الوطنية هي عطاء و تضحية في سبيل الوطن ، و مقارعة للظلم و الديكتاتورية على ارض الواقع و ليس بالصراخ و العويل و الشتم و الإقصاء ، نعم قدم الاخوة التركمان ( و خاصة الحركة الإسلامية التركمانية ) التضحيات في مقارعة الديكتاتورية و العنصرية ، جنبا إلى جنب مع أطياف العراقية الأخرى ، أما بقايا أحفاد جندرمة الدولة العثمانية ، فأين تضحياتهم و مقابرهم الجماعية ؟ ، أم يعتبرون سكوتهم و استسلامهم للنظام البائد وطنية ، كأنهم يريدون القول بان الذين قارعوا الديكتاتورية ليسوا بوطنيين ، ونقول لخلايا الميت التركي ، بان انتخابات كركوك و الموصل ليست مشكلة طورا نية ، ليتباكى عليها أوغلو و جقماقلو و غيرهم من أيتام و صبيان البعث من الجهلة و الأميين ، الذين يعتبرون أنفسهم مثقفين لمجرد معرفتهم الضرب على الكيبورت ، و يستغلون هذه الآلة ( التي لم يحلموا بها لو لا تواجدهم في الغربة ) لشتم والتطاول على شخصيات عراقية سياسية و أكاديمية و قانونية ، متصورين بتطاولهم على الهامات العالية ، يجعل منهم شخصيات مهمة و معروفة ، شعورا منهم بالنقص نتيجة أصولهم المعروفة .
أما الذين يؤمنون بصيغة الحكم المذهبي في العراق ، و المعمول به منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة إلى يومنا هذا ، من تلامذة ومريدي أفكار المذهبية والقومية للمرحوم ساطع الحصري ، يريدون عودة تركيا من حيث ذهبت ، بعد أن وقف شعبنا موقفا رائعا ضد التوجهات التي نادت بتوطين الفلسطينيين في العراق لأسباب معروفة ، إن الدعوة إلى اللعب بورقة سنية تركيا ، هي اخطر من تلك الدعوة التي طالبت بتوطين الفلسطينيين في العراق ، حيث تخرج شحنات المرارة من جوانح هؤلاء ، نتيجة الخوف من إعلان شيعة العراق ونتيجة الطرح الكردي للفدرالية ، لذا نجدهم يقدمون الذرائع لإقحام الدولية التركية في الشأن العراق المستقبلي ، ويقدمون الذرائع ويفتحون لها الأبواب ، يريدون بذلك قتل عصفورين بحجر واحد ، الهم الشيعي بحجة التخوف من الفرس ، والهم الكردي بذريعة الخوف من الدولة الكردية ، ويتجاوزون بذلك الكثير من الحقائق والثوابت الوطنية والقومية ، ويتناسون ترسبات سياسة الدولة التركية المليئة بالحقد و الكراهية على الآخرين ، ويقفزون على الأحداث والمستجدات العالمية التي تجاوزت طروحات هؤلاء ، و كنا نتصور بأنهم يجيدون قراءة الأحداث ، وسوف يعيدون النظر في مواقفهم ، وفق المتغيرات التي حصلت على مسار هذا الملف ، وخاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر وتداعياتها التي صنعت تاريخا آخر للعالم ، و كما قال أحد المفكرين : بأن عقود لا تصنع التاريخ ولكن هناك أيام تصنع عقود من التاريخ ، ساعتان هزت العالم تداعياتها هزت كل الثوابت السياسية و الترسبات التاريخية ، واصبح ذلك اليوم نقطة انطلاق لتؤرخ الأحداث بقبله أو بعده .
أن طرح البعض بالدعوة إلى إقامة علاقات متميزة مع الدولة تركيا هو من باب مصالح البعض ، و هذا الطرح يتناغم مع طرح بعض الدول الإقليمية ، التي تريد أن تربط مصير البلد بسيادة مذهب واحد و عنصر معين على حساب معاناة العراقيين ، وهذه الطروحات و المواقف تتعارض مع مصلحة الأكثرية من مكونات الشعب العراقي ، المطلوب التعامل مع هذه الجهات سلبا وإيجابا حسب مواقف هذه الجهة أو تلك من حقوق العراقيين ، وفق منظور عراقي وحسب واقع الحال وليس التصرف بعيدا عن الحقيقة ، لأن مستقبل العراق يحله العراقيون وفق ثوابت سياسية متفق عليها ، والذي نجد تبلوره على اكثر من صعيد بطريقة أو أخرى نتيجة تسارع الأحداث ، الدولة التركية لعبت دوما دورا تخريبيا ضد تطلعات بعض الأطياف العراقية كالعرب الشيعة والكورد و الآشوريين ، ولا يجهل هذه الحقيقة إلا من أراد بتجاهلها ، وخاصة بعد بروز مطامع الدولة التركية إلى العلن وفق تصريحات المسؤولين في الدولة التركية .
يريد البعض أن تقوم تركيا بنزهة و سفرة سياحية على ارض العراق ، وهي كدولة ترغب في ذلك نتيجة إفلاسها و رجوعها إلى دفاترها القديمة ، على الطورانيين أن يعيدوا قراءة التاريخ ، وليدركوا بأن سيرتنا في التضحيات بهاماتنا العالية و هممنا القوية ، أطول و اعمق من وجودنا في التاريخ ، و سوف نحرق الأرض تحت أقدامهم لا على ارض العراق فقط بل في عقر دارهم ، لأننا لا نعيش عصر سايكس بيكو أو عصر الدولة العثمانية ، والبشرية في عالمنا المعاصر ترفض قضم الأوطان بالمسطرة و الفرجال وتهميش الشعوب .
نحن لا نريد أن نتقوقع أ ونغلق الأبواب على أنفسنا ، لكن ما نقوله هناك استحقاقات يجب أن تدفع ، وان هناك دماء سالت وممارسات حصلت شاركت فيها أفراد و أطراف تحتاج إلى أجوبة مقنعة من هؤلاء . أما إعادة تقويم علاقات العراق الإقليمية ومنها دول الجوار ، لا تبنى على أسس نفعية أو مذهبية أو طائفية لان شعبنا يرفض الوصاية والهيمنة و التبعية ، ولا تصبح علاقات العراق الإقليمية هادئة ومستقرة إلا بإزالة الكثير من الالتباسات ، ذات التشعبات الغريبة و الممارسات المريبة .
السياسة التركية متذبذبة بين رأسها الأوربي وجسدها الشرقي ، و محاولاتها القبض بكماشة العسكر على تطلعات شعوب الدولة التركية ، هذه الشعوب التي لها أروم وجذور في العراق وسوريا وإيران ، مثل العرب و الكرد والآشوريين والعلويين وغيرهم ، قد تؤدي إلى عدم استقرار أوضاعها على المدى القريب ، بسبب نهضة و وعي هذه الشعوب و كذلك بسبب اقتصادها المتهالك ، مع كل ذلك لا زال البعض من الطورانيين يعيشون أجواء وأحلام الدولة العثمانية ، ويطمعون في فرض الهيمنة و الوصاية على الآخرين ، كل هذه الأسباب و غيرها لا تؤدي إلى إقامة علاقات ( متميزة ) مع هذه الدولة في عراق الغد ، و يذكر أحد العروبيين بأن مقاومة العراقيين من أهلنا في الجنوب ويعني بهم الاخوة الشيعة للاحتلال البريطاني في مطلع القرن الماضي ، ويربطها بالحرب بين الجيش العثماني والجيش البريطاني ، ليسوق فكرة إقامة علاقات متميزة مع الدولة التركية ، العرب الشيعة لم يحاربوا الاحتلال البريطاني دفاعا عن الجيش العثماني ، بل كانوا يحاربون الجيش البريطاني المحتل وكانوا يرفضون بذلك الاستعمار الجديد ، مثلما كانوا يقاومون قبله الجيش العثماني الذي أذاقهم الأمرين خلال قرون ، أما الجانب التركي كان بالأساس في حالة حرب مع الإنكليز و طرفا فيه بانحيازها إلى الجانب الألماني ، فوجه المقارنة مختلف جدا .
أما موضوع انسحاب الجيش العثماني من الموصل بدون قتال ، حصل ذلك بسبب وقف إطلاق النار الذي أعلن بعد انتهاء حرب العالمية الأولى ، حيث كانت فلول الجيش العثماني المنسحبة أمام الجيش البريطاني في منطقة القيارة وحمام العليل حين الإعلان عن انتهاء الحرب ، و أصبحت هذه المنطقة خط هدنة بين الجيشين المحتلين للعراق ، ومن ثم انسحبت نهائيا من ( ولاية ) الموصل لخسارتها الحرب وحصول استفتاء في المنطقة ووفق ترتيبات واتفاقيات دولية ، و الدولة التركية لا زالت تجعل من انسحابها من ( ولاية ) الموصل ذريعة للتدخل في الشأن العراقي والترويج لمطامعها .
القيادات الكردية أعلنت لكافة أطراف العراقية والإقليمية والدولية أنها ليست مع الدولة الكردية ، رغم حقها في إقامة دولته على ارض وطنه ، وتوصل الشعب الكردي إلى قناعة العيش المشترك في العراق على أساس فيدرالي ، وهي واضحة وجلية في مناهج وأدبيات الأحزاب الكردية ، والشعب الكردي لم ينزل من المريخ بل عاش و يعيش على أرضه قبل مجيء الأتراك إلى المنطقة بآلاف السنين ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يحق للأتراك ما لا يحق للآخرين ، ومن نصب من أحفاد هولاكو و جنكيز خان و تيمور لنك و ملا نصر الدين ومن الغجر و الكيولية أوصياء على العراقيين ، فإذا لم يعجبهم التآخي العراقي ، فالطريق مفتوح أمامهم للذهاب إلى تركمستان أو أذربيجان و بالنسبة للآخرين إلى رومانيا موطن الأصلي للغجر ، أما نحن العراقيين بأطيافنا المتعددة من كلدان و آشوريين و تركمان و صابئة و من عرب و كورد مسيحيين ومسلمين ويزيديين شيعة و سنة ، سنبني عراقنا الجديد بسواعد أبنائه البررة و ما أكثرهم ، و نطهر أرضنا من أيتام البعث و صبيانه و من اللصوص و من الجبناء ، لذا نرجو من بعض الاخوة الكتاب ، أن يجعلوا سجالهم حول الشخصيات الدينية و السياسية و الأكاديمية ، اكثر حضارة و تقبلا للرأي الآخر و اكثر ديمقراطية و ذكر الحقائق دون تخوين و تجريح ، و هنا نستنكر ما تعرض له بعض اخوتنا المسيحيين من قتل ، وما يحصل من تجاوزات على دور عبادتهم و على معتقداتهم هنا أو هناك .
الدولة التركية توظف دائما مشكلة المياه و ولاية الموصل ، ومهما ادعت الدولة التركية حول ملف المياه ومهما مارست فهي من جانب واحد فهي تعد باطلة بموجب المعاهدات الدولية ، لأنها لا تستطيع تجاوز القانون الدولي حول توزيع المياه بين الدول المتشاطئة ، و دجلة و الفرات نهرين دوليين حسب القوانين الدولية المرعية ، ونحن العراقيين لدينا أيضا أوراق كثيرة وعديدة للضغط مع الجانب التركي ، منها على سبيل المثال لا الحصر أنبوب نقل النفط العراقي الذي ينقل النفط من العراق إلى ميناء جيهان التركي ، الذي يغذي الاقتصاد التركي القلق والذي يحتاج إلى مثل هذا المورد كثيرا ، ولنا رأي آخر حول التواجد التركي في العراق ، حيث يجب وقف ضخ النفط عن طريق ميناء جيهان التركي مستقبلا ، و إلغاء المعاهدة الأمنية التي أبرمها النظام السابق مع الدولة الطورانية ، و كذلك منع مشاركة الشركات التركية في أعمار العراق لماضيها المقيت في العراق ، و تدخلاتها غير المشروعة في شؤونه ، و ما نسوغه من الأمثلة هي لكي لا يمرر البعض أفكاره بهذه الذريعة أو تلك للوصول إلى غاياته .
أما المسار التاريخي للعلاقات العراقية التركية ، من المعروف بأن الخليفة العباسي المعتصم بالله ، جلب أعداد من الأتراك لاعتماده عليهم لكون والدته من أصول تركية ، و وظفهم في الجيش و في تصريف شؤون الدولة ، وسرعان ما تغلل هؤلاء في مفاصل الدولة العباسية وحينما قويت شكيمتهم ، تعاونوا مع الموجات الغازية من أرومهم من المغول و التتار ، و عرفنا من التاريخ ما حل بالبلاد والعباد من على يد هؤلاء الغزاة ، ومن ثم عملوا باتجاه تتريك الدين الحنيف ومن نتائجها كانت انبثاق الدولة العثمانية ، و من ثم عملوا باتجاه تتريك الدين الإسلامي الحنيف ، و لعدم وجود حضارة لديهم تولدت لدى الساسة الأتراك قديما و حديثا عقدة صنع حضارة خاصة بهم حتى و إن كانت بسرقة حضارة الآخرين بالقوة ، ناسين بأن القوة تكمن في الحضارة و تأتي منها ولا تولد الحضارة بالقوة ، وهذه الأسلوب وضعتهم في مواقف صعبة ومطبات و مغالطات تاريخية ، لا يمكنهم الخروج من أسرها بسهولة ، ومن خلال هذه العقلية يلغون الآخرين وينظرون إلى الشعوب بالدونية ، لذا ما نجده في تركيا وجود جيش له دولة وليست دولة لها جيش .
البعد القومي والإسلامي للعراق حاضر في ذهن العراقيين من الخطأ تجاوز ذلك ، وان كان البعض يعيشون الهاجس الإيراني إن لم يكن قصدهم الهاجس الشيعي ، ومع أخذنا هذه الهواجس بالنية الحسنة ، و نقول بان عاصمة الفرس كانت في المدائن وحينما وصل الدين الحنيف إلى العراق و بلاد فارس ، تقبلت شعوب المنطقة الدين الجديد ، وفي التاريخ الحديث شن النظام العراقي حرب ضد الجارة المسلمة ولمدة ثمانية سنوات ، حرب تدميرية بكل معنى الكلمة انتهكت فيها كل القيم الإنسانية ، وصفق القوميون العرب والخليجيون كثيرا ، وهلهلوا لقرب تحرير القدس و فلسطين ، بعد أن يتم تأمين البوابة الشرقية للامة عن طريق جثث و توابيت العراقيين ، وحينما وضعت الحرب أوزارها لملم الشعب الإيراني جراحه المثخنة بصمت ، و سرعان ما نسى هذا الشعب تلك الأيام الصعبة ، هنا لست بصدد الدفاع عن سياسة الدولة الإيرانية السابقة و اللاحقة ، التي نختلف معها جملة و تفصيلا ، ولكن ما اعنيه هو الشعب الإيراني الجار و المسلم ، الذي تربطنا معه علاقات ووشائج عديدة تجمع ولا تفرق ، وهناك مبررات منطقية تستوجب تمتين العلاقات العراقية و العربية مع الجار الشرقي قبل الجار الشمالي ، وهنا يجب أن يكون حاضرا في ذهننا احترام مشاعر اكبر شريحة من شرائح المجتمع العراقي على الإطلاق وهم الاخوة الشيعة ، و أكثرية الإيرانيين من نفس المذهب ، و أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا بصورة إيجابية وجود العتبات المقدسة الإسلامية وبالأخص الشيعية على ارض الرافدين ، بعكس الدولة التركية العلمانية التي لا تعترف بالدين ،هذه الأسباب كلها تؤدي إلى ضخ دماء جديدة في تعزيز العلاقات بين الشعبين العراقي و الإيراني ، والى تطوير المصالح والمنافع المشتركة بين البلدين نحو آفاق رحبة .
بعض الاخوة من العروبيين لا يتطرقون إلى الخلل الموجود في صيغة الحكم في الدولة العراقية منذ تأسيسها ، كأنها من المسلمات التي توضع في خانة الثوابت لا يجوز تجاوزها ، وحينما يجري تذكيرهم بوجود حيف مذهبي ضد الشيعة و ظلم عنصري ضد الأكراد و تجاوزات على أطياف عراقية أخرى ، يشيرون إلى شعارات عمومية عن الوحدة الوطنية ووجود مخاطر على الوطن ، ويتكلمون عن الاخوة و الديمقراطية و لكن حسب مفهومهم ، و جلهم يعلقون مشاكل العراق السابقة و اللاحقة على مشجب الطاغية و نظامه البائد دون صيغة الحكم ، متناسين بأن النظام المنهار في العراق وحكمه الفريد من نوعه في التاريخ القديم و الحديث ، هو من إفرازات صيغة الحكم والخلل المزمن الكامن في مفاصل الدولة العراقية منذ تأسيسها .
إن ما يطمع إليه العراقيون هو تحويل الدولة العراقية إلى دولة مؤسسات ، ووضع مرتكزات متينة لمستقبل الحكم ، و هذه مهمة كافة شرائح و أطياف الشعب العراقي ، و ذلك عن طريق تفعيل الحقوق والحريات والديمقراطية ونشر ثقافة قبول الآخر ، مع قناعتنا بأن هذه المرتكزات لا تتفق مع توجهات جيران العراق و بعض الدول الإقليمية و الدولية ، وكل منها تسوغ مبرراتها وأسبابها ومزاعمها التي لا تصب في خانة مصلحة الشعب العراقي ، لأنها بالأساس عارية عن الصحة و ناتجة عن مصالح ، أو هي نتيجة عن إرهاصات لأزمات داخلية تمر بها هذه الدول ، وبما إننا نؤمن بان إرادة الشعوب هي التي تصنع المعجزات ، فنعتبر شعبنا العراقي هو المعني أولا و أخيرا بصنع سعادته وتأمين مستقبله .