|
في الذكرى الخمسين لمجزرة كفرقاسم
جهاد عقل
(Jhad Akel)
الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 09:51
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
• عمال أبرياء كانوا ضحايا المجزرة البشعة التي إرتكبتها وحدة "حرس الحدود" سيئة الصيت. • عندما فُرض منع التجول على القرية تساءل المختار عن مصير العمال وعددهم حوالي 400 المتواجدين في عملهم بعيدا خارج القرية ؟؟ • رد ضابط الوحدة كان "سنهتم بهم "؟؟ وعندما سأل الضابط المسؤول عنه نفس السؤول كان الجواب "الله يرحمه"؟!
بمناسبة الذكرى الخمسين للمجزرة البشعة التي إرتكبتها وحدة من قوات "حرس الحدود " الإسرائيلية في القرية العربية كفر قاسم ، عُدت الى العديد من المنشورات والتقارير الصحفية التي صدرت ما بعد إنكشاف هذه المجزرة الدموية للرأي العام ، من قبل القائدين الشيوعيين ماير فلنر وتوفيق طوبي . ولاحظت خلال زيارتنا للقائد توفيق طوبي في بيته بمدينة حيفا قبل أسبوع ،من أجل تكريمه لنضاله الدؤوب في الكشف عن هذه المجزرة الرهيبة ،أنه يُصر دائماً على التأكيد بأن الدور في الكشف عن المجزرة كان له ولزميله القائد الشيوعي ماير فلنر. الذي "تسلل" وإياه الى داخل كفرقاسم يوم 20-11-1956 ،بالرغم من الحصار المُحكم الذي فرضته القوات الإسرائيلية يومها على القرية بعد إرتكاب الجريمة كي تمنع أي تسريب للحقائق الوحشية المتعلقة بإرتكاب المجزرة من قبل قوات حرس الحدود إياها. وقاموا بجمع المعلومات والحقائق ومقابلة الجرحى وشهود العيان على المجزرة ، ونقلوها بواسطة مُذكرة وزعها القائد توفيق طوبي على مختلف الشخصيات محلياً وعالمياً بتاريخ 23-11-1956، مما إضطّر حكومة دافيد بن غوريون يومها الى وقف أوامر الرقابة العسكرية التي منعت الصحافة المحلية أو أي هيئة رسمية بما في ذلك البرلمان – الكنيست من نشر حقيقة ما جرى من مجزرة رهيبة ضد اهالي كفر قاسم . والكشف عمّا جرى في ذلك اليوم الأسود ،يوم إرتكاب المجزرة بحق عُمال أبرياء وفلاحين وأطفال وفتيان ونساء .
التاريخ كان التاسع والعشرون من شهر أكتوبر-تشرين ثاني 1956 ، اليوم يوم الإثنين ، وهو اليوم الذي بدأ العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية وقائدها جمال عبد الناصر،ومع بداية الهجوم الثلاثي على مصر تم فرض منع التجول على قرى منطقة المثلث ، وهي المنطقة التي قام بتسليمها الملك عبدالله جد الملك حسين ملك الأردن الى إسرائيل وفقاً لإتفاقية رودوس في أيار 1949 . يظهر من الوثائق الرسمية أن عملية فرض منع التجول جاءت خلال فترة زمنية قصيرة وتم إعلام مخاتير (المعتمدين) هذه القرى بفرض منع التجول قبل نصف ساعة من فرضه أي في الرابعة والنصف من مساء 29-10-1956 ، مما يؤكد على سؤ النوايا التي كانت تبيتها قوات بن غوريون ضد سكان المنطقة وبالتحديد قرية كفر قاسم ، وعندما تساءل مختار(عمدة) كفرقاسم عن مصير العمال وعددهم حوالي 400 عامل كانوا في عملهم خارج القرية وفي أماكن بعيدة ، قال له العريف المُكلف بإبلاغه بالقرار "سنهتم بهم "، وعندما سأل العريف نفسه الضابط المسؤول عنه نفس السؤال أجاب ما كان قد أكده في الأمر الأول "الله يرحمه" ، أي تنفيذ القتل بحق هؤلاء العمال وكل من يتواجد خارج القرية ويعود اليها كالمعتاد في المساء ، من هنا يتضح وهذا ما ثبت في المحكمة التي جرت لعدد من مرتكبي المجزرة من الجنود انه كان تدبير مُسبق للجريمة وللقتل وعن سبق إصرار وفقاً لتأكيدات مختلف الباحثين الذين قاموا بالبحث والتمحيص في ما جرى قبل وبعد المجزرة .
كانت حصيلة المجزرة في كفرقاسم 49 شهيداً وعدد كبير من الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات وعاهات أقعدتهم عن الحركة ، وكانت فصول الجريمة بشعة ، حيث تم قتل عُمال أبرياء وعاملات – منهن المُسنات والفتيات – وهم عائدون كالمعتاد من أماكن عملهم ، لتُقدم الطبقة العاملة الفلسطينية ثمن باهظ آخر يُضاف الى العديد من الجرائم والقتل المتعمد الذي تم بحق عمالها ، في مسيرة الصمود والتحدي ، مسيرة التشبث بالأرض والتراب والبيت والوطن ، وسقط مع شهداء الطبقة العاملة عدد من الأطفال الذين هب قسم منهم عند سماع خبر فرض منع التجول الى مكان عمل أبيه ،في حالة كان قريباً ، من أجل إبلاغه بالخبر ودعوته للعودة الى البيت قبل الساعة الخامسة مساء ،وقامت قوات البطش والجريمة المُكلّفة بتنفيذ المجزرة بإطلاق النار على العمال وأولادهم معاً ، كي يكون الألم أكثر والجرح النازف أعمق ،وقتل الراعي والفلاح والشيخ والسائق ، وكما في كل مجزرة فقد خرج البعض سالماً ، بسبب الموت ، أي لأنه بقي بلا حراك بين جثث الشهداء الآخرين الذين تم تجميع جثثهم من قبل مرتكبي المجزرة .
مجزرة كفر قاسم هي من أبشع المجازر التي أُرتكبت بحق العمال ومن تواجد معهم عند عودتهم من العمل ، كانت مجزرة بشعة إختلط فيها دم العمال والعاملات ، الأبناء والآباء ، الأولاد والأمهات ، وهم يسمعون الأوامر التي كان يصرخ بها قادة المجزرة قائلين "إحصدوهم" ،أي أطلقوا النار عليهم ، وبعد إطلاق النار يقوم هؤلاء المجرمين بتفقد الجثث وإطلاق الرصاص على الرؤوس أو الدوس عليها للتأكد من أن الإصابات كانت قاتلة أو كما جاء في مُذكرة توفيق طوبي يومها :"وأثناء عملية القتل قامت قوات الشرطة بالتفتيش ، فيما اذا كان بين المصابين من بقي حيّا للضاء على حياته باطلاق الرصاص عليه ثانية .وفي بعض الحالات داس رجال الشرطة بنعالهم على جماجم القتلى وطعنوا بعض النساء الجرحى بحرابهم ."(من كتاب كفرقاسم المجزرة والعِبرَة) .
رغم هذه البشاعة إلا أن الحكومة الإسرائيلية يومها حاولت كما أكدنا سابقاً لفلفة الموضوع والتعتيم عليه ، وقامت بتشكيل لجنة تحقيق يوم 1-11-1956 داخلية لم يُعلن عنها في حينه ،بناء على توصيات هذه اللجنة ،فُرِضَ على أهالي الضحايا ، "صُلح" عشائري ، ودفع تعويض مالي لعائلات الشهداء والجرحى، لكن عدد كبير من أهالي الضحايا رفض تَسَلُمهُ حتى يومنا هذا .
لن ندخل في سرد تفاصيل الجريمة – المجزرة كاملة فقد تم نشر الكثير عنها ،لكن لا يُمكننا التغاضي عن كون هذه المجزرة من أبشع المجازر التي تم إرتكابها بحق العمال الفلسطينيين ، وأنها لم تكن مجرد مجزرة ترتكبها وحدة من وحدات قوات الأمن الإسرائيلية المعروفة بإسم "حرس الحدود" وهي وحدة تابعة لجهاز الشرطة وليس الجيش ، لكن هذه الوحدة مازال أفرادها وقادتها يواصلون إرتكاب أبشع التصرفات بما في ذلك القتل بحق العُمال حتى يومنا هذا ، دون أي رادع ، كيف لا وقد تم الحكم على القائد المسؤول عن إصدار الأوامر لإرتكاب هذه المجزرة المدعو يسسيخار شدمي بغرامة بقيمة "قرش" واحد ، وتم إطلاق سراح الضباط الذين نفذوا الأوامر بالقتل مثل شموئيل مالينكي وغبريئيل دهان وشالوم عوفر وغيرهم .لكن المسؤول الحقيقي عن المجزرة –السياسة الرسمية – ومن يقوم بوضعها لم يُقدم للمحاكمة ، كما حدث في يوم الأرض وفي إنتفاضة القدس والأقصى العام الفين ، حيث كان من المفروض تقديم هؤلاء السياسيين وسياستهم للمحاكمة من اجل الكشف عن الحقيقة التي تقف وراء هذه السياسة .
بعد فترة قصيرة من صدور الحكم بحقهم في العام 1958 ،بعد أن صدر عفو عنهم من قبل وزير الأمن موشيه ديان ، وقامت الهيئات الرسمية الحكومية بإعادة الرتب العسكرية لهم ،بل قامت بترقية قسم منهم ، وعينتهم في مراكز أمنيه حسّاسة ذات أهمية كبرى . واضح أن السلطات حاولت دثر أي أثر للجريمة – المجزرة ، وعن سبق إصرار ، هناك من طالب بأن تعتذر الحكومة لأهالي كفر قاسم وبعد مرور نصف قرن على الجريمة ، ونحن نؤكد ان الأمر لا يقف عند حد تقديم الإعتذار ، فهناك من قام بالتخطيط للجريمة من جهة وللتخفيف من العقاب من جهة أخرى، مُستخفاً بمشاعر اهالي الشهداء وبمشاعر شعب بأكمله إعتبر نفسه جريحاً من هذه المجزرة وجراحه ما زالت تنزف حتى يومنا ،فقد تلت هذه المجزرة العديد من الإعتداءات التي قامت بها قوات "حرس الحدود" والشرطة والجيش على الأقلية العربية الفلسطينية المتشبثة بتراب أرضاها حفاظاً على جذورها المنغرسة في أرض الوطن ، ومنها شهداء يوم الأرض العام1976وشهداء إنتفاضة القدس والأقصى العام 2000 وما تبعهم من شهداء سقطوا برصاص قوات الأمن التي كان من المفروض أن تحميهم كمواطنين من رصاص الغدر ،لكنها فضّلت ان تكون هي المُنفذ لهذا الغدر المُستمر .
المجزرة لم تكن مجرد قتل على خلفية إنتهاك منع التجول العسكري الذي فرض على أهالينا في كفر قاسم ، بل هو جزء من مخطط لم يُكشف عنه حتى يومنا هذا ،قامت به جهات متنفذة في حكومة بن غوريون ، وهدفه كان واضحاً ترحيل اهالي منطقة المثلث عن أراضيهم ومن بيوتهم ، لمجرد إنتشار خبر المجزرة ، لكنهم فشلوا بذلك ، لا نريد الإعتذار بل نريد محاكمة عادلة وكشف حقيقة ما جرى يومها .
جماهير عُمالنا واهالينا جميعاً ،إختاروا السير على طريق الكفاح والنضال ، دفاعاً عن حقهم في الحياة الكريمة ، فالحياة حق لنا ولن نتنازل عن هذا الحق ،لمجرد التعرض لإضطهاد سُلطان جائر ، ولن تستطيع حكومات القمع والإضطهاد ، أن تقتل روح الكفاح العادل والدؤوب ،من أجل التحرر من سياسة الكبت والظلم هذه، التي تدفع طبقتنا العاملة الثمن الباهظ لها، ونواصل مسيرة كفاحنا بمسؤولية تاريخية إتجاه عمالنا واهالينا ، تحياتنا لأهالينا في كفر قاسم ، تحياتنا للشهداء الذين سقطوا برصاص الغدر الجبان ، ورووا بدماءهم الطاهرة أرض تعشق أبناءها البررة فتحتضنهم في بطنها .
#جهاد_عقل (هاشتاغ)
Jhad_Akel#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حملة -إنهض واقفاً-(stand up) للتضامن مع فقراء العالم
-
عمال فلسطين يتعرضون للقتل والضرب والإعتقال يومياً
-
الإعلام هو المسؤول ..... وغسيل الدماغ
-
الهم العمالي واحد ...عدم دفع الرواتب
-
عمالة الأطفال مأساة عالمية للجميع
-
عيد العمال العالمي الأول من أيار ..يوم كفاح عمالي للطبقة الع
...
-
أُممية الحركة النقابية في العالم ضرورة للطبقة العاملة
-
ازمة الرأسمالية في ظل نضوب فرص العمل... هل هي بداية الإنهيار
...
-
اليوبيل الفضي للإتحاد العام لنقابات العمال العرب .. هل ستكون
...
-
شبابنا يحرقون انفسهم احتجاجاً
-
للمرأة قوة غير عادية عليها استغلالها
-
الذكرى الخمسين لتأسيس الإتحاد العام لعمال الجزائر
-
الدورة (33) لمؤتمر العمل العربي ... وهموم البطالة ...التشغيل
...
-
المؤتمر الرابع للنقابيات الشابات في آسيا ..خطوة هامة لمواجهة
...
-
انغولا إستغلال للعمال وبطش بالأطفال
-
حرية التنظيم النقابي في خطر
-
يا مظلومي العالم انهضوا
-
تقرير دولي يدين تصرفات الحكومة في اسرائيل مع النقابات العمال
...
-
بطالة المتعلمين والمحسوبية في سوق العمل العربي
-
من دافوس رأس المال والحكم ..الى كاراكاس وباماكو الوحدة عمالي
...
المزيد.....
-
4th World Working Youth Congress
-
وزارة المالية العراقية تُعلن.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر
...
-
بيسكوف: روسيا بحاجة للعمالة الأجنبية وترحب بالمهاجرين
-
النسخة الألكترونية من العدد 1824 من جريدة الشعب ليوم الخميس
...
-
تاريخ صرف رواتب المتقاعدين في العراق لشهر ديسمبر 2024 .. ما
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر
...
-
وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر
...
-
الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل
...
-
واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|