|
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى آلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
عبد الله خطوري
الحوار المتمدن-العدد: 7580 - 2023 / 4 / 13 - 18:49
المحور:
سيرة ذاتية
مازلتُ أذكرُ تلك آلطقوس كما لو أنها وقعت بالأمسِ فقط؛ طقوسُ حفظ آي القرآن في بلدة واد الجبل دي تيمورانغ (١) .. لقد أوصى والدي الفقيهَ وصاية خاصة .. الولَدُ أحَرُّودْ مُقْبِلٌ على آمتحان الشهادة (٢)، ولا يمكن نيلها إلاَّ إذا أتقنُ التلميذ حفظ "الرحمان" و "الواقعة" والحديد .. "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..." .. لذا فـ : "تْهَلَّا..!!..".. قال بَبَا (أبي)(٣) للفقيه .. مما يعني أنَّ الطَّالَبْ الشيخ (٤) في محراب تعليمه لي حُرٌّ له كامل آلصلاحية يفعلُ ما يشاء، إنه الأب والأم والآمر الناهي الراعي السيد المطاع وكل شيء؛ ومن حسن حظي أني لمْ ألْتَقِ بفقيه من النوع الصعب الجهم الغاضب السريع البطش والفتك بمُريديه المْحَضْريا (٥) ، بل كان _ والشهادة لله_ من أطيب آلخَلْق سمتا وخُلُقـا وتعاملا وأريحيةً وحُسْنَ مُدارسة ... لقد كان لزاما عليّ أنْ أخصص معظم الوقت في الجامع دِي تَْمزْڭِيدَا (٦) من أجل إتمام تلك المهمة الاستثنائية الصيفية قبل آنتهاء العطلة، فأنا مُعَرَّض _ في نهاية المطاف_ إلى آمتحانات ثلاثة، لا آمتحان واحد فقط؛ الأول سينجزه فقيه الدوار في القريب العاجل بشكل مُياوم في كل أصيل عصر وكل صباح باكر، والثاني سيتكلف به الوالد الحافظ للقرآن عن ظهر قلب، وهنا لا مَهرب لا غش لا منجاةَ إلا بحفظ حقيقي وعن ظهر قلب لا لبس فيه وإلا ... والثالث سيُتْرَكُ للمدرسة للامتحان النهائي الرسمي الكتابي لقسم الشهادة وما أدراك ما شهادة ذلك الوقت دون آلحديث عن الاختبارات الدورية طيلة الموسم الدراسي ... إذًا، بما أن الأمر جادٌ فعلا، فما عليَّ إلا أنْ أتوغلَ في المعقول وأترك اللعب جانبا إلى حين، ثم إن الأمرَ لم يك يخلو من حبور آخر من نوع آخر، ففي الكُتّاب دي تَاخَرْبيشْتْ تاقْدِيمْتْ نتمورت نغ (٧) ، ملتقى ماتع للعديد من فتية إتَرَّاسَنْ دَالواشُونْ الذين يلجون عوالم الحفظ كعادة من عادات البلدة، فعيبٌ أنْ يوجدَ أحدهم ضمن المجموعة غير حافظ لكلام الله، إنه ناقص أمي جاهل غير مكتمل المروءة والشخصية؛ وبينما كانت الأغلبية الساحقة تجأرُ بآيات من البقرة الكبيرة والصغيرة وآل عمران والمائدة والنساء وقل أوحيَ وألم أقلْ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قال سآوي إلى جَبلٍ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ولن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وباقي السور الطوال الصعبة الملغزة .. كنتُ أكررُ في تسرع لاهث فاصلة "فبأي آلاء ربكما تكذبان .. " تحت وقع سياط ألسن ساخرة جارحة للمحضرة الذين تجاوزت همتهم هذه السور القصار اليسيرة _ في رأيهم _ منذ وقت سحيق، وهم في أغلبهم على أهبة ختم مجمل القرآن والسلكة ليصبحوا فقهاء كآبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم .. الحفظ مسألة متوارثة في بلدات آلأعالي، ويجب أن تتم هذه الإراثة على أكمل وجه وأحسن طريقة، وإلا كان المُقَصر مخروم الرجولة غير مكتمل المروءة والبلوغ... القراءة في الجامع دي تمزكيدا تكون مباشرة علي يد الشيخ الإمام عن طريق لوح الخشب سماعا مشافهة وكتابة وحفظا وعرضا ومكابدة بواسطة التكرار والإعادة والاستعادة والترجيع والسماع مباشرة من الفقيه زي الطالب صاحب المكانة المحترمة، منه يسمع الناس الآذان بحرص وروية ورصانة في أوقات معلومة مضبوطة لا آجتهاد فيها يصلي بالمصلين الفرائض يقود قراءة راتب الفجر وشفق المغيب.منه يضبط المريدون طريقة نطق الحروف ومخارجها وكيفية ترخيمها وتفخيمها ومواضع آلمماثلة والإدغام والإبدال والإعلال وطرق الإشباع والإشمام والقلقلة والمُدود ومتى يجب الوقف ومتى يجوز ومتى يمتنعُ وكيف يتم التمييز بين المتشابه من الآيات ووو.. يعلمهم ما كان يُطلق عليه أنصاصا كمفاتيح تسهل عملية المراجعة وتثبت تركيز المحفوظات في الأذهان .. كنا نجاهر نتلاسن نتفاخر بالتراشق بها في المجامع أمام الآخرين كطريقة تظهر الفرادة والتميز رغم أن جل الصغار مثلي لم يك يميزون من تداعياتها غير سلاسة تكرار حروف كلمات مقفاة موزونة نقلد الفقيه ما أمكننا في طريقة القائه بها وتلقينه الفتية الكبار الذين سلكوا أشواطا غير يسيرة في مسارهم الدراسي ..
الحمد لله أتى في الذكر ..
كنا ننشد جماعة :
ثلاثة وعشرين فادر ثلاثة في النمل ثم في الزمر ثلاثة كالنمل فيها تستقر اثنان في الأنعام ثم في فاطر كمثلها وواحد في غافر ويونس والنحل والأعراف والكهف والخليل باعتراف والعنكبوت ثم في الإسراء وسورة اليقطين عن القراء وفي الفلاح و سبإ لقمان ختامها في الحمد فخذ بياني..
كل ذلك كان يتم سماعا دون إدراك أو وعي أو إشهار للقواعد أو تصريح بها علنا؛ كانت القراءة المطلوبة تُلَقَّنُ مباشرةً من لسان من حَنجرة لآذان لحفظ لاسترجاع وإعادة حفظ كما سُمعتِ السُّوَرُ والآياتُ والفواصلُ والجمل والحروف تُعادُ دون تغيير أو تبديل أو تحريف، وأي زيغ أو ميل عن هذه القواعد يُعَدُّ إخلالا بالعملية كلها، وعلى صاحبها أَنْ يكرر من جديد كتابة الثمن نفسه أو الربع غير المتقن حفظه ليعاودَ عرضه مرة أخرى، وكل فشل أو تقصير يُعرض صاحبه لعقوبات يشهدها الجميع يشارك فيها الطلبة ويتواطأ لإنجاحها الكبار ضد الصغار والصغار ضد الأصغرين سنا وهكذا ... كنا نجتهد كي لا نقع في المَحضور ونتعرض للعقوبة والسخرية والتوبيخ، ثم كلما تمكنتُ من إتقان إنجاز العملية المنوطة بكاهلي، كلما آستطعتُ التخلص من الذهاب المياوم إلى الجامع، فالأمر بسيط بالنسبة لي على الأقل، فأنا لستُ مطالبا بإخراج السلكة وإتمام الستين حزبا حفظا، وإنما إتقان ترديد آيات سُور الامتحان لا غيرَ، وهذا هو الاتفاق الثنائي الذي كان بين الوالد والفقيه والذي آستطعتُ إنجازه في ظرف قياسي كي أتفرغَ لشغب مخيلاتي ومغامراتٍ كنتُ أترقبُها على أحر من الجمر في بلدة الأرياف مع الأطيار والأمواه الغزيرة والماعز والخرفان الثاغية في روابي يحرسها الراعي عبدالسلام الأرعنُ الأسمرُ الحُرُّ الطليقُ منذ ولادته وإلى الأبد .. وتلك حكاية أخرى ...
☆إشارات: ١_دي تيمورانغ: في بلداتنا ٢_الشهادة: الخامسة ابتدائي وكانت آمتحاناتها في سبعينيات القرن الماضي تشمل الشفهي(استظهار آيات من القرآن الكريم ومادةالقراءة بالعربية والفرنسية) والكتابي بمواد مختلفة متعددة ٣_تْهَلا : اعتن به _بَبَا: بترقيق الباء فهي عند النطق بها هنا غير مفخمة للنداء ونعت صفة الأبوة من لدن الأبناء، نقول بَبَا للأب ويَمَّا للأم ٤_الطَّالَبْ : تطلق على معلم الصبيان في المسيد وحافظ القرآن كاملا ٥_المْحَضْريا : المتعلمون حافظو القرآن ٦ _دِي تَْمزْڭِيدَا : الجامع ٧_ تَاخَرْبيشْتْ تاقْدِيمْتْ نتمورت نغ : ملحق قديم بالجامع مخصص لتعليم الصبية والفتيان
#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اَلزَّطْمَا
-
ضُبَاح
-
عَنِ آلْهِرَرَةِ وأشياء أخرى
-
خَرَجَ وَلَمْ يَعُدْ
-
رَذاذُ نِيسَانَ
-
اَلْحُوذِيُّ وَآلْحِصَانُ
-
ذُهَان
-
تَادَوْلَى(العودة)
-
عَطَبُ آلْوُجُودِ في قصيدة بَكيتُ عَلَى أَحِبّةٍ بَكوا عَلَي
...
-
سلااااام
-
ديستوبيا الحاضر
-
قَلَانِسُ نِيسَانَ
-
وَجَدْتُهَا
-
رَحِيقُ آلْجِبَالِ
-
تِيفْسَا
-
قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ
-
حُرَّةٌ هِيَ أمِّي هُناكَ
-
يا رُوحَهَا
-
مَرَاقِي آلْمَمَاتِ
-
بِيبِي عِيشَا مَاتَتْ
المزيد.....
-
ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية.. كيف يؤثر ذلك على المستهلك؟
-
تيم حسن بمسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
السيسي يهنئ أحمد الشرع على توليه رئاسة سوريا.. ماذا قال؟
-
-الثوب والغترة أو الشماغ-.. إلزام طلاب المدارس الثانوية السع
...
-
تظاهرات شعبية قبالة معبر رفح المصري
-
اختراق خطير تكشفه -واتساب-: برنامج قرصنة إسرائيلي استهدف هوا
...
-
البرلمان الألماني يرفض قانون الهجرة وسط جدلٍ سياسيٍ حاد
-
الرئيس المصري: نهنئ أحمد الشرع لتوليه رئاسة سوريا خلال الم
...
-
إسرائيل.. تخلي حماس عن السلاح أو الحرب
-
زكريا الزبيدي يتحدث لـRT عن ظروف اعتقاله
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|