أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الرابع)















المزيد.....

فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الرابع)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7596 - 2023 / 4 / 29 - 02:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نحن هنا في قلب فكر رورتي لأنه لا يربط نفسه من الداخل بنقد نظرية المعرفة. لا يتعلق الأمر بإنقاذها. وليست المسألة بالنسبة له هي استبدالها. إنه ينوي تجاوز إطار نظرية المعرفة، ومن ثمة المشاركة في حركة علمنة الثقافة التي تسعى إلى تحرير نفسها مما تحمله الحداثة بعيدا عن التقليد الأنطولوجي اللاهوتي. يغير رورتي زاوية اعتباراته: فهو يأخذ القضايا السوسيولوجية في الاعتبار؛ يجعل المجتمعية بعدا رئيسيا للثقافة. وبهذه الطريقة يشعر أنه خليفة ديوي الذي "صاغ خطبه اللاذعة ضد التصوير التقليدي كراء لشكل جديد من المجتمع" (رورتي، [1979] 1990، ص 23) الذي يعرف كيف يضيف البعد الاجتماعي والسياسي إلى النقد الإبستيمولوجي (:فيتجنشتاين) والتاريخي (هايدغر).
ذلك بالضبط هو سبب كون مسألة التناسب في قلب نقد استعارة الفلسفة التقليدية. في الواقع، تتناول الحداثة العقلانية كمجموعة من القواعد وباعتبارها تحيل بشكل صحيح إلى الطبيعة. ثم يُنظر إلى العقل على أنه "قدرة عبر ثقافية على التطابق مع الواقع، ملكة يتم إثبات امتلاكها واستخدامها من خلال الخضوع لمعايير صريحة" (رورتي، [1990] 1994، ص: 47). وبما أن العقلانية تقوم على ربط التطابق بالواقع واحترام منهج ما، أي احترام قواعد ومعايير موضوعة قبليا بطريقة أو بأخرى يتعين "اكتشاف"ها، يصبح من الواضح من ناحية أنه يمكن اعتبار العلم الطبيعي نموذجا للعقلانية؛ من ناحية أخرى، تكون الكونية والحقيقة متحدتين بشكل لا ينفصم. لكن فجأة يبدو أن تناسب الخطابات أصبح مؤشرا على طبيعة بشرية ثابتة، أبدية وعبر ثقافية. تستجيب المرآوية الغنوصية بشكل طبيعي تماما "لمفهوم الطبيعة البشرية كبنية داخلية تقود جميع أعضاء النوع إلى التقارب نحو نفس النقطة، إلى التعرف على نفس الفضائل، ونفس الأعمال الفنية التي تستأهل "الشرف". (رورتي، [1990] 1994، ص: 47).
لكن بجعل التناسب حجر الزاوية في التصور المرآوي، وجد رورتي رابطا قويا للغاية بين نظرية المعرفة والفلسفة السياسية. كلاهما يبحث عن السند في تأكيد وجود امة، طبيعة بشرية مشتركة. "لذلك من المفهوم أنه بالحفاظ على عدم وجود مثل هذه الأرضية المشتركة، يكون لدينا جو من المخاطرة بالعقلانية؛ فمن خلال التشكيك في هذه الحاجة إلى "التناسب" يبدو أننا نبدأ العودة إلى حرب الكل ضد الكل" (رورتي، [1979] 1990، ص: 351).
فضلا عن ذلك، وهذا هو الرهان المتمثل في تأكيد الأمل بدلاً من المعرفة أو أولوية التضامن على الموضوعية، يُنظر إلى البعد الاجتماعي والسياسي على أنه مشكل لإدراك أهمية خطاب العلم. ويستفاد من دروس تحليلات كوهن أن الخضوع للحقيقة ليس هو الذي يفسر اتفاق العقول، بل الاتفاق بين العلماء هو الذي يعكس تأكيد الموضوعية.
لكن هنا مرة أخرى، يذهب رورتي إلى أبعد من ذلك لأنه، إذا كان من الضروري الاحتفاظ بشيء من قابلية التناسبية من خلال تحرير الذات من كل الميتافيزيقيا ومن أي إكراه خارجي، فهناك شيء من "الوضع الطبيعي" في قابلية التناسب المقبولة. يتعلق الأمر فقط بتأويل "الخط الفاصل بين الخطابات التي يمكن جعلها قابلة للتناسب وتلك التي لا يمكن أن تكون كذلك، مثل تلك التي تفصل الخطابات"العادية"عن الخطابات "غير العادية"، وهو تمييز يعمم التمييز الذي يقوم به كوهن بين العلم "العادي" والعلم "الثوري". لا لا تتعلق المسألة هنا بمعيار ترسيم الحدود، لا مجال لمنظور تأسيسي، بل يتعلق الأمر فقط بمسألة اختلاف في الألفة، بمسألة عملية بحتة. من خلال جعل المحادثة والحفاظ على المحادثة مفتاح المعقولية وما يمكننا تسميته بعد ذلك ب"العقلانية"، نؤكد أن التضامن هو الذي يصنع الموضوعية، وأن الاتفاق بين الخطابات لا يمكن أن ينشأ من بعض الإكراه الخارجي، ولا يمكن من جهة ان يكون الاتفاق مطلوبا على هذا النحو. وهذه بالفعل هي الطريقة التي يمكن بها اعتبار النشاط العلمي نموذجيا لأن "المؤسسات العلمية تجعل من الممكن إعطاء فكرة الاتفاق بدون قيد توضيحا دقيقا ومفصلاً ؛ إنها توسع نطاق فكرة "مناقشة حرة ومفتوحة" (...) حيث تكون أفضل طريقة لمعرفة ما يجب تصديقه هي الانتباه إلى أكبر عدد ممكن من القضايا والحجج". (رورتي، [1987] 1990، ص: 55).
تلك رؤية الانتشار بدلاً من التقارب: لا يمكن أن نقترح شيئا أكثر ليبرالية. باختصار، إذا كان للعلم شيئً نموذجي، فذلك لأسباب أخلاقية أكثر منها معرفية: "الشيء الوحيد الذي يجعل العلم نموذجيا هو أنه نموذج للتضامن البشري". (رورتي، [1987] 1990، ص: 55).
هذا هو الرهان الكامن في رفض أولوية الموضوعية على التضامن. "بمجرد أن تحل المحادثة محل المواجهة، يمكن التخلي عن فكرة العقل-المرآة في الطبيعة". (رورتي، [1979] 1990، ص: 195).
ولكن، في الوقت نفسه، فإن التضامن باعتباره عقلانية "ضعيفة" وموضوعية مقبولة هو شرط لرفض النسبية. لأنه من الممكن رفض أي فكرة عن المعايير والمعايير القبلية التي يتعين الاستجابة إليها أو التي سيكون من الضروري التقرب منها كما لو كانت مثالا، والاكتفاء في باب الموضوعية "باتفاق بدون إكراه"؛ بجعل العقلانية "لوحة (...) لإجراءات التبرير المألوفة" ؛ بجعل الحقيقة هي الالتزام البسيط الذي نطبقه على المعتقدات المشروعة (مفهومة، على سبيل التذكير، ليس كأساسية بل ك"عادية"). ويوضح رورتي: "يرى خصومنا في ذلك موقفا" نسبويا "لأنهم لا يستطيعون تخيل إمكانية إنكار واقعة أن الحقيقة لها طبيعة جوهرية (...) نحن، معشر البراغماتيين، لا نملك نظرية عن الحقيقة، ولا حتى نظرية نسبوية؛ لأننا مؤيدون للتضامن، يقوم تفسيرنا لقيمة البحث البشري على أساس أخلاقي حصري، وليس على نظرية المعرفة أو على ميتافيزيقا". (رورتي، [1987] 1990، ص: 51).
بعبارة أخرى، إذا كانت البراغماتية تؤكد منظورا كليا، أي أنه لا يمكن الخروج من الجماعات لنصل إلى وجهة نظر "متعالية" محايدة، فهي لا ترفض بأي حال إمكانية تبرير هذه الجماعات نفسها. ولا حتى التفضيل التي يمكن لنا أن نخص به مثل هذه الجماعات بدلاً من غيرها، مثلا، الجماعات الليبرالية على المجتمعات الشمولية. الاختلاف من الأهمية بمكان، هو لا يبحث في التضامن، في الجماعات، في المؤسسات الديمقراطية، عن وسائل مرتبطة بهدف ما، ب"قوة غير بشرية"؛ بينما التضامن هو الفضيلة الوحيدة والإطار الوحيد الذي يمكن أن يخلق الإيمان ويسمح للنشاط البشري أن يكون دائما أفضل وأكثر ثراء. هكذا يخلق الاختلاف واقعيا، عمليا اختلافا. تلك طريقة أخرى للقول أن "التضامن لا يتم اكتشافه بالتأمل: بل إنه يصنع". (رورتي، [1989] 1993، ص: 17).
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الأنا والأخر في -رواية السيد إبراهيم وأزهار القرآن- ...
- فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الثالث)
- فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الثاني)
- في السجال بين ديكارت وهوبز حول الانفعالات
- فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الأول)
- هيئات سياسية ومدنية ونقابية تتضامن مع سكان دوار الجديد أمحيج ...
- هل حميد المهدوي صحافي كما يصف نفسه؟
- محللون وخبراء يتوقعون حربا مطولة في السودان مع تهديد بالتدخل
- قراءة في كتاب -التواصل والتنازع: مناظرة هابرماس وليوتار- لغا ...
- قراءة نقدية لاطروحة محمد بلفقيه الداعية لاستبدال العلوم الان ...
- السودان: عمليات إجلاء المدنيين والدبلوماسيين الأجانب جارية ع ...
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟ (الجزء ...
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟ (الجزء ...
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟ (الجزء ...
- المغرب: انتخاب الحركي مبديع على رأس لجنة العدل النيابية أثار ...
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟ (الجزء ...
- كيف حاكم نيتشه الفلسفة الأخلاقية والسياسية لأفلاطون؟ (الجزء ...
- السودان: وضع اجتماعي على حافة اليأس في ظل استمرار الاشتباكات ...
- بدء مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا رهين بنظام عالمي جديد ...


المزيد.....




- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - فلسفة رتشارد رورتي وموقعها في الفكر الأمريكي (الجزء الرابع)