أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جهاد صالح - الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية















المزيد.....

الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية


جهاد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1716 - 2006 / 10 / 27 - 08:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ما تعرض له الشعب الأرمني من مذابح، فاقت فظائعها القدرة على الوصف، لهو من أكثر الصفحات سواداً ووحشية في تاريخ العنصرية الحاقدة، والتي نفذتها الطبقات التركية الحاكمة ضد الشعوب، رغم كل الخدمات العظيمة التي قدمها الشعب الأرمني للمجتمع العثماني، منذ وقوعه تحت نير عبوديته عام 1520، فمنهم الفنانون، والمحامون، والكتاب، والصحفيون، والصناعيون والحرفيون المهرة.

فالشعب الأرمني من أقدم الشعوب التي قطنت الشرق الاوسط، ومن أكثرها عراقة وحضارة، وهو تاريخياً موجود على أرضه منذ 2500 سنة قبل الميلاد. وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد، أسس أول دولة أرمنية مستقلة بإسم ((دولة أرارادو الملكية)) -نسبة لجبل ((آرارات)) الواقع حالياً تحت السيطرة التركية، وكان مركز هذه الدولة مدينة ((فان)) الموجودة حالياً تحت السيطرة التركية أيضاً. وعلى الرغم من الغزوات المتكررة التي تعرض لها من قبل الرومان ، والعرب، والمغوليين، وأخيراً العثمانيين الاتراك، بقي الشعب الأرمني مقيماً فوق أرضه، والأبحاث التاريخية تؤكد أن الشعب الأرمني، الذي هو من أصل هندو-أوربي، قد جاء وتكون عبر التاريخ، فكان لهذا الشعب العريق حضارته الزاهرة التي إحتلت مكانة بارزة في تاريخ المنطقة، وله ثقافته الزاخرة المتمثلة بأدبه المتطور الرفيع.

وفي عام 301 بعد الميلاد، تأسست الكنيسة الأرمنية، وبعد هذا التاريخ بمئة عام، ونتيجة لتطورات المنطقة في ذلك العهد، أوجد الأرمن الأبجدية الأرمنية- وهي الأبجدية الخاصة به كشعب، وقد لعبت هذه الأبجدية دوراً تاريخياً هاماً، وميزت القومية الأرمنية عن القوميات الأخرى.

وبحلول عام 1520 بسط السلطان العثماني -سليم- نفوذه على معظم مناطق أرمينيا، وعلى مدى ثلاثة قرون، أي خلال الفترة الواقعة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، كانت أرمينيا بؤرة للتوتر، ومسرحاً للصدامات والصراعات والحروب التوسعية العدوانية (الحروب التركية- الفارسية، والروسية- الفارسية، والروسية- التركية) التي عانى منها الشعب الأرمني الكثير من المحن والمصائب، وجلبت له الدمار والخراب خصوصاً تلك الحروب التي جرت بين الدولتين الفارسية والعثمانية.

وفي عام 1639 قسمت أرمينيا نهائياً حيث ألحق الجزء الشرقي منها بالدولة الفارسية الصفوية، ثم دخل هذا الجزء من أرمينيا في حوزة روسيا القيصرية بموجب معاهدة (تركمان جاي)، التي عقدت عام 1828 نتيجة هزيمة الفرس في حروبهم مع الروس، خلال الاعوام (1826- 1828).

أما القسم الباقي من الأراضي والشعب الأرمني فقد بقي تحت نير الحكم العثماني. وفي البداية حاول العثمانيون إستمالة الأرمن للإستفادة من مواهبهم وخبراتهم، ولكسب ولائهم. ولكن ما إن إستقرت أمور الدولة العثمانية حتى إنقلب سلاطينها وساستها، والمتنفذون فيها رأساً على عقب إنقلاباً يتناسب مع طبيعتهم الوحشية، وسياستهم العنصرية الهمجية.

فذاق الشعب الأرمني على أيدي الحكم العثماني، نوعين من الإضطهادات -شأنهم في ذلك شأن الأقوام المسيحية الأخرى ضمن الدولة العثمانية- إضطهاد قومي وإضطهاد ديني.

وعندما بدأ العثمانيون سياسة التتريك ضد الأرمن، أدركوا منذ البداية صعوبة هذه المهمة، حيث وجدوا أن الأرمن شعب شديد التمسك بقوميته ودينه. لذا تفتقت العقلية العنصرية لحكام الدولة العثمانية عن أبشع أساليب الإرهاب والتنكيل والنفي والأسر، ومصادرة الأراضي تحت وطأة الضرائب الباهظة ووسائل جمعها، والتي تمثلت إحداها بسلب الأطفال الأرمن من أمهاتهم بإسم ((ضريبة الدم))، وفرض اللغة التركية عليهم...إلخ.

ومقابل سياسة التنكيل التي إستخدمها الحكام العثمانيون وفرقهم الإنكشارية، وكردة فعل طبيعية قامت عدة حركات شعبية عبّرت عن إصرار الجماهير الأرمنية على رفض كافة أشكال الهيمنة والإستعباد، وتمثلت بتلك الإنتفاضات الفلاحية في الأعوام (1862- 1878- 1884- 1886)، إلا أن كل تلك الإنتفاضات والثورات كان يتم قمعها وإخمادها بقسوة بالغة.

ولقد بلغت المجازر الدموية التي مورست ضد الأرمن على يد السلطات العثمانية أوجها، في عهد السلطان المستبد، المتعصب دينياً، عبدالحميد الثاني، فأطلق يد الكتائب الحميدية تارة، والقوات العسكرية تارة أخرى، وأزلام الولاة تارة ثالثة، وعمد إلى إثارة النعرات الدينية والقومية بين الأكراد والأرمن تارة رابعة (كحوادث منطقة صاصون الدامية وغيرها). وقد راح ضحية هذه المجازر خلال عامي 1894- 1895 ما يقارب أل 300 ألف مواطن أرمني، وأخضع الباقون لظروف معيشية قاسية، من الخوف، والجوع والتشريد، وتشتت العوائل والأسر.

لذا كان الأرمن من أكثر الشعوب إرتياحاً وإستبشاراً بعد عزل السلطان عبدالحميد، وإستقبلوا ثورة ((تركيا الفتاة)) بإرتياح كبير، أسوة بباقي الشعوب من رعايا الإمبراطورية، وشكلوا جمعيات ((الآخاء الأرمني التركي)) عام 1908. غير أن إنقلاب سياسة الإتحاديين عن شعاراتهم في العدل، والحرية، والمساواة، وكشفهم عن نواياهم العنصرية تجاه الشعوب غير التركية، خيّب آمال الأرمن، الذين كانوا من أول الشعوب التي إستهدفتها سياسة الإتحاديين الإجرامية التي تميزت بالوحشية والهمجية التي لا حدود لها. فإرتكب الإتحاديون مذبحة جديدة في نيسان عام 1909 ذهب ضحيتها 30 ألف أرمني.

وفي عام 1915 إرتكب الإتحاديون أفظع مجزرة عرفها التاريخ بحق الشعب الأرمني، كاشفين عن وجههم الإجرامي الوحشي وسياستهم العنصرية المعادية للجنس البشري بشكل عام. وقبل الدخول في تفاصيل هذه المجزرة، تجدر الإشارة إلى أن تطورات في غاية الأهمية حدثت منذ إستلام الإتحاديين الحكم وحتى الشروع في تنفيذها، وهذه التطورات شكلت الدوافع الذرائعية لإرتكابها:

1- في 22 أيلول عام 1908، وبعد إنقلاب تركيا الفتاة مباشرة، أعلنت بلغاريا إستقلالها وإنفصالها عن الإمبراطورية العثمانية.

2- في أيلول عام 1912 قامت دول البلقان الثلاثة (بلغاريا، وصربيا واليونان)، والتي سبق أن عانت هي أيضاً لمدة خمسة قرون من الإحتلال العثماني، بحشد قواتها على الحدود التركية، وطلبت من تركيا إحترام حقوق السكان المسيحيين ومنحهم الحق في الحكم الذاتي.

3- في 5 تشرين الأول، ونتيجة لرفض تركيا إنذار الدول الثلاث المشار إليها، زحفت قوات هذه الدول وتوغلت في عمق أراضي تركيا مجبرة إياها على توقيع معاهدة لندن في 17 أيار عام 1913، والتي فرضت على الدولة العثمانية منح الحكم الإداري للسكان المسيحيين ضمن أراضيها.

4- في عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت تركيا إنضمامها إلى دول الحلف المركزية (ألمانيا- النمسا- إيطاليا).

5- في نفس العام إخترقت القوات الروسية أراضي الإمبراطورية العثمانية.

*************
هذه التطورات، بالإضافة إلى أن الأرمن إستبشروا بتقدم القوات الروسية، وهم يرون إنهيار وتراجع القوات التركية، أتاحت الفرصة السانحة أمام السلطات التركية للتخلص نهائياً من إحدى مشاكلها الداخلية المزمنة، ((مشكلة الأرمن)).

لذا، لم تكن القضية قضية ذبح شعب ((على الهوية)) فحسب، بل كانت أيضاً، وبصفة خاصة، التخلص منه نهائياً بحيث لا يعود قادراً على الرجوع، ولا حتى راغباً فيه، من هنا الفظائع التي إرتكبت قصداً وعمداً.

((ففي 24 نيسان 1915 ألقي القبض في إسطنبول على حوالي 250 شخصية أرمنية، وكانوا صحافيين ومحامين ورجال دين وكتّاب ورجال أعمال، وأبعدوا عن العاصمة، ثم تم إعدامهم دون محاكمة)).

(( وفي اليوم التالي تم تصفية 800 أرمني وهم في الطريق إلى الأناضول. وهكذا توالت حملات الإعتقال والإبادة في إسطنبول، حيث شملت جميع المواطنين الأرمن الذين كان يبلغ تعدادهم في تلك المدينة 150 ألف أرمني.

وفي الشهر التالي، 15 أيار، بدأت حملات التهجير والإبادة الجماعية في عدد من الولايات (كارين- طرابزون- سيواز- خاربيرد- ديار بكر) وغيرها من الولايات الواقعة شرقي الأناضول.

وتواصلت هذه المجازر الجماعية البشرية الرهيبة لتخلف في النهاية مليون ونصف قتيل من أبناء هذا الشعب من الرجال والشباب والشيوخ، وحتى الرضع والأطفال كان يتم ذبحهم أمام أعين أمهاتهم، وحتى النساء الحوامل كان يجري بقر بطونهم بحقد أسود دفين، ودون أدنى رحمة أو شفقة. ورافقت حملات الإبادة هذه عمليات تهجير وتشريد مكثفة خارج الأناضول إلى أطراف الدولة العثمانية، ومناطق أخرى بهدف إقتلاع جذور الشعب الأرمني، ما أدى إلى إخلاء أرمينيا من سكانها الأصليين نتيجة هروب مئات الآلاف إلى الأقاليم المجاورة طلباً للنجاة.

أما طلب النجاة هذا فلم يكن متوفراً إلا لعدد قليل، فلقد فقد في هذه الهجرات آلاف الناس حياتهم نتيجة المرض والجوع والتعرض للهجمات.

وإمعاناً في جريمة التقتيل والذبح والمجازر ضد هذا الشعب... أرسل ((طلعت باشا)) -بصفته وزيراً للداخلية- وقد إقترن إسمه بالمذابح الأرمنية- برقية عاجلة وجهها بتاريخ 15 أيلول عام 1915 إلى والي حلب شدّد فيها على وجوب إبادة العنصر الأرمني الذي يسعى لتقويض أسس الإمبراطورية العثمانية، وأردف: (( كذلك نطلب منكم أن تعملوا جاهدين للقضاء عليهم ومحو الإسم الأرمني بالذات...)).

لقد بدأ الشتات الأرمني والنزوح الجماعي، نحو أجزاء أخرى من العالم عقب مذبحة 1915، إلا أن الأرمن تشبثوا بتقاليدهم للإحتفاظ بروابطهم مع الوطن.

إن قمم جبل ((آرارات)) المغطاة بالثلوج والمطلة على عاصمة أرمينيا القديمة ((يرفان)) هي ملهمة الغضب الأرمني على العنصرية التركية، وبؤرة المشاعر الوطنية، لاسيما وهي تذكرهم بصورة دائمة بأهوال المذبحة.

إن تلك المذابح التي قام بها المتنفذون في الدولة التركية، من رجال السلطة وأدواتهم، ومن قوى فاشية ظلامية، تنفيذاً لسياستهم العنصرية الحاقدة، ضد شعب كان له دور هام في التطور الحضاري لمنطقة الشرق الأوسط، وما أعقبها من تشتت وتشريد لمن تبقى في جميع أنحاء العالم، ستظل من أحلك الصفحات سواداً في تاريخ الطورانية التركية.

فالشعب الأرمني الذي ترك وراءه وطنه الذي هو أعظم قيمة لا يمكن للإنسان أن يتخلى عنها بسهولة، لن ينسى هذه المذابح، لا بل سيبقى يتذكرها جيل بعد جيل، ولن يفقد آماله، وها هو قد بدأ بالفعل يقتص من جلاديه.

** فصل من كتاب " الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية ".
إصدار: مركز الدراسات والأبحاث الإشتراكية في العالم العربي.

المراجع:

1- The Burning Tigris: The Armenian Genocide, By Balakian P, 1985, 475 pp.

2- Warrant For Genocide: Key Elements Of Turko- Armenian Conflict, By Dadrian V, 1987, 219pp

3- End Of Ottoman Empire, By Mecfie A, 1989, 272pp

4- Rise Of Young Turks: Politics, The Military and The Ottoman Collapse, By Turfan M, 1990, 512 pp.



#جهاد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في اليوم العالمي للطفولة: أطفال سوريا .. ضياع واحتراق ومصير ...
- الحرية لرجال يصنعن الأوطان
- جمانة حداد ليليت المتمردة على قوانين الوجود والحياة
- مشاركة المراة في العملية السياسية ودورها في صناعة القرار
- حوار مع الشاعر إبراهيم اليوسف
- إبراهيم اليوسف رسول الكلمة الحرة ......الجريئة


المزيد.....




- -سقوط مباشر واحتراق آلية-.. -حزب الله- يعرض مشاهد لاستهدافه ...
- صنعاء.. تظاهرات ضد الحرب على غزة ولبنان
- فصائل العراق المسلحة تستهدف إسرائيل
- الديمقراطيون.. هزيمة وتبادل للاتهامات
- القنيطرة.. نقاط مراقبة روسية جديدة
- عرب شيكاغو.. آراء متباينة حول فوز ترامب
- مسؤول أميركي: واشنطن طلبت من قطر طرد حركة حماس
- إعلام سوري: غارات إسرائيلية على ريف حلب
- بعد اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وداعمين لغزة.. هولندا تقرر ...
- هجوم بطائرة مسيرة يوقع قتيلًا و9 مصابين في أوديسا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جهاد صالح - الطورانية التركية بين الأصولية والفاشية