أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-35















المزيد.....


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-35


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1717 - 2006 / 10 / 28 - 09:45
المحور: القضية الكردية
    


1 ـ القضية الكردية في تركيا والحل الديمقراطي
إن البحث عن الأسباب التي جعلت القضية الكردية تتفاقم، وطرح حلها ضمن منطق تكوين وتطوير العلاقات الكردية ــ التركية هو المنهج الأصح، بينما الحل نفسه هو نتيجة، ويمكننا التحدث عن منهج علمي عند تحديد الخطوط الأساسية للمصادر التاريخية وللظواهر التي تستند إليها القضية وكيفية تطورها من أجل نجاح الحل، ولنكتفي بالتذكير ببعض الخصائص المتعلقة بالمسار، لأننا شرحناها مطولاً في الأقسام المعنية.
أ ـ عصر الإمارات الإقطاعية والسلطنة: إن هذه المرحلة التي بدأت بموجات السلاطين السلاجقة الكبار وأعراق أوغوز في القرن الحادي عشر، قد تميزت بالحكم الوفاقي أكثر من الصراع، واتخذ التحالف الإسلامي التقليدي أساساً لهذه المرحلة ضد الإمبراطورية البيزنطية، لقد اعترفت الإمارات التركية والكردية ببعضها البعض واحترمت حقوق بعضها، كما لعب عقد تحالفات فيما بينها في عدة حروب وفي مقدمتها حرب ملاذكرد،دوراً مصيرياً في تحقيق النتائج، وفي حين قويت الإمارات والسلطنات التركية من الناحية العسكرية والسياسية، كان الكرد متفوقين من الناحية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وكانت الثقافة الكردية تقوم بتذويب وصهر الثقافات الأخرى بشكل عام، وكانت المشاكل القائمة ناتجة عن القتال الدائر بين الإمارات والسلطنات التي كانت موجودة في كل مكان في القرون الوسطى من أجل تحقيق الهيمنة، ولا تتضمن أية جوانب أثنية أو قومية واعية في القتال على الأغلب، وكانت التناحرات الملكية والسياسية والعسكرية تدور بين الطبقات الحاكمة، ولذلك فإن البحث عن قضايا أثنية أو قومية في العلاقات الكردية التركية في تلك المرحلة لم يكن له أي معنى هام.
انتظمت العلاقات واكتسبت مكانة في مرحلة نظام السلطنة العثمانية، فقد استمرت هذه المكانة التي كانت تعتمد على الاعتراف بحرية الإمارات الكردية في شؤونها الداخلية وعلى شكل حكومات يرثها الابن من أبيه حتى القرن التاسع عشر، كما يمكن رؤية أكبر الأوضاع تطوراً ضمن بنية الإمبراطورية، ارتباطاً بكثير من فرمانات السلاطين الذين كانوا يقيّمون هذه العلاقة على المستوى الاستراتيجي، فالعلاقات مع الكرد التي كانت تأخذ طابعا رسميا من خلال مصطلحات أسسوها بأنفسهم مثل مقاطعة كردستان وحكوماتها وإماراتها، حيث كانت كلها تحمل صفة مميزة، فدور البقعة الجغرافية التي تقطنها العشائر والأقوام الكردية بكثافة، والأهمية التي تحملها هذه البقعة بالنسبة للسيادة على الشرق الأوسط، تعتبر من الأسباب الأساسية لهذا الواقع، فمن المؤكد أنه لا يمكن التفوق على الإقطاعيين الإيرانيين وإقطاعيي شبه الجزيرة دون الوفاق مع الإمارات الكردية، وكان السلاطين العثمانيون يدركون عمق هذه الحقيقة تماماً، وقد قيمت الإمارات الكردية هذه الحاجة الاستراتيجية بشكل جيد وبنت أقوى الإمارات ضمن الإمبراطورية، بحيث أصبح الحكم الذاتي الكردي يحظى بمكانة نموذجية للعصر الإقطاعي، وكان أحد أنواع طرق الحل.
إن امتداد تأثير الاستعمار الأوروبي إلى الشرق الأوسط اعتباراً من بداية القرن التاسع عشر قد زعزع هذه المكانة في العلاقات الكردية التركية، فقد نما تيار خطير على شكل تجريد الكرد واستخدامهم كورقة في سياسات الدول الرأسمالية الاستعمارية البارزة، وفي مقدمتها بريطانيا التي تبنت الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط، وحماية السلطنة ضد التوسع الروسي، وقد لعبت بريطانيا دوراً خطيراً جداً بممارسة سياسة "فرق ـ تسد" التي ليس لها أي مكان في أية قاعدة أخلاقية، إن اللعب بجميع القوى من أجل النفوذ كان السبب الحقيقي للمجازر، فقد تم إفساد السلام العثماني الذي كان سائداً منذ قرون بشكل أو بآخر، وبدأت المرحلة التي أخذت فيها الأقوام تنهش بعضها البعض، واحتلت القومية المعتمدة على الاستعمار الرأسمالي مكانتها في التاريخ كعصر التشتت والاقتتال، ويجب تناول هذا العصر كمرحلة أساسية والتي فيها ولدت وتطورت المشاكل في العلاقات الكردية ـ التركية.
ب ـ مرحلة القومية والتمرد والتنكيل: تعتبر هذه المرحلة التي أطلقتها الرأسمالية الاستعمارية، المرحلة التي ولدت فيها القضية الكردية وتصاعدت بمعناها المعاصر، أما المنطق الذي يكمن وراء ذلك فهو، استخدام الكرد كشبح في هذه المرحلة من أجل تحقيق ارتباط الأقليات المسيحية، واستخدام التمردات الكردية التي لعبت فيها دور المؤهب بالذات من أجل فرض التبعية على الأتراك ومن ثم الإيرانيين والعرب، وتمت محاولة استخدم الكرد كحقل تجارب وأداة تحريض، حيث لم يكن للرأسماليين أية نوايا تتعلق بأية مهمة حضارية، وكانت بريطانيا قائمة على رأس هذه السياسات، ولم تتوقف الدول الرأسمالية الاستعمارية الأخرى عن مواصلة هذه السياسات وجعلها أساساً لها، ان السياسة الكردية للرأسمالية الامبريالية التي التزمت بها ولا تزال أدت إلى عيش شعوب الشرق الأوسط عامة، والشعب الكردي خاصة في أسوأ مرحلة دمار في تاريخها، إن المفهوم القومي البرجوازي الذي هو جزء لا يتجزأ من هذه السياسة قد لعب دوراً سلبياً جداً لاعتماده على سياسة فرق ـ تسد، فبينما لعب هذا المفهوم دوراً إيديولوجياً أساسياً في تكوين السوق واللغة والثقافة والدولة القومية في أوروبا، تحول إلى أداة لنهش وتناحر شعوب الشرق الأوسط فيما بينها، وكان للمفهوم القومي البرجوازي الدور الأساسي في انهيار الإمبراطورية العثمانية، بالإضافة إلى تمزق اللوحة الموزائيكية للشرق الأوسط، وانفراد وانعزال الشعوب بل وحتى إلى تمزق القومية الواحدة ذاتها كما نرى لدى الكرد والعرب، وبذلك تحولت الشعوب إلى طُعم سهل، كما أدى هذا المفهوم إلى تعميق القومية الإقليمية والقومية العرقية الصغيرة، وترسيخ التمزق وذلك بتأثير سياسة فرق ـ تسد.
إن المفهوم القومي التركي كان على رأس القوميات التي تصاعدت في المنطقة كرد فعل على تشتت الإمبراطورية العثمانية، فهذا المفهوم القومي الذي تصاعد على أساس تقدمي ولو بشكل محدود مع نامق كمال من أجل نظام المشروطية، تحول إلى مصطلح العثمانيين الجدد وإلى النزعة التركية مع جمعية الاتحاد والترقي في أواخر القرن التاسع عشر، وإلى النزعة الإسلامية من قبل السلطان عبد الحميد، أظهر نظام المشروطية القومية كإنجاز لها، وكانت تفتقر للجوهر الديمقراطي، وتخلت عن مزاعم الحرية والأخوة التي أطلقتها في البداية وتركت مكانها للديكتاتورية والعرقية، وقد انتهت الحرب العالمية الأولى التي تم خوضها بهذه السياسة، بتقسيم الإمبراطورية العثمانية.
إن المفهوم القومي الأتاتوركي في عصر الجمهورية، يختلف عن سواه، إنه ليس بمفهوم عنصري، ويجعل من جميع حضارات الأناضول مصدراً له ويحترمها، فاستخدام الجمهورية شعار "كم هو سعيد من يقول أنا تركي"، هو لرفع معنويات الشعب التركي ومستوى الوعي القومي لدى الشعب التركي الذي تعرض للازدراء من طرف العثمانيين، فهذا الشعار لا يهدف إلى توجه عنصري، بل إلى التحول القومي للشعب التركي الذي قلل السلاطين من شأنه طوال القرون الوسطى، وهناك فرق بين المفهوم القومي الأتاتوركي ومفهوم القومية التركية العنصري الذي نما فيما بعد.
إن المفهوم القومي التركي العنصري لعصر الجمهورية، أكثر تخلفاً من مفهوم الاتحاديين رغم اعتمادهم عليه، إن هذا المفهوم القومي للجمهورية الذي تحول إلى سياسة بعد عام 1960 ضد الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والنزوح من القرى إلى المدن، وازدهار اليسار، قد أوجد نفسه في حزب الحركة القومية وجمعيات الكماليين، إن هذا المفهوم القومي انقسم إلى عدة تيارات وأصبح الآن شريكاً في الائتلاف الحكومي بعد أن لعب دوراً هاماً في تصفية اليسار، وإن تناقضه مع الحداثة الأتاتوركية، وعدم خضوعه للتحول الديمقراطي ومواصلته السلطة الفاشية، قد جعله يلعب دور العائق على أساس عنصري، بحيث لم يستطع المفهوم القومي الأتاتوركي القيام بالقفزة المطلوبة رغم أننا نرى أن جهوداً تبذل من أجل التجديد، وحزب الشعب الجمهوري يأتي في مقدمة من يحاول ذلك، ويرتبط مصير المفهوم القومي الأتاتوركي بتحقيق هذه القفزة نحو التحول الديمقراطي.
هناك من أراد تطوير العثمانية التقليدية بتيار التركيب التركي الإسلامي، هذا التيار الذي استند على الازدهار السياسي للإسلام وأخذ شكلاً على أساس التيار الليبرالي لبرجوازية الأناضول التي تطورت أكثر، ويحاول هذا التيار الذي يتمسك بالإسلام أكثر من العنصر التركي، والذي يحاول استمداد قوته من التيارات الإسلامية الموجودة في إيران والعالم العربي، يحاول أن يتطور على غرار الحزب الديمقراطي المسيحي في أوروبا.
يشهد معسكر السلطة التقليدية لبرجوازية تركيا الذي يدعي بالتحول الليبرالي والذي انسلخ عن حزب الشعب الجمهوري، مرحلة الانهيار من تجارب الحزب الديمقراطي وحزب العدالة وحزب الوطن الأم، حيث لم يتمكن هذا المعسكر من تقديم المثال الديمقراطي الصادق، والأمر الذي يجري التركيز عليه في يومنا هو، المحاولات التي تهدف إلى خلق معسكر الحزب الديمقراطي المركزي للبرجوازية، ويحاول مركز اليمين ومركز اليسار التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان من أحل سد هذا الفراغ.
إن الأزمة المتعددة الجوانب التي دخلت تركيا فيها في أنحاء العالم، تظهر حالة التعقيد والمأزق الذي دخل فيه المفهوم القومي الذي ترك بصمته على تركيا في القرن الأخير، والتعقيد وعدم التوصل الى الحلول يكمن فيه. إن عدم إظهار المفهوم القومي الأتاتوركي تطوراً ديمقراطياً هو السبب الأساسي للتعقيد، رغم أنه لعب دوراً هاماً في تأسيس الجمهورية، كما يشهد الشرق الأوسط المرض والتعقيد نفسه، إن أوروبا التي فتحت أكثر مراحل القومية تقدماً، ووصلت إلى ذروة القومية العرقية بفاشية هتلر، تمكنت من دفن القومية في التاريخ وتعلي راية الديمقراطية، لتطبع هذه الميول الأساسية المتصاعدة في النصف الأخير من القرن العشرين بطابعها، لقد استفاد أتاتورك من القومية الغربية ولو بشكل محدود عندما كانت تقدمية، وبهذا المعنى فقد كان معاصراً، ولكن بعد تعريف الحداثة بالحضارة الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية، لم تستوعب الأنظمة التركية جوهر التطور الحضاري من هذا النوع، فحتى لو فهمته فإنها لم تؤمن به،لأنها تتناقض مع مصالحها، حيث رأت هذه الأنظمة أن إدارة الجمهورية بسلطة أوليغارشية ينسجم مع مصالحها، واعتقدت بان الديمقراطية الحديثة خطراً يهددها، مما يعني ابتعاد الجمهورية عن الحضارة الحديثة.
وهذا هو السبب الذي يكمن وراء الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها تركيا، فقد ظلت تركيا بعيدة عن التحول الديمقراطي، في حين أن سائر الدول الأوروبية المحطمة والمنهارة استطاعت الوصول إلى هذا المستوى بالنظام الديمقراطي، واعتقدت تركيا بأنها ستحقق إنطلاقة من خلال التستر خلف ديماغوجية ديمقراطية، واعتقدت أنها ستلعب وبالمكر القروي دور الحداثة وهكذا أغوت الجميع، كما لم تفهم النخبة السياسية جوهر الحداثة بالنسبة للجمهورية ولم تتردد عن استخدام ميراثها المحدود بطريقة سيئة إلى أن بدأت تشعر من جديد باصطدام تركيا بصخرة كبيرة، كان رد فعل الجيش على ذلك هو الأشراف الدائم على الهوية السياسية، ومنع الجمهورية من الخروج عن المسار، من خلال أربعة انقلابات عسكرية مهمة، وأقتصر دور الانقلابات على تأثيرات آنية لكونها لا تستند إلى برامج جادة، بل اتخاذها المقاييس التقليدية أساساً لها للحفاظ لها على الجمهورية، مما أدى إلى انطواء الجمهورية على نفسها، ووصولها الى وضع متزمّت. إن ما تشهده تركيا في نهاية القرن العشرين ليس أزمة اقتصادية، بل أزمة شاملة في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وهكذا فإن الخطوة التالية لهذا الوضع تكون الفوضى والتضخم المجنون، ولا مفر من أن تشهد ذلك في حال إصرارها على الماضي.
أدى المفهوم القومي الرجعي، والحركات اللاديمقراطية للأنظمة الأوليغارشية إلى توسع الهوة الموجودة بين تركيا والحضارة الديمقراطية الحديثة، وتشهد تركيا الآن نتائج هذه التناقضات على شكل أكبر أزمة دائمة في تاريخها، ونظراً لاستبداد النظام وانغلاقه على نفسه، عرقل التدخل حسب الظروف الداخلية، فمن المنتظر حدوث تدخل خارجي من أجل الحل، وهذا ما شهدناه كثيراً في التاريخ. يحاول صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي القيام بهذا التدخل، ولكن المخاوف التقليدية للدولة وبنيتها المنغلقة ضد الانفتاح الديمقراطي، تمنع التدخل الخارجي على نطاق واسع، ولذلك تظل تركيا عرضة لانفجار اجتماعي نتيجة للأزمة القائمة، بسبب امتناعها عن الالتزام بإمكانيات الحل الداخلية والخارجية، في الوقت الذي يشهد فيه المفهوم القومي التركي بشكل عام اكبر مأزق له، يواجه المفهوم القومي التركي العنصري الذي يبحث عن انطلاقة عبر الفاشية، عراقيل قوية على صعيدي الظروف الداخلية والخارجية، وتثور الفاشية وتغضب عندما لا تجد دعائم متينة لها من أجل ازدهارها واستلام السلطة، وتتعرض لطوق وخطورة خسارة القوة، تفرض الظروف الداخلية والخارجية على كلا المفهومين القوميين، ثنائية التحول أو الانسحاب، ويدرك الجيش أنه عاجز عن القيام بأشياء كثيرة من خلال الانقلابات، وإن استلامه السلطة كلياً من أجل برنامج إصلاحي شامل، لا يندرج بين الاحتمالات بسبب التحالفات الخارجية والظروف الداخلية، ولكن يمكن للجيش أن يقوم بتدخل واضح إذا ما تعرضت الجمهورية للتشتت، ناهيك عن أن الجيش يقوم بالإشراف على الوضع من خلال مجلس الأمن القومي الذي زاد دوره.
تناقش تركيا مشاكل التحول والتغيير الأكثر شمولية في تاريخها في ظل هذه الظروف، وهذا النقاش ينعكس على كل منطقة قاصية في تركيا، من خلال عملية الوساطة التي تقوم بها وسائل الإعلام، وهذا النقاش لا يشبه نقاش المثقف البيروقراطي الجامد قبل المشروطية، ولا يشبه انطلاقة الديمقراطيين في حزب الشعب الجمهوري بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنه يتجاوز نقاش يسار ويمين تركيا في السبعينيات، فالمرحلة التي وصل إليها النظام الاقتصادي والاجتماعي ووصول النظام السياسي إلى طريق مسدود، والشكل الذي وصلت إليه القضية الكردية، وعدم الانسجام مع العالم الخارجي، يلعب دوراً أساسياً في ذلك، ولا يؤمن أحد بتجاوز أو القضاء على الأزمة الاقتصادية من خلال تدابير عادية كما كان في الماضي، إن تدابير الحل التي يتم اتخاذها من طرف واحد لا يؤدي سوى إلى تفاقم الأزمة والمشاكل، وهذا يؤكد بأنه لم يتم تشخيص الوضع بطريقة صحيحة وكافية.
لقد تم الوصول إلى مرحلة الذروة في الإيديولوجية القومية، ولكن لا يمكن حل المشاكل من خلال هذه الإيديولوجية، بل أنها تزيدها تعقيداً وواقع الشرق الأوسط يؤكد هذه الحقيقة، كما تظهر الأزمة في تركيا الوضع العام للظروف الإمبريالية، وينبع التشابه الوضعي في الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا من هذا الوضع العام.
عندما ننظر إلى مثال تركيا وعن قرب يمكننا القول بأن الاقتصاد الرأسمالي لا يمكن أن يتطور بالنظام الحالي، بل يمكن أن يتراجع. كانت مرحلة قيام الجمهورية هي مرحلة تحقيق التراكم الرأسمالي، وحماية وولادة البرجوازية البيروقراطية بيد الدولة، وبذلك تم وضع أسس الرأسمالية، بينما كانت مرحلة الخمسينيات هي مرحلة تطوير ونشر الرأسمالية، حيث قامت الرأسمالية الزراعية في الريف والرأسمالية الصناعية في المدن بحملة في هذه المرحلة، وتم في مرحلة تراكم خاصة إلى جانب الرأسمالية البيروقراطية، وتقدمت الرأسمالية التجارية الصناعية إلى الأمام، وبدأت حملة الرأسمال المالي بعد الثمانينيات، وتم القيام بحملة في الصناعة والبديل الداخلي من خلال الانفتاح على الخارج، وقد وصلت الرأسمالية التركية إلى مرحلة معينة من خلال هذه الخطوات، ووصلت إلى وضع بدأت تنافس فيه الدول الأوروبية من الظروف التي يمكن تسميتها باقتصاديات العالم الثالث غير النامي، كان النقص هو عدم مواكبة بناء النظام السياسي لهذه البنية الاقتصادية في تركيا، حيث تصرفت بتردد حيال ذلك، وكانت القضية الكردية تشكل العائق الأساسي أمام ذلك.
وإذا تناولنا ذلك ارتباطاً بالتاريخ القريب نرى أنه هناك وضعاً مشابهاً عند تأسيس الجمهورية، فقد نسيت الجمهورية الكرد في الوقت الذي كانت تنظم فيه نفسها لأنها شعرت بالخوف منهم دائماً، ووافقتهم على النظام بينما بقيت بعيدة عن الحل. إن التمردات الكردية لم تقم على أساس الانفصال كما يتم الحديث عنها، وحتى التمردات الكردية التي استمرت طوال القرن التاسع عشر لم تكن تستهدف الانفصال عن النظام، ولكن بعد أن أبعد الكرد خارج النظام، وتفاقم المركزية لم تعط للكرد مكاناً، ليجد الكرد أنفسهم وقد فقدوا حكمهم الذاتي الواسع، ودون ان يكون لهم مكان في النظام المركزي الجديد، وعدم دعم الدول الكبرى الانفصال رغم تحريضها للأحداث في بعض الأحيان من أجل تكريس التبعية التركية لها، وتحول الوضع من سيئ الى أسوأ في عصر الجمهورية، اذ لم تقتصر خسارة الكرد على فقدانهم لحكمهم الذاتي وحسب، بل واجهوا إنكار وجودهم بالكامل، وطبعاً استغلت بعض الدول التي لها مصالحها وفي مقدمتها بريطانيا تمردات الكرد واتفقت بالنتيجة مع الكماليين، أما المرحلة التي تلت ذلك، فهي المرحلة التي تم ترك الكرد للتفسخ والنسيان، وتعرضوا للحظر، أما الجواب الذي تم تقديمه من خلال حزب العمال الكردستاني، فهو الحرب غير مكثفة في الربع الأخير من القرن العشرين.
في حين كان يجب على الجمهورية التي لم تشهد التحول الديمقراطي بذريعة التمرد الكردي عند إنشاءها، إكمال نظامها في التحول الديمقراطي الذي يعتبر من أهم مراحل الحداثة، فاعتقدت أنها ستحل المشكلة من خلال قمع الكرد نتيجة لخوفها من الانفصال، وجعلت تصفية القضية من الأولويات الهامة من خلال اتباع كل الأساليب الخاصة بطريقة هستيرية والنفير العام، فبعض المصادر تقول بأن تركيا رصدت مائة مليار دولار، بينما تقول مصادر أخرى أنها رصدت أربعمائة مليار دولار من أجل تحقيق هذا الهدف، وإن دخولها في الأزمة الاقتصادية الحالية وفقدان الساحة الاجتماعية لتوازنها العقلي، هو إفلاس تام للبنية السياسية، فقد انخفض دعم الجماهير للسلطة إلى أقل من عشرة بالمائة، ولم يستطع اقتصادها الذي ينتظر العالم انهياره في كل لحظة مواصلة نفسه ليوم واحد فقط لولا تدخل صندوق النقد الدولي، فقد وصلت إلى وضع لا يمكّنها من مواصلة نفسها كجمهورية لولا دعم أمريكا والاتحاد الأوروبي والمؤسسات التابعة لهما،هذا هو الموقع الذي وصلت إليه تركيا من خلال المفهوم القومي التركي، لم تستطع هذه الجمهورية إبادة كردها أو صهرهم بشكل كامل، بل يوجد واقع كردي شهد تحولاً ديمقراطياً بقيادة حزب العمال الكردستاني.
هناك محاولة الأقدام على خطوات للتوجه نحو المرحلة القادمة في هكذا واقع موضوعي، حيث يحاول مركز اليمين ومركز اليسار لم شملهما، والتحول إلى أحزاب، ولا يزال الموجودون منهم، أي الذين اصبحوا قدماءً، يواصلون ادعاءاتهم السابقة في حين دخلت الحكومة في وضع تلعب فيه بدقائق الوقت الضائع من المباراة، ويريد الشعب إحداث تغييرات جذرية على نطاق واسع ويؤيد الحضارة الديمقراطية بشكل قطعي، وأصبح الجيش بعيداً عن الانقلابات، كما لم تعترض التوازنات الموجودة على التحولات الجديدة في البنية الديمقراطية والعلمانية للجمهورية، ولن تكون في مواجهة الدولة صعوبات كثيرة، بينما يوجد حزب العمال الكردستاني في موقع الدفاع المشروع، وقد أتخذ موقفاً حاسماً حيال خيار الحل الديمقراطي.
يتضح من هذه اللوحة التي رسمناها أنه لا يمكن حل المشاكل من طرف واحد، بينما الحل الشامل والمتداخل هو ضرورة للمنطق، إن ترك إحدى زوايا المبنى فارغة عند إنشائه لا جدوى منه، وفي الوقت الذي يتم تعديل الدستور والقوانين يتم إبعاد الكرد وبذلك تترك الأرضية مهيأة لنشوب قتال جديد منذ الآن، حيث لا يزال المفهوم القومي العنصري يتلاعب بمصير تركيا ويربط مستقبلها بالمخاوف من جديد، ولهذا تتعمق الأزمة يوماً بيوم، لأن التجرد عن العالم والعزلة الداخلية تدفع بالجماهير إلى الانفجار.
تتعرض الجمهورية إلى تغييرات كبيرة في الأصل ويتم تجاوز الأسس القديمة بسرعة، وحب التجديد يكسب قوة مع كل يوم ويواجه الذين يعارضون التغيير رد فعل قوي، وكأنه لم يبق أحد إلا ويريد التغيير والتحول والوفاق، لكن تركيا خائفة من تاريخها القريب وخائفة من الجرائم التي اقترفتها بحق الكرد، كما تخاف من الجرائم التي اقترفتها بحق القوى الديمقراطية في المرحلة القريبة، وتخاف من المقاييس الديمقراطية، كما تخاف من الازدواجية التي طبقتها، ولكن كل هذه المخاوف تعمق الأزمة أكثر فأكثر، اذ ان الأزمة لم تكن ذات بعد واحد كما يجري الحديث عنها، بل هي أزمة سياسية أولاً، وأبعادها السياسية والنفسية والاجتماعية والمعنوية والاقتصادية متداخلة في بعضها بعضاً إلى أبعاد كبيرة، ووصلت إلى نقطة الحل الشامل أو التعقيد التام، ويجب على هذه المرحلة أن تكون مختلفة عن غيرها،لأنه بات من الواضح أنه لا يمكن حل المشاكل من خلال القمع والانقلابات، اذ لا تتوفر الإمكانيات لهذا الأمر في الوقت الحالي، وما من مشكلة يمكن حلها بالمفهوم القومي، فلا وجود ليسار كي يُقمع، أو حركة كردية في حالة حرب كي تُقمع، فضد من سيحارب المفهوم القومي..؟ كل الجيران يريدون الصداقة، والشعب لا يؤيد العنف بل تخلى عنه وينبذه ويهدد بانفجار اجتماعي في حال ازدياد الضغط عليه أكثر من هذا.
إن كل هذا يعني أن تاريخ تركيا يشهد مرحلة لم يبق فيها أرضية مادية للمفهوم القومي والتمرد والتنكيل، وأنها قد أكملت وظيفتها وجاءت نهاية مرحلة القومية والتمرد والتنكيل، فحتى ولو لم يرغب البعض، بذلك فإن القومية الحاكمة، قد دخلت في مرحلة لا يمكن أن تلعب فيها أي دور حتى ولو كانت من دعاة اليسارية القديمة أو الإسلام السياسي، وتدخل تركيا في مرحلة جديدة حتى لو كانت تعاني من بعض النقص من ناحية الجاهزية الإيديولوجية والسياسية، والجماهير الشعبية تتلهف للمرحلة الجديدة، وستشهد الدولة وضعاً مميتاً إذا لم تتوجه نحو التغيير، وسترسب في صفها إذا لم تنجح في المرحلة السياسية الجديدة، على الصعيد الإيديولوجي والسياسي والمعنوي، إذا كانت هناك رغبة في تجنب حدوث انفجار اجتماعي يجب الدخول في المرحلة الجديدة، لان الخطر يتعاظم مع مرور كل يوم، فالاقتصاد لم يتخلص من الأزمة، بل لا مفر من تفاقمها إذا لم يتم تحقيق إعادة البناء، بينما ظروف المرحلة الجديدة تزيد من أبعاد الأزمة السياسية والنفسية والاجتماعية مهما تم الحقن بالدولارات، بل ستكون المرحلة الجديدة هي المرحلة التي يتم فيها تجاوز كل هذه المشاكل المتشابكة من خلال التغيير والتحول من الناحية الذهنية وإعادة البناء، لتكون مرحلة الجمهورية التي أعيد بناؤها، كدولة ديمقراطية وعلمانية وحقوقية، وهي المرحلة التي لا يمكن فيها إبعاد القضية الكردية والتوجه نحو الحل على أساس الوحدة الديمقراطية.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...


المزيد.....




- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...
- ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا ...
- بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
- مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا ...
- إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
- مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
- مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري ...
- لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
- مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-35