أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمار السواد - جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدولة الدينية وثالث وجوه الايدلوجيا















المزيد.....

جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدولة الدينية وثالث وجوه الايدلوجيا


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 07:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ادى سقوط الدكتاتور الى تشظي جرائمه، فما اختصره صدام بيده انتشر ليتوزع بايد متعدد، وما اسس له الحزب الواحد من وسائل وآليات لقمع الناس اصبح بيد خلفائه من احزاب وقوى ذات مشارب متعددة لم تتأهل بعد لتجاوز مرحلة ما بعد صدام، سواء من حيث التأهيل الفكري او التربوي.
فلم يكن كافيا لافول الظلام ان يسقط الدكتاتور، كان التغيير الجذري بحاجة الى علاج شامل يمس كل تفصيلات المجتمع ويساوي شمولية الظلام الذي مس نهارات العراق. كان العراقيون بحاجة الى التغيير، فهم في البدء السبب وهم في النهاية النتيجة، هم سبب وصول الدكتاتور الى السلطة ووضعهم الان هو نتيجة لعقود من التشويه والتلوث.
لكن العلاج لم يكن ممكنا ما دام المنهج الايدلوجي الثوري هو السائد، وما دامت التصفيات البدنية هي الطريقة المتبعة للتعاطي مع الاخر. فالمنهج الايدلوجي الى جانب العنف كان بذرة الدكتاتور، وبالتالي لابد من الحيلولة دون اعادة غرس هذه البذرة. وهو ما لم يحدث.
فصعود تيارات الاسلام السياسي منذ ايام المعارضة، وتمكنهم، دون ضوابط حقيقية للحد من اشاعتهم لفكرهم الشمولي، ابقى على الروح التي حكمت عراق النصف الثاني من القرن العشرين، روح الايدلوجيا الشمولية التي تتبنى المشروع الثوري في التغيير.
بعد ان تمكنت الشعوب، بفعل تداخل الاحداث والمتغيرات العالمية الكبرى، من تجاوز مرحلة الخلافة، ودخلت مرحلة فصل الدين عن الدولة، فان التعامل مع الدين اصبح، في الكثير من الاحيان، تعاط روحي يتحكم بالعلائق الاجتماعية بشكل اختياري وبمعزل عن تدخل احد لفرضها عليه.
الا ان حركة الاخوان المسلمين استطاعت ان تعيد النظر بهذا التطور اللافت في تعاطي المجتمع مع الدين، وبدأ ينشط في صفوف الناس التفكير بضرورة قيام دولة دينية، اي التفكير بضرورة ان تكون علاقة الانسان بالتعاليم الدينية غير اختيارية، بل تطبق ويعاقب على عصيانها.
وفي العراق لم يكن تيار الاسلام السياسي واضح المعالم عندما كانت مصر ودول اسلامية اخرى تعيش مخاض نمو هذا التيار، قد يكون ذلك الى ان الغالبية الشيعية تأخرت في افراز هذا التيار. لكنه ومنذ مطلع ستينيات القرن العشرين بدأ يشهد مخاض ولادة التيار الديني المسيس، بفعل التأثر بتجربة الاخوان المسلمين في مصر والشام، وكرد فعل على نمو الشيوعية ودعوتها الصريحة الى التخلي عن الدين بكل تفاصيله وتبني اطروحة وضعية تدعيها الماركسية في نفسها.
ولست هنا بصدد اثبات التاريخ الدقيق لنمو التيار الاسلامي بقدر سعيي لاثبات ان التيار الاصولي جاء في اطار اندفاعة ايدلوجية بشعة الملامح شملت العالم العربي والاسلامي، فهو جزء منها ومنتم اليها ولا يختلف عن بقية نماذجها. فالتيارات الدينية والقومية واليسارية وحتى الليبرالية "المتأدلجة" ما هي الا وجوه من مكعب واحد.
ولما فقدت الرؤية الشمولية القومية واليسارية رونقها في العراق بفعل انها اصبحت ملاصقة لعهود الفشل لجأ العراقيون، كما عودونا في تنقلاتهم بين المتناقضات، الى الاسلام السياسي ليسد لهم حاجتهم من الشعارات الكبرى والمقولات العريضة.
فما كان من العراقيين الا ان يعالجوا انفسهم من الداء بالداء نفسه، وتحرروا من ايدلوجيا ليقعوا من جديد في براثن ايدلوجيا اخرى، ظنا منهم ان المشكلة تكمن في المضمون، في حين ان المشكلة نابعة ايضا من المنهج. فالتصنيف، وهو اهم امثلة المنهج، بقي يشير الى ثنائيتين، مؤمن وكافر بعد كان "رجعي تقدمي". ما اختلف هو المسميات وبقيت الاليات. فالاسلاميون، مهما ادعوا لانفسهم، هم امتداد لسلسلة مترابطة من التحولات الايدلوجية في العراق. وتبنيهم كسواهم لرؤية شمولية تتحكم بكل تفاصيل اللحظة يجعلهم عاجزين، كغيرهم، عن ايجاد تحول حقيقي يمس نقطة التفكير الاساسية التي يجب ان تتغير.
فربما يوجد بين الاسلاميين من اذعن الى الديمقراطية كطريقة لتناقل السلطة، لكن لا يوجد الا القلائل منهم ممن آمن بضرورة عدم وجود فوارق بين العراقيين، وضرورة احترام خصويات الفرد وعدم التطفل على وجدانه او سلوكه او افكاره بالطريقة الفجة التي تؤمن بها مجتمع الحركات الدينية. فهم مهما سلموا بالحريات بالقدر النظري المنصوص عليه دستوريا لن يكونوا قادرين على التعاطي مع تلك النظرية كاستراتيجية يؤمنون بها، فهي تتعارض مع الشريعة التي يسعون الى تطبيقها بالمطلق. وينتظرون منها ومن ارادة الاغلبية ان تقدم لهم مشروعية هذا الفعل. اذن هؤلاء جزء من مشكلة اليوم وليسوا كل المشكلة.
هناك صنف آخر ابشع واخطر واقسى من اولئك الذين اجبرتهم ظروف الواقع العالمي الجديد على التسليم ببعض منجزات الدولة المدنية الحديثة. ذلك الصنف الاخر هو تنظيم القاعدة وامثاله ممن لا يؤمنون باقل تفاصيل المنجز الحضاري المعاصر حالمين بعودة عصر الدولة القرية. ان لهؤلاء "شرف السبق" بادخال العراق الى المرحلة الرابعة من عصر الايدلوجيا، مرحلة الموت الماضوي، المنتمي الى حضارة السيف، والكارثة ان بعضها استخدم الحداثة لتسهيل عملية الموت في اكبر عدد ممكن من الناس. فقد خلط المجاهدون بين سوء الماضي وبشاعة صوره (اللحى، الملابس القصيرة، الوجوه العابسة، المصطلحات المرعبة، قطع الرقاب) وبين مجموعة اشياء هي من اخطر مكتشفات الحضارة الحديثة (التي ان تي، والاسلحة النارية، ومن يدري قد تستخدم في المستقبل الاسلحة السامة).
وفي ظل هذه العودة الى الماضي السحيق يبرز تيار ديني اخر تسببت بوجوده العقلية السلفية للقاعدة، انه تيار الاندفاعة الطائفية السنية والشيعية. فبعد ان اخذت هذه الاندفاعة صورا خجولة وغير معلنة ومغلفة بتصورات غير دينية عبر مرحلتي حزب البعث وصدام، فانها وبسبب خطاب تنظيم القاعدة كشفت عن نفسها بصراحة، والمفارقة ان الناس استجابوا لهذا التحدي الطائفي بسهولة والتفوا حوله لانه كان يسكن لا شعورهم بعد عقود من طائفية الدولة والحزب.
من هنا فان مخاطر الايدلوجيا مازالت، بقت، ولم تنتهي، انها تعيد ذاتها عبر تغيير مضامينها. فالايدلوجيا حية اكثر من حياة المواطن لانها تمثل بالنسبة اليه جهاز التنفس الذي لم يسع اي مشروع سياسي لاقناع العراقيين بعدم وجود حاجة له. الايدلوجيا الجديدة، في سياق الانحطاط المستمر للعراق منذ اكثر من خمسين عاما، اصبحت تثير الموت بطريقة غير مسبوقة كما في نموذج تنظيم القاعدة، وهي عمقت من روح الصراع الطائفي المخفي كحالة جماعات العنف المذهبي، وهي تمنع، بطريقة واخرى، تدعيم كامل لاسس حقوق الانسان وبناء الحريات المدنية دستوريا من خلال هيمنتها على الدولة. اذن نهاية عصر الدكتاتور لم ينهي المعاناة. استمرار الايدلوجيا وبقاء التشظي والفوضى دون لملمة واضحة وجريئة سيعيد الى الواجهة دكتاتورا.
فمهما قيل عن الاسلام ومهما سعى المتصوفة والروحانيون والاصلاحيون الى تقديم تفسير معقول له الا ان تيارات الاسلام تنهل من مكان مختلف تماما عن كل سعي المصلحين والروحانيين ودعاة السلام من داخل هذا الدين، انهم يخلطون السياسة بالدين بالسيف ليخرجوا بخطلة تتصف بوقاحة الساسة وبشاعة سلوكهم وبحد السيف وبشمولية التصورات الدينية وقيودها.
وياليت الاسلاميين، واقصد من تعرض الى اضطهاد الطاغية واكثرهم في السلطة الان، قد تعلموا من الدرس جيدا، وتحاشوا البحث عن مجد زائف وعن اندفاعة مخاطرها اكبر واشركوا اخرين عن قناعة وارادة في ادارة مصير شعب كامل بدلا من الانفراد الابله بهذا المصير. لكنهم بدأوا يقعون بمنزلق سواهم، وسيهوون في نهاية الطريق. ان الدرس يقول للجميع ان نهاية كل دم هي الدم ونهاية كل اكراه مزيد من الالم.
فالعراق بحاجة الى اعادة تأهيل وليس الى عمل سلطوي، انه بحاجة الى سلوك بشري وليس بحاجة الى مزيد من الاندفاعات الحيوانية المغطاة بفذلكات بشرية، انه بحاجة الى رفاهية اكثر من حاجته الى الافكار والمقولات العريضة، انه بحاجة الى من يخرجه من ظلمات الايدلوجيا وليس الى من يزيد من تفاهاته الايدلوجية، فالايدلوجيا سماوية ام ارضية ماهي الا مجرد وهم امام آلام امة تقاسي. ان العراقيين يحتاجون الى وطن.



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الخامسة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة الرابعة
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم..الحلقة الثالثة
- جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
- شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
- ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
- تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عمار السواد - جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم! ..الحلقة السادسة.. الدولة الدينية وثالث وجوه الايدلوجيا