|
العقد الاجتماعي
خيري فرجاني
الحوار المتمدن-العدد: 7609 - 2023 / 5 / 12 - 23:25
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
العقد الاجتماعي social contract، هو مبحث أساسي في الفلسفة الاجتماعية والفلسفة السياسية والفلسفة القانونية والفلسفة الأخلاقية، وهو نظرية تفسر نشأة علم الاجتماع السياسي من خلال العقد أو الميثاق الاجتماعي الذي يقره الناس طواعية فيما بينهم، كأساس للحقوق والواجبات التي تنظم شؤون الحياة المشتركة، والتوفيق بين الإرادة العامة للجماعة والإرادات الفردية، ووسيلة لمنع التناقض بين ميول الانسان الفردية وواجباته الاجتماعية، وأداة تحول دون تصعيد التنافس على المصالح إلى الحد الذي يجعل منه صراعا تناحريا يهدد الناس في حياتهم وحقوقهم وحرياتهم. وقد تبنّت كثير من حركات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، خاصة في العصور الحديثة والمعاصرة، نظرية العقد الاجتماعي بوصفها عقيدة مناهضة لأنواع الحكم المطلق أو الاستبدادي أو الإلهي. التأريخ للنظرية عُرفت فكرة العقد الاجتماعي عند بعض مفكري حضارات اليونان والرومان والعصر الوسيط، وقد وصلت أوج ازدهارها في القرن السابع عشر لدى مفكري عصر النهضة والتنوير في أوربا، وخاصة لدى الفيلسوف الإنجليزي: توماس هوبز وجون لوك والفيلسوف الفرنسي جان جك روسو، وقد شهدت فكرة العقد الاجتماعي تطورا مستمرا. النظرية في عصر التنوير تذهب الصيغة الأكثر عمومية لنظرية العقد الاجتماعي، حسبما أقرها مفكرو التنوير، إلى القول: إن الناس المتعاقدين يتراضون فيما بينهم، فرادى أو مجتمعين، على ميثاق اجتماعي، صريح أو ضمني، يتعهدون فيه بالتنازل عن حقوقهم (كلها أو بعضها) لصالح هيئة اجتماعية عامة، ذات إرادة كلية، تملك سيادة تامة على الجميع، تطبق مجموعة من الأعراف والقواعد القانونية التي تضعها أو تسنها بنفسها، والتي توزع الحقوق والواجبات على أعضائها. ويرى مفكرو التنوير أن العقد الاجتماعي هو ثمرة التفكر العقلاني الذي يرغب في السلام والتعاون على مواجهة الأخطار، وأنه ينقل الإنسان من الحال الطبيعية (ما قبل الدولة) إلى المجتمع المدني ذي الكيان السياسي، الذي تحلّ فيه الحقوق الاجتماعية محل الحقوق الطبيعية، وتحل «الملكية بالحق» التي تحظى باعتراف المجتمع وحمايته القانونية، محل الملكية «بوضع اليد» القائمة على الأمر الواقع، التي هي موضع نزاع وصراع. تقوم نظرية العقد الاجتماعي على قناعة الأفراد بضرورة الاتفاق على الخروج من الحالة الطبيعية (ما قبل الدول أو حالة الفوضى) إلى الحالة المنظمة. فرضية العقد الاجتماعي تنطلق نظرية العقد الاجتماعي من الفرضية القائلة بأن الناس كانوا يعيشون في الحالة الطبيعية (ما قبل الدولة) من دون قوانين تنظم حياتهم، مما أدى لانتشار الفوضى؛ الأمر الذي دفع الناس للاتفاق على عقد بينهم، ينقذ حياتهم وينظم شؤونهم، وبموجبه يتخلون عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح الدولة. تقوم نظرية العقد الاجتماعي على أساس أن ظهور الأفراد يسبق ظهور الدولة، والأفراد في الحالة الطبيعية متساوون، وهم في علاقة تنافسية فيما بينهم، ولكن يجمعهم شيء واحد وهو الميل للحصول على الأمان، وهم منطقيون وعقلانيون وبالتالي يستطيعون المقارنة بين مزايا الحالة الطبيعية التي يعيشون فيها( حالة الصراع) ومزايا حالة الدولة وبالتالي يفضلون الدولة على الحالة الطبيعية. انواع العقد الاجتماعي عند أبرز مفكري النظرية تقسم نظرية العقد الاجتماعي إلى ثلاثة أنواع تبعا للمفكرين الذين نظروا لها، واعتقدوا بوجود عقد اجتماعي يبرر ظهور المجتمع المنظم: أولا:. العقد الاجتماعي عند توماس هوبز (1679-1588) Thomas Hobbes قدم توماس هوبز (وهو فيلسوف بريطاني) رؤيته في العقد الاجتماعي في كتابة اللفيتان (الطاغوت) الذي نشره في عام 1651م، حيث يعتقد أن الإنسان أناني وشرير بطبعه، والحالة الطبيعية وفق هوبز "حالة حرب الكل ضد الكل" والهدف الحفاظ على الذات، وبعد وقوع العديد من الضحايا والخسائر البشرية يتوصل العقلاء من الناس إلى ضرورة وجود عقد اجتماعي هدفه ضمان الأمن، وذلك بإنهاء الحالة الطبيعية، والتي تعني التخلي عن كل الحقوق الطبيعية للأفراد لصالح الدولة، التي يحق لها استخدام كل ما يلزم لضبط المجتمع بما فيه الاستبداد، وبذلك يبرر هوبز الملكية المطلقة كنظام للحكم. ثانيا: العقد الاجتماعي عند جون لوك John Locke (1632-1704) صاغ جون لوك (وهو فيلسوف بريطاني) نظريته في العقد الاجتماعي في الرسالة الثانية من الحكومة المدنية التي نشرت في عام 1690، ويعتقد لوك أن الإنسان خيّر بطبعه وطيب، وتتميز حالة الطبيعة بوجود الحرية الفردية والملكية الخاصة، وللحفاظ على حياة الأفراد، وتجنبا لحصول نزاعات بينهم، يتفقون على عقد اجتماعي، يتخلون بموجبه عن بعض حقوقهم الطبيعية لصالح الدولة (مثل حق معاقبة من يتهدد حياتهم أو ممتلكاتهم)، وبالمقابل لا يحق للسلطة الاستبداد بالأفراد، وإلا فسيتمردون ضد الدولة ويستبدلون الحاكم بحاكم آخر يلبي طموحاتهم وهنا يعد لوك مدافعا عن الليبرالية كنظام حكم يقوم على وجود الحكومة الشرعية. ومنعا لإساءة استخدام السلطة قسمها إلى سلطة تشريعية تضع القوانين، وسلطة تنفيذية تنفذ القوانين، وسلطة قضائية تراقب عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وفقا لمنظوره. ويختلف العقد الاجتماعي عند لوك عن العقد الاجتماعي عند هوبز، فالغاية من العقد الاجتماعي عند لوك الحد من الصراع وتجنبه، أما عند هوبز فالغاية من العقد الاجتماعي إحلال السلام. العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو Jean-Jacques Rousseau(1712-1778 صاغ جان جاك روسو (وهو فيلسوف فرنسي) نظريته في كتابه العقد الاجتماعي الذي نشر في عام 1762، حيث يعتقد المفكر الفرنسي جان جاك روسو أن الإنسان في الحالة الطبيعية ليس خيرا وليس سيئا، ولكن المجتمع سرعان ما يفسدهب؛ حيث يعمل الجميع على تحقيق مصالحهم الشخصية، ويهدف العقد الاجتماعي إلى جعل الشعب صاحب السيادة، حيث يتخلى الشعب عن اهتمامه بالمصالح الشخصية والتفرغ للمصلحة العامة، وبموجب العقد يتخلى الأفراد عن كل حقوقهم للدولة ولكن دون أن يخسروها. في المقابل يجب أن تكون الدولة عادلة، وفي حال إخلال الدولة بعدالتها يحق للأفراد تغيير الحاكم. نلاحظ أن العقد الاجتماعي عند روسو أقرب إلى العقد الاجتماعي عند هوبز، فكلاهما يقول: أن الغاية من العقد الاجتماعي كسر الحالة الطبيعية وإحلال السلام، وتعد هذه النظرية أساس للثورة الفرنسية، والديمقراطية. أبرز منتقدي نظرية العقد الاجتماعي وجه العديد من المفكرين انتقادات لهذه النظرية وفقا لاعتبارات عدة، وقد كان أبرزهم: 1. برتراند راسل Bertrand Russell ( (1970-1872،وهو فيلسوف بريطاني، يقول: لا وجود للعقد الاجتماعي لأنه لا يوجد للفرد الخيار بين الحالة الطبيعية والدولة. 2. مورايروثبارد Murray Rothbard (1995-1926) ، وهو مؤرخ نمساوي، يقول لم تنشأ الدولة من خلال العقد الاجتماعي بل من خلال الغزو والاستغلال. ختاما.. من دون شك، أن وجود الدولة كان مادةً أثارت فضول المفكرين، ودفعتهم للبحث عن أسبابها، وابتداع هوبز ولوك وروسو العقد الاجتماعي لم يكن سوى لتبرير ظهور الدولة. ولكن هذه النظرية أدت إلى تكريس مفاهيم أساسية كالحقوق، والولاء للدولة، وفي ذات الوقت شكلت سببا إضافيا للسعي نحو التغييرـ فكانت نظرية العقد الاجتماعي لدى روسو وراء الثورة الفرنسية، التي غيرت وجه فرنسا الملكية المطلقة وغيرت معها العالم، وتبقى الانتقادات الموجهة للنظرية على اعتبار أنه لايوجد ما يثبت تاريخيا وجود عقد اجتماعي على النمط الذي ساقته النظرية، ولكن تبقى فرضية ساقها الفلاسفة.
#خيري_فرجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|