|
جدلية الفكر والتكفير
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 7611 - 2023 / 5 / 14 - 01:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى الواقع أن مسألة جدلية الفكر والتكفير مسألة شائكة، ومعقدة، وقديمة، قدم الإسلام وليست مسألة مستحدثة، كما يظن البعض. فنحن أمام إشكالية شدية الحساسية والتعقيد. خاصة فيما يترتب على هذه الاشكالية التكفيرية من قتل وتدمير، بل وحرق، وذبح، وما يستتبع ذلك من استحلال الأموال، والأعراض، والبيع فى سوق النخاسة، كما رأينا من أحداث جد مؤسفة ارتكبتها التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا. والسؤال الذى يطرح نفسه دائما، لماذا التمحور حول مسألة التكفير؟ والجواب بكل بساطة ووضوح.. أن مسألة التكفير هي في الواقع مسألة جد خطيرة؛ حيث يستتبعها احكام خطيرة فى الشريعة الإسلامية. فليس صحيحا على الإطلاق، ان هناك فرق بين التكفير وبين التعايش السلمى والمعاملات، فهذا كلام عار تماما من الصحة، وهذا القول هو مراوغة ومحاولة لطمس الحقيقة. فالتكفير يستتبعه القتل والتدمير والذبح واستحلال الأموال والأعراض. حيث إن التكفير سلاح خطير تستخدمة التنظيمات الإرهابية فى مواجهة الفكر الحر، فالتكفير اغتيال معنوي للفكر كما أن القتل اغتيال مادي للمفكرين. حكم الكافر والمرتد: فالكافر ( المرتد ) عند ابن تيمية .. يُقتل بكل حال لا يضرب عليه جزية، ولا تعقد له ذمة، ويقتل ولو كان عاجزا عن القتال، ولا يرث ، ولا يناكح ، ولا تؤكل ذبيحته ، والكافر المعاهد يعفى من ذلك مدة العهد (مجموع الفتاوى لإبن تيمية.( والكفر والارتداد عند ابن رجب الحنبلى هو من سب الله ورسوله.. وهنا علامة استفهام على معنى السب وكيفية تحديده ، خاصة وأنه مقر بالشهادتين، فكيف يمكن أن يباح دمه كما حدث مع الدكتور فرج فودة ونجيب محفوظ ونصر حامد ابو زيد وغيرهم من الكتاب والمفكرين، الذين كفروا وابيح دمهم وحرمت عليهم زوجاتهم. فالقتل هو النتيجة الحتمية والطبيعية للتكفير.. فتكفير الحاكم يستتبع الخروج عليه ومن ثم الفوضى والقتل، وتكفير الفرد يستتبعه القتل، وتكفير المجتمع يستتبع اعتزاله، وهنا يتم تقسيم الدول والمجتمعات إلى دار الحرب (دار الكفر) ودار الإسلام. إذن مسألة الكفر والتكفير مسألة غاية فى الخطورة لما يترتب عليها من نتائج، وليس صحيح انها مسألة فقهية خاصة، وان التكفير شئ والتعايش السلمى شئ آخر. وهناك من يرجع مسألة التكفير الى الفكر القطبى نسبة الى سيد قطب المنظر الأول للإخوان المسلمين. وكذلك فكر البنا حيث صدر كتاب “رسائل التكفير فى فكر حسن البنا” للباحث بشئون الحركات الإسلامية الأستاذ سامح عيد، حيث يذهب البنا فى احدى رسائله للشباب إلى القول: ” نحن لا نعترف بأى نظام حكومى، ولا بهذه الأشكال التقليدية التى ارغمنا عليها اهل الكفر واعداء الاسلام على الحكم بها والعمل عليها”. ويلتقى معه سيد قطب على نفس التوجه، فيرى أن الأنظمة التى تستبعد شرع الله انظمة جاهلية، لا تعايش معها، ولا لقاء معها، ولا مداهنتها، بل يجب اعلان الحرب عليها، وتغييرها، ومفاصلتها، واعتزالها شعوريا، أى كرهها والبراءة منها، إذن كلا الرجلين يذهبان الى تبنى فكرة الجاهلية، وهو ما شار اليه ايضا محمد قضب شقيق سيد قطب، فى كتابه ” جاهلية القرن العشرين” . وهى جاهلية اشد من الجاهلية الأولى، باعتبار أن الجاهلية الأولى بدائية وبسيطة وساذجة.. واذا كان الرسول محمد قد حارب الجاهلية الأولى فإن الواجب الشرعى يحتم علينا محاربة هذه الجاهلية حتى تكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، والقضاء على حكم الجاهلية حتى لا يكون الحكم الا لله، وإذا كان علماء الإسلام قبل الإخوان قد فشلوا فى مهمتهم الشرعية تجاه الدين فليقم الإخوان بهذه المهمة المقدسة” من هنا تم نقل مسألة الحاكمية (الجاهلية) من السلوك إلى الاعتقاد، ومن ثم الربط بين الكفر والحاكمية أى الانتقال من السياسة إلى الفقه والعقيدة، ففى فكر سيد قطب أن الإسلام إما أن يؤخذ ككل أو يترك ككل، ومن ثم تم اعادة غرس فك التكفير فى الفكر السنى من جديد. والذى تمثل فى تكفير المجتمع ، وتكفير الدولة، وتكفير الأفراد ، ووصل الأمر إلى اقصاه مع فكر شكرى مصطفى امير جماعة التكفير والهجرة والتى اغتالت وزير الأوقاف الشيخ الذهبى وصل بهم الأمر إلى اعتزال المجتمع اعتزالا كاملا فحرم العمل فى الدولة الكافرة أوالزواج من الكفار، فيما ظلت الجماعات الأقل تطرفا يعيشون فى عزلة شعورية عن المجتمع انهم يعيشون فى جيتو حقيقى داخ المجتمع من خلال العزلة الشعورية والارتباط الافتصادى والسياسى. نخلص من هذا العرض انه لايمكن ارجاع هذا الفكر التكفيرى إلى مفكر بعينه، أو إلى عصر أو زمن محدد، وانما هى اشكالية قديمة ترجع الى العصور الأولى من الإسلام وبالتحديد فى اعوام 36، 37، 38ه. وهى اعوام وقعت فيها ثلاث حروب شهيرة تبلور من خلالها الفكر التكفيرى وكان لها عظيم الأثر فى تشكيل الفكر الإسلامى بصفة، عامة، وهى موقعة الجمل، وموقعة صفين، وموقعة النهروان. اولا: موقعة الجمل 36ه: وقعت بين قوات امير المؤمنين على بن طالب وجيش يقودة الصحابيان عبد الله بن الزبير وطلحة بن عبيد الله، بالاضافة إلى ام المؤمنين عائشة التى ذهبت الى المعركة فى هودج من حديد على ظهر جمل ولهذا سميت موقعة الجمل. وقد قتل من الطرفين سبعة عشر الفا وقتل طلحة والزبير ورجعت عائشة الى مكة. سبب الخروج من وجهة نظر السنة يرو أن علي بن أبي طالب لم يكن قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان مع علمه بأعيانهم، لأنهم سيطروا على مقاليد الأمور في المدينة النبوية، وشكلوا فئة قوية ومسلحة كان من الصعب القضاء عليها. لذلك فضل الانتظار ليتحين الفرصة المناسبة للقصاص، ولكن بعض الصحابة وعلى رأسهم طلحة والزبير رفضوا هذا التباطؤ في تنفيذ القصاص، ومن ثم خرج طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة واتفق رأيهم على الخروج ليس بغرض القتال، وإنما القبض على قتلة عثمان. سبب الخروج من وجهة نظر الشيعة لم يكن الإمام قادرا على تنفيذ القصاص فى قتلة عثمان، كما يفسر الشيعة خروج طلحة والزبير بأنهما بايعا الإمام طمعا في منصب ولم ينالاه لذلك خرجا عليه واتخذا من القصاص لمقتل عثمان حجة لعزله أو قتله، اما أم المؤمنين عائشة فهي من حرض الناس على قتل عثمان، وهي التي أثارت الحرب وحرضت طلحة والزبير وأخبرتهم بأن علي هو من قتل عثمان أو سهل لقتله، هذا من وجهة نظر الشيعة، وان قتال عائشة كان بسبب كرهها لعلى وذلك لموقفه يوم حادثة الإفك لأنه أشار على الرسول بطلاقها، وانها فرحت بوفاته وسجدت لله شكرا، ويذكر أبن ابى الحديد فى شرح نهج البلاغة إن عائشة كانت من اشد المحرضين على قتل عثمان، لأنها طلبت هى وحفصة ميراثهم من الرسول فقال: “نحن معشر الأنبياء لانورث” .. ولماذا حرمتم فاطمة؟ فخرجت غاضبة وقالت اقتلوا نعثلا فقد كفر. موقعة صفين 37ه: وقعت بين جيش على بن ابى طالب “اهل العراق” وجيش معاوية بن ابى سفيان “اهل الشام”. والتى انتهت بعملية التحكيم فى شهر رمضان. اسباب المعركة: عندما استلم على بن ابى طالب الحكم امتنع معاوية وأهل الشام عن مبايعته خليفة للمسلمين حتى يقتص من قتلة عثمان، أستشار معاوية عمرو بن أبي العاص، فأشار عليه بجمع أهل الشام و الخروج نحو العراق للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان، والتقى الجيشان. وظلا حتى اليوم السابع يتواجه فرقة من كلا الجيشين ولم تحسم المعركة لأحدهما. وفى اليوم الثامن خرج على بنفسه على رأس جيشه كما خرج معاوية على رأس جيشه، ودار بين الطرفين قتال عنيف وشرس، لم يحدث مثله من قبل، وثبت الفريقان لبعضهما ولم يفرّ أحد، ودار القتال من الصباح حتى العشاء، وتحاجز الفريقان بعد سقوط الكثير من القتلى والجرحى. وفى اليوم التاسع حدث كر وفر احيانا يحرز جيش على انتصارا ثم يحدث تراجع حتى انه قيل ان على بن ابى طالب قتل خمسمائة رجل فى ذلك اليوم.. ولكن حينما احس معاوية بانتصار جيش على استشار عمرو بن العاص فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، وأن يتوقف القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن..وفعلا جاء زهاء عشرين الف مقاتل من جيش على حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، ونادوه باسمه وليس امير المؤمنين وقالوا اجب القوم الى كتاب الله والا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، واجتمع الحكمان ابو مسى الاشعرى وعمرو بن العاص.. وتوقف القتال وانصرفا الجيشان. معركة النهروان 38.: وقعت بين على بن ابى طالب والخوارج نتيجة التحكيم ورفع المصاحف، وهنا رفض مجموعة من جيش على وهم الخوارج التحكيم وقالوا قولتهم الشهيرة : “لا حكم الا حكم الله”... وتناظر على معهم فقال احدهم: “لا حكم الا لله”، فقال على: “كلمة حق اُريد بها باطل”. منذ هذه اللحظة التاريخية تم الربط بين الحاكمية والكفر على يد الخوارج، فكفروا على بن ابى طالب ومعاوية بن ابى سفيان وعمرو بن العاص ، وارسلوا رسلا لقتلهم فقتل على بن ابى طالب بعد ان حكموا عليه بالكفر. ظل سلاح التكفير سلاحا يتم استخدامة لتصفية الحسابات السياسية، ومن الملاحظ ان المشكلة والخلاف كان فى الأصل خلافا سياسيا ولكن تحول الى خلاف عقائدى. بالعودة الى القولة المشهورة التى ربطت بين الحاكمية والكفر “لاحكم الا لله” وانها كلمة حق اريد بها باطل، عادت هذه المقولة فى فكر الاخوان المسلمين وظهرت بجلاء لدى المنظر الأول للإخوان سيد قطب فى كتاب معالم فى الطريق. يقول: "انه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هى شريعة الله والفقه الإسلامى". فى ظلال القرآن ج4 ص2122، وقد اعترف يوسف القرضاوي بأن اطروحة سيد قطب فى ظلال القرآن تكفيرية “تنضح بالتكفير” وأن طريقة سيد قطب التكفيرية وكلامه بعيد عن اهل السنة والجماعة.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمن الغزائي العربي في ظل التحديات الراهنة
-
أهمية التكامل الاقتصادي العربي
-
العقد الاجتماعي
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|