أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة















المزيد.....

مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7609 - 2023 / 5 / 12 - 12:42
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قال أحمد الشقيري فيما يخص المزاج : (( القرارات السليمة مبنية على المبادئ لا المزاج )) .
صحيح إن الإنسان عبارة عن مجموعة من العواطف والاحاسيس والمشاعر والشهوات والغرائز ؛ الا ان الامر الجوهري الذي يميز الانسان عن باقي الحيوانات العقل والعقلانية ... ؛ فالعقل ميزان من خلاله نستطيع معرفة الفروق بين الاشياء وتحديد المواضيع , ولولا التفكير ما وجدت الحضارات ولا العلوم ولا الانجازات والابتكارات والاختراعات العلمية , ولا المعتقدات والاديان والنظريات ... ؛ بل لولا العقل والتفكير المنطقي الصارم لما استقامت الحياة واستقرت وتطورت , فالتفكير العلمي سيرشدنا إلى الحوار العقلاني ويُنتج من الاختلاف مساحات أكثر اتساعا لطرق حياتية جديدة ونظريات وسلوكيات مختلفة وفعاليات متجددة ومتغيرة ... ؛ وهو بوصلة التجديد والإبداع والعمل والتنظيم و التأمل والبحث للكشف عن الأسرار الطبيعية والحقائق الكونية ؛ لرفع الظلمة عن حياة بني البشر؛ لتشرق انوار محكمة الفكر وشمس العقل ... ؛ وعندها يكون العقل والمنطق هو المناعة التي تصون الانسان من الانفعالات والتصرفات الهوجاء والرؤى الظلامية والخرافات والخزعبلات والهرطقات والشذوذ والانحرافات والاخطاء المهلكة ... ؛ أي أن ما يميز العقلانية هو اتساق وصلابة الإجراءات والأفكار التي تنبثق عنها ؛ لذلك تقول : النظرية أن شيئًا ما منطقيًا يمكن فهمه من قِبل العديد من الأشخاص ، لأن تماسك هذه المجموعة من الأفكار المكوّنة معًا هي معلومات يمكن توصيلها عبر الصيغ العقلانية المتعارفة ، وليس اعتمادًا على العاطفة والمزاج المتقلب والذات ؛ لذلك لا ترى اشخاص يختلفون حول نتيجة معادلة رياضية او بديهة عقلية .
وأما العاطفة الجياشة – والمبالغ فيها - والمزاجية الحادة فهي الدائرة الذاتية المغلقة ؛ و التي لا يمكن التعبير عنه بعبارات منطقية ، وهذا هو السبب في أنها "مغلقة" في الذاتية والمزاجية ... ؛ فالمشاعر والعواطف والاحاسيس تختلف من شخص لآخر ؛ وترتبط فيما بيها بشبكة معقدة من عوامل الوعي واللاوعي , بل وحتى النزوع الى التصرفات البدائية الغريبة والغامضة احيانا , فلكل شخص تجربته في الحياة والتي قد تنعكس على حالته العاطفية والمزاجية والعامة ... , لذلك تختلف انماط السلوك بين الاشخاص , وقد تختلف تصرفات الشخص نفسه تبعا لتقلبات مزاجه وتغيرات ظروفه واحواله ؛ بل احيانا تتمرد الاحاسيس وتتمدد العواطف على حساب العقل والتفكير والمنطق ؛ لذا قيل : العقل يقرر لكن العاطفة هي التي تقود , لذا قد تشاهد ان المزاجية و اللاعقلانية هي الأكثر حضوراً وتأثيرا في حياتنا ؛ فبدلا من أن يكون التفكير المنطقي والعقلاني ، سمة أساسية للإنسان ؛ تسود العاطفة وتتربع المزاجية على التصرفات وردود الافعال الشخصية , ويصبح وجود حساباتنا المنطقية وقراراتنا العقلية على الورق أكثر مما توجد في داخلنا وقرارة نفوسنا ... ؛ وصدق الكاتب فيودور دوستويفسكي : ((أن المزاج كثيرا ما ينتصر ويتمرد على قرارات العقل )) .
وبما ان اغلبنا يعيش في مجتمعات مريضة وتجمعات متخشبة وضيقة الافق ؛ وبعيدة كل البعد عن الانضباط السلوكي المستند على منظومة معرفية عقلية واضحة المعالم ومعلومة النتائج ... ؛ سوف تتعرض بين الفينة والاخرى لصدمة عاطفية من احدى الشخصيات المزاجية ؛ وسيعكر المزاجيون صفو حياتك ما دمت بقربهم ؛ فهم كالنار تأكل الاقرب فالأقرب ؛ فهؤلاء يعيشون في دوامة من المشاعر المتضاربة والاحاسيس المتضادة والتي تتراوح ما بين السعادة الفائقة والضحك الى حد القهقهة بصوت عال الى الحزن والاكتئاب والضيق ؛ او ما بين السكينة والهدوء الى الهستيريا والصراخ والعصبية ... الخ ؛ وقد لا يعرفون ماذا يريدون منا ومن انفسهم احيانا , وبناء على ما تقدم سوف يتعامل الشخص المزاجي حسب مشاعره فان كان سعيدا وهادئا يتعامل باحترام ولطف معك ؛ اما ان كان مزاجه سيئا معكرا ومشاعره سلبية فقد يتصرف معك بطريقة مشينة ومنحطة وتفتقر الى اللياقة الاجتماعية والاحترام والادب ... .
والتعامل مع الشخص المزاجي صعب للغاية فقد تصدر منك كلمة عفوية الا انها قد تجعله يرتطم بالأرض ارتطام مدويًا , وينهال عليك بالشتم والسباب او قد يضربك كما الحيوانات الوحشية , وقد تتسامر معه طوال الليل وتتبادل المشاعر الايجابية واذ به في صباح اليوم التالي ينقلب عليك فجأة ومن دون اسباب معقولة او لأسباب تافهة ؛ فقد نقل لي احد الاشخاص ان صديقه قد هجره لأنه رأى رؤية في المنام حوله ؛ و قد فسرها له احد رجال الدين تفسيرا سلبيا مما انعكس سلبا على علاقة الصداقة فيما بينهما وتفرقا ... ؛ او يتذكر موقف او قصة حدثت منذ سنوات بينكما وقد طواها الزمن – وجل من لا يخطئ - ؛ ويتخذ قرارا بقطع العلاقة معك لاجلها ؛ وقد يهجرك لمجرد نقاش حول موضوع ما , او يهجم عليك بسبب عقيدة ما ... ؛ وان جرحك لا يعتذر , وان أخطأ بحقك لا يندم , وهذا النوع من الاشخاص لا يصلح لأي نوع من العلاقات ؛ فهو شخص في عدة شخصيات فتارة تجده يمتلك شخصية مثالية وطيبة , ومرة ناكرة للجميل و جاحدة بالمعروف ، و تارة متسامحة وكريمة و تارة حقودة وحسودة و لئيمة – نعم لك الحق في ان تعيش بمئة شخصية فهذه حياتك الخاصة وانت حر بها ؛ ولكن بشرط عدم الاضرار بالآخرين - ؛ لذا تجد الاشخاص المزاجيون يعانون كثيرًا في الحصول على حياة هادئة و بناء علاقات دائمة وايجابية مع من حولهم ... ؛ بل هو يمتلك تسعة وتسعون مزاج في الدقيقة الواحدة فتجد صعوبة في فهمه و استيعاب ما يريد ... ؛ لا يستطيع فهم نفسه و لا يستطيع التحكم في تصرفاته ؛ فمن الصعب التعامل مع شخص تتحكم به العواطف والمزاجية الحادة في كل وقت ومكان !!
وظروف الحياة ومصاعب العمل واحوال الشخص السيئة ؛ لا تتبرر له المزاجية الحادة ؛ فكلنا في هذه الحياة نعيش أيام جيدة وأيام سيئة ، وظروف سعيدة و ظروف تعيسة، وكل ذلك له تأثيرات على نفسياتنا إيجابا وسلبًا ... ؛ لكننا مع ذلك : نصبر ونتكيف مع الظروف ؛ و نحاول السيطرة على عواطفنا وضبط مزاجنا ؛ بحيث نحرص على عدم الحاق الاذى المادي او المعنوي بالمحيطين بنا والمقربين منا ؛ فمن القبح والانانية ان تعامل الناس والاصدقاء حسب تقلبات مزاجك وتغيرات احوالك ؛ فالناس ليسوا عبيدا لديك ... ؛ والشيء بالشيء يذكر : كانت تربطني بأحد الاصدقاء القدامى علاقة وطيدة ومبنية على الاحترام المتبادل , وقد بدأت بمشروع ثقافي يتقاطع بعض الشيء مع افكاره الهلامية والمتخشبة – والتي اجزم بكونه نفسه لا يعرفها حق المعرفة ولا يستطيع تحديد معالمها المعرفية والعقدية - ؛ واذا بصاحبي الوفي وصديقي القديم يهجرني رويدا رويدا – انسحابا تكتيكيا - ؛ ويلملم اوراقه شيئا فشيئا , ويغلق خط هاتفه , وكان ختامها هجران لاعقلاني ومقاطعة مرضية ؛ مبنية على اوهام وعقد نفسية ونرجسية .
وبما ان الناس المتقلبة والاشخاص المزاجيين لا يمتلكون مشاعر ولا أحاسيس مستندة على القيم والمبادئ الثابتة او قائمة على اسس التفكير
المنطقي والعقلانية ، فتوقع منهم كل شيء سلبي وضار ؛ لان حياتهم قائمة على المزاجية الحادة .
فأن كنت تريد اصلاح المجتمع فأبدأ بنفسك اولا ولتكن علاقاتك الاجتماعية وقراراتك مبنية على المبادئ والعقلانية كما قال الكاتب أحمد الشقيري ؛ وليست على العواطف المتقلبة والمزاجية الحادة والمشاعر المرضية والعقد النفسية ؛ فأحرص كل الحرص على ان لا تعكس مزاجك السيء او مشاعرك السلبية على حياة وفعاليات وانشطة اصدقاءك واهلك والمقربين منك بل ومجتمعك ؛ ولعل من اروع ما قاله حكيم العراق الامام علي بهذا الخصوص - الابيات الشعرية المنسوبة له - :
فَإن تَسأَلِني كَيفَ أنتَ فإنَّني ××× صَبورٌ على رَيبِ الزّمانِ صَعيبُ
حَرِيصٌ على أن لا يُرى بي كَآبة ××× فَيشمتَ عادٍ أو يُساءَ حَبِيبُ



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الخامسة / القسم السادس ...
- محنة الامة العراقية مع الاعلام البعثي البائد
- ظاهرة ( الكمبش والكمش )
- طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الخامسة / القسم الخامس ...
- طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الخامسة / القسم الرابع ...
- محنة الامة العراقية مع الآخرين /2/ مساعدات العراق لموريتانيا ...
- مقولة وتعليق / 34 / أفضل حكومة ...
- ايام الزمن الاغبر / الحلقة الرابعة / ( ضيم الجنابر )
- مقولة وتعليق / 33/ الشخص التافه
- مقولة وتعليق / 32/ عدو الطفولة العراقية
- مقولة وتعليق / 31 / عديم القيمة والفائدة
- طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الخامسة / القسم الثالث ...
- مقولة وتعليق / 30 / هجر الحبيب
- إشكاليات مفهوم الامة العراقية /2
- إشكاليات مفهوم الامة العراقية / 1
- مقولة وتعليق / 29 / القناعة
- مقولة وتعليق / 28 / السلام والاختلاف ضرورة حضارية
- مقولة وتعليق / 27 / ضميرك أولى بالاتباع من حزبك
- عوائق نهوض الامة العراقية
- مقولة وتعليق / 25 / البعد : بعد القلوب والنفوس


المزيد.....




- إغلاق المخابز يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ومقتل وإصابة أل ...
- هل يهدد التعاون العسكري التركي مع سوريا أمن إسرائيل؟
- مسؤول إسرائيلي: مصر توسع أرصفة الموانئ ومدارج المطارات بسينا ...
- وزارة الطاقة السورية: انقطاع الكهرباء عن كافة أنحاء سوريا
- زاخاروفا تذكر كيشيناو بواجبات الدبلوماسيين الروس في كيشيناو ...
- إعلام: الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات صارمة على السفن التي ...
- الولايات المتحدة.. والدة زعيم عصابة خطيرة تنفجر غضبا على الص ...
- وفاة مدير سابق في شركة -بلومبرغ- وأفراد من أسرته الثرية في ج ...
- لافروف يبحث آفاق التسوية الأوكرانية مع وانغ يي
- البيت الأبيض: ترامب يشارك شخصيا في عملية حل النزاع الأوكراني ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 38 / اثار المزاجية المدمرة