|
فرويد والدين
الحسن علاج
الحوار المتمدن-العدد: 7601 - 2023 / 5 / 4 - 00:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صوفي دو ميجولا ميلور ترجمة : الحسن علاج كرس فرويد جزءا مهما من عمله في تحليل مصادر المعتقد الديني ، إوالياته ونتائجه ، وحتى مستقبله . فإذا ما وجد في خطابه بعد علموي ، والذي يمكن أن يبدو خطابا اختزاليا ، فإنه ثمة أيضا فائدة استثنائية للتمثلات التي تنتج عنه ، المؤثرات التي ترافقه و ، بصورة أعم ، المخزون الغريزي الذي تتم تعبئته فيه . إنه يطور معركة نضالية بهدف معارضة رؤية "علمية " للعالم التي سترتبط بالتحليل النفسي ، برؤية دينية . فعبر تحليلاته ، وأحيانا انتقاداته اللاذعة ، ينبثق مفهوم مركزي ، هو مفهوم ال" حاجة إلى الإيمان " ، الذي يرافق ويُضايق الذات التي سيتوجب عليها أن تجد لها منافذ مختلفة ، منفذ العلم الذي هو أجدر بالتفضيل لديه ، إلا أنه ليس الأسهل . لأن العلم لا يقدم نفسه كمجرد بديل ، ثم إن الإله العقل له متطلبات أخرى مثل إله الأديان . من المعلوم أن العقل Logos) (والإيمان سوف يسيران أو سيسعيان ، تبعا للعصور ، إلى المضي قدما ، جنبا إلى جنب ، تليها فترات أخرى حيث سيشترط العقل ،بشكل متناوب ، الإيمان بتقديم أدلة على وجاهة مضامينه ، كما أن الإيمان سيقاوم ، بشكل قاطع ، الدليل الوحيد على تجربة الوحي . سيحدث كما هو الحال في الخرافة ، أن شخصية متشككة ثالثة ، تسعى في هذا السياق ، إلى دفع المحتربين إلى ذات الموعد ،مع وضع أسس العقل موضع تساؤل في آن واحد ، فكرة السبب التي لن تكون إلا نتاج لعبة ال تمثلات ومضامين الإيمان ، أوهام محضة يبتكرها البشر بغاية تعزيز أملهم في حياة أفضل والمقاومة ضد خشية الواقع ، وفي المقام الأول خشية الموت . إن أخذ ال" حاجة إلى الإيمان 1 " على محمل الجد هو ضرورة إذن ، إذ إن نتائجها مختلفة وخطيرة ، لا شك في ذلك . سيكون من السذاجة بمكان معارضة " إيمان " و " معرفة " ، كما لو أنه ثمة صورة لتطور الحياة النفسية التي ستنتقل من نرجسية البدايات أو الاعتقادات الأرواحيةanimistes) ( ، إلى وضع ديني في تمديد علاقة الطفل بالأب وستبلغ أوجها في التجربة المعيشة المكتملة النمو للعلم الذي سيصبح بطريقة أو بأخرى علامة على النضج النفسي . لأن الحاجة إلى الاعتقاد لا تمتد بالضرورة إلى الحاجة الدينية ، وإن كانت هذه الأخيرة تعبيرا عن ذلك أكثر صدقا . إن الغايات الدنيوية عديدة جدا ، لو تم اعتبار أنها تعمل في الغالب الأعم ، على تسريب الحقيقة الدينية ذاتها ، التي يتم تشويهها منذ ذلك الحين في السياسة والتعصب . من الاعتقاد بكافة أشكاله إلى أشكال تعصب ما قبل المراهقة من أجل شخص يثير الحماس والإعجاب ومن الانحرافات شديدة الخطورة التي ستفضي إلى مطالبة عوامل مساعدة مختلفة ( مخدرات ، كحول ، أخطار ، سرعة ، طوائف ) على مواصلة الإيمان بصور القدرة القاهرة ، تمتد الحاجة إلى الإيمان إلى الحياة اليومية الأكثر ابتذالا . تأثير الإيمان لا وجود لأي دليل قد أقنع بالفعل جاحدا كبيرا بوجود الله لأن الخطوة المنطقية لتدبير البرهان تشتغل في كون مختلف تماما عن كون الإيمان . إن الله يدرك بالقلب كما قال باسكال ، ترتهن البينة بالاعتقاد الراسخ وليس بالبرهنة ، وكون أن الفلاسفة كانوا يشعرون بالحاجة إلى البرهنة على وجود الله ، يرتبط بجوهر الفلسفة التي تستوجب عدم ترك أي شيء خارج موضوعها ، وليس إلى ضرورة إقناع الجاحدين بوجود الله . حينما شرع كانط في بحثه حول " الأساس الأوحد الممكن لإقامة الدليل على وجود الله " ، فقد فتحه على خطاب لا يمتلك شكلا صرفا لكنه يكمن في موضعة رغبة الفيلسوف التي لا يمكن مقاومتها في الاستفسار عن هذه البرهنة مثل منهج يتوقف على الحاجة النظرية . سيعثر المرء على العديد من الأمثلة في فلسفة البراهين المماثلة ، حيث يلاحظ جيدا أنها لا تنطوي على أي علاقة شخصية بين الله والبشر ، خلافا للمبدإ الديني . يثير إله الفلاسفة هذا سخط فرويد ، الذي يقارنه ب" عصير تفاح " ، بمعنى مشروب " يتكون من نسبة مئوية ضئيلة جدا من الكحول ـ إذا لم يكن ثمة كحول على الإطلاق ؛ وبالرغم من ذلك فإن الناس يشربونه حتى الثمالة 2 " . سوف نواصل هذا النقاش فيما يخص انتقاد فرويد للدين ، على أن ما يهم هنا ، هو التشديد على الاقتصارعلى الاختلاف بين الله كتمثل وتأثير . يتوقف الدين على هذا المظهر الثاني وليس على الأول ، وهو يشكل أيضا نقطة التأثير للتحليل النفسي الذي لا يتحاور ، في هذا السياق ، لا مع الفلسفة ولا مع اللاهوت . بعيدا عن تجاهل هذا البعد ، طالما أن محاوريه متنوعون 3 فقد سعوا مرارا من أجل إقناعه ، قام فرويد بصياغة مقاربة نوعية ، سوف نعمل على فحص عناصرهاالأساسية تبعا لمحورين أساسيين لا ينصهران : النوستالجيا nostalgie) ( والشعور الأقيانوسي (sentiment océanique) . منطلقا من كون أن فرويد حاول اختزال الشعور الأقيانوسي ، في رغبة نوستالجية ، بالنسبة للأب( وبالنسبة للأم في غابر الأزمان ) ، سوف أبذل جهدي لمقارنة هذين البعدين : شعور أقيانوسي ونوستالجيا ، بغاية تحديد تباينهما ، وربما تعارضهما . يعيدنا الشعور الأقيانوسي إلى أشكال عتيقة للاشتغال النفسي والتي ليست مناسبة لصورة الكلمة ، وهي بذلك مؤسسة للابتكارات ولاسيما الشعرية منها . الشعور الأقيانوسي ، دليل على التفكير العتيق مستلهما تبادلاته مع الكاتب الفرنسي رومان رولان (Romain Roland) التي تم الشروع فيها عام 1923 ، شرع فرويد ، ست سنوات فيما بعد ، في كتابة قلق في الحضارة عبر الاعتراض الذي وجهه له هذا الأخير ، عن كونه لم يأخذ بعين الاعتبار في نقده للدين ( مستقبل وهم ، نشر في عام 1927 ) المصدر الواقعي للتدين religiosité) ( . لذلك سوف يحاجّ فرويد محاوره بطريقة محكمة للغاية . فقد اعترف بوجود " شعور أقيانوسي " لدى بعض الأشخاص ، والذي يرغب جيدا في اعتباره أمرا واقعا ، بمعنى اعتباره دليلا ذاتيا بمقتضى الظروف ، لمعيش لا يقتسمه (يقول) ، على أنه لا وجود لأي سبب للتشكيك فيه . يوجد المرء في موقف تحليلي على وجه التحديد كالموقف الذي يمكن أن يواجهه المرء ، أمام ذكرى يرويها مريض ( يمكن أن تكون دقيقة أو لا تكون ) ، أو إدراك هذياني ( وبالرغم من أنه لا يقدم إجابة على واقع خارجي مُدرك ، وهو ليس أقل وجودا بالنسبة للمريض ) . ومع ذلك ، فقد تساءل فرويد حول التأويل الذي يمكن تقديمه لهذا الشعور ، أعني حول أصله .ألا يكون من الملائم أن نجد له جنيالوجيا ما ، إرجاعه إلى شيء آخر ؟ لقد أعلن هنا بأنه لا يعتبر إطلاقا الشعور الأقيانوسي كمعطى أولي ، بل كنتيجة لتطور ، الشيء الذي يعلن عن مشروع تقسيمه إلى عناصر مكوِّنة 4 . عندما لاحظ فرويد أنه من " الصعب معالجة المشاعر بطريقة علمية " ( قلق في الحضارة ، ص 6) ، ما يستدعي القول المأثور الذي يفيد أن " الأذواق والألوان ، لا يمكن مناقشتها " ، ومع ذلك فقد أثار الانتباه أنه بإمكان المرء " محاولة وصف تجلياتها الفيزيولوجية " ، وهو ما سيستدعي النظر إليها لا من خلال زاوية التمثل ، ولا حتى من خلال زاوية التأثر ، بل مثل انفعالات . يمكن أن يُفهم من خلال ذلك تغيير الوضع الجسدي للذات ، التي تكون تحت تأثير معيش لها معرفة به ، وحتى أنه يمكنها تخيل الدافع ، حالة يمكن إدراكها بالنسبة للآخر ويمكنها إذا اقتضى الحال ، أن تفضي إلى استجابة مماثلة . بإمكان العاطفة ، سواء أكانت سرورا ، خوفا أو غضبا ، أن تنطوي على وصف فيزيولوجي ، وليس من الأكيد أن هذه المقاربة ، يمكن أن تكون الأكثر خصوبة ، أيضا سوف يوطد فرويد العزم على على أن يخصص لها الرعاية الاعتيادية لتحليل غريزة ، أي تحللها إلى تمثل وتأثير . سيتعلق الأمر إذن برصد التعبير النوعي ، في الشعور الأقيانوسي ، لطاقة غريزية لا تزال في حاجة إلى تعريفها ثم تمثل ، حتى وإن كان متصلا بالدال " أقيانوس " ، يفضي بدون شك إلى تمثلات أخرى ، غير مسماة ، ما تحتفظ به الذاكرة من موضوعات الماضي . لذلك فإن فرويد ليس على أتم الاستعداد لاعتبار أن الشعور الأقيانوسي يعتبر ملائما ، لشرح أي شيء ، وبالأخص الحاجة الدينية . وبالمقابل ، مع إنكار الحقيقة التي يتقاسمها ، فهو موافق على الاهتمام به ، خصوصا وأن هذا الشعور ، يقدم نفسه ، مثل متراس للإيمان . لقد وطد العزم على إخضاع نفسه إلى اختبار نقدي ما يجعله " مصدرا وأصلا " fons et origo) ( ( باللاتينية في النص ) لكافة الاحتياجات الدينية . ألا يبدو له هذا " الشعور الأقيانوسي " مشكوكا فيه جدا ، وأنه ينبغي عليه ، شأنه في ذلك شأن الأنا في مقاومته للهو ، السعي إلى تجفيف بحر الجنوب zuydesse) ( ؟ ينفلت منه الموضوع5 و ، في مواجهة تلك الاستعارات المائعة ، سوف يعارض فيما بعد لعبة غريبة لتشييد أحجار قديمة ورومانية . يبقى أن هذا التحريض قيد التأمل ، والذي وجهه إليه رولان يتميز بالخصوبة على نحو رائع ، يقوده ، في نفس الوقت ، إلى تعميق وإيضاح عناصر متواجدة قبلئذ ، ولاسيما في كتاب تشكيلات مبدأي سريان الأحداث النفسية b1911) ( ، على أنها تعثر هناك على تناغمات جديدة . الشعور الأقيانوسي حينما ذكّر رومان رولان فرويد بذلك ، فبغاية وصف إحساس بالأبدية ،على أنه بإمكان المرء أن يتصوره ، انطلاقا من الرؤية إلى البحر ، التي تعطي انطباعا خاطئا بالانفلات من الصيرورة ، بما أن لا شيء يثبت فيها ، أو رؤية تحت الماء ، مع ما تمنحه من الاستيهام بملاقاة عالم بدائي . فإذا ما تصادت هذه التجربة الأقيانوسية مع الإيقاعات التي هي إيقاعاتنا ، فإنها تقودنا إلى العثور عليها ، من خلال انعطافة انفتاح لا محدود نحو الخارج . خلافا لتجربة اللحظة ، فهو يُؤمّن ،كما قال برغسون ، " ذاكرة داخلية للتغيير ذاته 6 " . إن اختيار الإحالة المائية ، هناك حيث توجد صور أخرى مثل صورة صمت البرية ، أو صمت القمم الجبلية ، يكون بإمكانها المثول من أجل الإيحاء بصورة اللانهائي فيما وراء حدود البشر ، يسجل إيقاعا ،حركة وترجحا ،محيلا على صور عتيقة . ومع ذلك ، فليس البعد الزمني هو ما يبقي عليه فرويد ، بل بعد الفضاء الذي سيتمدد عليه . إذا كان المعيش الأقيانوسي يتميز بالإحساس بالشساعة ، فهو يدين به إلى الرؤية ، التي تساعد على معرفة خط الأفق ، ليس كحد بل كنقطة هروب تنفتح على المماثل بطريقة أبدية . يمكن تقريب الشعور ال"أقيانوسي " بالتجربة العتيقة التي هي أدنى من الكلمات ، والتي يشير إليها فنيكوت Winnicott) ( مثل " اللاتكامل " . وكون أنه يميزه عن التفكك فهو يحث على مساءلة الهوية ، التي يسعى فرويد إلى بلوغها ، بين الشعور الأقيانوسي وال" إحساس بالعجز الطفولي "Hilflosichkeit) ( ، الذي لا يقوم به مباشرة ، خلافا لما يدعي . " عرفان ، الإدراك الذاتي الغامض للمملكة الخارجية للأنا ، الهو " هذا المقطع ، هو آخر ما سودته يد فرويد 7 عام 1938 ، وهو يشير في نفس الوقت ، إلى الأهمية التي كان يوليها للمسألة الدينية ، التي تم إنعاشها ، فعلا ،ربما ، من خلال الموت الوشيك ، والإصرار على الانقلاب الذي يقترحه ، في تحليل الشعور الأقيانوسي . ويمكن اختزاله في العبارات التالية : إن اللانهائي الأقيانوسي يوجد بداخلنا ثم إننا ندركه بشكل مبهم ، عاملين على إسقاطه بخارجنا . سيكتب إلى غروديك Groddeck) ( في عام 1925 ، قبل نشر كتاب مستقبل وهم بسنتين : " ففي هوك ça) ( ، لم أتعرف بطبيعة الحال على هوي المتحضر ، البورجوازي ، المجرد من العرفان 8 " لقد كان موقف غروديك كافيا لإثارة سخط فرويد لأنه لم يكن موقفا إلحاديا على الإطلاق ، بل لا أدريا agnostique) ( . فأن يكون فرويد قد أسره مفهوم الهو ، إلى درجة استعارته المصطلح من غروديك ، يبرز إلى أي مدى أن مسألة المحايثة ماثلة بالنسبة إليه ، في نفس الوقت ،الذي يسعى فيه إلى " علمنتها " ،دون أن يتردد في رد التصورات العجائبية لغروديك إلى " جسم العلم 9 " عندما ظهر في نفس السنة (1923) كتاب الهو وكتاب الأنا والهو . سيتوصل فرويد ، ست سنوات فيما بعد ، في سياق حواره مع رومان رولان ، إلى صياغة دقيقة للغاية لمسألة المحايثةimmanence) ( ، عاملا على اشتقاق الإحساس بالانتماء إلى الصورة الكبرى Grand Tout) ( للمعيش الطفلي النرجسي الذي يجهل العالم الخارجي . يعتبر قلب المنظور جديرا بالاهتمام ، يمكن أن نستعرض هنا خطوطه العريضة : ـ الأنا Le Moi) ( " مستقل ، واحد وغاية في التميز " ما هو إلا مظهر خدّاع للهو . وهو ليس متداخلا مع الجوهر ومكتفيا " بكونه كائنا ذا طابع لاشعوري " . من الطبيعي إذن أن الإدراك الذاتي للأنا ، يتضمن بعدا أعم ، وغامضا وهو ليس شيئا آخر سوى الهو ، الذي يسكننا ويحكمنا . ـ غير متأكد من تخومه بداخل ذاته ، فإن الأنا ، بالقدر نفسه غير متأكد منها في الخارج . لذلك فإن الوضع الغرامي يتخطى ـ في الحالة السوية ـ تلك التخوم منصهرة في الآخر ، وبالنسبة لعلم الأمراض pathologie) ( ، فإنه يمنح عددا كبيرا من الأمثلة عن عدم اليقين ، بين الأنا والعالم الخارجي ، سواء أتعلق الأمر بأن تحيا إنتاجاتها النفسية الخاصة بوصفها أجنبية ( الغرابة المقلقة ) أو بإسقاطها على الخارج ، وعدم الاعتراف بانتسابها إليها (بصفة نهائية (الهلاوس ، إلخ ). هذه إذن هي " حقيقة " الشعور الأقيانوسي التي تمت إعادتها إلى مفاصل النفسانيات النظرية métapsychologie) ( ، إلا أن فرويد سوف لن يتوقف عند هذا الحد ، مقترحا تفسيرا وراثيا للقضية . ـ لم يقم الرضيع بعد ، بالتفريق بين أناه والعالم الخارجي . تبعث له أعضاؤه بإحساسات ، كما لو أنها كانت تأتي من الخارج ، ومع ذلك فإن أفضلها يمكن أن يهجره ، عندما ينظر إليه كشيء يخصه ، كما يحدث مع الثذي الأمومي . بإمكان المرء الاعتقاد بأن فرويد قد ـ مع هذا الأخير ـ ميز الطبيعة الأمومية للأقيانوسي ، وسيكون بوسعه الاكتفاء بفكرة الحنين إلى الانفصال مع هذا ، لما لا ، تبعا لصيغة رانكية rankien) ( ، إلى نقص ناتج عن فقدان الكون السائل للرحم . إلا أن عبقرية فرويد تكمن هنا في مواصلة ذلك ، مثلما سنرى . ـ لتحاشي كدر النقصان ، يعيش الرضيع أناه ك" أنا لذة خالصة " والتي يتعارض معها خارج أجنبي ومهدِّد ( قلق في الحضارة ، مرجع سالف الذكر ص 252 ) . وهكذا اكتملت الدائرة وابتُلع المحيط : في البداية ، يتضمن الأنا كل شيء ، أو على الأقل كل ما يقدم فائدة ليبيدية libidinal) ( . ( " ليس إحساسنا الراهن بالأنا سوى بقية محطمة لشعور ممتد على نطاق أوسع ، ممتد على الكل حتى ،الذي يماثل اتصالا حميميا للأنا مع العالم المحيط " ، نفس المرجع ) . لقد أقر فرويد إذن بالشعور الأقيانوسي إلى حد كبير ، إلا ... أنه جعل منه استمرارا للإحساس الأصلي بالأنا الابتدائية ، متجاورا مثل نسخة طبق الأصل لإحساس الأنا بالنضج . ومع ذلك ، فلا يمتلك هذا التجاور قاعدة ، ثم إن هذا الإحساس الأصلي سيختفي ( يُكبت ؟ ) لدى البعض ، ولو أنه لا يطاله المحو ويحتمل استدعاؤه مجددا " في ظروف مناسبة ، كمثل نكوص يقطع شوطا طويلا بما فيه الكفاية " ( نفس المرجع ) . مع هذه البرهنة ، وسع فرويد ودقق في الآن معا ، ما وراء علم النفس métapsychologie) ( وقد عمل على استبعاد الحجة الوجدانية على وجود الله التي كان يُفترض تقديمها . وسيكون بإمكانه الاكتفاء بما لديه وظن أنه وجد حلا ، في الوقت نفسه ، للغز الأقيانوسي ومصدر الشعور الديني مع القدرة الكلية النرجسية للمناظرات . إلا أن ذلك كان خاطئا تماما ، وبعودته إلى الدين ، سوف يعترضه أي شيء آخر ينسجم بشكل سيء للغاية مع ما سبق : ضائقة الطفل الصغير وحاجته في أن يكون محميا ... بواسطة الأب . كان بإمكان المرء الاعتقاد بأن الخلية أم / رضيع تشكل الأنا النرجسية للبداية كانت كافية لتفسير ما سبق على أنه ، بالنسبة لفرويد ، كل شيء كان يحدث كما لو أن الحاجة إلى إرجاع الأب كانت تمنعه من استخلاص النتائج لبرهنته الخاصة . الحنين إلى الماضي ، المعيوش العصابي للعتيق إن تفسير فرويد للحاجة الدينية ما كان ليقتصر على " الشعور الأقيانوسي " طالما أن هذا الأخير يشكل حالة راهنة ، ناتجة كما يفترض عن دينامية غريزية سابقة . لا يدرك المرء إذن كيف أن حالة مماثلة يمكن أن تحدث فجأة ما لم يتم استدعاؤها داخل الفرد الذي يعيشها وقتئذ كتعويض لنقص ، حتى وإن لم يكن واعيا بهذا الأخير . فأن نجعل من الشعور الأقيانوسي انطباعا يأتي من الخارج ، من شأن ذلك أن يعطي ذريعة للمؤمن الذي يرى فيه شهادة على معانقة الخليقة المتناهية السمو الإلهي ، أيا كان الاسم الذي يُراد منحه إياه . كذلك بالإمكان فهم الشعور الأقيانوسي مثل أثر لمعيوش عتيق ، إدراك العالم والذات عينها ،الذي ليس هو نتيجة لنقص ، بل تتمة للقدرة النرجسية الكلية للمراحل الأولى من الحياة . إن اعتبار هذا الإحساس الذي تميل إليه الذات المكبوتة بواسطة ضرورات الواقع ، هو ضمه، في واقع الأمر ، إلى ديناميكية ، تشتغل على صيغة العصاب . سوف نستحضر ذلك انطلاقا من مفهومين ، يلجأ فرويد إلى استعمالهما ، سواء مفهوم sehnsucht) ( ( " الحنين إلى ماض مفقود " ) ومفهوم Heimweh) ( ( المعاناة من غياب الموضوع ) . الحنين إلى ماض مفقود لقد تم تأويل قلق هانز الصغير Le Petit Hans) ( في مواجهة الخيول بواسطة فرويد مثل " زيادة في الحنان بالنسبة للأم التي تعيش قلقا " ( مرجع مذكور ،أعمال كاملة ، 9 ، ص 21 ) ، إن تمطيط السؤال يمكن أن تكون له مصادر متنوعة ، كما هو معروف . وهذا هو ما سوف يتحدث عنه فرويد باعتباره " حنينا إلى ماض مفقود " قائلا بأن ذلك القلق يماثل " حنينا إلى ماض مفقود " désirance) ( sehnucht) ( مكبوت . هذا المنظور بسيط مظهريا فقط ، وسوف يتم تعميقه بطريقة أشد تعقيدا في ملاحق الكف ، العرض والقلق . تصور فرويد أن غياب الأم ، لا يخلق ، بالنسبة للرضيع ، القلق فقط ، بل الألم أيضا إذ إنه " ابتداء من اللحظة التي يغفل عن رؤية أمه ، يتصرف كما لو أنه لن يراها مرة أخرى أبدا " ( مرجع مذكور ، ص 28 ) . ووحدها تجربة لعبة الاختفاء coucou) ( وهي نسخة أخرى من لعبة Fort-Da) ( ، التي يستطيع معها ، إذا جاز التعبير ، الإحساس بالحنين إلى الماضي المفقود ، الذي لا يكون مصحوبا باليأس " ( نفس المرجع ) . إن التوظيف المكثف للأم ، الذي تصنعه وضعيات الإشباع المكرورة ، تحدث " امتلاء من الحنين إلى الماضي المفقود " ، أعني نوستالجيا Sehnsuchtig) ( ، يقول فرويد ، GW,14,p.285) ( يمكن للمرء أن يلاحظ الإشارة الغريبة في الفقرة التي كتب فيها فرويد بأنه "عند الولادة ، ليس ثمة موضوع حيث يكون بمقدور المرء اختبار غيابه " ( نفس المرجع ) ، متغاضيا ، ظاهريا عن المعيوش داخل الرحم intra-utérin ( ، أول " منزل " سوف يحتفظ الكائن البشري الاشتياق إليه Heimweh) ( ، لأن النرجسية المطلقة ( أو كما يتم اقتراحها على هذا النحو ) لهذه الفترة ، لا تسمح بالحديث عن " موضوع ما" . وفي الواقع ، وعوضا عن الأم ، فإن الوضع النرجسي الأصلي الحنيني هو موضوع الحنين إلى رغبة ماضية . ينبغي اعتبار الVatersehnsucht) ( ( الحنين إلى الأب ) مثل بعد آخر ، كما وظفه فرويد في كتاب الطوطم والمحرم . وجدير بالذكر أن سنة 1911 ، تعتبر بالنسبة لفرويد ، مناسبة لمنعطف مهم في عمله ، الذي ينفتح على البعد الجماعي ، وبخاصة الحقيقة الدينية . فضمن حمى وغليان حواره مع يونغ Jung) (، انطلق نوع من التسابق لمعرفة أي منهما سيبتكر النظرية الأفضل حول الموضوع ، وبالإشارة إلى عمل يونغ حول " تحولات ورموز اللبيدو " ، وأنه " جزئيا تهيمن عليه وجهات نظرأبعد ما تكون عن وجهات نظري " ، فقد استحضر إرادته في معالجة مسألة " صلات الابن بالأب " ،وهي موضوعة متكررة ، كما سيتم ملاحظة ذلك ، في علاقتهما 10 . الأب المُبَجّل هل يمكن أن نرى في انعطافة ال" حنين إلى الماضي " Sehnsucht) ( ، الذي أصبح ، من حنين إلى الأم وحضنها ، إلى حنين لحماية الأب ، عودة إلى صراعه مع يونغ ؟ إن فرضية مماثلة لن تكون عديمة المعنى ، كما أنها تساعد على فهم كيف أن فرويد يركز على الواقعة الدينية ، والتي ، علاوة على ذلك ، سيقول أنها لا تهدد التحليل النفسي كنظرية وممارسة في شيء ، حتى أنه كتب إلى ماكس آيتينغون Max Eitingon) ( :" يمكن للمرء أن يتساءل إذا ما كان على التحليل في ذاته أن يتسبب لا محالة في التخلي عن الدين 11 " مسألة سيلاحظ أكثر من محلل ، في وقت لاحق ، بدءا بالقس أوسكار فيستر Oskar Pfister) ( في إيجاد حل سالب لها ... ولكن ، لماذا الكثير من العدوانية ، لماذا يتخذ فرويد لنفسه مظاهر فولتيرية أو أسوأ من ذلك ، للقس الصغير كومب Combes) ( من أجل تحقير الدين بوصفه عدوا ؟ أليس يونغ هو المستهدف إذن ، هو الذي أحجم عن الصورة الأبوية ، التي يلذ لفرويد تقديمها لنفسه لأنه يمتلك أبا مبجلا ، إلهيا 12 ؟ العظيم المتعالي erhohter) ( بمعنى " المكين " ، " المندفع إلى أعلى " ، قد يميل المرء إلى القول أنه " مُؤمثل " ،لكن ليس مصعّدا ، لأنه بالنسبة لفرويد ، فإن الحنين إلى الأب وليس الأب ذاته ، الذي يمكن أن يتم تصعيده. إن تعلق فرويد بيونغ ، والذي كان يرغب في جعله ابنا له ، لم يعثر ، كما هو معتاد ، على وضع طفلي معكوس ، مستمتعا هو ذاته بصورة الأب التي كان يمكنه تقديمها لتلميذه ؟ سيفهم المرء إذن لماذا هذا الأب البدائي ، الأقل جاذبية ، يقتل أو يخصي أبناءه ، بإمكانه أن يصبح موضوعا لحنين إلى رغبة ماضوية بعد الاغتيال ، بدلا من ألا يكون سوى ذكرى مزعجة ! تم اغتياله من قبل أبنائه ، رُقّي الأب إلى مرتبة الذبيحة القربانية ثم إن التلاميذ قاموا باقتسامه إلى طعام طوطمي . سوف يرى المرء هنا الاستيهام الذي امتلكه فرويد عن مصير فكره وشخصه 13 . لا يتردد فرويد في إثبات أنه : " ضمن الوضع الذي تم إنشاؤه ، عبر استبعاد الأب ، يوجد عامل ، كان يتوجب عليه أن يحدث نموا ، مع مرور الوقت ، غير مألوف في الحنين إلى الأب ( التشديد من عندي ) . " ( الطوطم والمحرم ، ضمن الأعمال الكاملة ، ص 367 ) . يصبح الأب مثالا بالنسبة للإخوة ، أعني شيئا يتطلعون إليه ، إلا أنهم لن يظفروا بشيء منه أبدا ، طالما أنهم عدلوا عن الرغبة في أن يصبح كل واحد منهم مماثلا للأب . لن يكون ثمة وريث ،لقد أقلع فرويد عن ذلك بعد خيبة أمله فيما يتعلق بيونغ ( الذي كان سابقا على القطيعة ، كما هو معلوم ) ، إلا أن جمعية التحليل النفسي هي التي ستضطلع بالأمر . لو تم القبول بقراءة تاريخ فرويد / يونغ بالموازاة مع ما قبل تاريخ البشرية ، لكان في حوزة المرء تفسير التحويل المثير للانتباه ، للحنين الذي لم يعد يستهدف بعد الأم بل الأب . أقر فرويد باحتمال مساحة للآلهة الأمومية ، في فترة فاصلة بين الاغتيال وعودة نظام الأبوة patriarcat) ( المشيد على الشعور بالذنب والحنين إلى الأب ، على أنه ،كما قال ، لم يكن قادرا على الإشارة إلى ذلك " ( الطوطم والمحرم ،مرجع سبق ذكره ، ص 369 ) وسنضيف أنها،بصراحة ،ليست مشكلته . انطلاقا من هذه اللحظة ، انضاف إلى التفسير القديم للحصر النفسي angoisse) ( باعتباره رغبة نوستالجية متميزة ، تستهدف الأب ، أبا يمتلك القدرة على تسكين روع الطفل ، يحميه ويحبه . هذا الأب المثالي ، الذي لا يمت بأي صلة إلى ال" جد الأول " Urvater) ( الذي تم اغتياله لحسن الحظ ،وهو الذي ترسمه الحاجة الدينية . على أنه هل من الدقيق جدا أنه لا وجود لأي صلة مع هذه الصورة المرعبة ؟ ويبدو لي الأمر كذلك ـ خلافا لذلك ـ ، لأن الأب كائن قاس ونرجسي سوف يتوسل إليه الأبناء . ففي الديانة الكاثوليكية ، فإن الصلاة التي تقام على القديسين ، أو على [مريم] العذراء تقوم بوظيفة ال" شفاعة " ، أو تقديم المساعدة ، لظنين ، موجهة إلى محام . لا يتعلق الأمر بتجاهل الجرم والعقاب المحتمل ، بل الاعتراف بالذنب والتمتع بالترافع والعفو . لا يتعلق الكلام الموجه إلى الأب بذكرى أب محبٍّ وحام فقط ، بل بمن يقترن به ، الوجه الآخر ، وجه الأب المُعاقب والقاسي الذي يرى فيه الطفل أبا شريرا ، إن لم يكن خطيرا ، على ضوء ما يحسده عليه كامتياز . ففي مستقبل وهم ، سوف يستدعي فرويد صورة " التشبت بالأب " ( مثلما تترجم عبارة Festhalten) ( التي تفيد " تعلّق " ، " ارتباط ") ضمن تطور ، نسوقه كما هو بناءعلى التناقض المثير للانتباه ، الذي يقدمه مع النظريات اللاحقة بتشبت إ.هرمان I.Hermann) ( بإستر بيكEster Bick) ( : " ... لقد أيقظ الانطباع المخيف للكدر الطفلي الحاجة إلى أن يكون محميا ـ محميا باعتباره محبوبا ـ حاجة يشبعها الأب ؛ الاعتراف بكون أن هذا الكدر يطول مدى الحياة يجعل أن الإنسان يتعلق بأب ، بأب غاية في القوة هذه المرة . إن قلق الإنسان أمام أخطار الحياة يُسكَّن عند التفكير في السلطان الخيِّر للعناية الإلهية ، إقامة نظام أخلاقي للكون ، يضمن إنجاز متطلبات العدالة ، التي لطالما ظلت عصية على التحقق ، في الحضارات البشرية ، كما أن تمديد الوجود الأرضي ، بواسطة حياة مستقبلية ، يمنح إطارات للزمان والمكان ، حيث ستتحقق تلك الرغبات . ثمة أجوبة على أسئلة يطرحها الفضول البشري على نفسه تطال تلك الألغاز : تكوين الكون ،العلاقة بين البدني والروحي ، يتعززان تبعا لفرضيات النسق الديني ؛ ثم إنه لارتياح كبير بالنسبة للروح الفردية ، بدلا من رؤية صراعات الطفولة تنبثق من العقدة الأبوية ـ صراعات لم نجد لها حلا تماما ـ ، تتم إزالتها عنها ، إن صح التعبير ، والاستفادة من حل مقبول من الجميع . " ( مرجع سبق ذكره ص 43 ) . إن هذا الوصف الناعم والودي للدين ، يعود إليه فرويد مرارا . فهو يرى فيه ، في واقع الأمر ، النواة ، العنصر الصامد ضد إتلاف الحقيقة الدينية . فقد كتب في مستقبل وهم مجيبا " محاوره الداخلي " ، فيستر ، : " سوف لن تؤثر حججي أو حجج مماثلة في إيمان مؤمن أيا يكن . ثمة شخص ما يؤمن ببعض روابط الود مع مضامين الدين " ( التشديد من عندي ) ( الأعمال الكاملة ، 18 ، ص 187 ) . كما أنه استحضر في كتاب قلق في الحضارة ، القديس فرنسيس الأسيزي (Saint François d’Assise) مثل ذلك الذي ذهب إلى أبعد الحدود في سبيل التوظيف الكامل للحب لغايات الشعور بالسعادة الداخلية . وعندما استحضر القديس بولس ، الذي يلذ له الاعتراف بالفعل ب" الخاصية اليهودية الأصيلة " ، وهو ما أكسبه التعاطف 14 " ، لقد أشار بأنه جعل من المحبة الشاملة للبشر أساس الطائفة المسيحية ( قلق في الحضارة ، الأعمال الكاملة ، 18 ص 301 . علاوة على ذلك ،فإنه من المثير للانتباه ، أنه يقدم النزعة المعادية للسامية ، كمحصلة لمذهب المحبة الكوني ، على تهميش ـ فيما يتعلق بالتغير المفاجئ ـ ماكان ينبغي أن يثير اهتمامه ، وهو حقيقة أن اليهودي شاول الطرسوسي Saul de Tarse) ( اشتهر بكونه مضطهدا للمسيحيين ، من قبل أن يهتدي إلى الإيمان فيما بعد ، إفساح المعمودية لفائدة الوثنيين Gentils) ( ،أعني لصالح غير اليهود الوثنيين ، يونانيين ، في الوضع الراهن ، غير مختونين وجاهلين بالشريعة . يمكن للمرء أن يعتبر ، في واقع الأمر ، أن العقيدة الكاثوليكية هي تلك التي يعتمدها فرويد كمرجع عندما يتكلم عن الرغبة في أن يكون محميا ومحبوبا بواسطة الأب ، إذ إن إله الدين اليهودي تم وصفه من قبله كحامل لمحن ومعاناة أكثر بكثير من حمله لحماية محِبَّة . كما أنه اتخذ أيضا الكنيسة الكاثوليكية ، كنموذج للتنظيم الجماعي ، حول المحبة في كتاب علم نفس الجماهير وتحليل الأنا : " والأمر مختلف في الكنيسة الكاثوليكية ؛ فكل مسيحي يحب المسيح كمثال يقتدى به ، ويشعر أنه مرتبط بالمسيحيين الآخرين بالهوية . إلا أن الكنيسة تطلب منه المزيد . علاوة على ذلك ، ينبغي عليه التماهي مع المسيح ومحبة المسيحيين الآخرين كما المسيح أحبَهم . تشترط الكنيسة إذن هاتين النقطتين لاستكمال الموقف اللبيدي ، الذي يقدمه التكوين الجماهيري . ينبغي على التطابق أن ينضاف هناك حيث يتحقق اختيار الموضوع ، ومحبة الموضوع حيث يوجد التطابق . وبالتأكيد فإن هذه الزيادة تتجاوز تأسيس الجمهور . بإمكان المرء أن يكون مسيحيا صالحا ، ومع ذلك يكون بعيدا عن فكرة أن يحل محل المسيح ، أن يضم مثله ، كافة الناس ، إلى صدره في المحبة . ليس المرء مضطرا ـ وكونه واهنا ـ إلى الاعتقاد ، في كونه خليقا بسماحة الروح ، وقوة محبة السيد المسيح . إلا أن هذا التطور اللاحق لتوزيع اللبيدو في الجمهور ، يعتبر ، على ما يبدو عاملا تشيد عليه المسيحية زعمها امتلاك أخلاقية أكثر سموا . " ( مرجع سابق الذكر ، ص 73 ) . فرويد والظاهرة الروحية لم يصُدّ موقف فرويد اللاغنوصي اهتمامه بظاهرة الاعتقاد الديني ، بل على العكس من ذلك تماما. وحتى أنه بالإمكان القول بأنه مجبر على توظيفه ، لأسباب متعددة . ويرتبط السبب الأول ، بالتحليل النفسي ذاته ، الذي يتطلب عقلا منفتحا على المجهول ، والقوى الغامضة للهو ،الجزء المغمور للجبل الجليدي . ولتحاشي التواطؤ مع بعد متعال ، حيث يتلاشى التحليل النفسي ، ويخاطر بأنه يتم استعادته ضمن سياق الاعتقاد ،لابد لفرويد إذن من أن يتمسك بقوةضمن مواقفه ال"علمية " ، مع إمكانية الاقتصار على نزعة وضعية محدودة إلى حد ما ، أو يضع نفسه تحت رحمة الكتاب الهزليين الشكوكيين مثل هاينه Heine) ( . على أنه فلا التوكيد المكرر ل" كمثل العالم " Weltanschauung) ( العلمي ،ولا السخريةالدينية المضادة ، غير كافيين ، لضمان التماسك بين التحليل النفسي وبتلك المجالات ، حيث يمكنه شرعا ، أن يرتاع من رؤيته ملهما لأنه يوجد في جعبتها قرونا من التجربة والممارسة : الفلسفة والدين ـ لذلك فإن الجواب الوحيد العميق ، يكمن في جعل التحليل النفسي أداة لتحليل الفلسفة والدين ، عاملا في نفس الوقت على تحقيق رغبة مؤسسه الكبرى : أن يجعل من المنهج التحليل نفسي محللا للظواهر الجماعية والفردية ، أبعد ما يكون عن هدف علاجي بسيط . انطلق فرويد سنة 1911 ، يحفزه في ذلك حواره مع يونغ وتغذيه قراءته لكتاب " مؤرخو الثقافة " ، في هذه المغامرة ، التي سوف لن تتوقف ، إلا مع آخر نص له ، موسى والتوحيد . إن اهتمام فرويد بالمسألة الدينية ، يتجاوز بكثير الاهتمام القديم مع ذلك ، الذي أفضى به إلى الفلسفة ، وإذا ما وجدت هذه الأخيرة نفسها مُهاجمة بعنف مرارا ، باسم أخطار المبالغة في التجريد ، ولاسيما إغراءات الميل إلى النظام ، فلا يعثر المرء في أي مكان في عمله في محاولة مدروسة لتقديم تفسير أصول المنزع إلى التفلسف ، إن وجدت . وبالتأكيد ، فإن الظاهرة الدينية ذات امتداد كبير وتبعات سوسيو سياسية ، تتجاوز ، على نحو واسع ، التأثيرات التي يمكن أن يتوقعها المرء من الفلسفة ، في هذا المجال، غير أن تكرار انشغال فرويد فيما يتعلق به ، له جذور أخرى لن أعود إليها ، لأنها استوقفت ما يكفي من البرهنة ، كما أنه يتم تلخيصها في هذا التناقض الديناميكي والتعريف بنفسه ك" يهودي ملحد 15 " فعن سؤال : " ما الشعب اليهودي ؟ الذي يظهر مجددا من كتاب الطوطم والمحرم إلى كتاب موسى والتوحيد ، يجيب بحكم الضرورة بسؤال آخر : " ما الظاهرة الدينية ؟ " لا يوجد فرويد هنا على أرضية مريحة ، لأن جرأة السؤال ترتبط برحابته التي تقدم البرهان ، على دراسات وقراءات ،لم يكن المؤلف ، بكل تأكيد ، يملك القدرة على القيام بها . أضف إلى ذلك ، أنه لو اعتبر المرء ، أنه من خلال عصور ما قبل التاريخ ، للشعور الديني في الطوطمية والسحر ، شرع في تفكيره ، فإننا نقيس الجرأة الفكرية لمنهجه الفكري . إلا أن فرويد هو أبعد ما يكون من أن يحيد عن الموضوع، من خلال ضخامته ، وإذا قد كان أبدى بعض التردد ، فإن ذلك ذلك يعود إلى نشر أبحاثه ، طالما أنه في النامسا الكاثوليكية ، في فترة أصبح الدين فيها ، بشكل مفارق ، ضامنا للتطور الثقافي ، فإن مهاجمته لكونه يهوديا ، كان ذلك يفترض ، بشكل متزامن ، توجيه العدوانية إلى الذات ومن ثم إضعاف حمايته النسبية 16 . لو تمت مقارنة الخاصية الشاملة للإحالات اليونغية ، بالأديان والاعتقادات ، بإشارات فرويد النادرة ، في هذا الميدان ، الذي وضع تاريخ موسى ، وبعض الإحالات على القديس بولس جانبا ـ بقي ضمن اعتبارات على الأصح عامة حول ال" تعبد " ، لقد تم الشروع في التساؤل ، لماذا هذه العودة من البداية من 1911 إلى 1939 حول نفس التساؤل . لابد ،من أجل فهم ذلك ، من استعادة الشروط السوسيوتاريخية للفترات ، حيث كان تأثير الدين على العقول ، ولاسيما فيما يتعلق بالأخلاق الجنسية كان كبيرا جدا ، ليس بالقوة ذاتها في الوقت الراهن ، حتى ولو تم أخذ مختلف التجديدات بعين الاعتبار في هذا الصدد . يبدو الدين ، بالنسبة لفرويد ، مثل " عصاب للبشرية "( موسى والتوحيد ، ص 132 ) وفي هذا الصدد ، فقد وطن العزم على مباشرة دراسته ، ليس ضمن هدف مقارن ، بذلك الهدف الذي كان يمكنه تحقيقه لصالح الإبداعات البشرية ، مثل الإبداعات الفنية ، الأدبية أو الفلسفية حتى ، لكن ضمن هدف علاجي، بالمعنى الدقيق للكلمة ، وواق من الأمراض على المدى الطويل . إن اهتمام فرويد بالدين ينضم و، في النهاية ، يتدخل مع معركته النضالية ، من أجل قول ال" حقيقة " للأطفال ، حول موضوعات الجنس والولادة .ففي هذه الحالة أو تلك ، فإن الخرافات ، التي يتم اقتراح سماعها ، تعتبر ، بالنسبة إليه ، مزعجة ، فليست الفضيلة المنومة ل" مخدر الشعب " هي ما يهاب ، بل تأثيرات إدمان المخدرات السامة ، التي تحرم الفرد من قدرته على التفكير ، وربما من حريته . ما الذي قمنا به قرابة قرن بهذا البعد المضاد للدين بمعنى الكلمة ، بالتحليل النفسي ؟ إذا كان تيار بكامله ، لاسيما بفرنسا ، حيث بذلت فرانسواز دولتو Françoise Dolto) ( قصاراها من بين آخرين كُثُر ، مثلما فعل أوسكار فيستر ، في زمانه ، ليس من أجل التوفيق بين التحليل النفسي والاعتقاد الديني فقط ، بل لإيجاد حجج لدعمهما بشكل متبادل ، ومن وجهة أخرى ، فإن جانب البحث الفرويدي لم يتم التعامل معه بذات الحدة ، خلافا لذلك . خلافا لذلك تماما ، وضد شكل آخر من النزعة الوضعية ، مُنكرا على التحليل النفسي علمويته ، رادا إياه إلى عدد تلك الاعتقادات اللامبرهن عليها ،وربما أتلك الأوهام التي لطالما قاومها فرويد ، والذي ينبغي الدفاع عنها ، وتوضيحها ، في الوقت الراهن ، بشكل متزامن ، وبشكل مختلف ، فإن الحقيقة الدينية تسترد قوتها ، التي كانت تميل في العقود الأخيرة ، إلى الوهن . فأن تحل محل الإيديولوجيات الماضية ، أو أن تعود إلى منابعها في مختلف الأصوليات ، فإن الأديان يصعب تجاهلها . يعود هذا النص في أصله إلى صوفي دوميجولا ميلور (Sophie de Mijolla-Mellor) ، الحاجة إلى الاعتقاد (ماوراء علم النفس الحقيقة الدينية ) ، باريس ، 2004 Dunod,collection « Psychisme » مصدر النص : سيغموند فرويد ، منشورات دفاتر ليرنا Les Cahiers de L’Herne باريس 2015 تحت إشراف لورانس تاكو Laurence Tàcu ــ حاشية 1 ـ صوفي دو ميجولا ميلور ، الحاجة إلى الاعتقاد ، باريس 2004 Dunod 2 ـ " أنتم على حق : يجازف المرء بالإفراط في تقدير تواتر غياب الشعور الديني ، لدى المثقفين . لقد اقتنعت ، في هذه اللحظة بالذات ، من خلال ردود الأفعال ، على كتابي مستقبل وهم . إن ذلك ناتج عن كل المشروبات ، التي يتم منحهاإيانا تحت اسم " دين " ، ـ والتي تحتوي على نسبة مئوية طفيفة من الكحول ـ إذا لم يكن ذلك من الكحول في شيء ؛ لكن الناس يسكرون به . " رسالة فرويد في 19 مارس 1928 ، إلى ماري بونبارت (Marie Bonaparte ) إرنست جونز 3 ، 447 ضمن حياة وأعمال سيغموند فرويد ، ترجمتها إلى الإنجليزية ليليان فلورنوا Liliane Flournoy) ( ، باريس Puf,t.3,p.504 . 3 ـ بصفة رئيسة القس فيستر ورومان رولان Romain Roland) ( لكن أيضا ، وبصفة خاصة ، لو أندريا سالومي . 4 ـ " بإمكان المرء ، ولسبب وجيه ، محاولة اختبار من وجهة نظر تحليل نفسية ، أعني وراثية ( التشديد من عندي ) من أين يشتق إحساس مماثل " ، قلق في الحضارة . 5 ـ " أقر مرة أخرى ، الشعور بعدم الارتياح ، لتناول أشياء مماثلة يصعب توقعها " (نفس المرجع ص 16 ) . 6 ـ هنري برغسون ، المدة والتزامن ، باريس ، بوف ، 1968 ، ص 41 . 7 ـ سيغموند فرويد نتائج ، أفكار ،قضايا ، 2 ، المقالة التي تحمل هذا العنوان ،باريس ، بوف Puf ، 1985 ، ص 288 . 8 ـ سيغموند فرويد ، الهو والأنا ، باريس ، غاليمار ، 1977 ،ص 117 . 9 ـ " في هذا المقام ، أعتقد أنه سيكون لدينا اهتمام كبير ، باتباع إشارات مؤلف ، يؤكد بلا جدوى ، ولأسباب شخصية ، بأنه لا علاقة له بنخب العلوم الدقيقة . أرغب في الحديث عن ج. غروديك ، الذي لم يكفَّ عن الإلحاح بشأن ما نسميه أنانا notre moi) ( كونها تتصرف في الحياة بطريقة سلبية أساسا ؛ ثم ، وبحسب تعبيره ، فإننا" مسكونون " من قبل قوى مجهولة ، يستحيل التحكم فيها . لقد اختبرنا جميعا مثل هذه المشاعر ، حتى ولو أننا لم نسيطر عليها ، إلى درجة استبعاد المشاعر الأخرى ، ونحن لا نتردد في إعادة وجهات نظر غروديك إلى مكانها في جسد العلم . سيغموند فرويد ، الأنا والهو ، ضمن بحوث في التحليل النفسي ، باريس payot,1981,p.23. 10 ـ حول هذه العلاقة النزاعية والخصبة ، انظر الفصل 6 من هذا الكتاب ( زندقة أو أراء متعارضة " ) . 11 ـ رسالة في 20 يونيو 1927 ، ساقها بيتر غاي Peter Gay) ( في كتاب يهودي بلا إله ، باريس puf,1989,p ;20,note 11 . 12 ـ " أشار فرويد بأن الله لا يعني شيئا آخر (كذا) سوى أب نشوان " ، الطوطم والمحرم ، أعمال كاملة ، 11 ، ص 366 . 13 ـ منظور ، هو علاوة على ذلك ، منظور نونبرغ Nunberg) ( ، لمّا قام باستحضار جلسات الأربعاء ، مثلما سنرى ذلك في الفصل 7 ( 7 . 3 . " خصوصية النظرية والبحث في التحليل النفسي " ) . 14 ـ "فبعد أن جعل الرسول بولس ، من المحبة الشاملة للناس ، أساس طائفته المسيحية ، فإن التعصب الشديد للمسيحية ، تجاه أولئك الذين بقوا في الخارج شكّل تبعة لا مفر منها ؛ للرومان ، الذين لم يشيدوا الحياة العامة ، في قلب دولتهم على المحبة ، بقي التعصب الديني غريبا ، بالرغم من أن الدين ، شكل عندهم قضية دولة ، ثم إن الدولة كانت مغمورة بالدين . " قلق في الحضارة ، الأعمال الكاملة ، 18 ، ص 301 . ومع ذلك فإننا نذكر بأن التسامح الديني للرومان ، مع نيرون ، متبوعا بالعديد من الأباطرة الرومان مشترطين الارتداد ، لن يمتد إلى المسيحيين ، الذين اعتبروا سياسيين محرضين ، وهو الشيء الذي ما كان على فرويد تجاهله ! 15 ـ أفكر خاصة في أعمال بيتر غاي ، يهودي بلا إله ، باريس ، بوف ، 1989 . 16ـ"... يطرح الوضع نفسه بطريقة مماثلة ، حيث أصبحت الديموقراطيات المحافظة ، في الوقت الراهن ، حارسة للتقدم الثقافي ، ومن المفارقات أن المؤسسة التي هي الكنيسة الكاثوليكية التي تقاوم بشدة ، تمدد هذا الخطر الثقافي ، هي التي شكلت ، إلى حد الآن ، عدوا عنيدا ، ضد الحرية والتقدم ، لفائدة معرفة الحقيقة ! نحن نعيش هنا في بلد كاثوليكي تحت حماية هذه الكنيسة ، دون معرفة كم من الوقت سيتم ضمان تلك الحماية . على أنه مادامت ستوجد فإننا نخشى بالطبع العمل على ما بإمكانه إيقاظ معاداة الكنيسة . لا يتعلق الأمر بالجبن بل بالحيطة ؛ العدو الجديد ، الذي نرغب توخي الحذر منه ، هو أخطر من القديم الذي تعلمنا التعايش معه . " ( موسى والتوحيد ، ص 132 ) .
#الحسن_علاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمثلة عن الأجساد :أمكنة النوم في رواية الأستريا
-
على ساحات المعركة
-
الشر الكوني
-
العقدة الأخوية العتيقة
-
حوار مع جان بول سارتر حياة من أجل الفلسفة
-
أفلوطين : نوم النفس واستيقاظها من تلقاء ذاتها
-
يمتدح نيتشه ديونيزوس ، إله المعاناة واللذة
-
الوباء في الأدب ، من خلال 6 روايات عظيمة
-
نحن كلنا إلى حد ما ، جزء من شخصيات ألبير كامو
-
وار معجورج أرثور غولدشميث .. قلق الصفحة الممتلئة
-
الجسد ، طريق موصل إلى الآخر
-
المغارة
-
العود الأبدي ، تكوين وتأويل
-
الأريكة والريشة ، سيوف غير مؤذية
-
مستكشف الأضواء الخافتة
-
العود الأبدي ديانة مشركة وميتافيزيقا مادية ؟بعض التساؤلات حو
...
-
للخطإ أسبابه
-
حوار مع مارسيل غوشيه
-
رسالة غلى شاب نيتشوي
-
شمس الحقيقة
المزيد.....
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
-
رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات
...
-
مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب
...
-
بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز
...
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|