أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الإله بسكمار - ما معنى موسم تقطير الزهر وما قيمته ؟















المزيد.....

ما معنى موسم تقطير الزهر وما قيمته ؟


عبد الإله بسكمار

الحوار المتمدن-العدد: 7624 - 2023 / 5 / 27 - 18:50
المحور: المجتمع المدني
    


لا يمكن لأي مواطن تازي / ية إلا أن يثمن كل المبادرات الهادفة إلى إنعاش المدينة العتيقة ورد الاعتبار لها ولو رمزيا، ومن تلك المبادرات التي شجعناها وعززنا حضورها " موسم تقطير الزهر" خاصة في حلقاته الأولى، بدءا من سنة 2015 إيمانا منا بأن هذا الموسم يخدم تازة من عدة جوانب: اقتصادية واجتماعية وثقافية بالدرجة الأولى، والمدخل الأساس لذاك هو المنتوج ذاته، أي الزهر الصغير الأبيض المجتنى من أشجار النارنج، وكنا نأمل أن يتطور هذا المهرجان نحو أفق أوسع وأغنى من مجرد حفلات للسماع أوالطرب الأندلسي، مع كل الاحترام لهذين الفنين الرفيعين، وظللنا نأمل من هذا المهرجان أو الموسم أن يعطي دفعة قوية لإشعاع مدينة تازة وطنيا على الأقل، وبشكل يمكن أن ينعش القطاعات الحيوية من صناعة تقليدية وسياحة ثقافية وطبيعية وخدمات متجددة وأصيلة، لكن مع مرور الدورات في روتينيتها المعروفة وفعالياتها المكرورة وعبر السنوات، لم يستطع هذا المهرجان أن يحقق الأهداف المأمولة منه بالنسبة لتازة وأفق تنميتها، لا بل ضاقت تلك الأهداف شيئا فشيئا، حتى أصبحت مجرد تبادل خدمات معلومة بين هذا الطرف أو ذاك، أولا تتعدى الحصول على منح ضخمة من المال العام سرعان ما يتبدد أثرها، وقد لا يتجاوز الأمر مصالح ضيقة ومحدودة بل وفردية محضة، تتحقق بعيدا عن واقع تازة ومشاكلها الملحة وما تنتظره المدينة من نهوض وإنعاش، وتنتهي الآثار المباشرة للمهرجان أو الموسم بمجرد انصرام يومه الأخير، دون أي رجع صدى أو مردود عملي وواقعي، أو بصمة حقيقية يمكن أن تنعكس إيجابا على المدينة وساكنتها .
وكان من المأمول أيضا خلق فرص لتشجيع الرفع من الإنتاج المحلي المتعلق بهذه المادة الحيوية التي تستعمل في المناسبات العائلية والأعياد الوطنية والدينية وتعطر الحلويات المختلفة وتستغل في الطبخ وتعطي مادة الشاي نكهة خاصة متميزة، كما هي ضرورية لبعض الأدوية ويهتم بها بائعو العطور والعشابون جميعا، ونقصد بذلك لم شمل المنتجين على قلتهم في إطارتعاونيات تشاركية وتثمين زراعة النارنج وتوسيع مساحاتها داخل وفي محيط تازة وهذا بعد أساسي، بما يعنيه ذلك من تنشيط للاقتصاد المحلي وخلق فرص للشغل، لكن كل هذا وضع على الرف وبقي نسيا منسيا، مما أفرغ التظاهرة ذاتها من محتواها الاندماجي والاقتصادي ثم الاجتماعي، يشار إلى أن التعاونية الوحيدة التي تأسست في هذا المجال وهي المسماة " تعاونية خناثة لتثمين وإنتاج وتسويق المنتجات العطرية والطبية " وتشمل ماء الزهر والورد كان عطاؤها باهتا وسرعان ما خبا صيتها داخل تازة نفسها .
ولعلم الجميع فزراعة النارنج قديمة بتازة والناحية ويمكن الافتراض بأنها تعود إلى المهاجرين الأندلسيين أو الموريسكيين Les Morisques بدءا من العصر المريني، أما تقطير الزهر فهو أيضا عريق بتازة، كما بالنسبة لبعض المدن المغربية العتيقة كفاس والرباط ومكناس وتطوان وطنجة وسلا ومراكش ووزان ومولاي ادريس زرهون والقصر الكبيروالعرائش، وظل يتميز بأوان معلومة تلخصها عمارة " القطارة " المتألفة من ثلاث طبقات، فهناك البرمة التحتية المحتضنة للماء الساخن ثم " كسكاس الزهر " وأخيرا برمة الماء المتحول أو الرأس الذي يشهد استبدال الماء في كل مرة تجنبا لاحتراق الزهر، ومن رأس القطارة هذا ينساب " روح الزهر " عبر قناة تصب في أواني الزجاج لحفظه، وكل ذلك يُصحب عادة ب" الزهيد " والإنشاد والأمداح النبوية وتستغرق العملية حيزا من الزمن حسب حجم الزهروكميته، إذ ترتفع مدة تقطيره كلما زاد حجمه، ونكهة الزهر تكون قوية جيدة في القوارير الأولى، ولكن مع مرورالعملية تتراجع تلك القوة، ويقتصر على ماء الزهر في هذه الحالة بوضعه في الحلويات والسلاطات وعادة ما تترافق العملية مع طقوس ومسلكيات تقليدية مستفتِحة أو مصاحبة للتقطير، كالقيام ركعتين قبل مباشرة العملية، واقتصارها على عنصر الإناث دون الذكور، إذ تقوم بعملية التقطيرامرأتان عادة، تمتلكان الخبرة والتجربة اللازمتين، قد تكونان بين أفراد الأسرة كالأمهات والجدات أو من خارجها بين " المعلمات " المعروفات بالمدينة، مع تنظيف الأيدي والمنتوج الخام جيدا ودعوة الزوج لحضور بداية التقطير، مع إطلاق البخوروعطر الند للاعتقاد بأن ذلك عامل مطهر روحيا عبر إضفاء قدسية ما على العملية ويعزز كل هذا إسدال ستار أو حجاب من الثوب للحفاظ على هيبتها وبالطبع، فإن جني الزهر يتم خلال فصل الربيع، أي منذ أواسط شهر مارس وقد يمتد إلى أواسط ماي من كل سنة، ونحن نقصد السنوات الخصبة الممطرة لا المواسم العجاف ويمكن تحديد فضاءات البيع بين باب الزيتونة وقبة السوق بقلب تازة العتيقة وقد تمتد بعض نقاط البيع إلى المدينة الحديثة / تازة السفلى .
وبدل التنسيق مع الجهات المعنية خاصة مديرية الفلاحة من أجل توسيع غراسة شجرة النارنج، وإحداث وحدات لإنتاج وتثمين وتقطير الزهر، بدل كل ذلك، سجل تراجع مهول في هذا الإنتاج، تبعا لعدة عوامل سلبية أبرزها: الجفاف وشح المياه وبطء المردودية انتظارا لشهر مارس، مع توخي الربح السريع والمحترم من طرف المنتجين، واقتصار موسم تقطير الزهر في مجمله على الطابع الاحتفالي، ثم تواري الأسر التازية التي عرفت برعاية هذه الشجرة في الدور العتيقة والرياضات وكذا أنشطة التقطير داخل المنازل، بحيث عانت تازة العتيقة من نزيف حقيقي في هذا المجال، خلال العقود الأخيرة، وأصبحت عدد من تلك الدور عبارة عن أطلال وخرب مأسوف عليها، وذبلت معها أو انقرضت كل أشجار النارنج، ويشار إلى أن أكثر العائلات التازية انتقلت إما إلى تازة الجديدة أواتجهت نحو مدن وحواضر أخرى، تبعا لظروفها المعيشية بشكل عام، أو حتى غادرت البلد إلى الخارج، فساهم النزيف إياه في تراجع شجرالنارنج بل وانقراض تقاليد تقطيرالزهر، كما انقرضت تقاليد أخرى عند الأسر التازية كتقطير الورد والذي يختلف استغلاله عن ماء الزهروقد ذكرنا بعض استعمالاته، أما ماء الورد فيستغل في تخفيض حرارة الجسم عند الإصابة بنزلة برد أو بزكام حاد مصحوب بارتفاع درجة الحرارة، أو كمطهر للعيون وأحيانا يستعمل للتجميل وبالمناسبة، فمن العادات التي انقرضت أو شارفت الانقراض عند الأسر التازية بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية : ترطيب الغاسول وتجفيف الحبوب وتنقية القطاني وفتل " المحمصة " والطعام / الكسكس وطحن البن في المنازل وتهييء القديد والحميس بل وطهي الخبز في الفرارين، ويمكن تفسيرهذا النزيف أيضا بالهجرة القروية نحو تازة والتحولات القيمية التي صاحبتها، بما في ذلك ظواهر ترييف المدينة ككل، مما ساهم في الإجهاز الشامل أو الجزئي على تلك التقاليد العريقة بكل أسف ولوعة، حتى إذا سألنا أحد ساكنة تازة العليا حاليا عن تقطير الزهر فلا يستطيع جوابا، علاوة على اختفاء أدوات وآليات ووسائل تقطير الزهروعلى رأسها القطَّارات من السوق كنتيجة حتمية للتراجع الرهيب المذكور .
كان لعامل تغيير الزراعات والتحولات المناخية أثرا كبيرا على تراجع إنتاج الزهر، وللعلم فقد كانت مساحات شجرة النارنج تمتد داخل وحول النطاق الحضري لتازة، عبر المنطقة السياحية سابقا الممتدة من المسبح البلدي وحتى حي فريواطو وفضاء جيراردو ومجوسة وراس الواد والشقة وجنان عين السلطان وبوحجاروحي المجازر( abattoir ) وكان هذا المجال يخترق المدينة الجديدة والعتيقة على حد سواء، فضلا عن نموه وترعرعه بالرياضات والبيوت التقليدية وظل التازيون لسنوات طويلة يتمتعون بطيب الزهر، في المناسبات الوطنية والدينية والعائلية وخلال ليالي الحضرة، التي يتخللها صوت الإنشاد والسماع بقيادة مولاي الصديق العيوني رحمه الله، وأماسي " النزاهات " أو " النزايه " التي كانت تنظمها الأسروجموع الأصدقاء في الضواحي القريبة كمجوسة وجنان البردعي وكلدامان والشقة وغابة بوكربة ثم راس الماء وبابودير.
سجل الملاحظون وعموم ساكنة تازة أن الحلقات الأخيرة من مهرجان تقطير الزهر اتسمت بتراجعات ملموسة، كانت متساوقة مع تراجع الإنتاج والتقطير معا، وزادت أزمة كوفيد من هذا التراجع، إذ لم يكلف المنظمون أنفسهم الاضطلاع بتقويم موضوعي يسجل الإيجابيات ( إن وجدت ) ويقف على مكامن الخلل، التي حولت هذا المهرجان تدريجيا إلى محطة ورقية تقوم على وثائق ووصولات ملتبسة وتطغى عليها مظاهر الاحتفالية، إن لم نقل البهرجة التي لم تستفد منها المدينة شيئا يذكر. بحيث أضحى في الأخير إسما بدون مسمى، وكان من الممكن تطويرالمهرجان إياه خدمة للمدينة العتيقة أولا وقبل كل شيء وليس لحساب جهات بعينها.
فضاءات المهرجان هي الأخرى مطروح على بعضها ألف علامات استفهام كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة الحسنية المرينية بحي المشور والتي تعد من أبرز مآثر تازة التاريخية ومن المفترض أن تتبع لوزارة الثقافة كما هو شأن باقي المدارس المشابهة بفاس ومكناس وسلا ومراكش، نعم يمكن فتح تلك المدرسة للأنشطة الشبابية والجمعوية والثقافية لكن بترخيص من الجهة الوصية، حسب ما ينص عليه القانون، ووجب أن تفتح أمام جميع الفعاليات سواء بتازة أو خارجها، وفي انتظارإعادة الأمور إلى نصابها، يعتبر الوضع الحالي لهذه المدرسة غيرمشروع بالباث والمطلق، أما مجالات موسم تقطير الزهر فمتاحة عمليا وقانونيا بالقاعات العمومية وفضاءات العروض وبعض الدور العتيقة .
إن ضرورة تجاوز المنطق الاحتفالي والبهرجي في التعاطي مع مهرجان الزهر بتازة، باعتباره أحد رموز الهوية المحلية والترابية، ومن تجليات الرأسمال المادي والرمزي لتازة، يستوجب بلورة تصور شامل للأهداف المتوخاة من مثل هكذا تظاهرات، سواء منها المتوسطة أوالبعيدة المدى وضرورة ربطها بتنمية وإنعاش المدينة العتيقة، التي تعيش اختناقا وجمودا لم يسبق لهما مثيل، بفعل توالي التجارب الجماعية الفاشلة وغياب برامج حقيقية لإنعاش القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بها .
* رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث .



#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين تردي الوضع الثقافي بتازة والآمال المعقودة على - العهد ال ...
- من أنشطة ثقافية وازنة إلى مهازل حقيقية
- بعد تفويت القطاعات الحيوية جاء دور المآثر التاريخية / نموذج ...
- نماذج لبؤس البحث العلمي والتاريخي
- عمل جماعي هزيل لا يليق بحاضرة عريقة
- من كوارث مديرية الثقافة بتازة وما يتبعها
- من تخبطات تدبير ملف المآثر التاريخية
- المشردون ومن لا مأوى لهم تحت وطأة البرد والصقيع
- بعد عقدين من انطلاقها الكلية متعددة التخصصات بتازة : حصيلة ه ...
- من صحافة الكلمة الحرة إلى صحافة التبنديق والارتزاق
- الريع وهدر المال العام في محطات وبهرجات فاشلة بتازة
- وضع ثقافي بئيس وتدبيرلا يليق بمستوى المدينة
- روايتنا الجديدة...مرحبا بالقراء والنقاد والأحبة
- تراجع رهيب لفضاءات القراءة
- المدرسة الحسنية المرينية بتازة ،وضع غير قانوني يتطلب التدخل ...
- شاشة المونديال ومصائب أخرى
- جدلية العمل السياسي والثوري في مسار مقاومة الاستعمار بتازة
- بؤس الشبكة الطرقية بإقليم تازة
- المغرب في مواجهة طلائع الأمبريالية من خلال مصنف تازي
- الشطر الثاني من الحي الصناعي بتازة في خبر كان ؟


المزيد.....




- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الإله بسكمار - ما معنى موسم تقطير الزهر وما قيمته ؟