أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - وديع السرغيني - قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-















المزيد.....



قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 1713 - 2006 / 10 / 24 - 11:32
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


"سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري" هو عنوان الأرضية، و تنظيم "أ" المشكل سنة 70 هو ما سيعرف "بمنظمة إلى الأمام" سنة 72، قبل أن يتحول إلى "حركة النهج الديمقراطي" أواسط التسعينات ثم "حزب النهج الديمقراطي" بداية القرن الحالي.
تكون تنظيم "أ" في غالبيته من مناضلين شباب انشقوا عن الحزب الشيوعي المغربي الذي غير اسمه بعد حملات المنع و القمع إلى حزب التحرر و الاشتراكية ثم إلى حزب التقدم و الاشتراكية، و من مناضلي الحركة الطلابية الناشطون في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذين استقطبتهم "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" ـ تمثيلية التحالف السياسي بين المنظمتين "أ" ـ "ب" الماركسيتين اللينينيتين، داخل الجامعة ـ

توضيح أولي:

يعتبر الماركسيون المغاربة، و بشكل خاص الخط البروليتاري داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية، أن تجربة الحملم، تجربة غنية جدا و يعتبرونها كذلك تجربة ثورية متميزة، تجربة سياسية مكافحة.. تركت بصماتها واضحة في الساحة ككل.. سواء من حيث إنجازاتها الميدانية في التأطير و التنظيم و نشر الأفكار الاشتراكية على أوسع نطاق.. أو من حيث الصمود أمام الآلة القمعية ضد التصفية و الاجتثاث و الإقبار.. تجربة أصبحت لها قدسيتها و احترامها داخل قطاع واسع من الشباب الماركسي الذي مازال يتغنى بشعاراتها و بمواقفها و برامجها و بشهدائها كرموز للتضحية و النضال..
تجربة، مع هذا كله، ما زالت تفتقد للتقييم العلمي و الموضوعي، التقييم من منظور طبقي بروليتاري و بمنهجية نقدية ماركسية لينينية.. التقييم الذي ينطلق من مصلحة الطبقة العاملة و ينتهي بوضع الدروس و العبر خدمة لنضالها من أجل تحقيق مشروعها التحرري بدءا باستحواذها على السلطة السياسية ثم الشروع في بناء دولتها المدعومة بمختلف هيئات الكادحين الديمقراطية و في التشييد للمجتمع الاشتراكي مجتمع القضاء على البؤس و الشقاء و الطبقية و اللامساواة..
فالتقييم الفوري، كان شعارا "هروبيا" و "انتظاريا" في نظر التيار الانتهازي التبريري لسنوات الثمانينات.. و قد استعملت جميع المصطلحات القدحية و التشهيرية التي يعج بها قاموسه الصنمي.. في حق المنتقدين و المطالبين بتقاييم موضوعية تقي الحركة من الارتجال و النكسات و الانحراف.. و مع ذلك رفعنا الشعار و بقينا متشبثين به، شعار التقييم من داخل الحملم و ليس من خارجها، شعار رفعناه و منذ عشرين سنة دون أن يفضي للمطلوب.. و على العكس تعددت التقاييم و تناسلت، التقاييم السطحية، التصفوية و العاجزة ليس إلا.. معبٌدة الطريق لنشر أطروحاتها اليمينية الانتهازية التراجعية.. هذا من جهة، أما من جهة الأخرى، حيث انتشر الكسل و الانعزالية اليسراوية في الجناح المتعاطف مع التجربة لحد التقديس و ساد الحنين للاستنساخ السلبي للتجربة و انتشرت ثقافة العداء للنقد، أي نقد، و لو كان ماركسيا لينينيا بروليتاريا.. بل و اعتباره مراجعة و ارتدادا و انحرافا عن الخط..الخ
و بعيدا عن التقاييم المتسرعة، المحكومة في غالبيتها بخلاصات جاهزة.. خلاصات تمجد و تقدس التجربة لتعطيها بعدا طهرانيا، أو على العكس، خلاصات تقطع و تقبر و تشوه كل انجازات التجربة المشهودة.. بعيدا عن هذا و ذاك كله سنحاول إجراء قراءة لأهم الأرضيات، ملتزمين بتسلسلها التاريخي.. في اتجاه توفير الشروط لإنجاز تقاييم جماعية أو شبه جماعية ـ بمساهمة مختلف تيارات و مجموعات و فعاليات الحملم ـ خدمة لمطلبنا التاريخي و خدمة لمشروعنا في المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة الماركسي اللينيني، المستقل سياسيا، فكريا و تنظيميا.

قراءة في موضوعات الأرضية:

تبتدأ الأرضية بتقديم حاولت من خلاله شرح دواعي الانشقاق عما أسمته بأحزاب البرجوازية الوطنية "حزب الاستقلال" و "حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" و عن حزب البرجوازية الصغرى "حزب التحرر و الاشتراكية" لتعلن المنظمة عن تميزها بمواقفها و مواقعها تجاه أحزاب البرجوازية الوطنية و حزب البرجوازية الصغرى من جهة و تجاه نظام الحكم الفردي من جهة أخرى.
و قد اعتبرت الوثيقة، صيف 1970 بمثابة انفضاح و سقوط للقناع الكاذب الذي استعملته هذه الأحزاب للتضليل ـ دون أدنى إشارة للمعنيين و المستهدفين بهذا التضليل، هل هي الجماهير المستغلة و الكادحة، أم المناضلين التواقين للتحرر و الاشتراكية؟ ـ معلنة تلمسها و توصلها لحقيقة "أن طريق المستقبل الوحيد بالنسبة للمغرب هو الطريق الثوري" داعية المناضلين المخلصين لتوضيح أهمية الثورة من الناحية الإيديولوجية و لهيكلة الأداة الحاسمة في الثورة، الحزب الماركسي اللينيني، مقدمة تحليلها للوضع الطبقي في المغرب و للتناقضات التناحرية داخل المجتمع و مفضية لتصور ثوري قدمت خلاله تقديراتها للعملية الثورية و للفاعلين فيها.
1. القوى الثورية المتواجدة في المغرب:
و رغم وضوح العنوان التجأت الأرضية لدراسة التشكيلة الاجتماعية أو بدرجة أدق الطبقات الاجتماعية مقسمة إياها إلى طبقات رئيسية دون أي تقديم يوضح طبيعة نمط الإنتاج السائد و أنماط الإنتاج المتواجدة إلى جانبه، لتمر الأرضية مباشرة لتفكيك القوى الفاعلة داخل المجتمع.

 الأوليغارشية الكمبرادورية:

تميزت الفقرة بتناولها الضعيف للطبقة كطبقة اجتماعية، متفادية الكلام و البحث عن تاريخ تشكلها، بل و موقعها في الإنتاج و علاقتها بالطبقات الأخرى، خاصة بالطبقة النقيض ـ الطبقة العاملة ـ.. بل و الأهم من ذلك موقعها في السلطة السياسية و علاقتها بجهاز الدولة القمعي.. مع تسجيل ارتباك واضح في خطاب الأرضية، أضفى و أسدل عنه ستارا من الغموض حول طبيعة المستهدفين بالأرضية و دور و مهام الأرضية.
هل هي أرضية سياسية تحليلية؟ أم خطبة تحريضية، تفضح فيها تعسفات جهاز السلطة و مظاهر القمع المتواجدة في مسلكيات جهاز القمع.. و قد تجلى هذا الارتباك في الكلام عن "تخليهم عن كل شعور وطني و لانعدام خصال الإنسان فيهم" من جهة ـ و الكلام هنا عن عناصر جهاز القمع ـ و في الكلام، من جهة أخرى عن البنية البوليسية الثابتة للدولة".
و نعتقد أن هذا الارتباك لم يكن نتيجة لضعف القراءة و التحليل لمكونات المجتمع بقدر ما كان مرتبطا بضعف المنهجية و سيادة الثقافة الشعبوية و العسكرتاريا الانقلابية، المدهونة بماركسية سطحية و ضعيفة.. سنحاول متابعتها في سياق الرد على التحليلات المراهنة على "الأطر العسكرية الوطنية" و "جماهير الجنود" للارتباط "بالثورة" مرة، و عزل "الأوليغارشية الكمبرادورية" مرة أخرى.. و شتان بين الثورة و العزل، و شتان كذلك بين الثورة التي يرتبط بها الماركسيون و يعملون على تحقيقها مراهنة، و ارتباطا بالجماهير الكادحة، المضطهدة و المحرومة.. صاحبة المصلحة في الثورة و تغيير الأوضاع..، و انصهارا و انغراسا في قلب الطبقة العاملة، الطبقة الثورية إلى النهاية، الطبقة صاحبة المشروع المجتمعي المتكامل، الطبقة الثورية محررة نفسها و مخلصة الكادحين من البؤس و الشقاء و الاستغلال و اللامساواة و الطبقية.. و ثورة الجنود و الضباط الانقلابية!
"فانعدام الحزب و الإيديولوجية الثورية" هو ما منع "الأطر من الارتباط بالثورة" حسب تحليل المنظمة، و في هذا قفز واضح عن التحليل الطبقي الماركسي بتجاوزه للمحددات الاقتصادية ـ الحاسمة في آخر المطاف و التحليل ـ و موقع الأفراد و الفئات من عملية الاستغلال ثم مدى مصلحتها من و في استمرارية الأوضاع أو الثورة ضد النظام السياسي و الاقتصادي القائم.
فالأوليغارشية الكمبرادورية وفقا لهذا التحليل و استمرارا عليه تنهب اقتصاد البلاد و قد "أدمجت في هذا النهب البرجوازية الكبيرة التجارية و الصناعية و العقارية" و هي الفئة و ليست الطبقة.. و تمايز المصالح و الموقع في عملية النهب و الاستغلال.. المهم في التحليل لا نراه في السياق، فقط هناك التأكيد بدون تحليل على عملية التبعية و خدمة المصالح التي تؤديها البرجوازية الكبرى للأوليغارشية الكمبرادورية خادمة و تابعة المصالح المالية الإمبريالية و الاستعمار الجديد..
و عن تعبيراتها الإيديولوجية كطبقة، تتبرم الأرضية عن الفهم الماركسي للإيديولوجية الطبقية لتتكلم فقط عن استعمال الإيديولوجية ـ بدون تحديد ـ السيئ من طرف الأوليغارشيا.. لتتقدم الأرضية بنظرتها للاستعمال الإيجابي "للإيديولوجية" حيث جردت الدين من دوره الإيديولوجي متهمة فقط الأوليغارشيا باستعماله السيئ "من أجل خداع و شل الجماهير" و ما يشكله من "مس صريح بأصول الدين الذي هو في الحقيقة تعبير ذاتي أصيل عن طموح الجماهير المسلوبة و المحرومة إلى العدالة".. و في هذا استعمال إيديولوجي للدين من زاوية طبقية أخرى ـ البرجوازية الصغرى ـ.
و في خلاصة الفقرة دعوى سابقة لأوانها بالنظر لمنهجية التحليل المعتمدة.. دعوة صريحة لإقامة "دكتاتورية العمال و الفلاحين الفقراء الديمقراطية و لبناء مجتمع اشتراكي في إطار الثورة العربية الكبرى و في إطار الوطن العربي.." دعوة لم نلمس ما يبررها في سياق و معطيات التحليل.. خلاصة غامضة و غير دقيقة بالمعنى الماركسي السليم، لم تسبقها مقدمات عن أوضاع العمال كطبقة و لا عن ضرورة تحالفهم مع الفلاحين الفقراء، كيفية و حدود و مدة هذا التحالف..
يعني كيف أملت الظروف الطبقية ثورية العمال و الفلاحين الفقراء؟ و أين ارتبطت مصالحهم و ماذا ستقدم لهم الثورة الاشتراكية؟ و ماذا عن دكتاتورية العمال و الفلاحين الفقراء و علاقتها بسلطة الثورة الاشتراكية ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ؟ فهل هي مقدمة أم هي شكل السلطة و الحكم الديمقراطي المركزي للنظام الاشتراكي البديل؟
دون توضيح من جهة أخرى في التحليل لماهية الثورة العربية الكبرى و علاقاتها بالصياغات القومجية المفلسة في شكل "التواطئ مع الإمبريالية و الصهيونية ـ أعداء العرب ـ"! دون أن نلمس في آخر المطاف هل هو تبني أم تجاوز أم مزاوجة!؟ متخلية مرة أخرى و في نفس الفقرة عن الخطاب الطبقي و معوضة إياه بالخطاب الشعبوي الضبابي، حيث الإشادة "بنضالات ناهضت كلها تسخير السلطة المركزية لفائدة المصلحة الشخصية و مصلحة الأجنبي"..!

 البرجوازية اللبرالية:

تحليل ضعيف و غير دقيق تحكمه نفس النظرة التي أطرت الأرضية في شموليتها، إذ لا يمكن الكلام عن لبرالية حزب الاستقلال مثلا، دون توضيح و لو بشكل مركز فحوى النظرية اللبرالية عموما و لبرالية حزب الاستقلال بشكل خاص، فحزب الاستقلال يتوفر على منظرين كفاية، ممن اجتهدوا و شرحوا للخط المذهبي الذي يعتمده الحزب و يسميه "بالفكر التعادلي".. له كذلك مؤتمراته و ما تنتجه من مقررات، له جرائده و منظماته الشبابية و النسوية، الجمعوية الثقافية و النقابية.. التي يمكن الرجوع إلى وثائقها و استنطاقها لكي تتبين مدى لبرالية هذا الحزب و علاقته بالسلطة السياسية و نظام الاقتصاد السائد.. ثم مدى استفادة أو تضرر الطبقة التي يتكلم باسمها هذا الحزب من النظام السياسي و الاقتصادي القائم و من الهيمنة الطبقية "للأوليغارشية الكمبرادورية" على النظام ككل.
و حين نشرٌح المجتمع بحثا عن و في طبقاته الاجتماعية لا يمكن أن نسقط في تناقض الكلام عن طبقة مضمحلة و موجودة في نفس الوقت! قد تكون موجودة و مهددة بالاضمحلال، نقول نعم و ممكن أن نبحث عن أسباب و عوامل الاضمحلال، نكرر نعم ممكن و بل و من واجب التحليل.. لكن الأكيد هو أن المنهجية المستعملة لا تؤدي للنتائج المرجوة.. فليست بالمنهجية، طريقة الكلام عن الاضمحلال لطبقة اعتبرتها الأرضية موجودة و رئيسية في نفس الوقت.
فالبرجوازية الرأسمالية حسب منطق الأرضية "مرغمة على التعامل و الخضوع لنهب الأوليغارشية الكمبرادورية" و بدون أدنى عناء من الأرضية و واضعي الأرضية للتوضيح في طبيعة هذا النهب و طبيعة المستفيدين من النهب، فهل هي الرأسمالية نفسها كما يمكن أن يفهم من الصياغة أم جماهير الكادحين أم ماذا؟
إنه الإسهاب في الذرائعية المحكومة بثقافة الإسقاطات.. و قد يلاحظ المتتبع و القارئ المهتم المهموم، الحضور القوي لمحاولات التبرير القبلية لمفاهيم و شعارات جاهزة.. و من نماذجها أن تحاول الأرضية استدراج المناضلين و المتتبعين للقبول بأطروحات "الجبهة الطبقية العريضة" و سلطة "التعدد الطبقي، الوطني الديمقراطي و الشعبي" عبر تقديراتها "لعجز البرجوازية السياسي و الاقتصادي الطبقي في و لتحقيق أحلامها المستحيلة المتمثلة في دولة تعتمد ديمقراطية برجوازية وطنية" دون أن تفقد الأرضية الأمل في إمكانيات هذه الطبقة، لولا الأدوار التي تلعبها القيادات السياسية المحترفة "عجز محترفي السياسة البرجوازية عن الدفاع عن مصالحهم".. "ليلتحقوا بالإدارة السياسية للأوليغارشيا" و في ذلك ابتعاد عن "الرؤيا الواقعية و الشريفة"..! قافزة مرة أخرى عن التحليل الطبقي و المصالح الطبقية بطمسها بالتالي لدواعي التحالف و التواطئ..الخ
و خلال فقرة التحديد لمكونات "البرجوازية اللبرالية"، البرجوازية المتوسطة و الصغيرة، تتكلم الأرضية عن "البرجوازية القروية المكونة من الفلاحين الأغنياء و صغار و متوسطي الملاكين" بشكل سطحي، و دون تدقيق و تقدير لحجم الملكية التي تجعل من الفلاح غنيا، متوسطا أو صغيرا.. دون إشارة لعلاقة البرجوازي القروي بالعامل الزراعي البروليتاري، بالفلاح المعدم أو الفقير.. فهل هي علاقة استغلال رأسمالية خالصة أم هي علاقة من نوع آخر ـ ما قبل رأسمالية مثلا ـ؟ فللجواب أهميته القصوى، و أعتقد أن الماركسيين يعون جيدا أهمية هذه التدقيقات بالنظر للخلاصات التي سترتبط بها فيما يخص تحديد مَن مِن مصلحته الثورة على النظام السياسي و الاقتصادي القائم و من سيقود الثورة من الطبقات، و على أية شعارات و برامج ستتجند الجماهير الكادحة و المحرومة من و لأجل الثورة؟
و في تحديد الأرضية للبرجوازية الصغيرة لاحضنا باندهاش غيابها عن المجال القروي! فالبرجوازية الصغيرة متمركزة في المدينة و فقط، بل أن بعض الفئات ـ الطلبة مثلا ـ التي ليس لها موقع في الإنتاج، صنٌفت ضمن الطبقة البرجوازية الصغيرة بل أكثر من هذا، دفع الاجتهاد بالأرضية لأن تعلن "أن جزءا منها ينبثق من البروليتاريا أو أشباه البروليتاريا".. و يتضح هنا الخلط بين الأصول الطبقية و المصالح الطبقية الفعلية التي لن تتحدد بالنسبة للطالب أو التلميذ إلا بعد تخرجه و دخوله سوق العمل و استقراره بالتالي، ضمن عملية الإنتاج.. آنذاك تصبح مصالحه الطبقية هي المحددة و بشكل حاسم و ليست أصوله أو منحدره الطبقي، هل هو ابن لعامل أو لمعلم أو لصاحب ورشة أو معمل..الخ؟
خلال هذه الفقرة أشارت الأرضية و بطريقة واعظة على بعض الفئات البرجوازية الصغيرة بالارتباط "بالإيديولوجية الثورية" دون تحديد لهذه الفئات و لا "للإيديولوجية الثورية" نفسها.. مع التسطير على "إفلاس الفكر البرجوازي و البرجوازي الصغير أمام متطلبات الثورة العربية".. و يظهر جليا صعوبة استيعاب هذا الخطاب المتناقض بين الرغبات الثورية ـ و إن كانت صادقة ـ و بين عناد الواقع الموضوعي.. إذ كيف يمكن لطبقة اجتماعية أن تتخلى عن فكرها و إيديولوجيتها المفلسة، لإيديولوجية ثورية لطبقة أخرى ـ الطبقة العاملة بفكرها الماركسي اللينيني ـ و هو ما عنته الأرضية حسب استنتاجاتنا.
و في اعتقادنا، و حسب تقديراتنا فإن من مهام حزب الطبقة العاملة الدعاوية أن ينشر فكره و أطروحته ليس في صفوف العمال فحسب، بل في الأوساط الشعبية الكادحة، بالريف و المدينة، و على أوسع نطاق.. بالشكل الممنهج و المنظم الذي يتيح له استقطاب العناصر الثورية، دون أية محاولة ـ و ستكون فاشلة لا محالة ـ لتمرير و تسييد فكر الطبقة العاملة و تعميمه لكي يصبح فكرا و إيديولوجية لطبقة اجتماعية أخرى، كانت برجوازية صغرى أو بروليتارية رثة أو نصف بروليتارية..الخ
حاولت الأرضية جاهدة في التحديد و ليس البحث في الخلفية التاريخية للإيديولوجية اللبرالية، فوقعت في تناقضات عدة و أخطاء نظرية صارخة راجعة و ناتجة ـ في تقديراتنا ـ عن ثقافة استيراد الجاهز من المنتوج الشعبوي الصيني ـ الأطروحة الماوية الستالينية ـ حيث وجدنا الكلام عن الإقطاع و مناوراته.. وجدنا كذلك البرجوازية الكبرى تلعب الأدوار الوطنية و تفرز الأطر اللبرالية..الخ
و من يتكلم عن الإقطاع، كطبقة اجتماعية لا بد أن يربطها بنمط الإنتاج الإقطاعي الفيودالي. و يجب عليه أن يحدثنا عن مجموع أنماط الإنتاج المتواجدة في المغرب آنذاك و عن من السائد فيها.. و من يتكلم كذلك عن الإقطاع، لا بد أن يشير بالضرورة لوجود الأقنان كطبقة نقيض، و لا بد أن يوضح طبيعة العلاقة الاستغلالية التي تجمع بين الطبقتين، الإقطاع و الأقنان، مع واجب الشرح و الإقناع بتوافق هذا الإدعاء النظري بالوجود الفعلي لنمط الاقتصاد الفلاحي المرتبط بسيادة الإقطاع كطبقة..
و في المقابل لا بد له من أجل النجاح و التوفق بالإقناع بأطروحته أن ينفي نمط الاقتصاد السلعي كنمط موجود أو سائد و مهيمن، و ما يترتب عنه من عمل مأجور و من احتكار لوسائل الإنتاج.. يعني غياب الرأسمالية، ثانويتها أو هامشيتها.. كنمط إنتاج في مغرب الستينات و السبعينات.
و يمكن ملاحظة ذلك الإطناب في الكلام عن "الحكم الفردي" مع التهميش الواضح للخطاب العلمي الطبقي الذي كان من واجب الأرضية، المدعية انطلاقها من المرجعية الماركسية اللينينية، أن تشرح و تدقق في سر نجاح "الحكم الفردي" في السيطرة و القبض على زمام الأمور.. مع إعطاء هذا النجاح بعده الطبقي دون التشبث الخاطئ بالمظاهر السطحية التي تطمس الجوهر الطبقي للنظام الملكي باعتباره نظاما سياسيا طبقيا يعبر على نمط سياسي لتدبير الحكم و للسيطرة الطبقية الاقتصادية لطبقتين اجتماعيتين ـ البرجوازية الكمبرادورية و الملاكون العقاريون ـ ترتكز في تحالفها على علاقات استغلالية محددة و مزدوجة.. فيها المحلي و الإمبريالي و لا تخرج عن مستلزمات علاقات الإنتاج الرأسمالية في مستوياتها التبعية و الإمبريالية.
نفس الهشاشة النظرية نجد تجلياتها في استعمال بعض الشعارات المتناقضة مع جوهر أطروحة "الثورة الوطنية الديمقراطية"، بدعوى لينينيتها، كمثلا شعار "مناهضة المجلس التأسيسي".. خلال فترة لا تشبه في شيء الفترة التي تخلى فيها التيار البروليتاري اللينيني عن هذا الشعار الذي انتقده بتحليل و ليس بالتهكم القدحي.. حين تقدم بأسئلته التاريخية عن من سيؤسس، و عن واضعي دستور المجلس التأسيسي..؟ يعني الموقف من السلطة القائمة مع التقدم بتصور للسلطة الثورية الجديدة من حيث التشكيلة و من حيث الدستور الذي يجمعها، و من حيث خلفيتها الطبقية.. هذا مع العلم أن شعار "المجلس التأسيسي" سبق و أن استعمله التيار البلشفي اللينيني في مرحلة النضال من أجل تحقيق برنامج الحد الأدنى ـ تاكتيك الحكومة الثورية المؤقتة و الثورة الوطنية الديمقراطية ـ و بالتالي فالرفاق أنصار الأرضية لم يقدروا تناقضات شعاراتهم و لم يتوفقوا في تقديم النقد المطلوب للشعار المذكور بنفس النظرة الديالكتيكية اللينينية.
و في نفس الفقرة و السياق عجزت الأرضية عن متابعة الأسباب الرئيسية لظهور الانتهازية داخل حركة الطبقة العاملة السياسية و النقابية و اكتفت بمتابعة القشور من خلال تحليل انطباعي وصفي و جزئي.. ابتعد كثيرا عن منهجية ماركس و إنجلز و لينين العلمية و قدرتها على متابعة دينامية حركة الطبقة العاملة.

 الجماهير الكادحة:

بدون تقديم و لا شرح لأسباب الشقاء و البؤس و لظروف الاستغلال و الكدح الذي تعيشه الأغلبية الساحقة و السواد الأعظم من شعبنا، و بدون إشارة لنمط الإنتاج الرأسمالي و علاقاته الاستغلالية كأصل للشر و الاستبداد و الانسحاق الطبقي.. سيكون طبيعيا وضع الأرضية المرتبك و غير القادر على تحليل طبيعة الدولة و أدوارها القمعية الاستبدادية كجهاز للتسلط الطبقي الذي يحمي ليس فقط ذلك الشكل البائد للحكم ـ المَلكية ـ بل مصالح طبقية واضحة..
و هذا هو الأساس في التحليل و المنهجية العلمية الماركسية اللينينية التي كان من المفروض اعتمادها احتراسا من الانزلاقات النظرية، فخلال التحديد لمكونات الكادحين بقيت الأرضية مخلصة للثقافة الشعبوية التي تريد، و في ذلك وهم، أن تنصف الجميع فتخلط الأوراق و المصالح، و المهام في آخر المطاف.. لتتورط في استعمال المفاهيم المغيٌمة كالبروليتاريا الفلاحية مثلا، عوض البروليتاريا الزراعية! و في ذلك خلط خطير سيترك أثره لا محالة على منهجية و خلاصات التحليل.. فالفلاح فلاح و البروليتاري بروليتاري و لا حاجة لنا بالتذكير بألف باء الشيوعية و بمفاهيم و تحديدات "البيان الشيوعي" و ما تلاها من شروحات كافية من طرف ماركس انجلز و لينين.
و عن الفلاحين، كان حريا بالأرضية أن توضح هذا الغموض الذي حُسم الأمر فيه لأزيد من مائة سنة من طرف المفكرين الماركسيين لتتكلم بوضوح، و فقط، عن المعنيين بالتغيير و الثورة، عن حلفاء الكادحين المدينيين، عن حلفاء و أنصار الطبقة العاملة قائدة التغيير.. و تعفينا من اللبس النظري الناتج عن هذا الغموض..
و في تقديرنا، تتوفر البادية المغربية على نوعين من الفلاحين الذين تعنيهم الثورة مباشرة، فلاح فقير له قطعة أرض يستغلها لنفسه و لا تكفيه لحاجاته فيضطر للاشتغال و بيع قوة عمله خلال المواسم أو خارج المواسم الفلاحية في أقرب مدينة، في المعامل أو في التجارة على الأرصفة..الخ و النوع الثاني من الفلاحين الفقراء يقوم بكراء أرضه للغير، نظرا لضعف مردوديتها أو لكثرة تكاليفها.. فيذهب للاشتغال في نفس الأعمال المذكورة أعلاه.. أما "الربٌاع" و "الخمٌاس" و العامل الزراعي الذي يشتغل في الضيعات بشكل رسمي أو مؤقت حسب العقدة أو المياوم حسب المواسم ـ عمال الموقف ـ فكلهم بروليتاريون يبيعون قوة عملهم مقابل أجرة محددة و لو كانت عينية، أي في شكل نسبة من المحصول ـ الربٌاع يتقاضى الربع و الخمٌاس يتقاضى الخمس دون أن يكون قِنٌا مملوكا من طرف أي كان.. ـ
و بنفس المنهجية ستقع الأرضية في أخطاء نظرية و في تقديرات سياسية خاطئة، فمثلا استمرارها في الخلط، أثناء التحليل، بين الطبقات و الفئات الاجتماعية و ماله من الخطورة، سينعكس بالتالي على ممارسة أعضاء و مناصري المنظمة صاحبة الأرضية.. يتضح هذا.. مثلا في الكلام عن الشبيبة التعليمية و عن النساء و عن الفلاحين..الخ
فالكلام عن الفئة النسوية بتعدد انتماءاتها الطبقية و بدون تحديد من المعني فيها بالثورة و التغيير لن يزيد "الاجتهادات النظرية" سوى الضبابية و التغييم و بالتالي سوء التقديرات و الارتباك في الممارسة السياسية الميدانية..الخ
فإذا كان الكلام عن النساء الكادحات اللاتي تمارس نفس المهن المذكورة أعلاه و تعرف نفس الاستغلال الذي يتعرض له الرجل.. فواجب الخطاب الماركسي هو عدم التمييز بين المرأة و الرجل في إطار التحديد لطبقات المجتمع مع تقديم الشروحات الإضافية و الخاصة بأوضاع المرأة العاملة التي تعيش اضطهادا مزدوجا داخل المجتمع الطبقي الرأسمالي.. بنفس المنهجية التي لا تميز بين الرجل البرجوازي و المرأة البرجوازية.. فكلاهما ينتمي للطبقة النقيض، الطبقة المالكة و المستغِلة، الطبقة عدوة و قاهرة الكادحين..
فحين تتم مخاطبة الكادحين عموما و البروليتاريا بشكل خاص، فخطاب الماركسيين لا يميز الرجال عن النساء من حيث واجبات و مهام النضال، من حيث المسؤولية الحزبية و النقابية، من حيث المواقع داخل الهيئات العمالية.. لكنه كخطاب نقدي ثوري لا يتهاون في التدقيق في أمور أخرى، كظروف الاستغلال و المهانة و التحرش و الاستغلال الجنسيين و عدم المساواة في الأجرة مع الرجل و عدم الاعتراف بالحقوق الخاصة بالمرأة العاملة كحقوق الولادة، الرضاعة.. عدم احترام قدراتها الجسمانية و إرغامها على الاشتغال بالليل..الخ كما يمكن التدقيق في أوضاع جمهور من النساء الكادحات و المعنيات بالثورة لكنها مستعصيات الاختراق و الجلب لصفوف التنظيم الجمعوي، النقابي و السياسي الثوري، كربٌات البيوت الفقيرات مثلا..
أما النساء و هكذا! فهناك نساء و نساء، نساء تخترق جميع الطبقات الاجتماعية، المالكة و غير المالكة، المستغِلة و المستغَلة.. وجب التدقيق في أوضاعهن الطبقية لمعرفة من مصلحتها في الثورة العمالية و مشروعها المجتمعي و من ضدها.
نفس الشيء بالنسبة للتلاميذ و الطلبة أو بشكل عام الشبيبة التعليمية.. فإذا كانت المراهنة على هذه الفئة الاجتماعية و على الدور الذي يمكنها أن تلعبه في ميدان الصراع الطبقي لمصلحة الكادحين و مشروع الكادحين، فيجب أن تكون على أبناء الكادحين لكي يبقوا مخلصين لطبقتهم، و في ذلك احتمال ضعيف، يمكن أن يتقوى بعمل و نضال الحزب الثوري، المضني و لسنوات، في التأطير و التكوين و في صهر و صقل العناصر الثورية الشبيبية التي يمكن أن يستمر عطائها إلا إذا توفر التنظيم الثوري الفولاذي الصلب حزب الطبقة العاملة الماركسي اللينيني، الأداة الوحيدة المؤهلة لاستيعابها و لتطوير طاقاتها.
و قد أضافت الأرضية بهذا الخصوص "الشبيبة التي تحظى بالتعليم و المنبثقة عن الجماهير الكادحة تكون المعبر الفكري لهذه الطبقة"! خلاصة أقل ما يقال عنها بأنها ليست ماركسية، خلاصة تماهت و انسجمت لحد كبير مع الأطروحات العفوية الرافضة و الفوضوية الماركيوزية.. التي سادت بشكل ملفت في أوساط "اليسار الجديد" في أوربا، اليابان و أمريكا الشمالية خلال الستينات و السبعينات..
و للتوضيح و لرفع اللبس عن مواقفنا النظرية ـ الخط البروليتاري من داخل الحملم ـ نقول بأن لا أحد ينكر دور الشبيبة التعليمية في حركة الصراع الطبقي بجميع مستوياته.. بل و يمكنها أن تلعب دور المفجٌِر المباشر و المبادر.. للانتفاضات و العصيانات القوية كما هو الشٌأن بالنسبة للمغرب.. فعلى طول تجربة الستينات و السبعينات و الثمانينات لعبت الحركتين الطلابية و التلاميذية دورا مفجٌِرا مشهودا لا يمكن إنكاره.. خلال التسعينات و إلى الآن إنضافت للحركتين حركة المعطلين بشتى فتاتها و خاصة جزئها المنظم داخل "الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات" نموذج الحركة الاحتجاجية المكافحة، الذي مكن الحملم من اختراق البوادي و المداشر النائية، بشكل ملفت و نوعي تجاوز كل المثبطات السابقة في تاريخ و تجربة الحملم و حساباتها النظرية و السياسية الخاطئة..
فقط عند إثارتنا لدور الشبيبة التعليمية في عملية التغيير و الثورة نذكٌر و نسطر بأكثر من سطر على أن واقعها الفئوي و حالتها الاجتماعية التي تضعها خارج أي موقع في الإنتاج و علاقات الاستغلال.. لا يؤهلها للدفاع عن أي مشروع مجتمعي واضح.. بالنظر لعدة عوامل نذكر منها، تعدد المنحدرات الطبقية، معدل السن و ما ينتجه من انزلاقات طبيعية مرتبطة بنقص التجربة و ضعف الخبرة النظرية، السياسية و التنظيمية..الخ و مع ذلك نؤكد و نقول: "إن المنظمات الجماهيرية على اختلافها يجب أن توجد في كل مكان و على أوسع نطاق و تضم أكبر عدد من الجماهير و تقوم بوظائف كثيرة التنوع ما أمكن و لكن من الخطأ و الضرر أن نخلط بينها و بين منظمة الثوريين أو أن نطمس الحد الفاصل بينها"
فهل يمكن لمس تأثير هذه المقولة اللينينية ـ "ما العمل؟" ـ في منطلقات، خط و مسار أنصار الأرضية ـ منظمة إلى الأمام ـ؟ و مقولات أخرى سابقة عنها توضح مواقع الارتكاز و مجالات العمل و كيفية الارتباط بالنسبة للحزب الثوري الماركسي حسب اجتهادات و إبداعات لينين و خطه البروليتاري.. ففي إحدى روائعه النظرية و التاريخية ـ برنامجنا ـ و بعد أن لخص نظرية ماركس في سطور "إننا نقف كليا على أرضية نظرية ماركس: فهي التي حولت للمرة الأولى الاشتراكية من طوباوية إلى علم.." عرفت بالصراع الطبقي داخل المجتمع الرأسمالي و ذكرت بوضع الطبقة العاملة و بمهمتها التاريخية في التغيير و قيادة الثورة "علمتنا ـ الماركسية ـ أن نرى وراء الستار.. النضال الطبقي، النضال بين مختلف أصناف الطبقات المالكة و بين سواد غير المالكين و البروليتاريا التي تسير على رأس جميع غير المالكين. و أوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية، إن هذه المهمة لا تقوم في اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، و لا في حبك المؤامرات، بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي و قيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية و تنظيم المجتمع الاشتراكي"
فإذا كان انجلز قد حدد مجالات الصراع الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة ضد أعدائها، في مستوياته الفكرية، الاقتصادية و السياسية، مشيرا على الدور الحاسم للمستوى الاقتصادي رغم تداخل المستويات و رغم العلاقة الديالكتيكية الرابطة بين هذه المستويات.. فقد كانت مهمة الخط البروليتاري بقيادة لينين، شاقة و مضنية في الشرح و التبسيط لأفكار ماركس و انجلز و لنظرتهما لدور الطبقة العاملة في الصراع و لطبيعة علاقاتها مع حلفائها وسط جمهور الكادحين من أجل مهمات الثورة و التغيير.. و من نماذج توجيهاته الثاقبة "ينبغي على الحزب أن يوضح في برنامجه، بصورة جلية، و علنا و بدقة، مصدر حرمانات الشعب العامل و بؤسه و لماذا يتسع اتحاد العمال و يزداد شدة و قوة. فلا يكفي أن نعلن أن الحياة صعبة و أن ندعو إلى الثورة، فإن أي ثرثار يعرف كيف يفعل ذلك، و لكن دون فائدة كبيرة ينبغي أن يدرك الشعب العامل سبب تعاسته و مع من ينبغي عليه أن يتحد للنضال في سبيل الخلاص من البؤس".. توجيه لكيفية العمل مع الفلاحين الفقراء..
و في مناسبة أخرى و من كتابه "تاكتيكان" يقول ليؤكد على نفس الخلاصات و على نفس القناعات "أن ثورتنا ثورة الشعب بأسره، هكذا يقول الاشتراكيون الديمقراطيون للبروليتاريا، و لهذا فعليك، بوصفك الطبقة الأكثر تقدما و الطبقة الثورية إلى النهاية، أن لا تستهدفي الاشتراك في هذه الثورة بأشد عزيمة و حسب، بل أن تستهدفي أيضا الاضطلاع فيها بدور قيادي، و لهذا عليك أن لا تحصري نفسك في إطار نضالك الطبقي و محتواه، حتى يشمل هذا الإطار، لا جميع مهمات الثورة الروسية الراهنة، الديمقراطية و الشعبية الشاملة و حسب، بل أيضا مهمات الثورة الاشتراكية المقبلة.."
فلا يمكن للشبيبة التعليمية إذن أن تلعب دور الطبقة العاملة و لا دور الحزب بأي شكل من الأشكال.. حزب الطبقة العاملة الذي يجب أن يتشكل خلال عملية انصهار مريرة بين المثقفين الثوريين و طلائع العمال المكافحين و المجربين في الإضرابات و الاعتصامات و العصيانات و الانتفاضات، و النقابات و الجمعيات..الخ. و في صفوف المثقفين الثوريين سيتواجد أبناء الكادحين بالدرجة الأولى و بعض المثقفين ممن تخلوا عن أصولهم الطبقية و استفادتهم من النظام الرأسمالي.. و عانقوا هموم الكادحين بصدق و مبدئية و تفان دون أن تكون المراهنة على أية فئة من المثقفين لتشكيل الحزب لوحدها.. خاصة و أن الحزب يعتمد على العناصر المجربة و الناضجة.. يعتمد على القيادات السياسية، النظرية و التنظيمية الكفئة.. و قد أكدت التجارب العالمية و المحلية، بشكل كبير صحة هذا الرأي و أوضحت بشكل بارز و فاضح إلى أي حد كان الثمن باهضا جراء هاته المنزلقات النظرية التي تنكرت للمستوى الراقي الذي يحتله الحزب على باقي التنظيمات العمالية و الجماهيرية و ما يستوجبه هذا المستوى من نضج و كفاءة نظرية سياسية و تنظيمية قيادية..
خطأ نظري آخر ناتج في اعتقادنا عن سوء تقدير و عدم استيعاب لتاكتيك "الثورة الوطنية الديمقراطية" و شعارها "الدكتاتورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين الفقراء"، الشعار الذي رفعه التيار البروليتاري اللينيني في ظروف تاريخية محددة، خاصة ببلد محدد يعيش تحت نظام سياسي محدد، و في ظل مستوى محدد من تطور نمط الإنتاج الرأسمالي، في الداخل و الخارج ـ الشرط الموضوعي ـ و في ظروف محددة من مستوى الوعي الطبقي الثوري البروليتاري ـ الشرط الذاتي ـ.
فلم يكن الشعار موجه ضد نمط الإنتاج الرأسمالي بل من أجل تطوير الرأسمالية و توسيع مجالها و غرس قيمها في مجالات الحرية و الديمقراطية السياسية في المدينة و البادية، و بشكل خاص في هذه الأخيرة عبر توسيع مجالات الإصلاح الزراعي و القضاء على بقايا العبودية و الإقطاع كعلاقات استغلال و كمؤسسات سياسية و دينية إيديولوجية..الخ.
و في شرحه لهذا التاكتيك، يقول لينين "... و هذه الفكرة تعني في حقل النظرية، نسيان المبادئ الأولية للماركسية فيما يتعلق بحتمية تطور الرأسمالية على أساس الإنتاج البضاعي. فإن الماركسية تعلمنا أن مجتمعا يقوم على الإنتاج البضاعي و يتعاطى التبادل مع الأمم الرأسمالية المتمدنة، لا بدٌ له في مرحلة معينة من تطوره، أن يسير حتما هو أيضا في طريق الرأسمالية"
و حتى لو تخيلنا المغرب في نفس وضعية روسيا القيصرية أو الصين الإقطاعية و المستَعمَرة.. ففي إحدى رسائله للعمال السويسريين ـ فاتح ماي 1917 ـ قال لينين ناصحا و موجها و مناهضا لعملية الاستعارة البلهاء للتاكتيكات البلشفية "إن روسيا بلاد فلاحية، و من أشد البلدان الأوروبية تأخرا. و لا يمكن للاشتراكية أن تنتصر على الفور فيها مباشرة. و لكنه يمكن لطابع البلاد الفلاحي نظرا للمساحة الشاسعة من الأراضي المتبقية للنبلاء ـ الملاكين العقاريين الإقطاعيين، و حتما يتبين من تجربة 1905، أن يضفي على الثورة البرجوازية الديمقراطية في روسيا نطاقا شاسعا و يجعل من ثورتنا مقدمة للثورة الاشتراكية العالمية، درجة إليها"
و تحت ضغط النقاشات التي ما زالت مفتوحة حول هذا الموضوع، موضوع التاكتيك الذي تحول إلى إستراتيجية ليتم تعميمه على غالبية البلدان المتخلفة بدعوى وجود الإقطاع، و هيمنة الاقتصاد الفلاحي، و النسب العالية ـ 80، 90% ـ من الفلاحين!!! الخ سنحاول مجبرين الإدلاء ببعض النصوص اللينينية قصد الشرح و المقارنة.
يعرف لينين دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية، ثمرة الثورة الوطنية الديمقراطية، الثورة البرجوازية التي يجب أن تقودها الطبقة العاملة و أن تشترك فيها و في سلطتها المظفرة من خلال حكومة ثورية مؤقتة لتقيم بعدها مجلسا تأسيسيا و دستورا ديمقراطيا..الخ "بأن لها ماض و مستقبل، ككل ما هو موجود في العالم. و ماضيها، هو الأوتوقراطية، و القنانة، و المَلكية، و الامتيازات. و في غمرة هذا النضال ضد هذا الماضي، في النضال ضد أعداء الثورة، تكون "وحدة الإرادة" بين البروليتاريا و الفلاحين أمرا ممكنا لأن هناك وحدة مصالح.
أما مستقبلها، فهو النضال ضد المِلكية الخاصة، هو نضال العامل الأجير ضد رب العمل، هو النضال في سبيل الاشتراكية. و هنا تستحيل وحدة الإرادة، هنا لا نرى أمامنا الطريق الذي يقود من الأوتوقراطية إلى الجمهورية، بل الطريق الذي يؤدي من الجمهورية الديمقراطية البرجوازية الصغيرة إلى الاشتراكية" ـ تاكتيكان ـ
و حين استحالت وحدة الإرادة قال "إن من لا يتحدث إلا عن الدكتاتورية الثورية الديمقراطية للبروليتاريا و الفلاحين متأخر عن الحياة و يقف مع البرجوازية الصغيرة ضد الصراع الطبقي البروليتاري. و لا بد من أن يوضع في مصنفات "البلاشفة" باسم مصنفات البلاشفة "القدماء" ـ موضوعات نيسان ـ
و هاكم نموذجا من مصنفات المتحف البلشفي و التي تضم طبعا ستالين، أيام القيادة الثلاثية للبرافدا ـ مارس 1917 ـ أي قبل وصول القيادة اللينينية و أغلب منظري وزعماء الحزب "أما بالنسبة للخطة العامة التي تبناها لينين فتبدو غير مقبولة في نظرنا لأنها تنطلق من الافتراض بأن ثورة البرجوازية قد انتهت و من ثم تعتمد على تحويل هذه الثورة إلى ثورة اشتراكية"
و في تعريفه للتاكتيك سيستند طبعا على تعريفات ماركس و يقول في كراسه يحمل اسم ماركس "لقد كان ماركس يحدد المهمة الأساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي ـ الديالكتيكي. إن حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين، دون استثناء، و بالتالي، حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع و للعلاقات بينه و بين سائر المجتمعات يمكن له وحده لأن يكون سندا لتاكتيك صحيح للطبقة المتقدمة، علما بأنه ينظر إلى جميع الطبقات و جميع البلدان، ليس في حالتها الساكنة، بل في تحركها أي لا في حالة الجمود، بل في حالة الحركة، الحركة التي تنبثق قوانينها من الظروف الاقتصادية لمعيشة كل طبقة"
و على هذه المنهجية قدم التحذيرات الكثيرة عن الانزلاقات الشعبوية موضحا "أن قوة البروليتاريا في أي بلد رأسمالي أكبر مما لا يقاس، من حصتها من العدد الإجمالي للسكان، و ذلك لأن البروليتاريا تسيطر اقتصاديا على مركز و عصب مجمل النظام الرأسمالي الاقتصادي، و لأن البروليتاريا كذلك تعبر، اقتصاديا و سياسيا، عن المصالح الفعلية للغالبية الساحقة من الكادحين في ظل الرأسمالية" المجلد 40
فهل أخذت الأرضية بعين الاعتبار كل التحذيرات و التحفظات في العلاقة ما بين الطبقة العاملة و حلفائها، وفق المنهجية اللينينية، كالمراهنة المبالغ فيها على البرجوازية المتوسطة و الصغيرة؟
و هل تم توجيه المناضلين و الأطر الثورية الماركسية اللينينية و كافة الطلائع البروليتارية وفق منهجية "السير على حدة و الكفاح معا ـ مع عدم إخفاء التناقض في المصالح، و مع مراقبة الحليف بنفس قدر مراقبة العدو"؟
هل تم فعلا القطع مع الفكر البرجوازي الصغير بمختلف تجلياته و مصنفاته الشعبوية؟
كلاٌ، حيث تستمر الأرضية في إحدى فقراتها بالضرب على نفس الوتر الشعبوي معتبرة "طغيان الإقطاع و اضطهاد الاستعمار الجديد" كعنوان لمرحلة ما بعد الاستقلال الشكلي.
فبالرغم من إدعاء الأرضية لمحاربتها للفكر البرجوازي الصغير كان انتهازيا أو ثوريا انقلابيا، فنعتقد أنها استمرت في حمل و ترديد جل مفاهيمه الخاطئة عن الطبقات الاجتماعية و المتناقضة مع التحديدات العلمية الماركسية ـ الإقطاع مثلا ـ و عن "الثورة" و "الحزب الثوري" و إيديولوجية الثورة" نفس الملاحظة، بل و سيلاحظ المتتبع، جليا غياب التصور الماركسي لحزب الطبقة العاملة المستقل و لمهامه في الثورة من حيث القيادة و من حيث صياغة البرامج المُعبٌر عن مصالحها و عن مصالح كافة الكادحين و المحرومين و المضطهَدين.. معوضة إياه "بحزب العمال و الفلاحين"!
نفس الملاحظات نتقدم بها عن الفقرة التي تكلمت عن "التداخل بين القوى الثورية المغربية و الثورة العربية و العالمية؟.. مرة أخرى و على نفس المنهجية، اختفى التحليل الطبقي و غابت المنهجية الماركسية و التحديد العلمي للثورة.
فإذا كان لينين و قبله ماركس قد تكلم عن التمايز في مستوى تطور الرأسمالية بين انجلترا، ألمانيا، فرنسا و روسيا.. الذي يفضي بالضرورة لتمايز في التحالفات و التاكتيكات و الشعارات و البرامج..الخ فإن الرفاق أنصار الأرضية يتكلمون عن الثورة العربية و كأن مصر النيل و عراق الفرات هي موريطانيا الصحراء..!
فهل هي الثورة العالمية بالمفهوم الماركسي اللينيني البروليتاري أم هو التمرد العالمي ضد طغيان الرأسمالية الإمبريالية.. من خلال مظاهر الانتفاض ضد العنصرية و الفاشية و الاستيطان.. و ضد السياسات المفضية للمرض و التجهيل و التفقير و التهميش..الخ؟
فشتان بين لغة الثورة العالمية و لغة الثورة البروليتارية الأممية التي أسس لها ماركس و انجلز، شتان بين خط الأرضية و بين خط استمرارية أممية ماركس ـ اليسار الزمرفالدي بقيادة لينين ـ
لينين مؤسس الأممية الثالثة قبل أن يعلوها الصدأ التحريفي على يد ستالين و من معه، ذلك الصدأ الذي لم تنفع معه تخريجات و وصفات تحريفية الأممية المسخ ـ الأممية الرابعة ـ في شيء، سواء على مستوى إعادة البريق الثوري للتنظيم البروليتاري الأممي و لا في التجاوز البرنامجي ـ الذي يبقى جوهره إصلاحيا في آخر المطاف ـ لتحريفية الخط الستاليني.
و يمكن أن نعتبر أن طغيان بعض المفاهيم في الساحة السياسية العربية أثرت بشكل كبير على منهجية الأرضية، التي اكتفت بالترديد الببغائي دون أدنى مسائلة نقدية على أرضية المنهجية و التراث الماركسي اللينيني.. فنفس التحديدات للتناقضات على المستوى العالمي و العربي تجدها شائعة في أغلب الكتابات "الماركسية العربية"..
و نفس الانتقاد المحدود للإتحاد السوفياتي التي عبرت الأرضية عن تحريفية قيادته، دون شرح و لا تحليل و لا بحث في الجذور.. و لا هم يحزنون "استيلاء حفنة من البيروقراطية على الحكم في الاتحاد السوفياتي في السنوات التي تلت وفاة ستالين".. تجده مستنسخا عن العديد من وثائق و تحليلات الأحزاب الشيوعية التي أعنت ولائها للصين و لقيادته الماوية بعد المؤتمر العشرين سنة 1956!
بهذه السطحية و التبسيطية، اكتشفت الأرضية تحريفية السوفيات التي لم تبرز إلا بعد موت ستالين! متغاضية إذن، عن كون سياسة القيادة الخروتشوفية ثم البريجنيفية فيما بعد.. ليست سوى نوع من الاستمرار ـ مع تعديلات شكلية طفيفة ـ للسياسة و الحزب الستاليني!، مع الوفاء و التقديس لجوهر الأطروحة التحريفية الستالينية على المستويين الداخلي و الخارجي.. أي على مستوى هيكلة الحزب و علاقته بالطبقة العاملة و بعموم الكادحين و بحجم الإنجازات الاشتراكية.. و على مستوى علاقة التضامن و الدعم للأحزاب و التيارات العمالية و الشيوعية و لمختلف حركات التحرر المناهضة للاستعمار و الاستعمار الجديد.. و أخيرا على مستوى علاقة بلد ثورة أكتوبر الاشتراكية مع الإمبريالية و حلفائها من أحزاب و أنظمة رجعية لبرالية و ظلامية قروسطية..الخ
فعلى نفس النهج الستاليني، استمر الهجوم على المكتسبات العمالية، المادية و الديمقراطية، و استمرت سياسة إزاحة الطبقة العاملة و حلفائها من جيش الكادحين، عن السلطة.. و استمرت سياسة تقسيم مناطق النفوذ مع الإمبريالية، و إهمال النضالات العمالية الشعبية المشتعلة خارج مناطق النفوذ.. مع الدعم الواضح و المكشوف لسياسة "الجبهات الطبقية" و الدفع في أغلب الأحيان بالأحزاب الشيوعية لحل نفسها أو التنازل عن قيادة بعض الثورات و الجبهات، و بأحزاب أوربا و الغرب بشكل عام للتمادي و الانخراط بحمية في سياسة التوافقات الطبقية و حكومات الائتلاف الإمبريالية و حصر النضال في المؤسسات البرجوازية..الخ
إنها نفس السياسة الستالينية التي ابتدأت في العشرينات ـ و لم تنتهي إلا بعد انهيار التجربة ـ بعد تصفية الحزب اللينيني و بعد تعطيل آليات الديمقراطية العمالية ـ السوفييتات و الأممية ـ من جراء خطة التصفية و الغربلة و إعادة الهيكلة و الترتيب.. التي ذهب ضحيتها خيرة المناضلين العماليين الثوريين، بلاشفة و غير بلاشفة، روس و سوفيات و من قوميات و بلدان شتى بمن فيهم الشيوعيين العرب في الشام، فلسطين و سوريا فيما بعد، العراق، مصر و السودان..الخ
هذا و دون أن نغفل أن بعض المناضلين المخلصين للطبقة العاملة و مشروعها الثوري الاشتراكي، في المغرب و في بلدان أخرى.. انزلقوا دفاعا عن هذا الطرح، بل و قدموا التضحيات الجسام، التي لا يمكن نكرانها، من أجل بناء حزب ستاليني نموذجي كذلك المهيمن داخل التجربة السوفياتية و الأنظمة التي تدور في فلكها آنذاك. فلا هو بالحزب الماركسي و لا بالحزب اللينيني، إنه حزب أقرب من هيئة الأركان العسكرية البوليسية و أبعد بكثير عن الحزب السياسي الديمقراطي حتى بمفهومه اللبرالي العام.. و بالأحرى الماركسي اللينيني.

إستراتيجية الثورة: بين الشمولية و التقنيات

من الإستراتيجية إلى الدخول في نقاش تقنيات العمل الثوري و الاستيلاء على السلطة لتعميم الثورة على الصعيد العربي في توافق مع الثورة العالمية.. هذا ما يمكن استخلاصه من هذه الفقرة! و هي خلاصة تدعم نقدنا للأرضية و ارتباك خطها البين، في عملية بناء التصور العديم المنهجية.. إذ كان من المفروض أن تحدد إستراتيجية الثورة، بعد التحليل الدقيق و العميق للتشكيلة الطبقية بالمغرب و لنمط الإنتاج السائد و لطبيعة العلاقات بين مختلف الطبقات و بين النظام السياسي الاقتصادي القائم و مختلف الإمبرياليات..الخ بعدها وجب تحديد أعدائها الداخليين و الخارجيين بدقة طبقية لا تترك مجالا للتأويل، مع التحديد و بنفس الدقة لشكل السلطة الثورية و مكوناتها الطبقية و كيفية إدارة الاقتصاد، أي الموقف من التأميم و من مصادرة الممتلكات و من الثورة الزراعية في الأرياف، يعني شكل و نوع المِلكية التي ستسود و من سيتحكم بالتالي في إدارة الإنتاج و التوزيع.. ثم علاقة مجالس العمال الصناعيين و الزراعيين بمجالس الفلاحين الفقراء و مجالس الأحياء الشعبية و سائر مجالس الفئات الكادحة.. علاقة السلطة المركزية الجديدة بالمحيط الثوري عربيا، إفريقيا و أمميا.. تحديد الموقف من بعض القضايا الثورية فيما يتعلق بالدستور الثوري الجديد، المرأة، اللغات، العلمانية..الخ
فما المعنى إذن أن يتم الكلام و الاستشهاد بتجارب التشاد و مالي و الشعب الأفريقوأمريكي.. دون الإشارة لتجارب الحركة العمالية الثورية، من كمونة باريس إلى ثورات 1905 و 1917 الأولى و الثانية الروسية!.. كإرث تاريخي و كبوصلة موجهة للمناضلين الماركسيين اللينينيين و للطلائع العمالية الثورية.
نواقص أخرى استدعت الوقوف للتنبيه من عدم إهمالها الآن، و خاصة مع وجود مجموعات ثورية ببلدنا مازال تشبتهم واضحا تجاه وثائق "منظمة إلى الأمام".. بل و يعتبرونها كإحدى الثوابت المرجعية لأطروحتهم الفكرية و السياسية.. كمثلا دور المنظمات الجماهيرية العمالية و غير العمالية، أي المنظمات الشبابية و النسائية التقدمية، دور المثقف و التثقيف، دور الإعلام الماركسي عبر الجمعية الثقافية، الجرائد، المجلة و المنشور السري..الخ
و عن آليات العمل الثوري، فتبقى خارجة هي كذلك عن ثوابت الحركة العمالية و الحركة الماركسية اللينينية، حزب الطبقة العاملة المستقل نظريا، سياسيا و تنظيميا.. بل يتم تعويضه في فقرات عديدة "بحزب العمال و الفلاحين" أو "حزب العمال و الفلاحين الفقراء و المثقفين الثوريين".. مع بعض التعريفات و الشروحات الجد مختصرة و التي لم تفي و لن تفي بالغرض خاصة إذا كان التوقيت لإعلان مبادئ و تصورات المنظمة، غداة الانشقاق عن حزب سابق ـ الشيوعي أو التحرر و الاشتراكية ـ الذي يدعي هو كذلك بعضا من هذه المبادئ أو جلها.. فالتصور لبناء حزب الطبقة العاملة كان دائما مثار خلاف داخل الحركة العمالية و الاشتراكية الماركسية اللينينية و بالتالي فالشكل الذي قدم به، و المختصر جدا، لم و لن يقنع أحدا.
استوقفتنا كذلك النقابة التي يتم تغييبها في صياغة الأرضية و من آليات العمل الثوري، فإذا كنا كماركسيين لينينيين نعتبر النقابة العمالية كإحدى المنظمات الأساسية في ثقافة الحركة العمالية و الحركة الماركسية اللينينية.. فقد استغربنا كثيرا لتشطيبها و تشطيب أدوارها في الصراع الطبقي، و بنفس الطريقة يمكن القول أن الأرضية غيبت العمل النقابي ككل، أي العمالي و غير العمالي المنظٌِم لفئات واسعة من جمهور الكادحين.. و الذي يتطلب الدعم و التوجيه و التأطير من المناضلين الماركسيين اللينينيين.
لا وجود و لا إشارة كذلك للإضراب و لثقافة الإضراب و آلياته المتنوعة، الضيقة و الواسعة.. لا وجود لأدواره الحاسمة في الثورة و في توحيد و قيادة الكادحين خلال اللحظات الأخيرة من عملية الاستيلاء على السلطة.
الإضرابات المتفرقة و المحدودة، ثم القطاعية، فالمعممة.. و أخيرا العصيان الشعبي المسلح، بالمدينة و الريف، و بقيادة الطبقة العاملة و حزبها الثوري الماركسي اللينيني.. آليات و تقنيات، كلها، تجعل من المدافعين الأوفياء عن الخط اللينيني البروليتاري، المدافعين عن النظرية الماركسية الطبقية للحزب، حزب الطبقة العاملة المستقل.. و تجعل من يدافع عن "الحرب الشعبية" و "الجبهة الموحدة للتحرير" حزبا ثوريا، بدون شك لكنه خارج المواصفات الماركسية اللينينية.

خلاصاتنا الأولية:

و بالتالي فخلاصاتنا تقول أن النقاش لا بد و أن يتجدد حول هذه النقطة المحورية، الحزب من منظور الماركسيين اللينينيين، دور حزب الطبقة العاملة في إدارة الصراع الطبقي و في قيادة الجماهير الكادحة، دور الآليات الموازية، النخبوية و الواسعة، الجماهيرية و الشبه جماهيرية في تطوير و تأجيج الصراع و الدفع به لأقصى حد، علاقة الحزب بالآليات الموازية..الخ
لقد انطلقت موجة النقد التصحيحية الثورية منذ أواسط السبعينات و لم تتمكن من الإسهام في تشكيل تيار قوي متميز باجتهاداته الفكرية و بإنجازاته الميدانية.. حيث بقي التيار البروليتاري في وضع الجنين المحاصر.. حاصرته كافة التأويلات المتجنية و خاصة الأطروحة الشعبوية المقدسة للتجربة و الرافضة لأي تقييم نقدي، هذا من جهة، و من جهة أخرى، الالتفاف التصفوي الذي مارسته القيادات الإصلاحية المرتدة عن التجربة ككل..
أمام هذا الوضع الذي لم ينتج سوى التردد و الانتظارية الانعزالية و أحيانا اليسراوية الصبيانية العدمية.. فرض على الجنين التحدي مجددا و فتح النقاش على مصراعيه و الانفتاح على كافة المناضلين بتياراتهم و مجموعاتهم، و طرح الأسئلة المحرجة و المعقدة بكل جرأة ثورية..
"فإلى الأمام" و المنظمات الأخرى تبقى هي التجربة الأم، شهدائها شهدائنا، و سيظلوا إلى جانب جميع شهداء الحركة الماركسية اللينينية و شهداء الحركة الثورية بالمغرب، شامخين في تاريخ الحركة الثورية و الحركة العمالية، محليا و أمميا.. ستظل منظمات الحملم بالرغم من انتقاداتنا التصحيحية لها، هي الماضي المضيء لتجربتنا الحالية و المستقبلية، و هي المحفز لتطوير و توحيد و تقوية نشاط التيارات و المجموعات و الفعاليات الماركسية اللينينية ـ الحملم الجديدة ـ على أرضية الخلاصة اللينينية "لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" و نقدية ـ كإضافة من عندنا ـ.



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة إلى سؤال، إلى أين يسير النهج الديمقراطي بطنجة
- حول ملابسات الصراعات الدموية بالجامعة
- جمعية المعطلين ينحروها ام تنتحر؟
- جورج حبش -شهيد- الجهل و الأمية
- كفاح و أساليب نضالية جديدة ...عمال حمل البضائع بميناء طنجة
- حول أحداث العنف الطلابي بمراكش و أكادير
- تخليد ذكرى يوم الأرض بطنجة غاب يسار ... و حضر يسار آخر
- رسالة إلى الرفاق الأوطميين
- عمال -ديوهرست- المطرودون ... من الاعتصام إلى الاحتجاج في الش ...
- مواصلة ديوهيرست لحربها الشرسة ضد العمل النقابي
- الملكية بالمغرب تدشن السنة الجديدة باستقطابات جديدة
- عاملات و عمال ديوهرست بطنجة في الواجهة
- مأساة عمال و عاملات شركة يازاكي بطنجة
- عمال ديوهرست بطنجة المجزرة واحدة و السيوف متعددة
- التوجه القاعدي و الإنجازات النوعية
- قراءة نقدية لخط -رابطة النضال الشيوعي بالمغرب-
- نقطة نظام توجيهية
- المقاومة الطبقية هي السبيل
- مآل الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب تحت قيا ...


المزيد.....




- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
- عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و ...
- في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در ...
- حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
- تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا ...
- تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال ...
- الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...


المزيد.....

- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - وديع السرغيني - قراءة أولية للأرضية التأسيسية لمنظمة -أ-