|
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 27 - الخط العربي ومدرسة بغداد الإبداعية في الخط. ومجالس الغناء في بغداد
خيرالله سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 7586 - 2023 / 4 / 19 - 08:32
المحور:
الادب والفن
الحلقة 27 من مسارات الحروف وكـواليس الكتـابة . * * * * الخـط العربي ومدرسة بغـداد الإبداعية في الخط. ومجالس الغنـاء في بغـداد ح 27 .
10- الجزء العـاشر – حمل عنوان : ( مدرسة بغـداد العباسية في الخط العربي ) .
* كـان ( الخـط العربي ) في محمولاتي الثقافية مجرد زهـوٍ أظهـر فيه أمام بعض زمـلائي في مرحلة الطفولـة ، وأنا أمارسه من الصف الرابع الابتدائي ، عندما كانت ( كراسة الخط العربي – للأستاذ هـاشم محمد الخطـّاط البغدادي المعروف ) قد فرضت علينا في المنهاج الدراسي لعام 1963 – 1964م ، وكنــّا – وقـتذاك- أطفالاً تحكمنا براءة الفعل ، وكم كـنـّا نتفاخر – نحن الطلبة الخطـّاطين – على بقية زملائنا عـندما نحصل على الدرجة الكاملة في الخط العربي ، هـذه النشوة الطفولية أخـذت تسـري في كـامل كيـاني المعرفي ورافقتني سنة بعـد أخرى في كل مراحل حياتي ، حتى بـدأت أمارس ( مهـنة الخـط ) وأنا في مدينتي الشعبية ( مـدينة الثـورة ) شرقيي بغـداد ، وقـد بـدأت عـلامات التجـذير لهـذا الفن تستقـر في روحي ، في أي مكان أحـلُّ فيه ، فهـو ( الإسـقاط اللاّواعي ) الذي أمارسه في أيِّ لحظة صفاء أو شرود تعـنُّ على خـاطري . حينما غـادرت العـراق عام 1978م الى المنـافي المتعـددة ، كانت أدوات الخـط لا تفارق حقيبتي اليـدويـّة ، وعندما بـدأت ( العمل الكتـابي ) والاشتغال بالصحافة اليومية والشهرية والفصلية ، كانت مقالاتي ودراساتي تقبل بشكل سريع ، نظراً لجـودة الخـط الذي كنت أكتب فيه مقالاتي ، زائـداً حسن اختيار الموضوعات التراثية التي كنت أبحثها أو أتطرق إليها في هـذه الكتابات والدراسات . وكان أول بحثٍ لي أكتبه بشكل متكامل كان عن ( الخـط العربي وتاريخيته ) عـام 1995م ، وحينما غـادرت دمشق مكرهـاً عام 1993م ، وتـوجهـت الى موسكو لإكمال دراساتي العليا في مرحلة الماجستير ( كان الخـط العربي ) هـو الموضوع الأرأس الذي يشغل فكري ، فقـدّمت فيه أطروحتي تحت عـنوان ( خطـّاطو بغـداد في العصر العبـّاسي ) في منتصف عام 1996م فحصلت على الامتياز وبتقـديرٍ عـالٍ على هـذه الأطروحة . شكـّلت ( هـذه الأطروحة ) عاملاً إيجابياً لي لأن أخطو الى موضوعٍ أكبر هـو ( الوراقون في العصر العبـّاسي ) إذ أن التخـالط والتشابك المهـني بين الخطاطين والورّاقين ، كان من الصعوبة بمكان فصلهـما عن بعضهما البعض في أروقـة سـوق الوراقين ببغـداد في العصر العبـّاسي ،الأمر الذي وسـّع مداركي كثيراً في تلك الموضوعتين ، وهـو ما انعكس إيجابيـّاً وبشكل لافت على العمل الكبير الذي أنجزته في موسوعتي التراثية ( الوراقـة والورّاقـون في الحضارة العربيـّة الإسلامية – بأجزائها السـتـّة )* ولذلك صار أفـق العمـل مع ( الخطـاطين ) يفرض عليّ وجـوده المسـتـقل ، من الناحية الإبـداعية والأكـاديمية ، فتفرغت إليـه لإصداره بعـملٍ مستقـلٍّ ، كي يسهل الرجوع إليه ، كمصدر في الثقافة العربية – الإسـلامية ، يـؤرّخ لهـذه الظـاهرة الفنـيـّة الإبـداعية في مسارهـا التاريخي في ثقافة العرب والمسلمين ، وهـو ما كان ، وقـد شملت مساحـة العمل ستـّة أبـواب رئيسيـّة ، تـوزّعت على الشكل التـالي : * الباب الأول: المراحل التاريخية للخط العربي . * الباب الثاني: الخط في العصر العباسي. * الباب الثالث: مدرسة بغـداد في الخط العربي. * الباب الرابع: استقرار قاعدة الخط العربي في بغـداد. * الباب الخامس: ياقوت المستعصي آخر المدرسة البغدادية في الخط العربي. * الباب السادس: شخصية الحرف العربي. وهـذه الأبـواب اشتملت على 23 فصلاً ، والتي حـاولت من خلالهـا أن ألـُـمَّ بالموضوع من كـافة جـوانبـه التاريخية والاجتماعية والثقافية ، في إطـارٍ صارمٍ من البحث الأكـاديمي ، ولا أدّعي الكـمال في هـذا العـمل، وحسبي الاجتهاد ، ولكل مجتهـدٍ نصيب . * صدرت هذه الموسوعة في بيروت عام 2011م . * * * 11- الجزء الحـادي عشر – حمل عـنوان ( مجالس الغنـاء في بغــداد في العصر العبّـاسي ) ج 11 . وكانت ظاهرة الجواري ـ لا سيما المغنيات منهن ـ تشكل ظاهرة فريدة في الغناء، واصبحت منازلهن مأوى لرواد السماع من الادباء والفصحاء ورجالات السياسة والادب، ناهيك عن كثرتهن في قصر الخلافة، وقد اورد ابو حيان التوحيدي، مقاربة اولية لعددهن فقال: "بأنه وجماعة من اهل الكرخ، قد احصوا 460 جارية في الجانبين ـ يقصد الكرخ والرصافة ـ 120 حرة، و 95 من الصبيان، يجمعون بين الحذق والحسن والظرف والعشرة. هذا سوى من كنا لا نظفر به ولا نصل اليه، لعزته وحرسه ورقباؤه". من هنا تتوضح امامنا معالم ذلك العصر الفنية والابداعية والنفسية بآن معاً، وقد شكلت "مجالس اللهو" احدى الظواهر المميزة لذلك العصر، الحالة التي توجب وجود الندماء والمغنين من الجنسين، وممن تتوفر فيهم صفات الظرف والظرافة، أي الادب وبداهة الطرفة، لكل حالة تحدث، اثناء المنادمة او المجالسة في تلك المجالس، وقد صور "الشابشتي" مجالس اللهو والشرب في اكثر من موضوع تكون فيه المنادمات الشعرية والغنائية لهؤلاء. فيما اعتبر (ابو المطهر الازدي) ان هذه المجالس هي احدى المفاخر لأهل بغداد على اهل اصبهان، حيث يحدد ميزات وصفات رواد هذه المجالس . هنا، تبدت امامنا ملامح تلك الشخصيات الادبية والثقافية والفنية، لرواد هذه المجالس، وبمعنى اخر ان هذه الاشتراطات هي احدى مقومات الظرف والظرفاء بتلك الفترة، وهذا يعني ايضاً، ان هذه الصفوة المثقفة تستطيع تسيير حالة ابداعية في الفن ضمن منظورها المعرفي، والّا كيف وصفت بهذه النعوت والاوصاف، بل ذهب "الوشّاء" اكثر من ذلك، عندما وضع كتاباً سماه "الظرف والظرفاء" يحدد فيه ميزة تلك الفئة المثقفة من الناس، وعلى تلك الاشتراطات الاجتماعية والثقافية، كانت مجالس اللهو تعقد بين العامة، اكثر منها في الخاصة. وهذه المجالس، بمواصفاتها تلك كانت مرتعاً للأدباء والشعراء والمتصوفة ايضاً، حيث كانت تعقد فيها المطارحات الشعرية واللحنية، ومدارات الغزل تحوم حول الرؤى والأفئدة، فتتفجر احاسيس الابداع ـ شعراً وغناء ـ بين اطراف المجلس ذكوراً او إناثاً. وحضور القيان ـ او الجواري المغنيات ـ في تلك المجالس، هو الدافع الاقوى في تحريك وتجييش غرائز النفس الشهوانية والابداعية، وهو الامر الذي انتبه اليه الجاحظ فقال فيه: "فاذا جاء باب القيان اشترك فيه ثلاثة من الحواس، وصار القلب لها رابعاً، فللعين النظر الى القينه الحسناء والمشهية اذ كان الحدق والجمال لا يكادان يجتمعان لمستمتع ومرتع، وللسمع منها حظ الذي لا مؤونة عليه، ولا تطرب آلته الا اليه، وللمس فيها الشهوة والحنين الى الباه، والحواس كلها رواد للقلب وشهود عنده". ومن كلام الجاحظ نستشف كوامن الابعاد النفسية والروحية واسباب معللات النفس بعشق هذا الصنف من النساء، واللاتي يحركن كل المشاعر بوجودهن كعالم متم لعالم الرجل، ومن ناحية اخرى /في هذه المجالس/ قد يحدث استجماع لأكثر من حاسة من حواس الانسان في لحظة معينة، وتتوحد الرغائب لخلق حالة من الروح الانساني للذات البشرية، فتطير بفضاء رحب، تاركة كل الهموم وراءها، وربما كانت هذه اللحظة هي لحظة الاصغاء الى هذه المغنية أو ذاك المغنّي . * وثمة أمر ملفت للانتباه، ساد المجتمع البغدادي ـ وقتذاك ـ هو حالة التعاطف الوجداني والانساني بين طبقات المجتمع، المتوسطة والمسحوقة ـ على الاكثر، رغم اختلاف المذاهب الدينية والسياسية، وهو ما نلمسه في انعكاس الحالة الاجتماعية في الادب ،وخصوصاً الشعر، فهو القناة الوجدانية للعاطفة الانسانية ـ الغير مراقبة ـ بل النازعة نحو التحدي والإشهار ضد القمع والاضطهاد. وقد جسد الشعر، اجمل حالات التأسي الانساني والتضامن الاجتماعي، في اجمل القصائد الشعرية . * وكما كان للأدب تأثيره ، كان للفـن تأثيره هو الآخر حيث سادت في ذلك العصر الزاهي مدارس فنية في الغناء، وتخصص لم يكن له مثيل في الموسيقى وادواتها، وشكل اساطين الغناء، الروافع الاساسية في تلك المدارس، فاسحاق الموصلي، كان بعد ابيه (ابراهيم) الذروة في اللحن والغناء، فيما كان منصور الضارب والمعروف بـ "زلزل" أبرز اهل زمانهِ في العزف على العود، وهكذا الامر بالنسبة لطبقة المغنين الاولى في العصر العباسي، والتي كانت تحت رعاية واشراف الخلافة العباسية، وهذه "الطبقة" هي التي وضعت اسس الغناء وركائزه الاولية فاختارت الاصوات المئة، وثَبّتَت مقومات الغناء لذلك العصر، وفتحت "المعاهد الفنية" لتعليم الجواري الغناء، وصار من الصعب اختراق هذه الطبقة، إلا بحالة نادرة كالتي ظهر فيها زرياب، من حيث الاتقان الموسيقي والأداء الصوتي والثقافة الأدبية. * ومن هذا الوسط الفني، الذي غادره زرياب الى ارض الأندلس خرج منه وسطاً فنياً آخر، لم ينحصر وجوده بين اوساط الطبقة الحاكمة، بل ترعرع ونشأ في الاوساط الشعبية "مسجلاً حالة من الارتقاء الفني بالغناء والموسيقى تجاوزت كل ما قبلها من حيث السعة والانتشار، بل شملت هذه الظاهرة الفنية الوسط النسوي، ومن مختلف اوساط المجتمع العباسي، بدءً من قصر الخلافة، وانتهاء بالحانات والملاهي، متجاوزة بنموها وتطورها كل ما من شأنه ان يعيقها، ان كان على المستوى السياسي او الاجتماعي او الديني، بحيث اختلف فقهاء الدين حولها، بين مؤيد ومعارض، في الوقت الذي كان الناس يشترون الجواري والمغنيات ويسعون الى تهذيبهن واعدادهن فنياً عند أساطين الغناء، وغدت مجالس الغناء البغدادية، من مظاهر التفاخر لأهل بغداد على سواهم من بقية الامصار الاسلامية، حيث أننا ما زلنا حتى اليوم نتذكر اسماء المغنين والمغنيات، بل تفرد أكثر من مؤرخ لرصد هذه الظاهرة وتسجليها، كما فعل ابو الفرج الاصبهاني، بموسوعته الجميلة والفريدة "كتاب الاغاني"، وكذلك فعل كتـّاب المقامات ومؤرخي الادب والفن لتلك الفترة، بحيث ان المتتبع سيقف على ثلاثة انواع رئيسية لمجالس الغناء في المجتمع البغدادي. وقـد أَصَّلَ المتصوفة السماع، وذلك من خلال تنظيراتهم له، وتواجدهم فيه "من الوجد" معتبرين ـ السماع ـ أحد الحالات التي يبدأ الكشف فيها عند وصول القطب أو المريد الى أقصى حالات الوجد ـ وهو أمر فريد في الثقافة العربية الاسلامية. كـما عزز الفلاسفة بآرائهم مسالة الغناء والسماع، وربطوها بفلسفة الكون والاعداد والفلك، مؤسسين بذلك ـ نظريات جمالية للفن ـ سبقت الحضارة الاوروبية وغيرها من الحضارات، كما فعل الفارابي واخوان الصفاء. وقـد برزت آراء معرفية ـ أيضاً ـ عند أساتذة الغناء، في فلسفة الصوت والنغمة وتأثيرها بالنفس، سبقت الفلاسفة ـ بالظهور والتنظير، حيث أنهم أشاروا الى أن مسألة السماع، تخضع الى المدرك الحسي والجمالي للفن، بدرجات متفاوتة. * وشكلت الموسيقى والسماع، واحدة من اهم الركائز الاساسية في الثقافة العربية ـ الاسلامية. فيما كانت المجالس الفكرية التي تناقش فلسفة السماع والموسيقى، تبدأ بالغناء كفعل تطبيقي، لتأثير الموسيقى على النفس ـ وكانت هذه المجالس، محط اهتمام النخب السياسية والفكرية في المجتمع العباسي. ولذلك قمنا بتقسيم موضوعات هـذا الجزء على الأبواب والفصول التالية : * الباب الأول : مجالس الغناء . مدخل ومقدمة للموضوع . الفصـل الأول : مقومات الغناء . الفصل الثاني : الغناء والمجتمع . الفصل الثالث : محاسن الغناء وفضله . الفصل الرابع : طقوس الغناء . الفصل الخامس : أنواع مجالس الغناء . الفصل السادس : أشهر المغنيات : الفصل السابـع : نوادر في مجالس الغناء . * الباب الثاني : حوار فلسفي في الموسيقى . مقدمة للموضوع . الفصل الأول : ثقافة العصر الموسيقية . الفصل الثاني : إضاءة قصيرة للحوار . الفصل الثالث : ليالي الحـوار . الفصل الرابع : أحاديث فلسفية في الموسيقى .
* خاتمـة واستنتاجات . * أسماء المصادر والمراجع . * * *
12- الجزء الثاني عشر ( مكتبات العراق في العصر العباسي ) ج 12 . * لقد كان لنا اطـلالة تاريخية على حواضر العراق القديمة، كشفت لنا عن شمول العراق، من أقصاه إلى أقصاه، على معالم ثقافية أفرزتها مختلف الحضارات التي ترعرعت فيه قبل وبعد الميلاد، وهو أمر لا مناص من الاعتراف به، كونه يشكل حالة متطورة بشكل مضطرد، تؤكد حضورها التاريخي، وبالتالي تعلّم على كونها نمت في هذا الحاضن الجغرافي - العراق - الأمر الذي يعكس حالة التطور والوعي عند أهله، فالثقافات اللاحقة على هذه العصور القديمة لم تأت من فراغ، بل جاءت متراكمة بشكل حضاري كان أوج انفجاره بالعصر العباسي، عندما أصبحت بغداد حاضرة الدولة الإسلامية، وموئل العلم والعلماء. إن هذا التواصل التاريخي في المناحي الثقافية والاجتماعية يؤكد استمراره الحضاري الصاعد ويؤكد من الوجهة الاجتماعية، أن سكان هذه البيئة هم أقبل للفعل الحَضاري والثقافي بآن معاً. وما الكشوفات الأثرية لتلك الأوابد إلاّ دليلاً على ما نقول، فهو الشاهد المتروك حيا عبر آلاف السنين . إن القراءة والكتابة اصبحت ديدناً لرجالات ذلك العصر النيّر، حتى أنها صارت ظاهرة تمس مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث الجميع ينصرفون إلى طلب العلم والتأليف، ولا فرق في ذلك بين كبير وصغير، فقد كان الناس، حتى الخلفاء والوزراء، ممن أولع بتأليف الكتب وتصنيفها، فعبد الله بن المعتز ألـّف كتاب البديع وكتاب أشعار الملوك وطبقات الشعراء وكتاب الزهر والرياض، وكتاب مكاتبات الإخوان للشعر، وكتاب الجوارح والصيد، وكتاب السرقات، وكتاب الآداب، وكتاب حلي الأخبار، وكتاب الجامع في الغناء، وكتاب ارجوزته في ذم الصبوح. وقد عرف عنه أنه كان يقصد فصحاء الأعراب ويأخذ عنهم . ثم هناك أبو دلف (القاسم بن عيسى بن معقل بن ادريس العجل) سيد قومه، كان أميراً، أخذ عنه الأدباء والفضلاء والشعراء المجودون وله صنعة في الغناء، ألّف الكتب منها: كتاب البزاة والصيد، وكتاب السلاح، وكتاب النزه، وكتاب سياسة الملوك . ومن الوزراء المشهورين بالأدب والفصاحة والتأليف وحب القراءة الفتح بن خاقان - وزير المتوكل - الذي قتل معه سنة 247هـ. كان في نهاية الذكاء والفطنة وحسن الأدب، من أولاد الملوك، اتخذه المتوكل أخاً له، وكان يُقدمهُ على سائر ولده وأهله، كان له خزانة كتب جمعها علي بن يحيى المنجم، لم يُرَ أعظم منها كثرة وحسناً، حتى أن داره كانت محضراً لفصحاء الأعراب وعلماء الكوفيين والبصريين من علماء النحو وغيرهم، يقول أبو هفان عن المشهورين الثلاثة في القراءة والتبصر في الكتب ما يلي : ثلاثة لم أر قط ولا سمعت أحب اليهم من الكتب والعلوم، الجاحظ، والفتح بن خاقان، واسماعيل بن اسحاق القاضي. فأما الجاحظ فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلاّ استوفى في قراءته، كائنا ما كان، حتى أنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر. والفتح بن خاقان، فإنه كان يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيام لحاجة أخرج كتاباً من كمه أو خفه وقرأه في مجلس المتوكل إلى عوده إليه حتى في الخلاء. وأما اسماعيل بن اسحاق، فاني - والكلام لأبي هفان - ما دخلت إليه إلاّ رأيته ينظر في كتاب أو يقلب كتباً، أو ينفضها، وإضافة إلى هؤلاء الوزراء والأمراء، كان هناك آل طاهر، ومنهم طاهر بن الحسين - وزير المأمون - وأولاده، منصور بن طلحه، له كتب في الفلسفة منها كتاب المؤنس في الموسيقى، قرأه الكندي فقال عنه: هو مؤنس كما سمّاه صاحبه، وله كتاب الإبانة عن أفعال الفلك، وكتاب الوجود ورسالته في العدد والمعدودات، وكتاب الدليل والاستدلال. أما عبد الله بن عبد الله بن طاهر، فكان شاعراً مترسلاً، انتهت إليه رياسة أهله، له من الكتب كتاب الإشارة في أخبار الشعر، وكتاب رسالته في السياسة الملوكية، وكتاب مراسلته لعبد الله بن المعتز، وكتاب البراعة والفصاحة . إن هذا الازدياد والتزاحم في طلب العلم من لدن كل طبقات المجتمع العباسي، كان له ما يحفزه على الاستمرار والنمو، حيث كان خلفاء بني العباس رعاةً له، ومن أكبر المشجعين عليه فقد بذلوا الأموال الطائلة في سبيله وأسسوا المدارس وأعمروا الخزائن بالأسفار النفيسة، ووصلوا العلماء والأدباء والشعراء بالصلات السنية، فقد تحولت قصور الخلفاء إلى منتديات يتبارى فيها الأدباء والشعراء. ومن كان مجلسه يحفل بمثل هذه الطبقة المتعلمة من الناس، لزم أن يكون ذا موقف واضح من هذه العلوم وآدابها، كي يعرف ما يجرى في مجلسه بل أن يدرك خفايا ما يدور فيه من مواضيع، ولا يتسنى للخليفة أن يكون في ذلك المقام إلاّ بالقراءة والدرس . وقد كان الخلفاء يعهدون بأبنائهم إلى أكابر العلماء للإشراف على تربيتهم وتثقيفهم وتعليمهم. ولقد كانت الرغبة في العلم لدى الخلفاء ظاهرة ملموسة، تدرك بمشاهدة خزائن الكتب العامرة في دار الخلافة . وكان الخلفاء يتوارثون الكتب حيث كانت تجمعُ خزائنهم أنفس الكتب وأثمنها، ولم يكن هناك كتاب يعز عليهم إحرازه، فقد كانوا يوفدون الوفود والسفراء في جلب الأسفار والكتب التي كانت تذكر لهم. ولهـذا ، أن هذه الظاهرة ( الاهتمام بالكتب والمكتبات ) كانت واحدة من أبرز الظواهر في ذلك العصر، الأمر الذي تطلّب منّـا أن نسلط الضوء على كل جوانبها – تاريخياً وثقافياً – ومن هـنا تأتي تقسيمات هـذا الجزء من الموسوعة على الأبواب والفصول التالية : * البـاب الأوّل : نهـوض التـاريخ وتـراكم الـوعي . الفصل الأول : تمهيدات تاريخية من أيـّـام سومر الى قيام بغـداد العبـّاسية . الفصل الثاني : الحالة الثقافية في بغـداد في العصر العبـّاسي ونشوء المكتبات . الفصل الثالث : المكتبات الإسـلامية ، كنتـاج ثقافي – حضاري للـورّاقـين . الفصـل الرابع: شـغف العـُلمـاء بالكـُـتب . الفصل الخامس : الدولـة العبـّاسية والكــتاب . الفصل السادس : مكتـبات المساجـد ودور العـبادة الأخرى . * الـبـاب الثـاني : المـكـتبات العـبـّاسيـة . الفصل الأول : مكـتبات الخلفـاء العبـّاسيين . الفصل الثاني : مكـتبات الوزراء العبـّاسيين . الفصل الثالث: المكـتبات العـامـة في العـراق . الفصل الرابع: المكتـبات الخـاصة للأدبـاء والعلماء العبـّاسيين . الفصل الخامس: أثــر المكتـبات على المجتـمع العبـّاسي .
* قـائـمة المصادر والمـراجع .
* * * يتبع
#خيرالله_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 26 - شاعرات العراق في
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 25 - التطورات الثقافي
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتـابة - الحلقة 24 - موضوعات موسوعة
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 23 - الدراسات المنهجي
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 22- كندا ، المشوار ال
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 21 - مرثية بغداد لسمي
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 20 - نذور الحرب على ا
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 19 - التفكير في الهجر
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 18 - زيادة القلق النف
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 17 - من الدون الهادئ
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 16 - تاسيس إتحاد الطل
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 15 - التوجهات الثقافي
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة -
-
مسارات الحروف وكواليس الكتـابة - الحلقة 13 - الظـرفُ السياسي
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 12- بدايات تأسيس النا
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة 11 - موسكو: المسارات
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة العاشرة - أنا وياقوت
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتـابة - الحلقة التاسعة -إنـقــــــل
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة الثامنة . شغف الكتابة
...
-
مسارات الحروف وكواليس الكتابة - الحلقة السابعة .
المزيد.....
-
هكذا تعامل الفنان المصري حكيم مع -شائعة- القبض عليه في الإما
...
-
-لا أشكل تهديدًا-.. شاهد الحوار بين مذيعة CNN والروبوت الفنا
...
-
مسلسل حب بلا حدود الحلقة 40 مترجمة بجودة عالية HDقصة عشق
-
“دلعي أطفالك طوال اليوم” اضبط الآن تردد قناة تنه ورنه 2024 ع
...
-
-لوحة ترسم فرحة-.. فنانون أردنيون وعرب يقفون مع غزة برسوماته
...
-
ويكيبيديا تحسم موقفها وتصف حرب إسرائيل على غزة بأنها -إبادة
...
-
في المؤتمر الثالث للملكية الفكرية بالمغرب.. قلق بين شركات ال
...
-
“برومو 1” مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 170 مترجمة
...
-
معرض الجزائر الدولي للكتاب.. قطر ضيفة شرف وإقبال على رواية -
...
-
صور| بيت المدى يستذكر الناقد الراحل عبد الجبار عباس في ذكرى
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|