محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1715 - 2006 / 10 / 26 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ فترة زمنية طويلة تقترب من بدايات عصر التخلف والتقهقر والهزائم النفسية والحضارية والإنكفاء علي الذات والإنعزال عن العالم والإكتفاء بكتب التراث الديني ومقولات وتأويلات أئمة كان لهم وقتهم وزمانهم الذي مضي وأنقضي والإعتماد علي النقل وإهمال دور العقل , وتفسير الدين وتأويله خدمة ورعاية لمصالح الحكام , منذ هذا التاريخ كانت بدايات تخلف ورجعية الخطاب الديني الذي عجز عن إيجاد حالة واحدة من حالات التواصل بين الواقع المعاش والنص الديني الذي أسره حاملي لواء الخطابة والدعوة في نطاق جغرافي محدود لايمكن أن يتعايش النص الديني إلا داخل حدود وإطار هذا النطاق الجغرافي للنص الديني الموجود فيه , ومن هنا كانت العزلة المكانية للنص الديني الذي جعله حاملي لواء الخطابة والدعوة كالسمك وجعلوا جغرافية النص هي الماء , وما إن يغادر النص الديني الماء إلا هلك ومات , وهكذا أراد هؤلاء الناقصي الفهم والفقه للنص أن يموت وينتهي دوره وأثره في مناطق ذات جغرافية مختلفة ومتغايرة مع جغرافية النص الديني , فكان أن تم حمل النص الديني علي معانيه وتفسيرلته وتأويلاته القديمة من عصور مضت كما هي دون إحداث أي تلائم مع تفسيرات النص وتأويلاته ومستجدات الجغرافية الجديدة التي هي في الأساس مخالفة لمقصود النص الديني المفترض في مفهومه ومنطوقه أنه صالح للتطبيق في كل مكان , بل وعزلوا النص زمانياً وسجنوه في مرحلة تاريخية قديمة وتوقف مفهوم النص بالغباء والجهل والتخلف بقصد أو من غير قصد حتي وكأن النص الديني لايمكنه أن يغادر المرحلة التاريخية إلي مرحلة أخري , وكأنه أي النص قد جاء إلي أهل منطقة جغرافية محددة , وزمان تاريخي معين , لايمكن له أن يتعدي حدودهما زمانياً ومكانياً , وتم حصار النص الديني المقدس بين الجغرافيا والتاريخ بكل غباء وتخلف ورجعية وكأن النص الديني المقدس أسير وليس له أي حقوق لدي من أسروه واعتقلوه في سجن الجغرافيا المكانية وأبدوه بحكم التاريخ في نطاق جغرافي محدود , مع أن النص المقدس يلعن كل من سجنه واعتقلنه وخانه خيانة نكراء ملعونة أدت بالنص الديني المقدس إلي التقوقع والإنعزال بمفاهيمه ومقاصده العظيمة عن المجتمعات وعن الناس وقضاياهم ومشاكلهم وأزماتهم المتجددة والتي لاتنتهي علي الإطلاق !!
وكان من هؤلاء المتخلفون الرجعيون إذا أرادوا للنص الخروج والحركة من قوقعة الجغرافيا وسجن التاريخ أن كبلوه بالقيود تارة , وتارة أخري بالأغلال الحديدية وكأنهم هم ملاك هذا النص أو أن هذا النص عبداً لهم يتصرفون فيه كيفما شاؤا وكيفما أرادوا هم وحدهم ومن يقترب من النص الديني المقدس غيرهم يتهمه هؤلاء الجهلاء بالجهل , وهم الأغبياء ويتهمون غيرهم بالغباء ,بل وفي أحيان عديدة تم بيع النص الديني المقدس للحكام والأمراء والولاة والسلاطين حتي يحقق أهوائهم في إستمراريتهم في البقاء علي كراسي الحكم والسلطة , ومن هنا لايقدر أحد أن يقترب من الحاكم الظالم الفاسد المستبد سارق الحكم ومغتصب السلطة , لأنه بهذا الإقتراب يكون قد أهان النص الديني في حين أن من أهان النص هم فقهاء السلطان ومن ورائهم السلطان الخائن المحتمي بفقهاء خونة للنص وخونة للشعوب والأوطان !!
فمن يخون النص الديني المقدس إذاً ؟
إن خيانة النص تتأتي من فقهاء السلطان والولاة والحكام في كل زمان وفي أي مكان فيه ظلم أو فساد أو إستغلال أو سرقة وسلب ونهب للشعوب والأوطان !!
إن خيانة النص الديني تتأتي من سجن النص الديني في نطاق جغرافي محدد ويريد سجاني النص ومعتقلوه أن يتبع الناس النص الديني كما كان الأقدمون يتعاملون معه بنفس الأدوات والطرق والأساليب القديمة سواء في المأكل والمشرب والملبس وأسلوب الحياة ووسائل المواصلات !!
إن خيانة النص الديني المقدس تتأتي من عزل النص الديني عن قضايا المجتمع وتعجيزه عن معالجة مشاكل المجتمع والبحث عن حلول لأزماته وأوجاعه المزمنة !!
إن خيانة النص الديني المقدس تتاتي من إبعاد النص الديني عن نطاق فساد الحكام وسرقاتهم وسلبهم ونهبهم للشعوب والأوطان وإستخدام طرق وأساليب في الحكم والسلطة وإباحة نظام الممالك والسلطانات والإمارات وتوريث الحكم والسلطة وكأن هؤلاء الحكام قد منحهم الله الأوطان بخيراتها وثرواتها هي ومن عليها من شعوب ملك لهؤلاء الحكام يتوارثونهم هم وأبنائهم جيلاً بعد جيل وكأن الأوطان والشعوب ميراث يتوارثه الحكام عن آبائهم وأجدادهم وليس لأحد فضل عليهم في ذلك , بل ويريدون من الشعوب الدعاء لهؤلاء الحكام بطول العمر المديد وسعادة العيش ويعبدونهم علي شعار الله الوطن الملك !!
إن خيانة النص الديني تتأتي من تطويع النص الديني لإيجاد حلول للقضايا والمشاكل والأزمات العلمية والحضارية المعاصرة وتلبيس النص الدين كل الحقائق العلمية دون إرادة من النص الذي ينكر علي ذاته ذلك ولوي عنق النص ليتحمل كافة التفسيرات العلمية والطبية الحديثة أو الكونية التي تم إكتشافها عبر طرق وأساليب علمية حديثة !!
إن خيانة النص تتأتي من عزل النص الديني المقدس عن المعاملات وسجنه وإختزاله في العبادات والطاعات والعقائد فقط دون إعمال النص في مسائل المعاملات ومسائل الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين !!
إن خيانة النص الديني المقدس تبزغ من جعل النص الديني المقدس حاكم لكل الأمور الدينية والدنيوية والحضارية والعلمية والطبية والكونية دون منازع له في هذا الأمر علي زعم أن النص المقدس قد إحتوي كل الحقائق العلمية والطبية والكونية معاً وأن العقل البشري قاصر عن البحث والتنقيب عن هذه الحقائق الكامنة في النص الديني المقدس !!إن خيانة النص الديني المقدس تكمن فيمن يطوع النص الديني ليقيم علي أساسه دولة دينية يكون الحاكم فيها حاكماً بالحق الإلهي المطلق , ويكون ظلاً لله في الأرض دون منازع له أو شريك في الحكم مادام يظن فيه أنه يطبق شرع الله دون أن تكون لهذا الحاكم ضمانات تؤدي إلي خلعه أو عزله إذا أخطأ أو إنحرف بسلطته وبسلطانه مع الشعوب والأوطان , وأقام أساس دولته علي أساس الدين لا علي أساس المواطنة التي تجعل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات والمشاركة في السلطة وصناعة القرارات والنظم واللوائح والتشريعات الحياتية والدنيوية !!
فهل الخطاب الديني القائم به الخطباء والعلماء خائن للنص أم لا
؟؟!!
أعتقد أن هذا المشوار طويل , ولن ينتهي قبل القضاء علي الفساد والإستبداد وإغتصاب الحكم والسلطة , والقضاء علي سارقي الأوطان وهاتكي عرض وحرمات المواطنين , فالأزمة ستظل قائمة مادامت هناك سلطة مغتصبة للحكم والسلطة وتحكم الشعوب وكأنها آلهة أو أنصاف آلهة !!
فمتي تغيب شموس الأصنام وتشرق شموس الحرية والعدالة علي المواطنين والأوطان ؟!!
ومن هنا يكون التجديد في الخطاب الديني
فماذا يعني التجديد في الخطاب الديني إذاً ؟!!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟