|
ترجمة الفاشية
محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 7627 - 2023 / 5 / 30 - 04:53
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
يوليا كومسكا ترجمة: محمود الصباغ ثمة اعتقاد خاطئ، لكنه شائع، يرى في الإيديولوجيات المعادية للأجانب أو العنصرية أو القمعية عبارة عن ملامح أحادية اللغة مقصودة، بعكس الملامح التعددية اللغوية التي تعزز، حصراً، أهداف الديمقراطية والتعددية والعقلانية والانفتاح. وازدادت حدّة هذا الاعتقاد في الآونة الأخيرة بسبب التعصب الإنكليزي في حملتي "بريكسيت Brexit " و" لنجعل أمريكا عظيمة من جديد Make America Great Again ". علماً أن القدرة على التواصل عبر اللغات ليست من طبيعة متحزبة ولا ينبغي أن تكون كذلك، ويعج التاريخ بأمثلة كثيرة لتوصيفات وروايات تتحدث عن التعددية اللغوية في سياق استبدادي واضح، ويمكن الحديث هنا عن الملك اليوناني الفارسي القديم الشهير ميثريدس السادس (ميثراداتيس)، الذي حكم اثنتين وعشرين دولة بقوانين وألسنة عديدة، ويذكر بليني الكبير كيف أن هذا الملك أتقن كل هذه اللغات فقط لكي "يناقش كل [شعب] من الشعوب التي حكمها بلغته دون الحاجة لوجود مترجم". فلا تعتمد التعددية اللغوية على التسامح أو قبول المعارضة الصالحة. ويتعلق الأمر هنا بسوء الفهم القائل بأن اليمين المتطرف بأكمله يعيش وفقاً لقواعد "فاشية اللغة الأم"، التي تعني أن الأمة الواحدة لها لغة واحدة . ومن المؤكد أن لهذا الاعتقاد أتباعه، مثل عضو الكونغرس الأمريكي القوموي الأبيض ستيف كينغ، الذي أمضى حياته في طرح سياسات أحادية اللغة، أو السياسي الألماني شتيفان براندنر، الذي شن حملات تنقية لاستئصال الكلمات المستعارة. غير أنه من غير المرجح، وسط تعدد وجهات النظر العالمية الحالية لليمين، استمرار حالة "فاشية اللغة الأم" اليوم، لأن ضيق أفقها يجعلها أقل قابلية للنقل من أجندات النازية الجديدة neo-Nazism أو القوة البيضاء White Power واسعتي الانتشار عالمياَ. في الواقع، لم يكن التنوع اللغوي يتعارض في السابق، في يوم ما، مع الفاشية الأوروبية الكلاسيكية، بل على العكس تماماً، ويشرح اللغوي كريستوفر هاتون كيف أن دعاية تأييد التعددية اللغوية، في ظل حكمي هتلر وموسوليني، ساعدت في الترويج لحقوق الأقلية لـ" الفولك Volk " عبر الحدود وإقناع الآخرين بالانضمام إلى القضية. حتى أن مكتب المعلومات الألماني التابع لوزارة الخارجية في ألمانيا النازية، أنشأ شبكات سرية من خلال ناشرين مستقلين لترجمة ونشر الدعاية ضد الحلفاء، واستمرت الروايات والكتب النازية تُطبع بلغات أخرى وتصدر للخارج رغم النقص الشديد في ورق الطباعة. وكما لا حظت الباحثة البارزة في الترجمة النازية، كيت ستورج، كيف أن غرفة كتّاب الرايخ Reich Chamber of Writers أسست، في أواخر خريف العام 1941، جمعية الكتاب الأوروبيين لتحل محل نادي القلم PEN Club الذي تم حله، وسوف تشرف هذه الغرفة على عمليات الترويج الدولية للكتب المترجمة. وبالمثل، في إيطاليا موسوليني، اكتسبت الترجمة زخماً باعتبارها "أداة اختراق" محورية في الثقافات والأسواق والعقول، ووفقاً لستورج وزميلها كريستوفر راندل. كانت الفاشية العابرة للحدود بالضرورة مترجمة. بعبارة أخرى، لطالما كانت السياسات اللغوية اليمينية المتطرفة ترتكز على اللغة والترجمة. وأظهر رجال السياسة اليمينيون، مزيداً من الذكاء في استخدام الترجمة لنشر رسائلهم. وفي ربيع هذا العام، عندما أعلن ماتيو سالفيني (نائب رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك)، المناهض للاتحاد الأوروبي والمعادي للأجانب، عن تحالف برلماني يميني أوروبي، تم شرح الحدث وترجمته إلى ثلاث لغات في وقت واحد، مع ظهور العديد من الشعارات بلغات مختلفة في الخلفية. كما قام حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف بنشر منصته باللغات الإنكليزية والإسبانية والفرنسية والمجرية والتشيكية، على الرغم من تمسكه الشديد بتكريس اللغة الألمانية كلغة رسمية للجمهورية الفيدرالية والضغط ضد تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية. ولا يوحي اختيار اللغات بالتوجه إلى قراء عالميين وجيران غربيين فحسب، بل يدل أيضاً على محاولة مغازلة الحلفاء في البلدان التي تكتسب فيها الأحزاب اليمينية نفوذاً وحيث تركت قروناً من هيمنة اللغة الألمانية إرثًا فوضوياً ومتناثراً ومتبايناً. كما أن حزب الشعب الإستوني المحافظ، وحزب اليمين الهنغاري Jobbik، وحزب الفنلنديين ليسوا أحاديي اللغة كما قد يتصور البعض. عاد هذا الموقف بالمنفعة لمستخدمي الإنترنت من اليمين المتطرف. ففي أواخر آذار من هذا العام، ظهرت ترجمات بيان مطلق النار في كرايستشيرش Christchurch من الإنكليزية إلى لغات أخرى في موقع مجهول 8chan/pol، وهو موقع شائع بين العنصريين البيض. وعلى موقع Stormfront للنازيين الجدد، ويجتمع المشاركون منذ سنوات لمناقشة مزايا الترجمات المختلفة لكتاب هتلر كفاحي Mein Kampf. وعلى سبيل المثال، افتتحت محادثة من نيسان 2012 بتصريح يرى أن أنه في ترجمة حديثة لمايكل فورد، "رسالة هتلر الحقيقية وصلتنا" من خلال ترجمة مايكل فورد الحديثة، ولم يتفق الجميع على هذا الرأي، وتساءل البعض عما إذا كان فورد موثوقاً به من الناحية الإيديولوجية، كما عبّر البعض عن امتعاضهم مرددين عدم ثقتهم بوجود ترجمة جديدة، وعبّر البعض الآخر، وإن بشكل غير منضبط، عن أساليب الترجمة وطرقها، وخلص أحد المشاركين في المحادثة إلى تفضيله تعلم اللغة الألمانية [بما يسمح له بقراءة الكتاب مباشرة بلغته الأم]. وتظهر مثل هذه الحوارات صورة مقلقة للنازيين الجدد الذين يفكرون في الترجمة ويولونها اهتماماً أكثر من معظم خصومهم. يشير استخدام اليمين المتطرف للغات بصيغة جمعية إلى خلل في الخطاب الحالي حين يتحدث الصحفيون والباحثون في أغلب الحالات عن لغة فاشية مشتركة أو متشاركة، لكنهم نادراً ما يطرحون تفاصيل ما يقصدون بأقوالهم. فإذا كان هناك لغة فاشية، فمن يصنعها وكيف وأين وبأي مكونات؟ إنها عبارة جذابة بلا شك، لكن الإشارات إليها نادراً ما تؤدي غرضاً لا يتعدى مجرد استحضار تجريد زلق لأصول ونسب غير مؤكدة ممنوحة وكأنها بلا صوت، كما لو أنها تمثل متحدثاً تابعاً أقل شأناً، وفي النهاية يُترك للجمهور صورة للغة فاشية مشتركة كأداة يصعب مواجهتها.. لغة متجانسة، وأحادية اللسان، وغير مفهومة، تمنح اليمين المتطرف ميزة جاهزة، ولا يمكن الوقوف في وجهها. ولكن في الواقع ليس هناك ثمة ما هو مجرد أو متجانس أو أحادي اللسان أو غامض غير قابل للفهم أو لا يمكن الوقوف في وجهه، لا يوجد مصنع سري للغة الفاشية حيث تتعرق القمصان البنية فوق خطوط إنتاج وتجميع هذه اللغة في أعماق ولاية مسيسيبي أو جنوب كاليفورنيا أو أوريغون. إذن ما هي اللغة الفاشية بالضبط، وكيف تظهر في الترجمة؟ توضح قصة آخيم شميد، المتعصب الأبيض وحليق الرأس الألماني السابق (وهو الآن ناشط مناهض للعنصرية وأصبح يعرف باسم تي إم غاريت TM Garret) طريقة عمل الفاشية المترجَمة، حيث كانت اللغات، منذ البداية، بوابته إلى النازية الجديدة. وُلِد شميد في العام 1975، وتعرض للتنمر في طفولته، فحاول فرض نفسه في المدرسة وأظهر قوته في المدرسة بإلقائه نكات عن هتلر عندما كان الضحك على هتلر لا يزال محظوراً في ألمانيا الغربية. وكان الوحيد، بين أقرانه، من غامر بهذا السلوك، فاستطاع جلب انتباه زملاءه، إن لم نقل احترامهم. وقدمت له اللغة الإنكليزية، في ذات الوقت، منفذاً لا يعوض. ويتذكر شميد كيف أمضى فصل الصيف في الصف الخامس وهو يقرأ الكتب المدرسية بشغف بالغ لتجنب المتنمرين، ولتعلم كلمات أغنيته المفضلة ونطقها بشكل صحيح، بدلاً من الصدح بها بغمغمة غير مفهومة. واكتشف، بحلول العام 1999، أن غناء موسيقى الروك، ذات الطبيعة البيضاء المتفوقة، بلغة إنكليزية فصحية تقريباً كان طريقاً موثوقة ليس فقط لكسب الاحترام والشعبية فحسب بل أمراً شائعاً أيضاً، على الأقل في دوائر معينة. فبدأ التعاون مع الشركة التي تتيع النازية الجديدة لتسجيل الألبومات NSM-88 والمشاركة في المهرجانات الموسيقية اليمينية في أنحاء أوروبا. وفي ختام إحدى الحفلات في السويد، تلقى دعوة لقاء غير متوقعة من إريك بلوخر، الناطق بلسان النازية الجديدة الإسكندنافية في أواخر القرن العشرين وكاتب المقالات المثيرة الداعية إلى الشغب (تحت اسمين مستعارين إريك نيلسن وماكس هامر). والتقى شميد وبلوخر في حانة في مدينة هلسنغور الساحلية الدنماركية، وخرج شميد من اللقاء مع تكليف بترجمة مقالات بلوخر إلى اللغة الإنجليزية وموقع منظمته الإلكتروني إلى اللغة الألمانية. وأثناء عمله في ساعات الليل، وبينما تغرق العائلة في سبات عميق، وأثناء عمله على ترجمة ما هو مطلوب منه توصل شميد إلى اكتشاف غير متوقع، حين أدرك أن أغاني النازيين الجدد لم تكن في حقيقة الأمر أكثر من كومة شعارات لا رابط بينها. فكانت صيحات الشباب المتعطشة لجذب الانتباه، مجرد صراخ يفتقد أي صلة عميقة تربطه بمعاني الكلمات. أو أنها، في كثير من الحالات، مجرد ثرثرة لا تحتوي أي قيمة حقيقة جديرة بالذكر. وعلى النقيض من ذلك، كانت نصوص بلوخر Blücher – التي هي نصوص إرشادية قابلة للتنفيذ- تتعامل ببرود مع إيجابيات وسلبيات الإرهاب العنصري والمعادي للسامية وكراهية الأجانب. غيّرت ترجمة كتابات بلوخر علاقة شميد باللغة ودفعته إلى الوعي بقدرته على التأثير. وعندما تحدثتُ إليه مؤخراً، أشار إلى أن عملية الترجمة تتطلب تنشيط "الأسلوب الخاص" للقيام بأي عمل راديكالي من التأليف المشترك – حيث يقول باحثو الترجمة كريستوفر راندل وكيت ستورج عمّا أطلقا عليه فعل "التدخل النشط" للترجمة. ومما لا شك فيه كان شميد يعتبر نفسه راديكالياً: فقبل أشهر قليلة، كان قد ترك الحزب الوطني الديمقراطي الألماني العتيد وانضم إلى جماعة حليقي الرؤوس. ولكن هل كان راديكالياً بما يكفي لترجمة دليلاً كاملاً عن تبني العنف؟ في واقع الأمر، تردد شميد بالتردد والخوف من مداهمة الشرطة والاعتقال وقضاء بقية حياته في السجون. لم يكن تردده نابعاً من مسؤولية من أي نوع ليس بعد الآن على الأقل. وهكذا كسب خوفه هذه الجولة، وفي أيلول 2000 انفصل بهدوء عن جماعة حليقي الرؤوس وتوقف، على ما يقال، عن التواصل مع بلوخر من جديد، رغم أن بعض ترجماته كانت متاحة فعلاً، لكنه لم يكن واثقاً من عددها أو أماكن تواجدها، ولم يعر أدنى اهتمام لمعرفة ذلك. ربما يكون شميد ترك حليقي الرؤوس، بيد أن العنصرية وكراهية الأجانب لم تفارقاه. وإذا كان ثمة جديد لديه، فقد تكثفت هذه العناصر في الوقت الذي كان فيه شميد يفقد صبره ويعبر عن ضيقه وتبرمه من التوجهات القومية المتطرفة. فسافر، في بداية تشرين الثاني 2000، الولايات المتحدة ليصبح عضواً في منظمة كو كلوكس كلان (KKK). ورغم نشاط هذه المنظمة داخل ألمانيا عبر فروعها المتعددة، إلا أن دعايتها، كما يقول شميد، لم تتمكن من النجاح وعبور الحدود. وظلت الكتيبات، بما في ذلك ما يسمى بـ "كلوران" أو "الكتاب الأبيض" للقواعد، غير مترجمة إلى اللغة الألمانية، وكان العديد من الأعضاء الألمان والمجندين المحتملين يفتقرون إلى مهارات معرفة اللغة الإنكليزية لفهم التعقيدات الطقسية الغزيرة. تعهد شميد أثناء مراسم قبوله في المنظمة عقد في مسيسيبي، بتغيير واقع "الحيز الألماني" للمنظمة. بين عامي 2000 و 2002، وهو العام الذي ترك فيه شميد أقصى اليمين بصورة نهائية، قام بأكثر من هو مجرد استبدال ميكانيكي للكلمات الإنجليزية بمكافئاتها الألمانية، مثلما يفعل أي مترجم على أي حال؟ وقد تطلب منه عمله الجديد القيام بأعمال بهلوانية تفسيرية متقنة لملائمة الأفكار المسيحية المتشددة لمنظمة كوكلاس كلان لتتوافق مع الوثنية العتيدة للنازيين الجدد الألمان. لم يكن خيال شميد كافياً لأداء هذه المهمة ولا حتى قواميس اللغة كانت كافية لهذا العمل، لذلك تبنى آليات ووسائل عمل ترجمة الكتاب المقدس عبر الإنترنت، فعمد إلى ملاحقة المصطلحات والاقتباسات الكتابية المفضلة لدى المنظمة والتي تعود بأصولها إلى العبرية واليونانية، ثم تحويل ما يجده مناسباً لهدفه. وكانت النتيجة مذهلة بالنسبة له، مع شعوره المتعاظم بالتمكين على صعيده الشخصي. صحيح أن شميد لم يكن الملك ميثريدس، لكنه قام بحركة مذهلة بالنسبة لشخص لم يذهب إلى الجامعة قط. وبالعودة إلى الوراء قليلاً، سوف نلاحظ كم كانت لغته غير الناضجة تبدو طريفة. ومع ذلك، لابد أنه أدرك تماماً الضرر الهائل لهذا الأمر. ففي العام 2012 علم شميد أن خلية كوكلاس كلان التي كان يعمل معها تم تتبعها من المنظمة الاجتماعية القومية السرية National Socialist Underground (NSU) التيى تنتمي لمجموعة النازيين الجدد في ألمانيا، والتي تعتبر مسؤولة عن قتل ما يقرب عشرة مهاجرين وتنفيذ أربعة عشر عملية سطو مسلح على البنوك.. وقد أشعل هذا الكشف رغبته في التكفير عن سلوكه السابق، فهو لم يقتل أحد قط، هذا صحيح، ولكن ماذا لو كانت كلماته التي ترجمها إلى الألمانية فعلت أو ساعدت أو ساهمت في ذلك؟ كيف له أن يعرف؟ لعل لم يستطيع إدراك هذا على وجه اليقين، ويعلم أنه لا يستطيع استعادة لغته. يواجه شميد اليوم واقعاً متغيراً. فالعديد من عمليات الترجمة الفاشية لا تزال عفوية، وتتفشى، دون أي محاسبة أو مراقبة، بسبب ذلك طريقة عمل الهواة "افعل ذلك بنفسك Do it yourself (DIY) التي يمثلها شميد، وتزداد طريقة العمل هذه بدرجة كبيرة إلى جانب المناهج المركزية والمنظمة المرتبطة بالتجارة الإلكترونية العالمية عبر شركات عملاقة مثل أمازون Amazon و بارنز آند نوبل Barnes & Noble . لقد سمحت تقنيات الترجمة المتقدمة للفاشية بالوصول إلى جمهور أوسع وطبعها بطابع مشروع تجاري ناجح على الصعيد الدولي. ومثال ذلك دار النشر أركتوس ميديا Arktos Media التي تتخذ من بودابست مقراً لها، والتي تبيع كتبها من خلال أمازون وبارنز آند نوبل. وتفخر الدار على قناة يوتيوب التابعة لها (تشرف أركتوس أيضاً على موقع ويب، وموقع رسائل إخبارية، وبودكاست، ومجلة ذات طابع أكاديمي زائف) بكونها "الناشر الرائد باللغة الإنجليزية لليمين الأوروبي الجديد" بإصدارها "أكثر من 150 عنواناً في أربع عشرة لغة مختلفة". وتوفر بوابتها الرقمية عملية تسوق شاملة للمتحدثين ليس فقط بالفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والبرتغالية، بل للمتحدثين أيضاً باللغات الأقل انتشاراً مثل الهولندية واليونانية والإيطالية والبولندية والكرواتية والتشيكية. ويتوفر لديها بعض الكتب الأكثر مبيعاً، بمعظم اللغات، مثل كتاب "هوية الجيل Generation Identity " للناشط ماركوس فيلينغر النمساوي المولد والهوية، وعادة ما يتم تقديم إصداراتها من قبل المترجم نفسه أو من قبل فريق التحرير الدار، بلغة محايدة ظاهرياً.. من قبيل: قراء كتب الدار ليسوا قطيعاً تابعين ومخدوعين خادعين من غير المسموح لهم اتخذا قراراتهم بأنفسهم؟ ويشير موضوع أسعار الكتب إلى حرص الناشر على فتح الأسواق ذات القرّاء الأقل ثراء، وفي حين تبلغ تكلفة إصدار كتاب فيلينغر باللغة الإنكليزية حوالي 17.50 دولاراً على سبيل المثال، تأتي الترجمات بلغات أخرى بأقل من 12 دولاراً، وبعض لغات أوروبا الشرقية تصل إلى أقل من 5 دولارات. إن فهم أركتوس لقوى السوق قد ينافس بعض عمالقة التجارة. قد تكون أركتوس متكتمة بعض الشيء بشأن المترجمين العاملين لديها، ولاريب أن هناك ثمة عدد من المترجمين ممن يعملون في أركتوس ومن بينهم دانيال فريبيرغ، المؤسس والرئيس التنفيذي للدار، وهو شخصية سويدية وينتمي إلى مجموعة النازيين الجدد. البعض الآخر، على عكس أخيم شميد، يُظهرون ميلًا إلى تعظيم الذات الفكرية التي يفوح برائحة قماش التويد الأكاديمي المهجور منذ زمن بقدر ما يفوح به من وضع "اليمين البديل". فعلى سبيل المثال، تم تقديم رئيس تحرير أركتوس Arktos ومضيف قناة YouTube ، جون بروس ليونارد ، الذي يترجم أعمال المفكر الإيطالي يوليوس إيفولا، الذي يعتبره البغض مرتبطاً بالأفكار الفاشية، بشكل غير متحيز على أنه خريج جامعي من قسم "الفلسفة والآداب واللغات في منهج جامعي قائم على وجه الحصر على الكتب العظيمة للإرث الغربي". ويقيم يوليوس إيفولا، وفقاً للموقع الإلكتروني، في إيطاليا "من أجل" تغذية نهمه الدائم بتراث أوروبا ومستقبلها". ويمكن للملاحظات الواردة في السيرة الذاتية لكبير المترجمين والمحرر روجيه عدوان[؟] أن تنطبق على العديد من المتخصصين في مجال اللغة، حيث يشير كتالوغ التعريف به بصفته "متعدد اللغات منذ نعومة أظفاره"، "محظوظاً بما يكفي للعيش في بلدان مختلفة عبر عدة قارات"، ونال تعليماً جامعياً مع التركيز على الترجمة - على عدد كبير من المتخصصين في اللغة. لكن معظم مترجمي أركتوس ليسوا موظفين بدوام كامل، ولايمكن حتى تحديد مدى تعاطفهم مع جماعات اليمين المتطرف بشكل واضح. وقد يكون البعض منهم قد تعثر بمشروع أركتوس لعدم وجود خيارات نشر أخرى وليس بسبب الاقتناع بأفكار القائمين على الدار. ويصعب تمييز هؤلاء عن المترجمين الأكاديميين العاملين في الوسط الجامعي. وأذكر أن مايكل ميلرمان، المترجم في أركتوس والحاصل على دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة تورنتو، قال لي عبر البريد الإلكتروني: "الرجل الحكيم يتعلم من الجميع". وتابع: "أرى ذلك مثل استقبال ضيف في المنزل لإجراء محادثة، [لكن] لا أعتقد أن الاستقبال الحميم للأفكار يعادل الاعتقاد غير النقدي بتلك الأفكار". كانت تجربة ميلرمان المبكرة في ترجمة مؤلفات أحد أكثر المعجبين بهيدغر تأثيراً في العصر الحديث، والمنظر الرئيسي للأوراسية الجديدة وناقد (النيو) ليبرالية الغربية، وأقصد المفكر الروسي ألكسندر دوغين. يُزعم أن أحد المرشدين شجع ميلرمان على نشر ترجماته، لكن العلاقة مع أركتوس تحققت فقط لأن دوغين كان لديه بالفعل عقد نشر. وقد يتساءل البعض، ماذا لو جاء ناشر من التيار السائد، غير مستعد للتظاهر بأن أدبيات اليمين المتطرف على أنه مجرد نوع آخر من الأدبيات -أو أن جميع القراء المحتملين لديهم نفس الرغبة والقدرة على التمييز؟ وماذا لو طلب محرروه تقديم إطار نقدي رصين، يشتمل على حواشي سفلية تفصيلية، أو تعليقات سياقية ذات صلة، أو أي أشكال أخرى من التعليقات التوضيحية؟ ماذا لو ربط خبراء التسويق لدى هذا الناشر الترجمات الناتجة بكتب تحتوي على تحليلات موضوعية - بدلاً من ربطها بمجموعة من عبارات أخرى وثيقة الصلة بالعديد من النصوص اليمينية المتشددة والمقدمة بشكل بريء؟ هل سيؤدي كل هذا إلى تقليص حجم الفاشية في الترجمة إلى مستويات أقل؟ قد يحدث مثل هذا بالفعل. فقد تتضمن الترجمة، اعتماداً على السياق، دعماً للأفكار، لكن يمكنها أن تؤثر سلباً عل مصداقيتها بسهولة. وفي واقع الأمر، قامت حركة مناهضة الفاشية، فعلياً، بعمليات ترجمة للنصوص الفاشية في كثير من الأحيان، ليس بهدف "التعلم من الجميع"، ولكن لمعرفة من تحارب ولماذا. وعلى سبيل المثال تعاونت مقاومة ألمانية تدعى غريتا كوكهوف مع جيمس مورفي، أول مترجم لكتاب كفاحي Mein Kampf في المملكة المتحدة، وعارضت كوكهوف محاولات مورفي تحسين أسلوب هتلر النثري. وتصف تلك اللحظة: "أردت أن يحتفظ الكتاب بإثارته المخزية للجماهير". وفي الولايات المتحدة، قدمت الصحفية دوروثي طومسون، التي كانت تنتقد هتلر بحدة بالغة، توصية لإصدار الكتاب في الولايات المتحدة في العام 1937، مما جعل عدد قليل من القراء يعجبون بالكتاب ومؤلفه وهو ما استدعى تقديم شكوى رسمية من الحكومة النازية. وعندما راجعت نيويورك تايمز الترجمة الإنكليزية الأكثر انتشاراً لكتاب هتلر كفاحي، شكرت المترجم، رالف مانهايم، على خدمة البلاد جيداً بإنتاجه "أول ترجمة إنكليزية للكتاب تنصف المؤلف". وكتبت الصحيفة: "هنا، للمرة الأولى، تجد أن أسلوب هتلر الذي يصعب قراءته باللغة الألمانية أصبح أكثر وضوحاً باللغة الإنكليزية". في حين أن مثل هذه الجهود يجب أن تكون جزءً من حملة مكافحة الفاشية الدولية، إلا أنها لا تنفصل عن عمل القضاء على التطرف، الذي يتطلب دعماً مالياً ولوجستياً أكثر قوة واتساعاً من السلطات على المستويات كافة، وكذلك من أولئك الذين عانوا من هذا التطرف وجربوه بشكل مباشر، ثم ابتعدوا عنه. بالإضافة إلى ذلك، يجب ممارسة ضغط على بائعي التجزئة عبر الإنترنت مثل أمازون وبارنز آند نوبل لحظر الإصدارات غير النقدية لنصوص اليمين المتطرف وإلغاء منصات توزيع النازيين الجدد؛ ومثلت، في هذا الصدد، تقييدات منصة يوتيوب سابقة ملحوظة وإن كانت لا تزال غير كاملة وغير كافية. ويبدو من الطبيعي فهم السياق وإعادة الصياغة النقدية، ولكن يجب ألا نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأن الفاشية في الترجمة ستتبدد بدون مثل هذه التدخلات المباشرة. ... ملاحظات العنوان الأصلي: Fascism in Translation المؤلف: Yuliya Komska المصدر: https://www.bostonreview.net/articles/yuliya-komska-fascism-translation/
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة واللغة الإنكليزية
-
منظومة التفاهة أو تشكيل العام على صورة -مكدونالد-
-
كيف انتصرت فئران هانوي على فرنسا
-
الفضاء الحضري في المدن المختلطة في إسرائيل: إعادة قراءة
-
رواية الجحيم - Lenfer- :البحث عن اللامنتمي الواقعي
-
دكتور جيكل ومستر هايد : الخير والشر، نزعات أصيلة
-
النزعة العرقية والاستعمار الاستيطاني والمراقبة: حالة السيطرة
...
-
ما هي سبل تغير السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل ومتى؟
-
السيدة بيكسبي ومعطف الكولونيل/ قصة قصيرة
-
تاريخ الصهيونية ونظرية ما بعد الكولونيالية
-
متحف الآثار الإمبراطوري في القدس من 1890 حتى1930: رواية بديل
...
-
العصر الفارسي وأصول إسرءيل: ما وراء -الأساطير-
-
تسمية شوارع حيفا والقدس وأم الفحم والهوية العربية الفلسطينية
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
-
البحث عن إسرءيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرءيل الكتاب
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|