|
تظاهرات بعثرت أوراق !!
حسام علي
الحوار المتمدن-العدد: 7579 - 2023 / 4 / 12 - 09:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يشكل اليمين المتطرف المتنامي مادة قابلة باستمرار لإشعال فتيل أزمات وتأجيجها لخدمة مخططات أو تنفيذ أجندات، وذلك من قبل كافة الاطراف التي ترى فيه، فرصة لإقامة تحالفات إقليمية أو دولية من شأنها أن تنمي وتطور حجم العلاقات القائمة على طبيعة السياسات الخارجية للدول الغارقة في وحل التواطؤات وانحدارها في مهاوي ترسيخ الأطماع والاستعمار لأوطان عدة، عربية واسلامية على وجه التحديد. وعلى حد قول ونستون تشرشل: ليس هناك في السياسة عدو دائم أو صديق دائم بل هناك مصالح دائمة. ايمانويل ماكرون على سبيل المثال حين أشار في خطاب له إلى أن مسلمي فرنسا، يمكن أن يشكلوا "مجتمعا مضادا"، إنما هو يكشف بصريح العبارة عن نواياه لمعالجة ما اعتبره هو، بأن الاسلام بات "مجتمعا موازيا" في فرنسا ولابد من وضعه عند الحدود المقررة، تماهياً مع التمدد اليميني المتطرف الذي نال تقريباً في عموم أوروبا مساحات واسعة أثرت بشكل وبآخر على تشكيل حكومات تتبع احزابا يمينية مثلما في السويد أو ايطاليا أو غيرها، ما يدعو للتساؤل حول أسباب هذا التمدد وتداعياته، وما سيلقيه من انعكاسات خطيرة ولاإنسانية تجاه شرائح مجتمعية تتبع أصول غير أوروبية، كمهاجرين شرعيين وغير شرعيين، ومنهم مسلمين على وجه التحديد، تحت ذرائع تنتمي الى توجهات دعاة التطرف الزاعمة بضرورة حماية حضارة أوروبا من الحضارات العالمية الاخرى. لذلك أصبح اليمين المتطرف عراب مشاريع الغرب الاوروبي والامريكي، مثلما هو في الارض المحتلة صار بمثابة عراب الحركات الصهيونية التي فرضت سيطرتها وأحكمت تنفيذ مخططاتها ضمن حملات التهجير والطرد أو الأسر والاغتيال للفلسطينيين، على غرار مشاريع الاستيطان المدعومة عالمياً، مادياً ومعنوياً على حد سواء. على هذا الأساس، نرى أن نتنياهو طالما راهن لتأمين سياساته وضمان بقائه برئاسة حكومة الاحتلال أطول مما سبق، خاصة بعد عودته اللامرغوب بها داخلياً وخارجياً، راهن على أحزاب اليمين المتطرف ممثلة بتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش، حزب "عظمة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير، حزب "الروح الصهيونية" برئاسة الوزيرة أيليت شاكيد التي كانت شريكة نفتالي بينيت في تأسيس حزب "يمينا" قبل تفككه واعتزال بينيت الحياة السياسية، كما أظهرت الوقائع السياسية خلال العشرين عاماً الماضية مدى تنامي تأثير اليمين المتطرف في حياة الكيان المحتل ومستقبل مسؤوليه. بطبيعة الحال، فأن سياسة نتنياهو إزاء العرب والمسلمين ليست بالجديدة، فالكيان المحتل سواء بزعامته أو بزعامات أخرى، قد سجل صفحات حافلة في معاداته للاسلام، إن كان العداء ظاهراً ضد فلسطين أو ايران أو العراق وسوريا ولبنان وغيرها من دول محور المقاومة، أو باطناً بصورة غير مباشرة، من خلال تواطؤات عربان الخليج أو بعض الدول العربية الاخرى في غرب اسيا أو شمال أفريقيا، قد شكلت تلك السياسة استهواءً وترحيباً كبيرين لدى اليمين المتطرف. خيرت فيلدرز مثلا، وهو النائب عن حزب "من أجل الحرية" الهولندي المعروف بعدائه الشديد للإسلام، وصف إسرائيل بـ "الكناري الذي يوجد وسط حقل من الفحم" و"خط الدفاع الأول للغرب ضد الإسلام"، وهو ما يُفسِّره عالِم الاجتماع الأميركي روجرز بروبيكر بالادعاء بإن اليهود يُعتبرون ضحية التهديد الإسلامي. هذا ويعد فيلدرز، واحدا من زعماء اليمين السياسي المتطرف في أوربا، الذين يناصبون الإسلام والمهاجرين المسلمين العداء، وقد كان مادة لعناوين العديد من الوسائل الإعلامية، على مدار الفترة الماضية، بسبب هجومه المتواصل على المهاجرين من المسلمين، ومعارضته الشديدة، لفكرة أن يكون الإسلام جزءا من ثقافة هولندا، وكان حزبه اليميني المتطرف، قد تعهد ضمن برنامجه الانتخابي، للفترة مابين عامي 2021 و2025 بإنشاء وزارة للهجرة وإعادة اللاجئين إلى بلادهم وما سماه بـــ"التطهير من الإسلام". وحسب مراقبين، فأنه من وجهة نظر حزب "عظمة يهودية" وحركة "كاخ"، التي ينحدر منها النائب المتطرف إيتمار بن غفير، فإن الشعب الفلسطيني يشكّل خطرا على إسرائيل كدولة يهودية "ما يوجب ترحيله بالقوة". وهو ما يعكس أيديولوجية عنصرية تتسم بالكراهية للفلسطينيين والعرب. وقد أفتى العديد من حاخامات "الصهيونية الدينية" بأن ما يجب أن تقترحه حكومة تل أبيب على الفلسطينيين هو "الرحيل عما أسموه بــ "أرض إسرائيل" أو الخضوع المطلق للحكم اليهودي، أو الحرب".، بل هو إخراج أو طرد علني لمسلمين وأمام مسامع العالم. ولو عرجنا من جديد واستشهدنا بمجريات الساسة الاوروبيين إزاء أزمات اللاجئين العرب والمسلمين، ودعوات هؤلاء الساسة الى مواجهة ما يسمونه بـــ "الخطر الاسلامي" في أوروبا، فسوف يتكشف لنا حجم الكراهية التي يضمرها الغرب للمسلمين وللاسلام بشكل عام. عليه، نجد أن أغلب حكومات القارة العجوز باتت تلجأ الى تضمين وصول اليمين المتطرف وتهيئة الأجواء له لتسنم زعامات سياسية وعلى وجه الخصوص، زعامة الكيان المحتل تحت رعاية "ولي العهد" نتنياهو. وعلى سبيل المثال، فإن مارين لوبين، زعيمة التجمع الوطني الفرنسي المعروف بتبني عدد من قياداته وأعضائه للأطروحة النازية، كانت لوبين قد دعت سنة 2014 الجالية اليهودية في فرنسا للتصويت لحزبها لأنه الوحيد القادر على مواجهة ذلك العدو المشترك (الاسلام) للمسيحيين واليهود على حدٍّ سواء. أما النائبة الألمانية عن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بياتريكس فون شتورش فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما اعتبرت أن "معاداة السامية" تزداد في ألمانيا بسبب المهاجرين المسلمين الذين يقصدون أوروبا. لهذا، فأن فوز بنيامين نتانياهو وحلفائه من اليمين المتطرف في الانتخابات وعودته إلى السلطة، تسبب في إحداث قلق سياسي واستراتيجي من جانب مخططاته المعلنة وغير المعلنة في فلسطين المحتلة، ومن جانب تنفيذ الاجندات المتبقية لإكمال مخططات التطبيع مع خونة الامة، ما يعني زيادة في التصعيد وزيادة في احتمالات المواجهة التي بقدر ما راهن عليها نتنياهو، بقدر ما وضعت معارضي نتنياهو من سياسيين ودينيين في موقف حرج وخطير إزاء توقعاتهم لحجم ردود أفعال محور المقاومة تجاه أية حماقة مستقبلية، عسكرية أو غير عسكرية قد يقترفها الكيان المحتل. هذان القلقان، من جانب معارضي نتنياهو متأتٍ من إصرار الاحزاب اليمينية المتطرفة في الحد من أو بالأحرى منع المواطنين الفلسطينيين منعاً باتاً من التمتع مستقبلاً وأبداً من أي حق مم تبقى من حقوق المواطنة التي هدرت أغلبها على يد المحتل. نذكر منها مثلاً الحق في رفع دعوى لاستعادة حقوقهم فيما يتعلق بهدم منازلهم من قبل البلديات وعمليات التهجير، أو منع ملاحقة الجنود الصهاينة الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين، وهذا معناه، أن حدة المواجهة سوف تزداد خطورة على المستوطنين يوماً بعد يوم. لِم لا وإن زيادة المستوطنات حتى تحقيق أحلام المتطرفين وأملهم بالاحتلال الكامل للضفة الغربية وتهويد القدس وطرد المجتمع الفلسطيني من الأراضي المحتلة، صارت هي عناوين بارزة كحل نهائي للقضايا الأمنية التي يطالب بها اليمين المتطرف. وهي بذات الوقت ستضاف الى عناوين الصدامات التي تتشكل بين الحين والاخر وتأخذ أطراً حادة وعنيفة من الممارسات العنصرية التي طالما أساءت للاسلام خاصة في أوروبا، كالرسوم المسيئة للرسول محمد (ص)، وقضايا تجريم الحجاب في فرنسا، ومسألة حظر المآذن في سويسرا، ودعوات الحد من الهجرة للمسلمين في ألمانيا، وهو ما يمكن ملاحظته بالفعل في بعض التصريحات والشعارات لأحزاب أقصى اليمين الأوروبي المتطرف. لا بل أن أبرز تلك الشعارات ما نجده عند الحزب النمساوي اليميني الذي وصف الإسلام بأنه العدو الأول للأمة النمساوية وأوروبا والعالم أجمع، وكذلك نظيره الدنماركي الذي طالما حذّر من خطر الإسلام على الحضارة الغربية بوجه عام، وعلى رأس الجميع يأتي حزب الجبهة الوطنية الفرنسية الذي اتخذ من الإسلاموفوبيا منهجا دعائيا في حملاته الانتخابية على يد "ماري لوبان". كذلك تصريح "أومبرثو بوسي" زعيم حزب ليقانورد الإيطالي الذي وصف الإسلام بأنه أكبر تهديد للثقافة الأوروبية، و"ثيلو سارازين" ممثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني الذي اعتبر المهاجرين المسلمين سببا في إفقار بلاده وجعل مواطنيها أكثر غباء لأنهم على حد قوله، أقل ذكاء -جينيا- من الألمان. ولا يمكن للعالم ان ينسى أو يتناسى، هول العداء الذي مارسه اليمين المتطرف ضد المسلمين والذي تمثل في الاعتداء الاشهر حين قام به الارهابي المتطرف اليميني بقتل أكثر من خمسين مصلياً في مسجدين في نيوزيلندا، الأمر الذي علّقت عليه "نيويورك تايمز" بأنه أحدث دليل على تنامي أيديولوجية اليمين المتطرف في الغرب، وأن كل مَن ساعد على ترويج ونشر أسطورة أن المسلمين يُمثِّلون تهديدا عالميا فإن أيديهم ملطخة بالدماء، على حسب تعبيرها. باختصار، إن صعود اليمين المتطرف في الكيان المحتل الى قمة السلطة، قد رافقه خطابات ارهابية من زعيم المتطرفين أمثال أتمار بن غفير وقادة المستوطنين، المحرضة على كراهية المسلمين والعرب وهي تشكل مادة، هي الاخرى ستكون دسمة للغاية، ودافعاً فعالاً، لدى دول محور المقاومة، للمواجهة والتصدي، وهذا ما كشفته المواجهات الأخيرة بين طرفي المعادلة، ناهيك عما ستؤول إليه الأمور الى الأسوأ، داخلياً، إسرائيلياً، بعد تفاقم أزمة التظاهرات التي رفع خلالها المتظاهرون، ولا يزالون، شعارات تتهم بها نتنياهو ومن معه من حلفاء اليمين المتطرف والعنصريين والمتدينين المتشددين، تظاهرات سوف تبعثر الأوراق رغم التنازلات التي أقدم عليها نتنياهو لتلافي ما يمكن تلافيه، عبثاً.
#حسام_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أساليب التعبير القرآني في مواجهة السنن الجاهلية -3
-
أساليب التعبير القرآني في مواجهة السنن الجاهلية -2
-
أساليب التعبير القرآني في مواجهة السنن الجاهلية -1
-
نفي الشيخ مهدي الخالصي
-
دولة قطر.. والمونديال الأشم
-
يمكن للحيوان أن يثبت حيوانيته، لكن هل يمكن لكل إنسان أن يثبت
...
-
صناعة الفقراء !!
-
جريدة الاستقلال أول جريدة بغدادية معارضة
-
فن التهميش في المجتمعات العربية
-
جائحة الشاف ما شاف
-
بغداد.. يا جبهة الشمس للوجود
-
لماذا هرب الفيل من العراق؟
-
أفكار خارج شرنقة
-
شيء من التأريخ
-
الشك واللاأدرية
-
أمريكا وخيانات العرب
-
الجهل وانحدار الحضارات..
-
اليابان.. أمة لا تنام، العراق.. أمة تريد أن تنام
-
إنسان الغرب لا يبيع عالم الدنيا بطموح عالم الآخرة
-
أفول عقول..
المزيد.....
-
إدارة بايدن تسمح للمقاولين العسكريين الأمريكيين بالانتشار في
...
-
بايدن يعلق على أحداث أمستردام
-
روسيا تؤكد استعدادها لنقل 80 ألف طن من وقود الديزل إلى كوبا
...
-
رئيس الوزراء اليوناني يقدم مقترحات للاتحاد الأوروبي من أجل ا
...
-
رويترز: البنتاغون يسمح بتواجد متعاقدين عسكريين في أوكرانيا ل
...
-
الناتو يزعم أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يمس الأمن ا
...
-
إيران: مقتل 4 -إرهابيين- وجندي في عملية في سيستان وبلوشستان
...
-
قضيّة الوثائق السرية المسربة: مستشارة الحكومة الإسرائيلية تو
...
-
تواصل التنديدات الدولية بالهجمات على مشجعين إسرائيليين في أم
...
-
القضاء الأمريكي يوجه الاتهام لإيراني بالتخطيط لاغتيال ترامب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|