|
الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7582 - 2023 / 4 / 15 - 18:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
" عندما فتحت الحاسوب على الساعة السادسة صباحا لاشتغل ، مدير البوليس السياسي الجلاد Le bourreau المجرم قطع الكونكسيون عن منزلي " أ – الغلاء ثمرة السياسة المركانتيلية للحكومة : الغلاء هو المؤشر الاقتصادي لارتفاع معدلات الاستغلال الطبقي في المجتمع الرأسمالي . فهو يعني ارتفاع أرباح الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا ، ويعني توسعها في استغلال اكبر لفئات اجتماعية أوسع . من الواضح أن كل وضع سياسي واجتماعي مؤات للقوى المسيطرة ، يدفعها لشن هجوم اقتصادي واسع على الفئات الشعبية الفقيرة ، وذلك لتدعيم سيطرتها السياسية ، وتعزيز هجماتها القمعية والعدوانية كما حصل في فترات مختلفة من التاريخ . هكذا فان كل ارتجاج أو تراجع في ميزان القوى السياسية للحركة الرافضة ، ولقوى الممانعة الملتصقة بالجماهير ، خاصة الفقراء منهم ، يقابله هجوم اقتصادي للقوى الطبقية اليمينية المستأثرة بالحكم ، كأداة لاستغلال الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى ، التي تعيش دائما على هامش مجتمع الأسياد . والرأسمالية بتركبها الاستغلالي ، ليس لها في النهاية سوى دور واحد : نهب الشعب المستضعف والمغلوب على أمره ، بفعل الخيانات ، وبفعل تغيير المعطف ، والبيع والشراء في أرزاق العباد ، باسم الشعارات الفضفاضة البراقة ، حتى إذا ما تمكنوا ووصلوا ، فإنهم لا يترددون في قلب الطاولة ، والظهور بمظهر الشخص الجشع ، المكشر عن أنيابه للحفاظ على مصالح أسياده ، وضمنها مصالحه التي لا تتعدى تحسين الوضع الاجتماعي من حسن إلى أحسن وهكذا. إذن الرأسمالية بتركبتها الاستغلالية تسعى في الجوهر إلى استغلال واستلاب حرية الشعب الإنسانية ، وحقوقه الوطنية والديمقراطية . ومعادلة الرأسمالي الاحتكاري في المغرب هي : المزيد من التبعية للسياسة الاقتصادية الإمبريالية ، لأجل المزيد من الاستغلال الداخلي . ونتيجة المعادلة ، تفجير حركة الأسعار تفجيرا مذهلا ، لسبب سياسي واضح هو تمركز القوى الغنية في السلطة ، بالاعتماد على قدرتها القمعية ، اقتصادا وسياسة وأجهزة ، وبتحولها إلى أداة امتصاص في اتجاه الداخل الوطني المغربي . لهذا فان الغلاء هو ثمرة الدور الطبقي للحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية . إن ارتفاع الأسعار الذي مس بشكل مهول المواد الأساسية الاستهلاكية للفقراء ، من خضر وزيت ولحوم ودجاج وطحين و الغاز الذي تمت الزيادة في ثمنه بطريق غير مباشر كي لا يثير اهتمام الناس ، بواسطة النقص من كمية الغاز في القارورة ، إضافة إلى الزيادة المهولة المرتقبة في ثمن الخبز والحليب ومشتقاته ، ثم الارتفاع المهول في ثمن المحروقات من بنزين السيارات إلى بنزين الدرجات النارية ، ثم أثمان الأدوية الصاروخية ، وتقليص إن لم نقل انعدام الخدمات الأساسية للمواطن من تطبيب واستشفاء وتعليم ، والارتفاع الصاروخي في أثمان العقار والإيجار بفضل الاحتكار والجشع ، والتواطؤ بين المنعشين ومختلف السلطات .. الخ ، كل هذا يبين الدور الطبقي للنظام البوليسي ، وكونه المحرك السياسي ، بل المحرك الأول والأساسي لشَرْه التجار والاحتكاريين ، وإقبالهم الجيد على أكل لحوم المستهلكين الفقراء في مجتمع الغلبة فيه للأقوى والويل كل الويل للمستضعفين في الأرض. ومما لاشك فيه أن جدلية الصراع بين النظام البوليسي الطبقي ، وبين المجتمع المتعدد الطبقات والفئات ، ستبقى قائمة ومتواصلة بفعل التناقض التركيبي ذاته . ولكن المسالة ، سياسيا ، تتحدد في معرفة نتائج هذا الصراع ، وفي توضيح كيفية جعل قوى الصراع ترجح إلى جانب الفقراء والمظلومين والمستلبين ، بقدر ما تنفصل القوى المضطهدة عن مضطهديها لتستغل سياسيا ، وتكافح ببسالة وتواصل لإسقاط منظومة الاحتكاريين الرأسماليين الذين لا يتوانون لحظة واحدة في نهبها اقتصاديا ، جامعين بين عنف المال وعنف السلطة . إن الرد السياسي الوحيد على وضع الغلاء والفقر وارتفاع الأسعار في المغرب ، لا يخرج عن نطاق تغيير منظومة الرأسماليين الاحتكاريين ، أي الطبقة المركانتيلية التي لا يهمها إلا الربح على حساب الأمن القومي للدولة . فإذا كانت المعارضة الراديكالية بمختلف أنواعها خاصة تلك المهتمة بمشكل الفقر وغلاء المعيشة ورفض ارتفاع الأسعار، تقف عند حدود فضح الغلاء وكشف أسبابه ونتائجه ، فإنها مطالبة بمقاومته . فالغلاء عنف اقتصادي وسياسي ، والعنف لا يقاوم بالتظاهر ، وترديد الشعارات ، وقراءة الأشعار على الناس ، وهي تتذور جوعا ومرضا ، بل لا بد من تحرك ضاغط يلزم الدولة البوليسية بالتدخل في الإنتاج ، والاستيراد ، والتصدير لمصلحة الشعب لا لمصلحة الأقلية المركانتيلية التي لا يهمها إلا مصالحها . إن هذا التحول لا يمكن أن يحصل إلا بتصادم مع قوى النهب ، والاستغلال ، والاغتيال الشعبي ،وهذا وحده الأسلوب القادر على إحداث التوازن الأخلاق والاجتماعي داخل المجتمع . المشكلة البنيوية للغلاء : إن مشكلة الغلاء في المغرب لا تختلف في الواقع عن باقي المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت تطرح نفسها بحدة خلال السنوات الأخيرة ، بمعنى انه لا يجب النظر إليها كمشكلة طارئة يمكن القضاء عليها ، أو على الأقل التغلب عليها إلى فترة طويلة نسبيا ، ببعض الإجراءات السطحية أو التدابير الجزئية . فجميع هذه المشاكل كل مترابط بعضه ببعض الآخر، تتطلب مواجهتها مواجهة للأرضية نفسها التي تنمو عليها ، أي البنية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب ، وسياسة النظام المخزني التي تكرس هذه البنية ، وبعبارة أخرى ، لا يمكن لتلك المشاكل ، والفقر والغلاء منها ، أن تجد حلولا صحيحة إلاّ داخل إطار سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة ، تستهدف إحداث التغييرات اللازمة والممكنة في تلك البنية ، وما عدا ذلك فهو من قبيل المسكنات التي وانْ تركت بعض الآثار ، فذلك إلى أمد قصير لا تلبث بعده هذه المشاكل أن تطل برأسها ثانية بنفس الأشكال و بأشكال أخرى مختلفة ، آخذة في الغالب طابعا أكثر حدة من السابق . صحيح إن المعالجة الجدية لمشكلة الغلاء ، لا تسقط من حسابها أكثر التفسيرات رواجا هذه الأيام ، للأسباب التي أدت إليها . فهي تأخذ بعين الاعتبار ، بل تنطلق من ان ارتفاع الأسعار في الخارج ، هو أساس مشكلة الغلاء في بلدنا . كما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار ، وجهة نظر ثانية التي تؤكد على الأسباب الداخلية ، والتي تحصرها عموما في وجود الاحتكار ، وتعدد السماسرة ، والوسطاء التجاريين الجشعين . لكن هذه التفسيرات كما يروج لها حاليا ، إما أنها تأتي لتغطية مواقف محض تبريرية ( رد الغلاء إلى أسباب خارجية ) ، وإما أنها تبقى سطحية وجزئية، لا تذهب إلى جذور المشكلة ( الاحتكار وكثرة السماسرة والوسطاء ). وفي الحالتين تقود إلى حلول تطفو على سطح المشكلة ، وتبقى قاصرة عن معالجتها بصورة فعالة . إن مواجهة مشكلة الغلاء تضعنا في الواقع ، عبر الأسباب المذكورة وغيرها من الأسباب ، وجها لوجه أمام المشكلة الاقتصادية والاجتماعية بتكاملها في المغرب . وعلى وجه التحديد أمام المسألة المركزية في هذه المشكلة ، التي تكمن في هيمنة إنتاج الخدمات داخل الاقتصاد الوطني ، وما يتفرع عن هذه المسألة المركزية من مسائل أساسية أخرى . كضعف مجالات الإنتاج السلعي : الزراعة والصناعة والحاقهما بمجال إنتاج الخدمات نفسه ، تم إلحاق الاقتصاد المغربي بمجمله بحاجات الخارج ، والتقلبات التي تحدث فيه ،هذا دون أن ننسى انعدام التوازن في مجالات توزيع الدخل والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن العلاقة العضوية بين مشكلة الغلاء في المغرب ، والبنى الاقتصادية والاجتماعية ، تبرز بشكل واضح عند الإجابة على السؤال ذي الشقين التالي :
-1 لماذا على المغرب أن يستورد ارتفاع الأسعار الذي يحصل في الأسواق العالمية ؟. 2 - لماذا على ارتفاع الأسعار عندما يعبر الحدود المغربية آتيا من الخارج ، أن يخضع لعملية تضخيم في الداخل ، تزيد في حدته أفقيا وعموديا بنسبة كبيرة ؟. amplification بشكل واضح . إذا كان من المؤكد أن ارتفاع الأسعار ، يشكل هذه الأيام ظاهرة تعاني منها جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة ، وانّ هذا الارتفاع جاء نتيجة لتضافر عوامل عدة ، منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، نتيجة للجفاف وسوء الظروف الطبيعية على العموم ، في البلدان المصدرة لهذه المواد من جهة ، ومن جهة ثانية للسياسة الزراعية المتبعة في البلدان الرأسمالية المتقدمة ذاتها ( بلدان السوق الأوربية على الخصوص )، ثم تقليص حجم ومساحة الأراضي الزراعية بفعل الهجوم الكاسح للأسمنت المسلح ( العمران ) ، حيث ينتعش المضاربون والاحتكاريون المؤيدون من طرف السلطة ، وتحويل المساحات الخضراء ، إلى تجزيئات تحت غطاء التعاونيات ، إضافة إلى امتداد ما يطلقون عليه المناطق الصناعية ، على حساب الأراضي الزراعية .. بالإضافة إلى السياسات النقدية والمالية المتبعة في نفس هذه البلدان ، وعلاقة تلك السياسات بأزمة النقد الدولي … إذا كان كل ذلك صحيحا ، فلا يترتب على ذلك بديهيا أن يتبع المغرب تلك البلدان من ناحية المشاكل الاقتصادية ، التي تعاني منها بشكل عام ، وارتفاع الأسعار والظواهر التضخمية بشكل خاص . ثم كيف نفسر إن ارتفاع الأسعار في المغرب ، على الرغم من عدم توفر الإحصاءات والأرقام الدقيقة في هذا المجال ، قد تناول وبنفس المعدل ، إن لم يكن أكثر ، المنتجات المحلية ( زيت الزيتون ، زيت المائدة ، اللحوم ، الدجاج ، السمك ، الدقيق بمختلف أنواعه ، الحبوب من قمع صلب وطري ، الخضروات ، الفواكه ، النقل ، إضافة إلى العديد من الخدمات والمنتجات الصناعية ..) ، وانّ الارتفاع الذي يحصل في أسعار المنتجات المستوردة ، يزيد عموما عن ارتفاع أسعار المنتجات ذاتها ، سواء في بلدان المصدر ، أو في البلدان المستوردة الأخرى . وبعبارة موجزة . لماذا كانت وطأة ارتفاع الأسعار في المغرب اشد منها في أي بلد آخر ( التذمر الصارخ والواضح لفئات اجتماعية واسعة جدا ، بسبب تدني الدخل وجمود الأجور ، وتفاقم البطالة التي أصبحت مستشرية بين الدكاترة والأطباء والمهندسين ، تم المسيرات الأخيرة التي شهدتها المملكة ، بسبب هذا الغول المسمى بارتفاع الأسعار) . القنوات الأفقية والعمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : 1 - القنوات الأفقية لتضخيم ارتفاع الأسعار: إن انتقال ارتفاع الأسعار إلى المغرب ، لا يبقى في حدود السلع المستوردة فقط ، بل يطال مجمل الإنتاج المحلي من السلع والخدمات وذلك لجملة من الأسباب أهمها : -- طبيعة الإنتاج السلعي المحلي : فهو يعتمد في جزئه الأكبر ، على مواد أولية ، ومواد وسيطة تأتي من الخارج . وهذه الملاحظة تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للإنتاج الصناعي ، الذي ليس هو في الواقع بمعظمه ، سوى عبارة عن تخصص في آخر عمليات الإنتاج الفعلي ( صناعة تركيبية ، قولبة ، تغليف …) ، التي تُدخل بعض التحويلات على منتجات منتهية أو شبه منتهية مستوردة من الخارج . -- إن لجوء المغرب إلى استيراد الجزء الأكبر من حاجاته الضرورية ، خصوصا الحبوب والزيوت ومشتقاتها ، مشتقات الحليب .. من شأنه أن يؤدي كلما ارتفعت أسعار هذه المواد في الخارج ، أن ترتفع وبشكل أكثر في المغرب ، بفعل الرسوم الضريبية ، وبفعل تكاليف النقل ، وتعدد الوسطاء ، حتى تصل السلعة إلى السوق الوطنية ،حيث يتحمل المستهلك تبعات جميع هذه الزيادات التي تطلبها استيراد المنتوج . -- إذا كان بالإمكان رد جميع العوامل السابقة لتسرب ارتفاع الأسعار ، ولانتشار هذا الارتفاع ، حيث يشمل الإنتاج المحلي إلى الجانب الاقتصادي البحْت ، من البنية الاقتصادية العامة ، أي جانب التوازن بين القطاعات الإنتاجية .. ، يأتي بالإضافة إلى ذلك ، الجانب المالي من هذه البنية ، أي نوع وطبيعة السوق المالي ، والجهاز المصرفي المغربي ( ارتفاع فوائد القروض بشكل أكثر بكثير عما يجري به العمل في أروبه ) ، خاصة السلفات الموجهة للاستهلاك ، والسلفات الموجهة للسكن ، حيث يشكل هذا بدوره قناة أساسية ،ينفذ منها ارتفاع الأسعار إلى الإنتاج المحلي ، وخصوصا القسم الذي يتعلق منه بإنتاج الخدمات . فكما هو معروف ، إن السوق المالي الوطني التي تتميز بكونها سوقا لتجميع كميات هائلة نسبيا من الودائع ، التي تبقى عموما تحت الطلب ، أو إلى اجل قصير ، وإعادة توزيعها إما في قطاع التجارة والقطاع الثالثي بشكل عام ، وإما في قطاع البناء ، وما تبقى يوظف في الأسواق النقدية والمالية العالمية ، وذلك دون أن تعود تلك السوق بفائدة تستحق الذكر على قطاعي الإنتاج السلعي . إن وضعا شبيها بوضعنا الحالي ، حيث يعاني النظام النقدي الدولي من أزمة حادة ، وحيث تطغى الظواهر التضخمية ، من شانه أن يؤدي في إطار سوق مالية كهذه ، بالأموال المصدرة إلى العودة للالتجاء في المركز الأم في المغرب ، والبحث عن طرق ووسائل من شانها أن تقلل قدر الامكان من الخسائر ، فيجري بالتالي استعمال هذه الأموال في التوظيف في قطاع البناء ، وفي المضاربات العقارية بشكل عام . من هنا يأتي الارتفاع الكبير الذي يعرفه سعر العقار في المغرب في الإيجار أو الشراء قصد التمليك ، ثم أسعار الأراضي المجهزة للبناء . وهنا يلعب المضاربون والاحتكاريون الذين يجدون في السلطة عونهم وملاذهم الأخير ، إنّ هذه السياسة الخاطئة تشجع راس المال الثابت ، أي غير المتحرك ، وتقتل الدورة الاقتصادية أساس التنمية والخلق والإبداع ، وتغرق سوق الشغل بالكساد والبطالة ، وما ينتج عن ذلك من تبعات كالأجرام ، الفقر، المرض ، والجوع… إن الشخص المضارب ، يحقق أرباحا خاصة على حساب الدولة والمجتمع ، وآلام الفقراء والمعوزين والمحاجين . 2 -- القنوات العمودية لتضخيم ارتفاع الأسعار : في الواقع إن جميع القنوات التي يتسرب من خلالها ارتفاع الأسعار ، إلى السلع والخدمات المعروضة ، والمنتجة في السوق المغربي ، والتي سلف ذكرها ، تشكل في الوقت ذاته قنوات للارتفاع العمودي في الأسعار الوطنية . بمعنى أن كلا منها يُسرّب إلى سعر السلعة أو الخدمة المنتجة محليا وحتى المستوردة منها ، ارتفاعه الخاص . بحيث يأتي الارتفاع في سعر سلعة معينة ، كتراكم للزيادات الجزئية التي تأتي بها كل القنوات المعنية ، وبالتالي يكون هذا الارتفاع طرديا مع عدد القنوات التي تصب في سعر هذه السلعة . وهكذا إذا كان معظم السلع والخدمات المعروضة في السوق الوطنية ، تراكم الارتفاع الذي يطرأ على السلع الوسيطة في الخارج ، والارتفاع الذي يأتي من الأجور ، و الارتفاع الذي يأتي من البنية المالية والنقدية ، كالارتفاع في الإيجارات والفوائد التي تتسرب من خلال البيع بالتقسيط مثلا ، فهي تضيف إلى هذا التراكم ، مساهمات أخرى في الارتفاع ، تنتج عن الأسباب التي يشدد عليها كثيرا الآن كأسباب للغلاء . أي احتكار رخص الاستيراد ، و احتكار إنتاج وتسويق السلع والخدمات المحلية من جهة ، ومن جهة أخرى تعدد السماسرة الجشعين بين المنتج أو المستورد والمستهلك . من ارتفاع الأسعار إلى مشكلة الغلاء تأتي بعد ذلك ، الجوانب التي تشكل الترجمة الاجتماعية للسياسة الاقتصادية المتبعة ، وللتركيب الاقتصادي العام في المغرب ، لتكون قنوات أخرى لتضخيم ارتفاع الأسعار ، ولتنتقل بهذا الارتفاع من مجرد ارتفاع في الأسعار ، إلى مشكلة غلاء حادة . هذه القنوات تتمثل بشكل خاص في الطرق المتبعة في توزيع الدخل القومي ، وتوزيع العبء الضريبي ، والاستفادة من شتى الخدمات الاجتماعية . إن توزيع الدخل القومي يتم بشكل غير عادل ، حيث تستغل الأقلية المحتكرة الجزء الأكبر من هذا الدخل ، في حين يبقى السواد الأعظم من الشعب ، محروما من ابسط شروط الحياة الضرورية ، بل إن الأغلبية تعيش تحت مستوى الفقر . إن الضرائب غير المباشرة التي تنال أكثر ما تنال الفئات الاجتماعية الشعبية الفقيرة ، تشكل أهم مصدر للجبايات التي تحصل عليها الدولة . أما الضرائب على الدخل التي تثقل كاهل صغار الموظفين والمتقاعدين حيث تقتطع لهم من المنبع ، فإنها تزيد في تأزيم الوضعية المعيشية للسواد الأعظم من الشعب المستضعف . أما الضمان الاجتماعي ، فهو لا يزال في بدايته ، ولا يزال هناك جزء كبير من المواطنين خارج نطاق التغطية الصحية ، وهو ما يؤثر على المردودية وعلى الحق في الحياة . أما التعليم فهو في جزء منه أصبح يخضع للمضاربين في القطاع الخاص ، أي يخضع مع سائر الخدمات الاجتماعية والثقافية الأخرى ، للقوانين التي تتحكم بالسوق التجارية المحضة ، أي إن أسعارها تعكس مباشرة الارتفاع الذي يحدث في أسعار السلع والخدمات الأخرى . ان ازمة الغلاء ستستمر ، بل ستزيد سوء ، والنظام المخزني البوليسي لن يبادر الى اتخاذ خطوات فعالة على المدى القصير ، او المدى المتوسط والبعيد خصوصا ، لمعالجة أسباب الغلاء . فالاحتكار ( الجمع بين السلطة والمال ) ليس شبحا ، كما يدعي البعض ، حكام البلد هم الاشباح التي ترقص على انغام المحتكرين . ان الادعاء بعدم وجود احتكارات ، وان المغرب يعيش في ظل " نظام حر ، وفي ظل نظام المنافسة الحرة ، تكذبه الوقائع . ويكفي ان الهولدينگ الملكي ، وشركات محمد السادس تحتكر لوحدها التجارة والاقتصاد ، وهي من دون غيرها من الشركات لا تعرف التراجع في الأرباح بفعل الاحتكار ، حتى لا نقول الإفلاس . فالرعايا هم زبائن شركات الملك المختلفة والمتعددة والكثيرة ( مارجان / Marjane ، التجاري وفا بنك ... ) . ونكتفي ببعض الأمثلة الحية كدلائل : لماذا لا تعرف أسعار بعض المواد انخفاضا ، بل زادت ارتفاعا في المغرب ، رغم سقوط اثمنتها في بلد تصنيعها . لماذا لم يؤدي سقوط سعر الدولار الأمريكي الى انخفاض أسعار السلع المستوردة .. كالمحروقات .. الخ . ان الطبقات الكادحة وقد توسعت قاعدتها لتنضاف اليها البرجوازية الصغيرة والمتوسط ، وما فوق المتوسطة ، لا تشتكي فقط من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، بل تشتكي يوميا من ارتفاع كلفة المعيشة عموما ، ومن تدني مستوى الخدمات العامة عموما . ان الحل الوحيد لإرجاع الأسعار الى وضعها قبل دخول عدو الشعب عبدالاله بنكيران الى الحكومة ، ليس المسيرات التي يتحكم فيها الجهاز السلطوي ، والبوليس السياسي . بل ان الحل لهذه المعضلة المفروضة لتجويع وقتل الناس ، تبقى النزول الى الشارع والسيطرة عليه ، وانتقال الخروج ليصبح عصيانا مدنيا سيلقى المساندة من قبل مجلس الامن ، والأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي .. وواشنطن .. وسترعاه من بعيد المحكمة الجنائية الدولية . فمن دون النزول الجماعي الى الشارع ، سيزيد الرعايا فقرا في فقر اكبر منه ، وسيستمرون يئنون ويتشكون من آلام الجوع والامراض المختلفة .. ان من يقف وراء الغلاء الغير مقبول ، الملك شخصيا ، وليس عبدالعزيز اخنوش الموظف في إدارة الملك ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقلنة المشوهة
-
العيّاشة المُتعيّشون من السياسة
-
هل إسرائيل في طريقها الى الزوال ؟
-
في الثقافة السياسية
-
هل ستفعلها المملكة العربية السعودية ، وهل سيفعلها الرئيس الر
...
-
فشل الدولة البوليسية بعد سبعة وستين سنة من النهب والافتراس
-
الخطاب السياسي ( 4 )
-
الخطاب السياسي ( 3 )
-
الخطاب السياسي ( 2 )
-
الخطاب السياسي ( 1 )
-
السلف . هل حقا كان سلفا صالحا ، ام كان في حقيقته سلفا طالحا
...
-
في البطريركية السياسية
-
تغول بوليس الدولة البوليسية السلطانية
-
استراتيجية الاختراق الإسلامي للجامعة ومنها للمجتمع
-
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
-
التحالف ضد الشعب
-
حين يكذب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ، على رئيس جزائري غا
...
-
هل حقا أهان النظام الموريتاني النظام المغربي ؟
-
في الكتلة التاريخية او الجبهة التقدمية
-
جواب الديوان الملكي ، و( المعارضة ) الشاردة والتائهة .
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|