أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - رسالة في التسامح















المزيد.....

رسالة في التسامح


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 06:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من المعروف أن المسيحية نشأت في أحضان الإمبراطورية الرومانية، وقد شهد تاريخ هذه النشأة تصورات مغالية وأفكار متطرفة في تعصبها تدعو إلى اضطهاد الأديان الأخرى غير المسيحية والى استعمال القوة والقمع معها (خاصة في عهد القديس اوغسطين)، وبُرر ذلك بان إرغام الآخرين على اعتناق المسيحية يؤدي على الأقل إلى تعاليمهم، واستندت هذه الدعوى إلى نصوص من الانجيل، وخصوصاً إلى العبارة الواردة في إنجيل لوقا (اصحاح14 عبارة23 ) القائلة: "أرغموهم على الدخول compelle intrare " وتزايدت إجراءات وقوانين الاضطهاد بدخول القرون الوسطى، فقد اصدر الإمبراطور فريدش الثاني قراراً يقضي بإحراق المتهمين بالهرطقة من المسيحيين، وضد المسلمين واليهود. وقد أيد قرارات فريدش الثاني كل من البابا جريجوريوس التاسع (سنة1231 ) وانوسنت الرابع (سنة1252 ) وتولى تطبيق هذه الإجراءات "ديوان التفتيش inquisition " ابتداءً من أواخر القرن الثاني عشر.
ولكن منذ منتصف القرن الخامس عشر بدأت تظهر بوادر التسامح to lerantia واخذ يرتفع صوتها ويشتد ساعدها بقيام الإصلاح الديني على يد مارتن لوتر (1483 – 1546 م) وكانت دعوته موجهة ضد البابا والكنيسة فقد قال لوتر: "ينبغي التغلب على الملحدين بواسطة الكتابة، لا بواسطة النار" أما قيام الفرق داخل المسيحية فهو في نظره أمر طبيعي. يقول في هذا: "لابد من قيام فرق (انشقاقات) ويجب أن تدخل كلمة الله ساحة القتال وتناضل…ولتجتمع النفوس مع بعضها ولتلتقي…حيث يوجد نزاع ومعركة، فلابد أن يسقط البعض وان يُجرح البعض الآخر" وهنا تجدر الإشارة إلى تعاظم اضطهاد الكنيسة الانجليكانية للمذاهب الأخرى ونشر روح التعصب من خلال مؤلفات كتابها، خاصة كتاب : "قول في السياسة الكنسية" لمؤلفه باركر (أسقف اكسفورد) ويصرح باركر بأنه قصد بهذا الكتاب لا أن يقنع "المخالفين" بفضائل العقيدة الانجليكانية، وانما تنبيه السلطات المدنية والروحية إلى الخطر الناجم عن وجود "المخالفين" لأنهم بحسب ادعائه " أسوء واخطر أعداء" لكل شكل من أشكال السلطة. لقد كان كتابه بمثابة إعلان حرب على كل من يخالفون الكنيسة الانجليكانية في العقيدة. وكان باركر يعتقد إن المَلكية تقوم على قرار من الله، ولهذا كان يقول إن القائمين بالأمر في الكنيسة والدولة اقدر على القوانين والسياسات من غيرهم. وعلى أساس هذا المبدأ – أي سلطة الملك المطلقة وخطورة المخالفين على النظام – دعت الأغلبية في البرلمان إلى الأخذ بمبدأ اضطهاد الآخرين وخصوصاً الكاثوليك. وقال توماس ادواردز وهو من أشدهم خصومة للتسامح: "إن الكتاب المقدس وشهادة رجال الإصلاح الديني – وهم بمثابة آباء جدد للكنيسة – يوافقون على العقاب البدني للهراطقة وعلماء الدين الزائفين" وخلاصة رأيه إن " التسامح هو اكبر خطة وضعها الشيطان" .
إزاء هذا التعصب الشديد ضد "المخالفين" انبرى بعض الكتاب للدفاع عنهم والدعوة إلى التسامح معهم، منهم الكاتب وليم بن في كتابه " معقولية التسامح سنة 1687 الذي يؤكد فيه: "إن روح الإنسان ليست في متناول سيف الحاكم" ولهذا لا يجوز مطلقاً استخدام الإكراه في شئون الإيمان لان القوة لا يمكن أن تضع نفسها محل تلك الأمور التي تتصل بعقل الإنسان.قد يفلح الإكراه في إيجاد نوع من التوافق الظاهري في ممارسة العبادات والنشاطات الدينية، لكنه يخلق منافقين – حسب تعبير وليم بن – في أمور الدين. والى جانب انجلتره كانت الدعوة إلى التسامح في هولنده وفرنسا في نفس الفترة مرفوعة اللواء قوية النداء، ففي سنة 1681 اصدر بيير بيل كتاباً بعنوان: "نقد عام لتاريخ الكلفانية" يقول فيه: " إن من الواضح إن الدين الحق، ايَّاً ما كان، لا يحق له أن يدعي أي امتياز يخولّ له العنف مع الديانات الأخرى، ولا يحق له أن يدعي إن الأفعال التي يرتكبها هو بريئة لكنها تكون جرائم إذا ارتكبها الاخرون، انه عدوان أكيد على حقوق الله أن يريد الإنسان إكراه الضمير".
نعود الآن إلى رسالة جون لوك في التسامح التي تعد بمثابة انقلاب جوهري مع أفكاره السابقة ضد التسامح، ويقال إن السبب في تغيير فكره باتجاه التسامح هو انه لما ترك انجلتره سنة 1645 وأقام بضعة اشهر في مدينة "كلف" الألمانية وكان يسودها تسامح ديني مدهش اثر تأثيرًا بالغاً في نفس لوك. وقد عبر عن هذا المعنى في رسالة إلى أحد أصدقاءه يُخبره فيها انه شاهد الناس يمارسون عبادتهم بحرية ويحتمل بعضهم البعض. يقول في الرسالة: "إن كل واحد منهم يسمح للآخر في هدوء أن يختار طريقه إلى السماء، ولم ألاحظ أي عداوة بينهم في أمور الدين…انهم يرونَّ آراء مختلفة دون أن يعتلج في نفوسهم أي بغض سري أو حقد". وبعد ذلك باثني عشر عاماً نجد لوك يسجل ملاحظات عن التسامح في مذكرة بنفس العنوان ( أي التسامح) بتاريخ 1679 يسجل حججاً سيستعين بها حين يكتب " رسالة في التسامح". فيقول مثلاً: " ليس لأي إنسان السلطة في أن يفرض على إنسان آخر ما يجب عليه أن يؤمن به أو أن يفعله لأجل نجاة روحه هو، لان هذه المسالة شان خاص ولا يعني أي إنسان آخر.إن الله لم يمنح مثل هذه السلطة لأي إنسان، ولا لأية جماعة، ولا يمكن أي إنسان أن يعطيها لإنسان آخر فوقه إطلاقاً ". لقد استمر لوك يكتم انه مؤلف "رسالة في التسامح" حتى قبيل وفاته بوقت قصير حين صرح بهذا الامر في حاشية وصيته قبل وفاته بشهر واحد (توفي سنة1689 ) وقد طبعت الرسالة في مدينة" خودا" الهولندية سنة 1689 (أي في حياة لوك) مترجمة عن النص اللاتيني إلى اللغة الإنجليزية ولقيت هذه الترجمة رواجا هائلاً فنفدت في شهور قليلة فأعاد الناشر طبعها سنة 1690 وقد أفادنا المترجم الموسوعي الدكتور عبد الرحمن بدوي (مترجم الرسالة عن النص اللاتيني إلى العربية/1987 ) في صياغة الأفكار الرئيسية في الرسالة على النحو التالي:
1-لابد من التمييز بين مهمة الحكومة المدنية، وبين مهمة السلطة الدينية، واعتبار الحدود بينهما ثابتة لا تقبل أي تغيير.
2-رعاية نجاة روح كل إنسان هي أمرٌ موكول إليه هو وحده، ولا يمكن أن يعهد بها إلى أي سلطة مدنية أو دينية.
3-لكل إنسان السلطة العليا المطلقة في الحكم لنفسه في أمور الدين.
4-حرية الضمير حق طبيعي لكل إنسان.
5-التجاء رجال الدين إلى السلطة المدنية في أمور الدين إنما يكشف عن أطماعهم هم في السيطرة الدنيوية. وهم بهذا يؤازرون من نوازع الطغيان عند الحاكم. والمشاهد على مدى التاريخ إن تحالف الحاكم مع رجال الدين كان دائماً لصالح طغيان الحاكم فهو الأقدر على التأثير فيهم، وليسوا هم قادرين على تقويمه وردّه إلى السبيل القويم إن جنح إلى الظلم والاستبداد.
6-لا ينبغي للحاكم أن يتسامح مع الآراء التي تتنافى مع المجتمع الإنساني أو مع تلك القواعد الأخلاقية الضرورية للمحافظة على المجتمع المدني.
7-يستثني لوك من التسامح تلك الفِرق أو المذاهب الدينية التي تدين بالولاء لأمير أجنبي، لكن لا لاسباب دينية، بل لاسباب سياسية.
8-يجب ألا تُتهم المذاهب المخالفة للمذهب السائد في الدولة بأنها بؤر لتفريخ الفتن وألوان العصيان. إن هذه التهمة لن تكون لها أي مبرر إذا ما قام التسامح، فان السبب في وجود دواعي الفتنة عند المخالفين هو ما يعانونه من اضطهاد من جانب المذهب السائد. ولهذا فانه متى ما زال الاضطهاد واستقرّ التسامح معهم، زالت أسباب النوازع إلى الفتنة والعصيان.
9- ومن أسباب التآمر والفتن استبداد الحاكم ومحاباته لاتباعه ولبني دينه، لهذا يرى لوك أن من حق الأفراد أن يستخدموا القوة في الدفاع عن أنفسهم ضد السلطة الظالمة.
إننا في المجتمع العراقي رزحنا طويلاً ( وما زلنا) تحت طائلة تاريخ مرير ومروع، تتجذر في داخلنا ثقافة التعصب والإكراه. ما أحوجنا الآن في لحظاتنا العصيبة هذه أن ننتزع أنفسنا من هذا التاريخ المفزع ونندرج في ثقافة التسامح، نستوعبها ونتشبع بها ونستشرف آفاقها، نأخذ بدعوتها الحارة إلى حرية الضمير بوصفها حقاً طبيعياً لكل إنسان، إن حاجتنا ماسة إلى تحقيق هذه الدعوة بالفعل، لا بمجرد القول وبهذا التحقيق فقط يمكننا أن ندمر قواعد العنف والقهر وان نغادر تاريخ الآلام والقسوة والفواجع إلى الأبد، وبذا نصحح مسار تاريخنا وندخل أسوة بشعوب العالم المتحضر تاريخ المسرات والعقل والازدهار والسلام الاجتماعي.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اجل قراءة معرفية للتراث
- ماذا نفعل مع ثقافة العولمة
- مذهب للكراهية...مذهب للتسامح
- جدلية الثقافي والسياسي
- الجدل روح الثقافة
- الدستور من الطائفية الى العلمنة
- الفضاءات الطوباوية وهدر الدم
- بغداد بين الشريعة والحكمة
- الاسلام المتنور وثقافة العنف
- الذكرى السنوية السابعة لرحيل البياتي
- كيف يمكن ان نعيش سويا ومختلفين
- البياتي شاعر الحب واللِّماذات
- الحركات المطرودة من التاريخ
- اسئلة المثقف الاشكالي
- مسكويه فيلسوف الادباء
- الاكراه والاختيار في الخطاب الاسلامي
- الذكرى المئوية السادسة لرحيل العلامة ابن خلدون
- للعقل وقت وللخوف وقت
- الاسلام والفكر المعاصرحوار مع المفكر محمد أركون
- التسامح وقبول الاخر


المزيد.....




- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...
- قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - رسالة في التسامح