أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!














المزيد.....

سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7604 - 2023 / 5 / 7 - 11:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلّما خفق قلبي مع لحنٍ ساحر صنعه هذا الرجلُ، فيصدحُ صوتي مع جوابِ نغمةٍ، أو يتوقف وجيبُ أنفاسي مع قرارِ أخرى، أحتشدُ بالفخر وأهتفُ: “ما أعظم الفنّ هذا الرفيع! أنا أيها العالمُ قد أمضيتُ طفولتي وصباي وشبابي جارةً لهذا الرجل العظيم!”
ولاحظوا أنني قلتُ: "هذا الرجل"، فأشيرُ إليه بأداة الإشارة القريبة "هذا" وكأنه موجودٌ بيننا، ولم أقل: "ذلك الرجل" شأن حديثنا عن الراحلين. أقول: "هذا العظيم"، رغم رحيله عن عالمنا منذ ثمان وعشرين عامًا، لأن العظماءَ لا يرحلون وإن غادروا، عصيّون على النسيان وإن غيّبتهم الأضرحةُ. هذا الفنان الجميل مازال موجودًا بيننا يقضي معنا أيامنًا بكامل عبقريته الموسيقية وأبهة وسامة ألحانه التي لا مثيل لها. لهذا أقول له في عيد ميلاده المائة: “كل عام وأنت جميلٌ وباقٍ ومشرق، تُرقِّقُ أرواحَنا بموسيقاك، وتتهذّبُ مسامعُنا على نغمك الأنيق.” إنها مئوية الموسيقار الجميل: "محمد الموجي"، الذي ولد في مثل هذه الأيام قبل مائة عام.
دعوني أحكي لكم عن شارعنا القديم الذي تشرفتُ بالميلاد والسكن فيه طوال فترات طفولتي وصباي وشبابي جارةً للموسيقار الكبير وأسرته الجميلة وأبنائه الذين كانوا لي أصدقاء وأشقاء وزملاء دراسة. شارع "البرّاد" بالعباسية، أحد الشوارع العريقة بالقاهرة. موازٍ لشارع "أحمد سعيد" الشهير. هو شارعُنا القديم. شارعٌ فنان. وشارعٌ شاعرٌ. فيه كان يقطن الموسيقار الجميل "محمد الموجي”. هناك صادقتُ أبناءه وأبناء أخيه "إسماعيل الموجي"، ومعظمهم، بحكم وراثة الموهبة، إن كانت تُورَّث، قد تخرجوا من الكونسرفتوار والموسيقى العربية. وهناك صادقتْ أمي زوجتَه الجميلة "أم أمين"، التي أحبها جميعُ مَن بالوسط الفنيّ بسبب حُنوِّها وطيبتها وابتسامتها الدافئة، واعتبرها "عبد الحليم حافظ" ملاذَه الآمن الرءوم. أبناؤه: "أمين" (محاسب)، "الموجي الصغير" (الموسيقار المعروف)، "يحي الموجي" (الموزّع الموسيقي الشهير)، والبنات: "ألحان"، "أنغام"، والصغيرة "غنوة"، التي لم ننادِها أبدًا باسمها الحقيقي: "إلهام" في طفولتنا، ولا حدّ اليوم بعدما صارت أستاذة تُدرّس الموسيقى، وأمًّا لموسيقار جميل هو “أحمد الموجي” حفيد الموجي الكبير. مازلنا نناديها "غِنوة" كما كان يدللها والدُها الموسيقار الكبير، فلابد أن تحملَ بناتُ الموسيقار أسماءَ موسيقيةً ذات صلة: اللحن، النغم، والغناء. كنتُ وقتها أصغر من أن أدرك أن اسمها الحقيقي “إلهام”، له نصيبٌ من الفن الذي يبدأ من لحظة “الإلهام”! في ذاك الشارع في العمارة رقم ٣أ، كان يأتي "حليم" ليؤدي بروفاته مع "الموجي”. وحينما ظهرت أغنية "قارئة الفنجان" العملاقة، كنا، نحن أطفالَ هذا الشارع، نظن أننا نؤلف الألحانَ مع "الموجي”. أليست ضوضاؤنا أثناء اللعب في الشارع هي تلك التي تظهر في المقدمة الموسيقية للأغنية؟ بالطبع! المقدمة الموسيقية العاصفة التي تعجُّ بهزيم الرياح وعصف الشجر وتهشيم الزجاج وهدير الأمواج، لم تكن إلا من وحي شقاوتنا نحن العفاريت الصغار الذين كُنا نعكِّرُ صفوَ الأستاذ بصخبنا، فيهرب منا إلى أحد الفنادق الكبرى لكي يلحّن موسيقاه. لم ينهرنا أبدًا. على نقيض جارنا "د. جراند"، طبيب الأسنان اليونانيّ، الذي كان يزجرنا كلما علا صوتنا في اللعب. "قارئة الفنجان”! كنا أصغر من أن ندرك أن طبيعةَ القصيدة النزارية الرعوية تتطلّب مثل تلك الموسيقى الشرسة الآسرة التي تأخذك إلى عوالم أسطورية تليق بكلمات “نزار قباني”. عبقريٌّ هذا "الموجي" وحقّ الله! كنا نردد الأغنية في طفولتنا ونعقد اجتماعاتٍ لكي نحلّل شفرة العبارة الغامضة: "والشَّعرُ الغجريُّ المجنونْ، يسافرُ في كل الدنيا!". "يعني الشَّعر ده حلو واللا وحش؟!!!" صعب على أطفال دون العاشرة أن يدركوا أن الغجريةَ والجنونَ من سمات الجمال الكبرى. سوف ندرك هذا مع الأيام والنضوج. لكننا آمنا طوال الوقت أن "الموجي" يخصُّنا وحدنا، وأن هذه الأغنيات ملكنا نحن. نتفاخر بها على زملائنا في المدرسة ممن لا يسكنون مثلنا في "الشارع الفنان”.
على مقربة من هذا الشارع يسكن "توفيق الدقن" شرقًا، وشمالا يسكن "عبد السلام أمين"، و"محمد الدفراوي"، و"يوسف فخر الدين”، والعديد من رموز هذا الوطن من صنّاع القوى الناعمة.
قبل أعوام استضفتُ في صالوني الفكري أبناءَ الموسيقار العظيم "محمد الموجي"، وكان الصالون على شرف الموسيقار الكبير. قبل بدء الصالون أدرتُ أغنية "حانةُ الأقدار" كلمات "طاهر أبو فاشا"، وصوت "أم كلثوم"، ثم بصوت "علي الحجار"، على موسيقى "محمد الموجي". وقلتُ: “لو لم يؤلف "الموجي" غير هذا اللحن البديع العجيب الذي لا يشبه إلا نفسَه، لاستحقَّ أن يكون موسيقارًا عظيمًا. شكرًا لمصر البهية التي أهدتنا تلك الأهرامات الشاهقة التي يعزُّ نظيرُها في كل أنحاء العالم. وفي عيد ميلاده المائه أقول له: “شكرًا على كل هذا الإرث الخالد الذي تركته لنا أيها العظيم. كل عام وأنت مبدع.”


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صانعُ الجُرم … والمشيرُ إليه!
- جميعُنا: ذَوو احتياجات خاصة
- رسائل جعفر العمدة
- غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ
- انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة
- أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!
- سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ
- التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
- في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
- شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
- أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
- في رمضان … نصومُ معًا!
- أيها الكبارُ … لن أحتفل ب عيد الأم
- مشروع الفُلك حدوتة مصرية
- هاني شنودة ... صانعُ الصِّبا والفرح
- زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم
- الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه
- واحد اتنين …. سرجي مرجي
- عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة
- ذكرى مذبحة الأقباط في ليبيا


المزيد.....




- في العيد.. تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصنا ...
- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...
- أهالي غزة.. صلاة العيد على أنقاض المساجد
- المسلمون يؤدون صلاة العيد بمكة والمدينة
- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأس ...
- إقامة صلاة العيد بجوار المساجد المدمّرة على وقع مجازر الإحتل ...
- أديا صلاة العيد بالمسجد الحرام.. محمد بن سلمان يستقبل رئيس و ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!