلاهما بعيدا عن التحيّز وبعيدا عن العاطفة تخلوان من العطف والرقة وحب مساعدة الآخرين .
فانا لا أحب كلاهما وبالحقيقة لم يقمن بأي شيء يجعلني احبهم
فمنذ ترملي , لم اجد في أي منهما يد عطوفة تمسح رأس ايتامي
وكلاهما بخيلتان لدرجة ان البخل يشفق عليهم من ندرته فلم يمنحا اي من اولادي ولو لعبة قديمة كانت من ضمن العاب اولادهم .
وهكذا نجد ان السيدة (ظريف ظريف ) الفقيرة والتي تمدح زوجها على اقل القليل مما يجلبه لبيتها من طعام وقد نجح اولادها في الجامعات كدكاترة ومهندسين ما شاء الله وضحكتها تلصق بالجدران ولا تختفي
وتشكر الله كثيرا
نعم
تجدها سيدة راضية وقانعة ومتفهمة بل ومحبة لزوجها ولاولادها ولا تتذمر في حين ان السيدة اشاعة ما تزال تلهو بجنونها القديم وتشتم سرا وتبتدع الاكاذيب وترسم المؤامرات وتتصيّد الاخطاء العفوية و تكبّر القصص التافهة وتصنع منها احداثا جسيمة لكي تشكو وتنوح بأن حياتها جحيم في جحيم
ونادرا ما تضحك أو تبتسم (الله يشافيها)
خلاصة القصة
ان هناك بشر جاحدين لنعمة الله من باب نسيان النعم التي يعيشون في ظلها
ومنهم من يتنكر للنعمة بالشكوى والتذمر الدائم
وهناك من يعيش حياته سعيدا والابتسامة لا تفارق محياه
مثل السيدة ظريف ظريف رغم الفقر وقلة وجود المغريات في حياتها البسيطة
ربما كتبت هذه القصة كمدخل لقصة اخرى ولكنهم يتقاطعان عند الحد الفاصل بين السعادة والتعاسة فقد قيل أن " السعادة اختيار "
انت تختار طريق السعادة أو الشقاء
نعم , ف ـــــعندما تقرر ان تكون سعيدا فسوف يبتهج الكون لك
وعندما تقرر أن تكون يائسا , فسوف يكشر لك الكون عن أنيابه و س تصبح حياتك كابوسا مؤلما وحزينا
وهذا يحيلنا للسيدة التي اسميّتها السيدة ابتسامة
نعم
لن انسى ضحكة تلك الفتاة التي مرت بنا ونفحتنا ابتسامة صادقة
فاذا بخ التي تقول : مسكينة هذه الفتاة ؛لقد تزوجت برجل من عمر والدها ولن تنجب حتى الآن رغم أ نها بلغت الخمسين من عمرها !
ولأنني اعرف هذه الفتاة جيدا وقد جلست معها اكثر من مرة في منزل صديقة مشتركة لكلانا , فقد كانت هذه الفتاة تشيع الفرح والدفأ في كل الجلسات التي جلسناها معا وفي كل الأوقات
لذلك اعقبت على قول خالتي بدون تفكير
: ولكنها سعيدة مع سالم
الم تري ضحكتها الباسمة والتي لا تفارق شفتيها
انها محظوظة بهذا التفكير الايجابي الذي لا يجعلها تقع فريسة الاكتئاب والحزن والهم والغم
وتذكرت السيدة اشاعة وجنونها النفسي الكئيب ونواحها المستمر وشكواها الدائمة وعبوسها المزري رغم انه لا ينقصها شيء سوى العقل . وشرحت لعمتي الفرق بينهم كما هو الفرق بين السيدة ظريف ظريف وهذه الفتاة و التي اطلقت عليها لقب (ابتسامة سالم ) فمثل هذه الفتاة تستحق ان تضيفها لقائمة اصدقاءك لما تجلبه من راحة وسكينة نفسية واطمئنان عفوي و بث طاقة ايجابية مثمرة في محيط دائرتك الاجتماعية .
لماذا اقول ذلك ؟
لعله افتقاري للصداقات المثمرة والدائمة !
يقال : لكي تحافظ على صديقك لا تأخذ منه ولا تعطيه " ولا تقترض منه , فمعاملات المال هي أول طريق للخصام بين الأصدقاء . ولكن ما قصة الأصدقاء وافتقاري لصداقة حقيقية جادة ودائمة !
بدأ الأمر كلّه اثناء جلوسي في سيتي سنتر ؛على احد تلك المقاعد المواجهة لكشك لبيع الكتب
كان غلاف كتاب "كيف تكسب الاصدقاء " يعلن عن بجاحته وباصرار عنيف لتصفحه وكأنه يقول لي :لقد بلغت من العمر عتيا ولم تحظي بصديقة واحدة صدوقة
صديقة تعتبرك الرقم واحد وليست رقما من زمرة اصدقاءها المنتخبين
ثم تذكرت عشرات من الصديقات اللواتي لسعنني وهربن
عشرات من الصديقات كنت لهن العون والكرم وحسن الضيافة ومع ذلك لم اتلقى منهن ردا للجميل بل كراهية وغيرة لافتة للنظر
رغم اني لا املك شروى نقير أنا الأخرى
فلماذا لا أربي صداقات جميلة مع الإناث
هل أنا ايضا مجنونة !
وهل هناك جنون متخلف
وجنون مثقف
وللمقال بقية
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟