|
ومجدداً ... ماذا تعني مكونات الشعب السوري
نزار صباغ
الحوار المتمدن-العدد: 1714 - 2006 / 10 / 25 - 10:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
صدق الأستاذ "معقل زهور عدي" في تساؤله : "ماذا يقصد اعلان دمشق في اعادة طرح مصطلح ( مكونات الشعب السوري )" باعتباره وثيقة سياسية تحمل رؤى محددة نحو برامج عمل مستقبلية . كما صدق فيما أورده عن ردود الأفعال حول بعض الأفكار التي وردت في "إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي" ، وأزيد هنا بأن الانتقادات التي وردت كانت فور صدور الإعلان ، والشرح المتأخر عنه ، ثم بعد بيانه بمناسبة السنة الأولى له . ما أريد ذكره هنا لا يتعلق بإعلان دمشق فقط ، فما ألمسه ويلمسه الكثير غيري في مجتمعنا ، انجرار مستمر ومتواصل تجاه الانتماءات العشائرية والمذهبية الطائفية ، وازدياد في تطوير سلطة المرجعيات الدينية على شرائح كثيرة من المجتمع وازدياد في تأثيرها المادي والمعنوي ، الأمر الذي يتفوق بمقدار على الانتماء العشائري والقبلي ، بل والسياسي العقائدي كما نراه واقعاً ملموساً لدى العديد من "القيادات" السياسية ضمن وطننا . رغم تحفظي وانتقادي لبنود عدة وردت ضمن "إعلان دمشق" – والتي سبق لي وأن أعلنتها كتابة - إلا أنني أرى أنه جاء بمثابة توصيف لبعض من الواقع المعاش حقيقة ، الذي يزداد تدهوراً بازدياد المتاجرة بالدين من قبل العديد من القوى السياسية ضمن وطننا بغرض السيطرة والتحكم ..(؟!) فعندما أسمع خطيباً من خطباء الجمعة ينادي بالويل والثبور وعظائم الأمور التي ستنجم عن الاختلاط بين الجنسين في المطاعم و"المقاصف" والمتنزهات ، وعندما أسمع خطيباً مفوهاً آخر يجعل من المرأة التي تذهب للأسواق بمفردها "غانية" ويجعل من أهاليها (...!) ، وينادي بأعلى صوته : أين الشرف وأين الأخلاق (؟) دون أي معترض من السامعين المنصتين "المؤمنين" ، ودون أي مساءلة من المجتمع ... وعندما أسمع وأرى ما يحصل من تهجيل للمجتمع باسم الدين ، وعندما يكون حزب البعث "العلماني " الذي يقود الدولة والمجتمع ينحو باتجاه التحالفات -غير المعلنة- مع التيارات الدينية ، وتسمح أجهزة الحكومة بتعطيل خدمات المواطنين بداعي "إداء واجب الصلاة" ... وعندما أسمع واتابع ما يجري من محاولات جادة لتقسيم المجتمع بين "الاثنيات والعرقيات" والعودة إلى جذور أبناء المجتمع السوري ومن منهم ذي أصول "عربية" أو "سريانية" أو "آشورية" أو "كردية" أو "تركمانية" ... إلخ ، وعندما أتابع ما يجري من دعوات متواصلة ل "حماية حقوق الأقليات"، ومن ظهور " للملائكة المحاربة" و "أصحاب الكرامات" و "الاسلام هو الحل" .. وعندما ألمس الخطوات الجادة في تهميش المثقفين وإنهاء الأفكار العلمانية وتحجيمها وتشويهها ضمن المجتمع .. وعندما أتابع ما يجري من مراوحة في المكان بالنسبة للعملية التربوية التعليمية وإبقاء التلقين والمجموع النهائي لسنة دراسية واحدة معياراً لعمل الطالب .. وعندما أسمع وأشاهد التكرار لإقحام "الذات الإلهية" والدين في شؤون الإدارة والحكم والسياسة .. وعندما اتذكر ما حصل السنة الفائتة من احداث صغيرة/كبيرة في بعض المناطق ...أجد أن عصور الجاهلية لا تزال متحكمة رغم وجود"الجبهة الوطنية التقدمية"، وأن الشعب السوري لم يعد كما كان ... ولا استغرب إن جاءنا يوم نرى فيه "مرجعيات مسيحية" ومرجعيات "سنية" أو "شيعية" أو "اسماعيلية" وغيرها من مرجعيات عشائرية وقبلية وإثنية – جراء الفعل ورد الفعل- ، تنصب نفسها ناطقة باسم المجتمع الواحد الذي عاش آباؤنا في سبيله ، وفي سبيل تحقيقه كواقع نهضوي سعوا إليه كما سعت أجيالنا التي نشأت على حس الانتماء القومي والوطني . أعتقد أن "إعلان دمشق" لم يكن مجرد توصيف للواقع بقدر ما كان عزفاً مبطناً على ذات الأوتار الطائفية/المذهبية والعرقية العشائرية بهدف الاستقطاب للمجموع ، ذلك رغم انضمام "مجموعات" وتنظيمات "علمانية" و"ديموقراطية" إليه ورغم الدعوة للوطن الواحد ضمنه ، ذلك لأن المناداة "بالمساواة التامة للأكراد السوريين" و""الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب ........(رغم القول) مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة ."" ... وجميعه ضمن فترة زمنية مليئة بالمتلاحقات والاصطفافات ، وبرامج الفضائيات ، وردود الأفعال على "الرسوم الكاريكاتورية" و"خطاب البابا" و"المحكمة الدولية" ومتلاحقاتها ، وما جرى ويجري في العراق ولبنان وفلسطين ، والتطورات الاقليمية والعالمية ، وفشل الطروحات والأفكار القومية العروبية الشاملة ، والانشقاقات ، ومحاولات "محاربة الفساد" وتطوير الاقتصاد والقطاع العام ومناحي المعيشة والحياة ، ومحاولات السير في "مسيرة التطوير والتحديث" وإلى ما هنالك من اعتبارات وبرمجيات ، وتجميد مستقبل العديد من شباب الوطن بسبب خطأ لم يتم تصحيحه حتى الآن ، وتوجيه المساءلات لمجرد إبداء الآراء ، ومحاولات الهجرة الكثيفة للكفاءات وللأجيال الشابة .... كل ذلك وما سبق قوله ، يصب في إطار الوصول إلى حالة من التوتر المجتمعي التي يحاول البعض إدخال السوريين فيها بطريقة أو بأخرى ، وكأنها شكل من أشكال "الفوضى الخلاقة" . الملاحظ أنه لكل من القوى والتنظيمات مصالحه وأهدافه التي قد تلتقي مع البعض في مواضع وتختلف في مواضع أخرى ، لكنها – جميعا باعتقادي – تضع مصلحتها في الأساس ولا تمانع في بعض التحالفات معلنة كانت أم غير معلنة ، وسيلة للوصول إلى ما تبتغيه من غايات ... ومنها ذات القوى "اليسارية سابقاً" التي ذكرها الأستاذ معقل في رأيه ، كما إعلان دمشق . والملفت للنظر هو الاختلاف في مفهوم الديموقراطية ، كما هو الاختلاف في مفهوم الحضارة ... والاختلاف بين المنادي وبين فعله وتطبيقه للمُنادى به ... يقول الكثيرون ان الديموقراطية هي حكم الشعب للشعب لكنهم لا يحددون من آلية سوى التي تتطابق مع مفهومهم الخاص النابع من مصالحهم الخاصة . الديموقراطية نتاج لعمل متواصل يحدد بداية أن الوطن هو الانتماء وأنه للجميع ، الديموقراطية ممارسة وتطبيق حقيقي لمعنى الانسانية وتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان ضمن الوطن الواحد ، الديموقراطية تعني من جملة ما تعنيه دولة المؤسسات الحقيقية الفعلية ، سيادة القانون ، أن يكون المسؤول تحت المحاسبة والحساب من قبل أصغر مواطن في الوطن لأنه مسؤول عن خدمته وتخديمه وليس استغلاله ، أن تكون هناك منظمات "أهلية مدنية" ومنظمات شعبية حقيقية وأحزاب سياسية ... الديموقراطية ليست بصندوق اقتراع فقط ، وليس كما يحاول البعض تصويرها بأنها "أميركية المنحى وعميلة الارتباط" ...إنها تسمية تطلق على نتاج لفعل بشري إنساني نهضوي تطويري مجتمعي مستمر، لا فعل ديني إلهي ... إنها ليست مجرد كلمة تطلق في المهرجانات الخطابية . الديموقراطية هي من يرفع المظالم عن الجميع وليس السوريين الأكراد فقط ، وهي من تحقق صدق الانتماء والولاء للوطن الجامع الواحد ... وهي وحدها من تحقق أن الانتماء الحقيقي للوطن ، وأن الدين لله والوطن للجميع . 22/10/2006 نزار صباغ
#نزار_صباغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدق مع الذات
-
الناطق عن الجميع
-
ابتكار
-
قرارات وعدادات
-
خطوط بالألوان
-
حول دولة المؤسسات
-
التجيير في الصحافة المحلية ... الموظفة
-
ذهول
-
من دون تشبيه
-
رب ضارة .. نافعة
-
مصادر موثوقة .. واستنساخ
-
المقاطعة الدينية
-
للكعبة رب يحميها
-
من دون تأويل
-
المسرح واللاعبون
-
أحلام اليقظة.. والسياسة
-
البواقون
-
أحلام اليقظة ... والسياسة
-
كلام الناس - 2
-
المرتد - 2
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|