|
تأثير الاديانزفي البشرية…آصرة اجتماعية و افق لخلاص الانسان
حسام سعد حسن
كاتب
(Husam Saad Hasan)
الحوار المتمدن-العدد: 7595 - 2023 / 4 / 28 - 07:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تأثير الاديان بالبشرية …. آصرة اجتماعية و أفق لخلاص الانسان د. حسام سعد حسن ماذا قدمت الاديان للبشرية خلال الثلاث او الاربعة الاف عام الماضية ؟… سؤال بسيط ، غالباً ما يغيب عن الاذهان لبساطته ، او لعل غيابه بسبب حضور الدين الطاغي في حياة الانسان وفكرة و رؤيته للوجود ، منذ اكتمال الاديان في نسقها الاخير بالخصوص ، الروحاني ( الهندوسي البوذي ….) منها او التوحيدي ( اليهودي المسيحي الاسلامي)…. لا يحتاج المؤمنون بذل جهد كبير لاستعراض مزايا الدين و حسناته من خلال قائمة مطولة و متشعبة من المزايا و الايجابيات عن اثر الدين على حياة الفرد والجماعة ، فيما يبدو الاخرون ، من غير المؤمنين ، اكثر تحفظاً وحذرا في تقييمهم لتلك العلاقة بالنظر من زاوية همينة وتداخل الدين ( الشامل ) في مفردات الحياة ... وان تسليط الضوء من زاوية اولئك لا يعدم الفائدة من خلال النظر من خارج الصندوق لهذا العلاقة ( المعقدة ) بين الدين والبشرية بعيدا عن اي مصادرات او مسبقات فكرية او ميتافيزيقية , بل من خلال الوقوف على السياقات التاريخية و الاجتماعية والنفسية التي نشأت فيها تلك العلاقة . اولاً : الدين كآصرة اجتماعية مما لا شك فيه ان علاقة الانسان باشكال التدين البدائية تعود الى عصور سحيقة ، حيث ان تشكل المجتمعات البشرية صاحبه نمو ونشوء عقائد مختلفة ( طوطمية ارواحية .... ) ، الا ان تحول الدين لاصرة اجتماعية ومرتكز لهوية الجماعة استغرق وقت طويل نسبيا ، وبالذات تحول المجموعات البشرية الى الاستيطان في تجمعات ( زراعية في البدء ) وصولا الى تاريخ فجر الممالك والمستعمرات . و من المناسب التمثيل بعلاقة الشعب العبري بالديانة اليهودية كنموذج لنشوء تلك الاصرة ، فمع تبني الشعب العبراني، احد الشعوب السامية في الشرق الاوسط ، للديانة اليهودية ، تحولت تلك الديانة الى اصرة اجتماعية تشد افراد الشعب ( المختار) الى هدف واحد و متجسد على ارض (مقدسة ) موعودة واحدة ، بل وترسخت في ذاكرة الشعب العبري ، تلك الديانة , ليس كآصرة اجتماعية فحسب ، بل كهدف نهائي ( مركزي) يتعين على جميع افراد الشعب العبري السعي في سبيل تحقيقه ، وبالتالي ظهور فكرة الدين القومي على مسرح التاريخ للمرة الاولى , و استعراض نماذج اخرى لتطور العلاقة الاجتماعية بين الدين و الجماعات البشرية خارج مساحة هذا المقال ، ونكتفي بالاشارة الى حالة الاسلام التي شيد الدين فيها اواصر اجتماعية بين شعوب وقبائل وامم ، انتمت قبل الاسلام الى ثقافات و تقاليد ولغات مختلفة , حيث استطاع الاسلام توحيدها ضمن بوتقة اجتماعية واحدة ….و بالعودة لهدف المقال الاساس يكمن السؤال ، هل بالامكان الجدل حول اهمية الدين كآصرة اجتماعية ، او هل من فائدة حقيقية على افراد الجماعة ، تكون مبرر موضوعي لاستمراره الى مستقبل غير معلوم ؟ . ( إميل دوركايهم) العالم في تاريخ الاديان , الذي أثّر ولا زال يؤثر على كل العلوم الإنسانية التي تدرس الأديان، اصدر سنة 1912 م كتابه “الأشكال الأولية للحياة الدينية” بعد بحث إثنوغرافي قام به في قبيلة الأورنتا بأوستراليا، حيث ينهض الكتاب على أ طروحة رئيسية مفادها أن الظاهرة الدينية ظاهرة تاريخية كغيرها من الظواهر الاجتماعية، ما يعني بأن الدين صنع بشري خالص، يقوم على “نظام تصنيف” يفرق فيه المقدس عن المدنس، وذلك ما ينظم الحياة الاجتماعية ، حيث يُرمَّزُ المقدس في شارات طبيعية كالحيونات أو النباتات وهو ما يطلق عليه “الطوطم”, يوضح دوركايهم أن لا مقدس في ذاته وإنما البشر هم الذين يضفون القداسة على الأشياء الطبيعية، فالتحليل الذي قام به أظهر “ وجود علاقة دينية بين الفرد وعشيرته أو وسطه الاجتماعي، فتلك العلاقة ذات الطابع القداسي بيّنت لدوركايهم أنها أصل كل دين، حيث أن الطوطم هو الوجه الآخر للمقدس فهو الانعكاس الرمزي على المستوى الديني للجماعة البشرية، وبالتالي فإن الوقائع الاجتماعية تفسر الوقائع الدينية” وبه يتبين أن المجتمع هو أصل الدين عند دوركايهم، يخلقه من أجل غاية تنظيمية، ما يعني أن أم الإله ليست سوى المجتمع (1) . ثانياً : الدين كأفق لخلاص الانسان الحديث عن ارتباط الدين بالإنسان كحل لازمته الوجودية والنفسية وهروبها باتجاه المعاني التي يقدمها الدين للإنسان لا يخلو من مبالغة من جانب المؤمنين من جهة أن الإنسان البدائي لم يمتلك الوعي الكافي لإدراك هذه الأزمة في خضم انشغاله بمواجهة الحياة القاسية في تلك الأزمنة البعيدة ، وأن نشوء سؤال المعنى اقترن بتطور وعي الإنسان و تأمله النظري في الحياة والوجود والمصير. لقد قامت الأديان بصياغة حلول و مناهج لمواجهة هذه الإشكالية تنسجم معه مبانيها الفكرية والسياقات التاريخية والاجتماعية التي ظهرت فيها تلك الحلول ولعل المسيحية من أكثر الديانات التاريخية أنهماما واهتماما بظاهرة الخلاص البشري ، الخلاص من خطيئة آدم الأولى و من ذنوب البشر ( في الماضي الآن وفي المستقبل ) , حيث ان الطريق الوحيد والحصري (بحسب المسيحية ) لهذا الخلاص يكون عن طريق يسوع المسيح , فالمعتقدات الدينية في العصور الوسطى عالجت الخوف على أنه تأسيس على خطيئة، يسعى الفرد إلى تجاوزها من خلال معاناة دنيوية أملا في حياة أبدية؛ فالمذهب الكاثوليكي أوجد صياغات للمحن التي يمر بها الإنسان وكيفية معالجتها والبحث في المصير الإنساني ما بعد الحياة ... تشترك اغلب الأديان بفكرة الخلاص وضرورة ظهور منقذ او مخلص للبشر مع اختلاف في تمظهرات هذه الفكرة باختلاف الثقافات الدينية والاجتماعية. ابان عصر النهضة , قدمت الحداثة الغربية رؤية مغايرة للخلاص تشبعت بروح العقلانية المادية حولت مسار الخلاص من السماء إلى الأرض، فلم يعد طريق الإيمان بالله هو طريق الخلاص، بل المعرفة فقط وليس الإيمان هي طريق الخلاص , وهي رؤية نابعة من الاستقواء بمنجزات الحداثة العلمية والإيمان بقدرات العقل وتفرده في إدارة شئون الحياة بمنأى عن الدين. وبهذا تحولت مركزية الكون من الإله أو الكنيسة إلى الإنسان. إلا أن منجزات الحداثة الغربية العلمية والثقافية لم تتناسب مع قدرتها على سد منافذ الخوف المتولد من منتجاتها، وقد خرج الخوف من دائرة الوحدة إلى دائرة الشتات , فالخوف ( في الماضي وقبل عصر الحداثة ) كان ذا دلالة واضحة وباتت هناك مسارات معلومة لتجاوزه، فيما أضحى الخوف في مرحلة الحداثة يتسم بدرجة كبيرة من الغموض والتشتت، عائما دون عنوان بل إنه يستحوذ علينا دون سبب معقول . في هذا السياق، يرى زيغموند باومان أن الخوف يأتي في أفظع صوره عندما يكون مشتتاً وغامضاً، وعندما يستحوذ علينا من دون سبب معقول، بل إن تجربة العيش في أوروبا في القرن السادس عشر الذي شهد اقتراب ميلاد العصر الحديث تلخصها عبارة بليغة شهيرة هي "الخوف دائم في كل مكان"؛ فالطريق المأمول للهروب من معاناة الخوف، أثبتت الأيام بعد خمسة قرون أنه طريق دائري يعيدنا إلى المكان نفسه الذي بدأنا عنده، فيبدو أن الزمن الذي نعيش فيه هو زمن الخوف مرة أخرى (2) . ———————————————— (1) الأديان في الفكر العلمي من أنكساغوراس إلى مرسيا الياد ، مهدي جعفر ، مقال منشور في صحيفة المحطة الالكترونية. ( 2) الحداثة الغربية ووعد الخلاصة الإنساني / حسن محمد شافعي / مقال منشور مجلة مؤمنون بلا حدود.
#حسام_سعد_حسن (هاشتاغ)
Husam_Saad_Hasan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة الفرد و الجماعة , و جدل الانا والهوية
-
الائمة الاثني عشر …جدل التاريخ و المعتقد
المزيد.....
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|