يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 7586 - 2023 / 4 / 19 - 20:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالرغم من أن " البارقليط " مفهوما عقائديا مسيحيا - ويعني الروح القدس ، ولكن شيوخ الأسلام يرقعون تفاسير نصوص موروثهم ، ويقولون المعني ب الباراقليط هو رسول الأسلام محمد ، هذا ما أود أن أبحث فيه في هذا المقال .
الموضوع :
1 . لنبدأ أولا بالتعريف ( فكلمة “ البارقليط ” ad-vocatus باللُغة اليونانية تعني الشخص الذي نستدعيه إلى نجدتنا . إنّه بلُغة اليوم “المُحامي” المُستدعى إلى جانب المُتهم لكي يُدافع عن قضيّته ويصِل بها إلى ملء النجاح . الروح القُدُس الذي أرسله إلينا الإبن هو البَارقليط . وهو الآن إلى جانب التلاميذ وفيهم ، لكي يُعلِّمهم ويُرشدهم إلى الحقيقة كلّها - أنجيل يوحنا 16-13 . وهو”البارقليط الآخر“، لأنّه أُقنومٌ إلهيّ آخر بالنسبة إلى يسوع والآب ، وهو سيَحِلُ محلَّ يسوع الذي صعد إلى السّماء ، فيُتابع إنجاز رسالته الخلاصية ، فيُعلِّم الحقّ ، ويذكّر بكلام الإنجيل ، ويُوحي بالإستقامة ، ويُشَجّع على أعمال البرّ ويُثَبّت في الإيمان والرّجاء ، ويُدافع عن الخطأة ويشفع بهم أمام الله الآب / نقل بأختصار من موقع فريق اللاهوت الدفاعي ) .
* أذن البارقليط هو الروح القدس المرسل من قبل المسيح ، لتثبيت قوة وأيمان تلامذة وأتباع المسيح بعد صعوده للسماء . وهو المعزي - المُعطى للتعزية ، أي أنه عمل الله وخطته الموضوعة لخلاص الإنسان عبر تحريره من الخطيئة .
2 . أسلاميا ، يعتقد شيوخ الأسلام أن الآية التالية " وَأَمَّا الْمُعَزِّي ، الرُّوحُ الْقُدُسُ ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي ، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ / أنجيل يوحنا " ، هي بشارة من المسيح بمحمد ، أي أن المعزي / الروح القدس ، هو رسول الأسلام ، وقد جاء في موقع / الأسلام سؤال وجواب ( هذه الجملة الواردة في إنجيل يوحنا هي من بشارات عيسى بن مريم للحواريين ببعثة النبي ، وأصل الأمر أن عيسى قد بشَّر بالنبي محمد " أحمد " ، فجاء المترجمون لهذا الاسم العَلَم فحوَّلوه إلى صفة ، وأطلقوا عليها اسم " بيريكليتوس " PERIQLYTOS أو PARACLYTOS والتي تعني القائم بالحمد الكثير ، فعربوها إلى كلمة " فارقليط " ، ثم ترجموا هذه الكلمة بالعربية إلى المعزَّي أو المحامي أو الشفيع ) .. وسعى المسلمون الى تقريب هذه اللفظة / البارقليط بتحويراتها المتعددة ، لتكون قريبة من أسم محمد رسول الأسلام ، ( وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول : إن هذا اللفظ اليوناني الأصل ، لا يخلو من أحد حالين ، الأول أنه باراكلي توس فيكون حسب قول النصارى بمعنى: المعزي والمعين والوكيل . والثاني أنه يروكلوتوس فيكون قريباً من معنى: محمد وأحمد . ويقول أسقف بني سويف الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا: إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليلاً يصير "بيركليت"، ومعناه: الحمد أو الشكر / نقل من مقال لمنقذ السقار - موقع المكتبة الشاملة الحديثة ) .
* والتساؤل هل يعني أن تحوير كلمة البارقليط الى " الحمد أو المحمد " ، أن يكون المقصود بها هو رسول الأسلام محمد .
القراءة :
سوف لن أخوض في أشكالية تحوير أو تغيير أو ترجمة أو تحريف أسم البارقليط ، التي تبناها شيوخ الأسلام ، ودفعوا بكل التأويلات والتفسيرات - من أجل مطابقة البارقليط لأسم محمد رسول الأسلام / وفق ما مذكور في أعلاه ، وذلك لأن الأمر أستوفى شرحا في الفقرة (2) أعلاه ، ولكني سأفترض جدلا أن البارقليط الذي بشر به المسيح / وفق أنجيل يوحنا - الآية أعلاه ، هو رسول الأسلام محمد ، وسأبني قراءتي على هذه الفرضية ، وما يترب من نتائح على ذلك :
أولا - لو صح أفتراضي ، بأن محمدا هو البارقليط / أي الروح القدس ، أذن سيكون رسول الأسلام يمثل الأقنوم الثالث من العقيدة المسيحية - " الأب والأبن والروح القدس " ، ويمكن في هذه المعادلة ، أن نضع أسم محمد بدل الروح القدس ، فتصبح المعادلة " الأب والأبن ومحمد " . ولكن هذه الفرضية ، ستخالف نصا قرآنيا صريحا ( َلقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٍۢ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ / 73 سورة المائدة ) ، من جانب أخر أن الأقانيم الثلاثة ، مبدءا مسيحيا عقائديا ، أي أن الله واحدا في ثلاث أقانيم ( أن الله أعلن ذاته في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، إلهاً واحداً لا نظير له ولا شريك في ثلاثة أقانيم : الآب والابن والروح القدس ، الآب هو الله ، والابن هو الله ، والروح القدس هو الله ، لا ثلاثة آلهة بل إله واحد ، ذات واحدة نقل بأختصار من موقع الخدمة العربية للكرازة بالأنجيل ) ، وهنا وقعنا في أشكالية أخرى ، وهي أن محمدا / أي الروح القدس - هو الله ، وفق معادلة الأقانيم الثلاثة . وهنا الفرضية لا يمكن أن تقبل وفق العقيدة الأسلامية ، ونذكر بنص الآية 73 من سورة المائدة أعلاه .
ثانيا - هذه الفرضية سوف تجرنا الى فضاءات أخرى / أي لو كان محمدا هو الروح القدس ، من أجل متابعة وتكلمة دور المسيح مع تلامذته وتابعيه ، والتي تتركز على " مُتابعة إنجاز رسالة المسيح الخلاصية ، والتذكّر بكلام الإنجيل " ، وأيضا " كل ما قاله المسيح لتلامذته ، وتثبيت أيمانهم " ، والسؤال كيف لمحمد أن يذكر بكلام المسيح المبني على المحبة والتسامح والغفران ، وهو القائل / أي محمد ( وعَن ابن عُمَر ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ / حديث مُتفقٌ عليه ) . وأيضا كل ما قام به محمد من غزوات وسبي وقتل للأسرى .. ، فنهج محمد لا يتفق مع فلسفة المسيح في الغفران والتسامح والمحبة " مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا ، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا " . أذن هذه الفرضية أيضا لا تعمل من حيث تناقض سيرة محمد مع رسالة المسيح .
ثالثا - هذه الفرضية تصطدم بفارق زمني أمده حوالي ست قرون ، لأن المسيح قال " وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ(ἄλλον παράκλητον – allon Parakleton) لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ . لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى . إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ / نقل من موقع الأنبا تكلا هيمانوت " . أي أن المسيح أرسل روح القدس ليرافق التلاميذ والتابعين في رسالته الخلاصية ، فكيف يتم ذلك ومحمد لم يكن مولودا بعد ! / ولد بعد ست قرون . أذن هذا الفرضية أيضا لا يمكن قبولها لا عقليا ولا منطقيا ! .
رابعا - وفق الفرضية أعلاه ، تؤكد أن محمدا هو حلقة تكميلية من حلقات المسيح التبشيرية بالخلاص - عقائديا ، فهل يصح ذلك ! ، لأن ذلك الأمر سيلغي الأسلام كدين ، وسيخالف النصوص التي تؤكد على أن الأسلام هو الدين عند الله ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ / 19 سورة آل عمران ﴾ ، وسيضادد أيضا ، من أن محمدا هو خاتم والأنبياء الرسل ، والذي يجب أن يتبع ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا / سورة الأحزاب:40) . أذن أيضا لا تصح هذه الفرضية / التي تقول بأن محمدا هو الروح القدس ، لا عقائديا ولا بالنسبة لبعثة الأنبياء والرسل .
خاتمة :
سوف لن أستطيع عن أدافع عن فرضيتي أكثر مما أسلفت - كون أن محمدا هو البارقليط ، وذلك لأني وضعتها على سبيل الجدل ، ومهما ما قيل ويقال من قبل شيوخ الأسلام ، من أن محمدا هو الروح القدس ، فأن القضية لا يمكن أن تتفق مع حسابات الواقع والمنطق ، وذلك لأن محمدا لا يمكن أن يكمل ما بدأه المسيح في رسالته ، فالسيرتين مختلفتين في النهج ، وطريقهما لا يلتقيان ، وذلك لأن المسيح قال " أنا هو الطريق والحق والحياة " ، أما محمدا فطريقه غير ذلك ، لأنه القائل : " تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ / أخرجه الإمام أحمد " .. نقطة رأس السطر .
#يوسف_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟