|
جذورتحول الجمهوريات الثورية الى ميليشياوية
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 7594 - 2023 / 4 / 27 - 07:14
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
نراقب جميعا بأسى مايحدث اليوم في السودان من اقتتال وانهيار في الاوضاع العامة ومايتعرض له ومنذ استقلاله هذا الشعب الطيب الذي جمع اجمل مافي تراث افريقيا والعالم العربي في فنه وموسيقاه وملابسه الجميلة والمرح والتسامح الاجتماعي الذي تميز به . وقبله عشنا سنوات الاسى لما شاهدناه في سوريا من دمار عام وشامل للمدن وللحياة المدنية ومثلها في اليمن وليبيا والعراق ولبنان. واليوم تخضع احياء الخرطوم لقبضة ميليشيات الدعم السريع تجوب هاتفة "الله واكبر"، رعاع مسلحين يجوبون على البيكابات باسلحتهم (على غرار ميليشيات ليبيا والحشد الشعبي في العراق والحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان) . ان قائدهم في السودان كان تاجر بعران ( جمال) واصبح تحت الحكم الجمهوري فريقا عسكريا ( وصدام قبله مثلا اصبح مهيبا ولم يخدم يوما واحدا في العسكرية وابن عمه العريف علي حسن المجيد فريقا ووزيرا للدفاع ) . في السودان مئة الف من هؤلاء الميليشاويين عصابات العطالة البطالة تحت امرة حميديتي، ومائة الف في لبنان تحت حسن نصر الله، واكثر من مئة الف في العراق ومثلهم او اكثر في اليمن ومثلهم في ليبيا وفي سوريا، ويمكن تسميتها جميعا الجمهوريات الميليشياوية ( ستة جمهوريات هي العراق، سوريا، لبنان،اليمن ، ليبيا والسودان) ذات جيشين احدهما وطني والاخر ميليشياوي، وهناك عدا الستة نظامان جمهوريان ( مصر والجزائر ) بجيش واحد يمثل تماسك الدولة ، ولكن في جميع الجمهوريات الثمانية اما الجيش او الميليشيات تسيطرعلى كل مقدرات الدولة واجهزتها الجمهورية العتيدة. كيف وصلت الحال بهذه البلدان التعيسة ان يصار حكمها اما ديكتاتوريا عسكريا او بميليشيات اغلبها ولائية دينية او قبلية ، بعد ان كانت بعد الاستقلال دولا ملكية مستقرة ثم اتت انقلابات عسكرية قومية بدء من عبد الناصر حولتها الى جمهوريات دعيت ثورية وقومية وتقدمية وذات توجه اشتراكي ومناهض للامبريالية والاستعمار وغيرها من الاوصاف التي اغدق بها السوفيت عليهم واغرق بها السوق الفكري العربي من مفاهيم متطورة جدا عن الحكم التقدي وشكل الدولة التحررية والاقتصاد الاشتراكي العادل لتحل محل مفاهيم الغرب في البرلمانات والحياة الديمقراطية والصحافة الحرة والحريات الفكرية وحرية الاحزاب وحقوق المواطنة والتركيز على تطوير الاقتصاد الحر والاستثمار للتنمية. انها خزعبلات الغرب الاستعماري الاستغلالي للتحريض على النظم التحررية. كان الموعود ان النظم الثورية التقدمية المناهضة للاستعمار ستطور شعوب هذه الجمهوريات الفتية ، ولكن حصل العكس، فهي قوضت دولها ودمرت اقتصادها وقمعت شعوبها وجوعتها واقامت نظما ديكتاتورية واخيرا ادت لتحولها من الجمهوريات التقدمية الى جمهوريات ميليشياوية. في العراق وسوريا تطورت الى جمهوريات ميليشياوية مدعومة بصواريخ ومسيرات اية الله بقوة موحدة جبارة لتحرير القدس ، وجنوبا تحكم الطوق على الصهاينة فصائل حسن نصر الله ولهم احتياطي من الحوثيين، فأين المفر ياصهاينة . اما ليبيا فبطل زمانه ترك وراءه ارثا ودستورا ديمقراطيا ودولة عتيدة ولم يترك فراغا لبروز مليشيات تسيطر على العاصمة وعددا من المناطق، وفي اليمن اختفت الجمهورية واصبحت بجيب الحوثيين. السودان تاريخيا مثلهم . بدء بانقلاب النميري واعلن جمهورية السودان الديمقراطية عام 1969 وتبني الاشتراكية العلمية لتطويره ، ولكن نزاعه مع اثيوبيا افسد العلمية فيها حيث نافسه ميريام مانغستو لعمق اجتهاده وفهمه لحذافيرها مما جعل السوفيت (المرجع الأعلم الاعلى) يميلون للاخير واعتبرها النميري طعنة في الظهر فانقلب على الاشتراكية العلمية ونادى بالاسلام عقيدة ركبها الترابي والبشير من بعده وقرب الاخوان وجعل حميداتي تاجر البعران قائدا ، واذ تبدو انها مثل قصص الف ليلة وليلة بغرابتها، ولكن التحليل يظهر انه ربما هناك تطور بنيوي طبيعي ، مارسه النميري كما مارسه صدام ونظامه ، فالايديولوجيات مودة او موسم حج ، ما ان تنهي رواج واحدة حتى يتم تبني الاخرى ، اما الرجوع لله فهو ملجأ امن بعد فشل اي موجة و انتهاء كل مودة. بدأت الامور من مصر بعشرات من العمائم الماركسية جعلت ناصر الاخونجي يؤمن بالاشتراكية ولكن خليفته السادات تراجع للاخونجية، وتحولت نهاية الستينات مئات من العمائم القومجية لتنادي بالاشتراكية العلمية، واذ دار الموسم ، فالاخيرة اختفت وخرجت الوف العمائم الاصولية من اصحاب الفتاوى والمتفوهين بالعلم الالهي، يرددون الموت للغرب الكافر والموت للامبريالية وثوارا عتادا مثل سليماني وابي مهدي المهندس وابي قتادة وبن لادن من الاخرى ، واقلهم تطرفا الاخوان مثل الترابي والبشير اوحميداتي في السودان اتوا بعد تحول النميري للايمان ،ولم يكن اخرهم عندما اطلق اخينا صدام صيحته الايمانية عام 1996 بقيادة عزت الدوري للرجوع للاصل والأخذ من تاريخ العرب المجيد بما يفهمه الناس فهي خيرا من تلك الشعارات التقدمية والاشتراكية التي ابعدت الناس عن اصلهم وعروبتهم ودينهم ، ولكن قبلهم جميعا على ما اعتقد في اطلاق الحملات الايمانية كان الرئيس السادات وريث قائد الامة وملهمها البطل الرئيس عبد الناصر، فهو قائد الامة في انقلابات حركات التحرر الوطني المعادي للامبريالية والاستعمار وقضى على النظم الملكية الرجعية في العراق واليمن وليبيا وغير الملكية مثل سوريا والسودان . انها سلسلة تبدأ بتبني الديكتاتوريات للايديولوجيات ثم تتطور وتقطع مراحل هامة في تطوير النظم الجمهورية الديكتاتورية التقدمية الى جمهوريات ميليشياوية تجمع بين الايمان بالله ومعاداة الامبريالية والغرب وتدعو لخوض الجهاد وتطوير فن الميليشيات والعصابات ..نعم انها مرحلة متقدمة للتطور من النظم التقدمية الاشتراكية والثورية الى نظم ميليشياوية ايمانية، والرجوع للاصل ليس سبة بل فضيلة. ان مشروعي في هذه المقالة هو المحاولة للاجابة عن سؤال : هل توجد اسسا نظرية لفهم جذور واسباب انهيار تفسخ نظم الجهوريات العربية ، وإن وجدت فما هي ؟ وفي مقدمتي اعلاه استغللت الخطاب البلاغي المنمق المعتاد في عالمنا العربي ليطغي على جوهر الموضوع، وفيه ربما فائدة اذ يمكن استخلاص بعض الاسباب لفهم تحول نظم الجمهوريات العربية التقدمية الثورية الى جمهوريات ميليشياوية ايمانية ، فلا نظريات المؤامرة الشائعة في عالمنا العربي ، ولا طروحات قارئة الفنجان كانداليسا رايس بنظرياتها في الفوضى الخلاقة ،ولا طروحات المفكر البروليتاري العتيد سوسلوف بامكانية التحول للاشتراكية من دون رأسمالية ، فجميعها لاتصلح ولاتساعد على فهم هذه الظاهرة ، وربما ان الأمر ببساطة هو مثل صبغة الشعر تزول بالاستحمام او بالتقادم ليرجع الشعر للونه الأصلي الطبيعي، والصبغة هنا هي الايديولوجيا فلكل موسم صبغته مرة ثورية علمية اشتراكية ومرة قومية ومرة ايمانية والاخيرة هي اللون الطبيعي والتراجع للاصل عند الفشل ليس عيبا بل منطقا عمليا ولكن ماهي اسباب الفشل. جلبت الجمهوريات الانقلابية منذ عبد الناصر الويلات لشعوبنا منذ منتصف القرن الماضي بدءا في مصر وتلاه سلسلة انقلابات في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان ، وجميعها اليوم بلدان مهدمة ، مقارنة بنظم ملكية سميت بالف لقب ولقب منها رجعية ، اقطاعية ،عميلة للامبريالية والصهيونية ، معادية للتقدم ، ونجد اليوم شعوبها تتمتع بالامن ، ولها جيش واحد ، وحكومات كفوءة ، ومستوى اقتصادي جيد ، وبنى تحتية جيدة وصحافة جيدة وصارت لها جامعات واغلبها حتى الامس القريب كانت لا تمتلك عند منتصف القرن الماضي غير مدارس تعد على عدد اصابع اليد (في السعودية والكويت وعمان والامارات والبحرين والاردن وقطر ) وهي اليوم دولا معتبرة ومستقرة ومزدهرة اقتصاديا، وكل عشرة سنوات تجدها تقفز قفزة اخرى، بينما جمهورياتنا تتراجع كل عشرة سنوات لأسوء من التي قبلها بحكم التراكم للفشل الماضي مع جديد في ظل نمو سكاني هائل ، وبعضها غادرها ربع سكانها واغلب شبابها اليوم يركب مخاطر البحار ولايحلم الا بالمغادرة للغرب الامبريالي الكافر. يقف وراء الانحدار من نظم الجمهوريات الثورية التقدمية الى نظم الجمهوريات الميليشاوية الثورية عدة امور تبدأ من انقلابات على ملكيات متمدنة واليوم هي نظما جمهورية ميليشياوية ، وملكيات كانت بدوية قروسطية بالامس واصبحت اليوم دولا حديثة شبه متمدنة صاعدة ومستقرة ، فهناك اسبابا وهي ليست سرا لم يكتشف ، كونه خاضعا لاسباب موضوعية تقف وراء الفشل للاولى الجمهورية والنجاح للثانية الملكية، وبودي طرح اربعة منها وبصورة مختصرة. 1. قضية شرعية الحكم تقيم النظم الملكية شرعيتها على وراثة العرش ، اعلى الهرم ، ومنه تحسم اهم قضية تتكالب عليها العساكر والايديولوجيات وهي السلطة والكرسي وهما اهم مايشغلهم . اغلب الانظمة الجمهورية العربية افتقرت ومازالت لليوم تفتقر الى رئيس شرعي يتم انتخابه مباشرة من الشعب ليمارس سلطات اعلى الهرم وفق الفهم الكلاسيكي للنظم الجمهورية كي يستمد شرعيته ، فما يأتي بانقلاب وفق شرعية ثورية يزول بانقلاب وفق شرعية ثورية من نفس الصنف او من صنف اكثر مودة او رجوع للسلف الصالح ، وبموت الديكتاتور السيد الرئيس لا احد يعرف من يكون القادم ابنه ( بشار او عدي او جمال مبارك او اخ زوجته) ،وربما رفيق انقلابه ( السادات وصدام ) او حربا داخلية او انقلاب عليه ( عبد الله صالح ) او تولد فراغا لاتملأه غير تجار بعران في السودان او مجموعة متآمرة من الاخوان ومعهم ميليشيات وبرلمان. ان الانقلابية هي الطريق الوحيد لتغيير الرئيس وعداها هو او اولاده يتناوبون ( اي اللاشرعية تورث لاشرعية) . من ذلك تظهر النظم الملكيةميزة هامة انها تحكم بملك متوج يوصي وراثة لابنه من بعده ومنه ينفي التنافس الانقلابي بين العسكر او بين الاحزاب ومنه انهاء الصراع على رأس السلطة ومنه الاستقرار السياسي الذي لامكن تحقيقه في النظم الجمهورية العربية المعرضة لعواصف لاتعرف منىاين تهب والى اين تؤدي. بالطبع لو كانت نظما جمهورية منتخبة ديمقراطيا ودستورية ( أي انها شرعية ) لما حدث فراغ ونظام الحكم في مهب الريح سواء مات رئيسها او حتى لو غادر بلده لسنوات ، فالاستقرار السياسي والاجتماعي سمة للنظم الملكية الوراثية والجمهوريات الديمقراطية، والعكس صحيح النظم الجمهورية الانقلابية او ورثتها بعد الانقلاب اهم سبب للا استقرار والتدهور حيث الدولة هي سفينة تائهة في البحر وتتجه وفق الريح نحو التفسخ والاندثار .واللو كانت ديمقراطية ولكن كيف تتوقع من رئيس عسكري ان يتتازل عن رتبته وتعبه وتضحيته للوصول للسلطة ان يقوم طوعا باجراء انتخابات ويخسر ..انهم يمثلون ضمير الامة وشرعيتهم من ثوريتهم ومن انقلاب على العرش يستحقون ملكية البلاد وولاء العباد .
2. فشل تنظيم الدولة وادلجة اجهزتها ومؤسساتها تمتاز النظم الملكية بانها تفصل مؤسسات واجهزة الدولة عن التسيس الحزبي حيث تدين بالولاء للملك مباشرة ولاتخضع لحزب ولا تدين بولاء عقائدي غير الوطني اي الولاء للملك وللدولة ، وتبعد هذه الاجهزة على مسافة ما عن الحكومات ، الطبقة الثانية من الحكم والتي تمثل الوزارات التنفيذية بعدم فرض عقيدة الاحزاب الفائزة بالانتخابات لتشكيل الحكومة على موظفي الوزارات او اجهزة الدولة كونها مؤسسات عامة وليست سياسية عقائدية. النظم الجمهورية العربية لاتعترف بفصل اجهزة الدولة عن الحكومة وعن التحزب والعقائدية وتعتبرها انها سلطة واحدة خاضعة لرئيسها وحزبه والويل لمن ينافس الرئيس والحزب القائد. ان الملوك تستطيع اقالة اية حكومة تفشل او يخرج الشعب مطالبا بتغييرها او بسحب البرلمان للثقة عنها حيث أهم اجهزة الدولة مستقلة عن الحكومات ( الجيش، الشرطة ، هيئات الرقابة المالية ، سلطات وهيئات القضاء وهيئات النزاهة والمحاسبة الحكومية ، المخابرات وسلطات الامن الخ) . ان استقرار وكفاءة النظم الملكية يرجع لفصلها بين اجهزة الدولة والحكومة وابعاد الاولى عن التحزب. عكسها النظم الجمهورية الديكتاتورية فهي تدين بعقيدة رئيسها وحزبها الانقلابي ومنه تتحول اجهزة الدولة اوتوماتيكيا الى عقائدية حزبية مع الوزارات والحكومة بجهاز واحد ذو طابع حزبي واحد مؤدلج يعمل لصالح الرئيس ولمصلحة الحزب القائد ولأعضائه الحضوة والامتيازات، ولاعضاء العوئل المالكة العربية نفس الحضوة والالتزامات ولكن الاخيرة لاتقوم بفرض عقائدها على المجتمع كونهاغالب الاحيان هي دون عقيدة ( ايديولوجية ) سياسية معينة، وربما ذلك بالذات سبب نجاحها.
3. فشل الاقتصاد الاشتراكي المركزي يمثل الاقتصاد واحدة من القضايا الهامة في انهيار الجمهوريات الثورية العتيدة حيث مال العسكر الانقلابي ذي الشعارات القومية الثورية الى الاشتراكية وفق النموذج السوفياتي وتم تبني اسم الاشتراكية العلمية ثم العربية ، او بالعكس، وجعلوا ادارة الاقتصاد حكوميا ( مركزيا من الدولة ) ، وهو اذ كان موضوعا تجريبيا في العالم بانتظار نجاح السوفيت والمعسكر الاشتراكي فيه ،فقد تبنته الاحزاب والديكتاتوريات العربية وقام الانقلابيون واولهم عبد الناصر بتبني الاشتراكية وقام بتأميمات عام 1964 وضرب الرأسمالية الوطنية والبرجوازية المحلية تلاه السوريون والعارفيون في العراق والجزائر والسودانيون بمجيئ النميري والليبيون زمن قذافي ومنه اصبح العمال موظفين عند الدولة وهذه عند الديكتاتوريين هي ضربة عصفورين بحجر واحد، سياسيا بضرب البرجوازية والرأسمالية الوطنية وانهاء نفوذها السياسي والاقتصادي المنافس ، والثانية جعل معيشة الشعب تحت رحمة الدولة الديكتاتورية التي تمنع الاحزاب وممارسة الحياة السياسية خارج الحزب الحاكم ( قام ناصر بتأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي كحزب طليعي ومثلهما حزب البعث العراقي والسوري مثلا وجميعهم يستنسخون مثال الحزب الواحد السوفياتي) . بتحويل العامل الى موظف صار الاعتماد على التوظيف في الدولة اساس العيش لكل افراد المجتمع ، وبانكماش الاقتصاد بادارة بيروقرطية لموظفين حزبيين او بالواسطات وتوقف المؤسسات الاقتصادية بالتطور وعدم متابعة التحديث والتوسع ( وهي نتيجة ملازمة للمؤسسات الحكومية البيروقراطية عكس الخاصة) واشباع المؤسسات الحكومية والانتاجية بالموظفين الغير منتجين ادى لفشلها وعدم قدرتها على توسيع التشغيل ومع التصاعد الصاروخي لعدد السكان في المجتمعات العربية اصبحت البطالة الافة الكبرى التي تواجه هذه المجتمعات . ومن البطالة اصبح الانخراط في العصابات والميليشيات والحركات الاسلامية المتطرفة المسلحة مصدرا للرزق خصوصا لغير المتعلمين ،وسواء كانت الميليشيات مصدرا للعيش او لممارسة السطوة على المجتمع فهي احدى مظاهرالبطالة الاجتماعية فلو توفر العمل ربما لانخرط جزء كبيرا منهم في الاعمال الانتاجية في الزراعة او الصناعة او الخدمات. واذ ان اقتصاد الجمهوريات المتهاوية هو اساسا اقتصاد ريعي وليس انتاجي ،. وتستهلك ميزانيتها لدفع اجور ملايين العاملين بدون انتاج ولدعم القمح والشعير للتغذية والادوية للعلاج فانها لم تستطع توفير الموارد في الاستثمار وان استثمرت الحكومات فشلت لكون نموذجها الاقتصادي المركزي فاشل اساسا ( اثبتت تجارب دول صناعية متقدمة فشله ، فكيف بالدول النامية التي تفتقر للخبرة وحسن الادارة) وبالنمو السكاني اضحت الجمهوريات الثورية التقدمية دولا اجترارية بالكادد تولر لقمة الخبز وبقيت بناها التحتية مهدمة واغلب شعبها شبه جائع ويعم دوائرها واجهزتها الفساد الاداري والمالي. انها هيأت الظروف المؤاتية للتحول الى خلق فرص العمل في الميليشيات سواء الموالية للسلطة او تلك المناوئة لها، فبغياب العمل والرزق بالجهد يحل السلاح والارتزاق. 4. قضية التوجه للدين وبروز التدين السياسي في ظروف انحسار النظم الثورية التقدمية الديكتاتورية وفشلها في التنمية وانتشار الفقر تم اللجوء الواسع الى الله بنوعيه الاخواني والملالي احدهم كون قوته وميليشياته في الشرق في العراق وسوريا ولبنان واليمن والاخر في سوريا ومصر وليبيا والجزائر وتونس وفي السودان . كانت نقطة المواجهة في سوريا وكان اية الله ومن معه على جهة واردوغان وقطر ومن معهم على الاخرى وهكذا اصبحت الجمهوريات امارات محجوزة عند الاخوان والولائية الملالية . ان التحول للاسلام السياسي جاء للاسباب الثلاثة اعلاه فالوصول للسلطة عن طريق الانقلابات وصبغ الدولة واجهزتها بالايديولوجيات وفشل الاقتصاد المركزي بأسم الاشتراكية من قبل نظم العسكر الثوري التقدمي وتنامي البطالة والفقر هيأ البديل الديني بخطاب يهيمن لى البطالة عطالة وسهولة تثويرهم باسم تعاليم الله وعدالة الاسلام والصحابة والخلفاء تارة واخرى بأسم ال البيت ، كل ذلك جعل صبغ هذه الجمهوريات باللون الديني والميليشياوي سهلا ونشكر الله ونحمده انه كتب لمصر السيسي ولتونس قيس سعيد حيث اوقفا المد الاخونجي وللسودان ربما دورا لعبد الفتاح البرهان يشابههما . خلاصة اني اردت ان اجد في قرائتي اعلاه لسيرة حياة الجمهوريات الخائبة اسسا تبين كيفية تحولها من جمهوريات ثورية تقدمية تتبنى خطا اشتراكيا ومعاديا للامبريالية الى جمهوريات ميليشياوية ولائية دينية. ويمكن فرز روابط واسسا لهذا التحول الغريب، ومنها مثلا فشل نموذج الحكم المؤدلج ودولة الحزب الواحد كبديل عن بناء دول ومجتمعات ديمقراطية وفق نموذج الدول الاوربية الديمقراطية ( الامبريالية وفق التصنيف السوفياتي)، ومنها فشل الاقتصاد المركزي الاشتراكي كبديل لتنمية اقتصادية تعتمد على القطاع الخاص وتوظيف ودعم الرأسمال الوطني وجذب الخبرات والاستثمارات وفق النموذج الغربي والذي يسموه رأسماليا ( وفق التصنيف السوفياتي ايضا) ، وان فشلهما معا كنظام حكم واقتصاد قد خلق الظروف المؤاتية للرجوع للاصل ، الى الدين ومنه الى التدين السياسي ، تماما كما يحدث توجه الناس الى الله عند الافلاس او الوقوع بمصيبة ، ومنه انحدار هذه الجمهوريات من ثورية قومية تقدمية واشتراكية ، ،الى امارات ميليشياوية، خلال اقل من نصف قرن ، واذ لازالت تحمل لليوم اسم جمهوريات ولكن واقعها يقول انها كانت دولا حطمتها الانقلابات والايديولوجيات وسيطرت عليها اليوم دول ميليشيات . د. لبيب سلطان 27/05/2023 ====================== كان المحفزلكتابة هذه المقالة هو بحثي لمدة اسبوع كامل لمحاولة فهم من اين اتت ميليشيات الدعم السريع لحميديتي وكيف صار تاجر بعران قائدا عسكريا لمئة الف من الجياع، وهل هو كان من الاخوان او مناصرا لهم ولكني لم اجد ان له ايديولوجيا معينة او توجه ديني واضح كالفصائل الولائية العراقية مثلا بل هناك تشابها فقط من ظروف واسباب النشأة اضافة من الناحية الاقتصادية ان الميليشيات في العراق تسيطر على المنافذ والموانئ وسيطرات الدخول للمدن وتهريب النفط والمخدرات ويوفر لها مئات الملايين من الدولارات اضافة لاعتراف من الدولة وتخصيص ملياري دولار سنويا لها من ميزانيتها ويعتبر جهازا من القوات المسلحة اي موازيا للجيش الوطني اقر رسميا زمن العبادي، ولحميداتي مناجم الذهب واعتراف الدولة به وميليشياته رسميا زمن البشير ، ولكني اردت معرفة اساس مشكلة السودان ووجدت انها نفس اساس مشكلة العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان الاختلاف فقط بالتفاصيل ولكن الجذور والاسس هي واحدة بدءت بذورها من الانقلابات العسكرية منذ عبد الناصر على الملكيات والنظم الدستورية واقامت الديكتاتوريات العسكرية والامنية مصبوغة بالايديولوجيات الثورية والقومية والتقدمية وبها تم تدمير الدول والااقتصاد وانتهت للرجوع للاصل الاسلاموي والى الدول الميليشياوية من الثورية التقدمية ذات التوجه الاشتراكي كما صنفوها بعد الانقلابات منتصف القرن الماضي.
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في علاقة النظم السياسية بنظم الذكاء الاصطناعي
-
الغزو الاميركي للعراق ـ3
-
الغزو الاميركي للعراق 2
-
الغزو الاميركي للعراق ـ1
-
في رحيل الاخ الصديق ابراهيم الحريري
-
نحو خلق ثقافةعربية علمانية جديدة متحررة -2
-
نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية
-
فهم الله وألدين والعلمانية اولى خطوات الاصلاح العلماني العرب
...
-
العوامل الدولية في اخماد انتفاضة اذار 1991 الخالدةـ وفق دفات
...
-
فهم الله اولى خطوات الاصلاح العلماني العربي-1
-
باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ
-
قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
-
قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
-
العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2
-
العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -1
-
من ذاكرة طفل عن فاجعة 8 شباط 1963
-
بحث في نجاح النظم الملكية وفشل الجمهورية في العالم العربي
-
فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3
-
فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
-
فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|